fbpx

بين مؤيدين ومعارضين للقمة العربية… السوريون جائعون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فرض النظام السوري على السوريين خلال أربعة عقود رؤية محددة للسياسة، تدور في فلك العائلة الحاكمة وتقديسها وتبجيل مقاومتها للخطر “الصهيوني” والغربي، وجاءت الثورة السورية كوقت مستقطع قال فيه السوريون رأياً سياسياً مختلفاً عما أراده النظام وعوقبوا عليه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سألتني والدتي ما فائدة الجامعة العربية؟ كانت قد سمعت من نشرات الأخبار عن اجتماع القمة العربية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنها لم تستطع إدراك أهمية ما يحدث أو فائدته، مجرد رؤساء يجتمعون في قاعة فارهة ويلقون خطبهم الواحد تلو الآخر.

 أجبتها أن الجامعة لم تُحدث أي فرق حقيقي على أرض الواقع، لم تحسن حياة الشعوب العربية ولا فائدة ملموسة منها، لم تفعل شيئاً سوى جمع الرؤساء، أو كما قال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي: “لا شيء يجمعنا سوى هذه القاعة”. كانت سخريته هذه خلال القمة العربية التي انعقدت في سوريا عام 2008.

 لم تقتنع والدتي بالإجابة، فكيف يمكن لحدث بهذا الحجم، أن يكون مجرد فرصة لاجتماع القادة العرب والتأكيد على “مبادئ وأولويات” ساذجة كالعروبة والانتماء.

القمة العربية لا تفيد السوريين بشيء

“صاحبنا راح ع القمة، بكون أخدلن بإيدو حشيش”، يقول سائق سيارة الأجرة وسط دمشق ثم يضحك بصوتٍ عالٍ. يمثّل سائق التاكسي شريحة واسعة من السوريين في الداخل، الساخرين من عودة سوريا إلى الجامعة العربية. الحدث غير مهم في نظر جميع من التقاهم “درج”، إذ يتساءلون بصدق: “وبعدين؟ وشو رح نستفاد؟. ويبدو السؤال محقاً لأناس يعيشون بأقل من المتاح ويصارعون الانهيار الاقتصادي، بعضهم نازح داخل بلاده وبعضهم لاجئ في بلاد العالم، وعائلات بأكملها تنتظر أبناءها المعتقلين.

استقبل السوريون في الداخل أخبار القمة العربية، التي انعقدت في 19 أيار/ مايو المنصرم، بكثير من الريبة وعدم الاكتراث، وبعد أكثر من عقد من الزمن تلاشى أملهم وحلت مكانه اللامبالاة. يقول عمر (اسم مستعار): “أمور السياسة نحنا براتا، هنن بدن نكون براتا، ليش ايمت تعاملت معنا الحكومة كأننا موجودين!”، مشكلة عمر كما أغلب السوريين، هي في محاولةُ جعل النظام عودته إلى القمة انتصاراً، “كيف يمكن أن يكون انتصاراً والجوع يفتك بالسوريين”، يختم عمر. 

فرض النظام السوري على السوريين خلال أربعة عقود رؤية محددة للسياسة، تدور في فلك العائلة الحاكمة وتقديسها وتبجيل مقاومتها للخطر “الصهيوني” والغربي، وجاءت الثورة السورية كوقت مستقطع قال فيه السوريون رأياً سياسياً مختلفاً عما أراده النظام وعوقبوا عليه، يدرك سوريو الداخل أن الحديث عن السياسة لا طائل منه، ليس بسبب الواقع السيئ بل لأنهم جربوا عقوبة أن يمتلكوا رأياً سياسياً، لذلك استخدم من تحدثنا معهم جملاً مقتضبة، وفضّل كثيرون عدم التحدث، لماذا يجب التحدث في أمور لا تعنيهم! في جميع الأحوال لا يمكن أن تسأل سورياً عن رأي سياسي من دون أن يشعر بالتهديد والخوف، حتى الحديث عن القمة العربية بدا كتحدٍّ لكثيرين، وكأن ما يحدث يحصل على كوكب آخر.

ما بعد القمة كما ما قبلها

لم يعلم بعض السوريين أن هناك قمة عربية، ولم يدركوا أن رئيسهم مدعو إلى القمة إلا في يوم انعقاد القمة، ليس جهلاً في السياسة، إنما لغياب الظروف الإنسانية لمتابعة السياسة، وبينما كان الأسد يستعد للقمة العربية، كانت إحدى المحطات التابعة للحكومة، تجري استطلاع رأي عن المبلغ الذي تحتاجه الأسرة السورية لتناول طعام الفطور، وكان متوسط الإجابات نحو 25 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب ربع الراتب الشهري لموظف حكومي. وهكذا، الجوع مقابل عودة الأسد الى الجامعة العربية.

