fbpx

عن عودة نظام السارين و”فخر” أوباما 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق باراك أوباما، في 20 آب/ أغسطس 2012، قائلاً إن استعمال النظام السوري الأسلحة الكيمياوية هو “خط أحمر”. بدا أوباما حينها كمن يرسم للأسد حدود  القتل المتاح وكيفيته، وفي مقاربة تبدت حينها معياراً للسقوط السياسي والأخلاقي.

  يوم 21 آب 2013، أي بعد عام من تصريحه المذكور، كانت الغوطة الشرقية في ريف العاصمة السورية دمشق، اختباراً حقيقياً  لذلك الحد المتاح  الذي وضعه أوباما لمجازر النظام السوري.

 فعلها بشار الأسد.  قُصفت الغوطة بغاز السارين. مئات السوريين، وبينهم أطفال ونساء، ماتوا اختناقاً. والعالم حبس أنفاسه بانتظار ما سيؤول إليه تصريح أوباما.

  في عام 2017، نشرت مجلة “أتلانتك” حديثاً لباراك أوباما عبّر فيه عن عدم ندمه، وفخره بقرار عدم ضرب سوريا، لأن ذلك كان سيكلفه ثمناً سياسياً باهظاً، مؤكداً أن القرار كان صائباً، وحسب ما تقتضيه مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

  بين  مجزرة الغوطة في العام 2013، وفخر أوباما في العام 2017، استحال الخط الأحمر للأخير أخضر، وأتاح للأسد مساراً من العنف المفرط بحق الشعب السوري، ووفر له ولحلفائه الانتصار العسكري.

    ترافق إحجام أوباما عن الضربة العسكرية مع عزلة عربية ودولية  لبشار الأسد، وتجميد عضوية نظامه في الجامعة العربية، ثم في توغل عربي- خليجي- تركي، من خلال الاستثمار في الفصائل التي غيرت وجه الثورة السورية.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

  في 17 حزيران/ يونيو من عام 2020، دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ، قانون وضعته الإدارة الأميركية لعزل النظام السوري مالياً واقتصادياً، وحرمانه من استثمار النصر العسكري سياسياً. 

  بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

  التمعن في مآل القانون المذكور يشي بأمرين. الأول، أن مآلاته انسحبت كتكثيف لبؤس السوريين أكثر بكثير من انعكاسها على نظام هو مؤسس لبؤسهم. الأمر الثاني أن الأسد، ومنذ “صك الغفران” الذي تلا مجزرة الغوطة، يعيش على رهان واقعي لحدود التصرف الأميركي، ويكثف ذلك الرهان وجود روسيا وإيران العسكري. لا شك في أن الأخيرتين منحتا النظام السوري مناعة السقوط ، ومناعة حقيقية لحدود التدخل الأميركي في سوريا. وغالب الظن، أن حديث أوباما لمجلة “أتلانتك” يندرج في هذا السياق.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

    راهناً، يشي التطبيع العربي مع النظام السوري باختلال أحد مكتسبات “قانون قيصر”. بشار الأسد يستثمر سياسياً بالنصر العسكري، وهذه المرة باندفاع عربي أكثر مما هو رغبة سورية، إذ عبّر بشار الأسد ووزير خارجية نظامه فيصل المقداد عن “التعفف” عنها على وقع التباين العربي من دعوة سوريا إلى قمة الرياض العربية في 19 أيار الحالي.

   نحن أمام اختلال يفضي إلى مفارقة كان النظام السوري أكثر المحظوظين بسببها.

  تُحجِم الولايات المتحدة الأميركية حين يُقدِم العرب . وتُقدم حين يُحجمون. فكيف الحال وهم يندفعون راهناً نحو نظام استعصى على عقوبات  تشاركتها الإدارة الأميركية مع غالبية الأنظمة العربية؟ وهو ما يستدرج سؤالاً جوهرياً عن مآل أي عقوبات جديدة قد يفضي إليها مشروع القانون الذي يسعى إليه مشرعون أميركيون للجم الاندفاعة العربية للتطبيع مع النظام السوري.

   صارت لحظة سقوط بشار الأسد من الماضي. وغالب الظن أن رهاناً أميركياً على “فرملة” التطبيع العربي معه يعني سياقاً آخر، مختلفاً عن السياق الأميركي الذي يُستحضر راهناً. إنه سياق عربي تتدافع إليه أنظمة عربية بالتلازم مع سياق متسارع لعلاقاتها مع إيران.

   شكلت إيران ماضياً، تقاطعاً أميركياً-عربياً لاستراتيجيّة بدأتها الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد بيل كلينتون،  استراتيجيّة قائمة على العزل بينها وبين النظام السوري، وورثها العرب بنظرية احتواء الأخير.

    سقوط الفكرتين ماضياً وراهناً، هو استعصاء آخر أمام السياسة الأميركية تجاه نظام يبدو في لحظته الراهنة كحال النظام المصري بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل. 

 حين سُئِلَ الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عن شعوره بعودة مصر إلى الجامعة العربية بعد قمة عمان عام 1987، قال: “لم تعد مصر إلى العالم العربي، العالم العربي هو من عاد إلى مصر”.

   كانت عضوية مصر في الجامعة العربية قد جُمدت في قمة الرباط عام 1978، بعد زيارة الرئيس السادات إسرائيل. عبارة مبارك، وبالمآل الذي سلكه كثر من العرب بعد مؤتمر مدريد 1992، بددت كل احتمال عن عدم واقعيتها. كل سلام مع إسرائيل بدا حينها عودة إلى مصر.

  راهناً، تعود سوريا إلى الجامعة العربية، والأنظمة التي سوّقت لفكرة العزل بين نظامها وبين إيران تردم فكرتها على إيقاع علاقاتها المتسارعة مع الأخيرة،  وعلى إيقاع آخر بدا في نجاعته موازياً لإيقاع الحرب والسياسة: الكبتاغون!.

  غالب الظن، أن في نفس بشار الأسد راهناً ما قاله حسني مبارك قبل عقدين ونصف العقد من السنوات.