في المقابل، ما زال المؤيدون ينتظرون التغيير الذي سيحدثه الأسد في حياتهم، مؤمنين بأن ما حصل خلال السنوات الماضية “مؤامرة”، “ما بفهم كيف واحد ولادو جوعانين وبعدو مصدق الأسد، لا وبيدعموا!”، يقول عمر. لا يفهم عمر وغيره من السوريين لما يجب مدح الأسد أو التهليل لعودة سوريا الى القمة العربية، بينما الواقع المظلم يحاصر الناس من كل جانب؟!

“أعتقد أن المؤيدين يخشون تصديق أن نظامهم لا يكترث بهم وأن آراءهم لا تعنيه”، تقول سارة (اسم مستعار)، التي تعيش اليوم في دمشق وتكاد تقتلها فكرة دفاع المؤيدين المستميت عن الأسد، تؤكد أن بعضهم جائعون ولا يملكون ثمن ثياب لأطفالهم، لكنهم مصرّون على أن الأسد لا حيلة له ولا قوة في كل ما جرى.

“هل هناك أمل بعد القمة العربية؟”، تتابع سارة الطالبة الجامعية: “من يصدق أن نظام الأسد يكترث للسوريين؟ لو أتيحت لهذا النظام فرصةُ قتل ما تبقى من السوريين سيفعلها، لكنه منشغل الآن بالقمة العربية وبخطاب استمر خمس دقائق، ولن يتغير شيئاً بعد هذه القمة”.

“لم أستطع إكمال اجتماع القمة”

عن متابعة السوريين القمة العربية، قالت عبير وهي ربة منزل (اسم مستعار): “شخصياً، لم أستطع إكمال مشاهدة اجتماع القمة، لغته بشعة وتذكرني بمواضيع التعبير والقومية في المدارس والشعارات ذاتها، تبع حافظ مش فاهم”. لكن الإذاعات السورية المؤيدة، أدت دورها على أكمل وجه، فنقلت إذاعات مثل “سما” و”الإخبارية”، خطاب الأسد عشرات المرات، أُتخِم السوريون من قوالب الوطنية الجاهزة، لا يختلف خطاب الأسد عن الخطابات التي كان السوريون يسمعونها في المدارس قبل عقدين وثلاثة، أو في الأعياد الوطنية، لا يختلف عن كل خطاباته التي ألقاها خلال الثورة أو بعد انتخابه “المستحق”، إنه الخطاب ذاته من فم الشخص ذاته، لكن في أماكن وتواريخ مختلفة.

يعوّل بعض السوريون على عودة سوريا إلى الحضن العربي، وبخاصة بسبب الدور الذي لعبته الإمارات العربية في هذه العودة، لكن الأمر بالنسبة الى هؤلاء هو في أمل النجاة ليس في أمل التغيير، إذ إن العمل في الخليج ما زال حلماً لكثر من الشباب السوريين الذين يجدون في السوق الإماراتية فرصتهم الذهبية، بينما يعيش المؤيدون وهم التغيير، من خلال استثمار دول الخليج في سوريا. 

وهم الحضور الخليجي في سوريا، يدعو البعض الى التفائل، يقول سمير (اسم مستعار): “يأمل كثر من السوريين، وبخاصة الشباب، بالعمل في الإمارات، وللأسف تذهب أحلام البعض إلى مكان أبعد، يصدقون أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا قد تشبه مثيلاتها في الخليج، لكن هذا ما لن يحصل”. الحالمون من المؤيدين يريدون أن تكون كلٌّ من الإمارات والسعودية طوق النجاة، لكن وبعدما فشل الأسد في إنقاذ اقتصاد البلاد، هل ستفعل السعودية والإمارات ذلك؟ يقول عامر (اسم مستعار): “مؤتمر عربي، مؤتمر بطيخي… بدي سافر بدي سافر”.

لا مكان للسياسة في حياة السوريين اليوم، بسبب انشغالهم في الجري خلف لقمة عيشهم، ولأنهم يمشون على المثل القائل “ابعد عن الشر وغنيله”، والابتعاد من شر الأسد هو أفضل ما قد تفعله في بلد الديكتاتور.