fbpx

غادة والي… سرقات برجوازيّة مع سبق الجهل والترصّد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما بحث عنه المصريون هنا، شيء لا يهتم بحقوق الملكية الفكرية، أو المعاني التقليدية للخطاب الوطني، بل بالبحث عن العدل، إدانة الظالم المتبجح، ومساندة الضعيف الذي قرر في لحظة ما أن يتخطى حصار الظلم والفقر بحل غير تقليدي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حدثان متزامنان شغلا مصر في الوقت ذاته، أولهما اتهام مصممة الغرافيك غادة والي بالسرقة للمرة الثانية ( خلال أقل من عام) من الفنان الروسي غريغوري كوراسوف، أما الثاني فكان هرب لاعب المصارعة الشاب أحمد فؤاد بغدودة إلى فرنسا واختفاءه، بعد فوزه بالميدالية الفضية في بطولة إفريقيا في تونس.

غادة والي من “إيجيبت” وبغدودة” من “مصر” عالمان منفصلان، بينهما هوة متسعة، و” إيجيبت ” هي التسمية الدارجة التي اكتسبت زخماً لدى المصريين في رمضان الماضي بعد عرض مسلسل “الهرشة السابعة” الذي يعرض مشكلات بحسبهم تنتمي الى مصر أخرى لا يعرفونها.

على رغم المبالغة في استخدام ذلك التعبير في المسلسل، إلا أن انتشاره والتمسك به، يؤكدان أنهم أمسكوا التعبير الملائم لما يشعرون به تجاه ” إيجيبت” وناسها الذين يحظون بامتيازات تجعل حياتهم أسهل وصعودهم الاجتماعي مضموناً، بسبب ما حظوا به من فرص تعليم جيد بسبب ثراء عائلاتهم، وقدرتهم على الانخراط في مشاريع تدر عليهم الأرباح برأس مال مجهز سلفاً، ومن دون ضغوط الخسارة التي تضع كل شيء على المحك، فضلاً عن استخدامهم شبكة نفوذ واسعة تعتمد على المصاهرات الاجتماعية بين عائلات ” إيجيبت” وتداخل تلك القرابات الاجتماعية بين دوائر السلطة.

نموذج غادة والي حظي بكل شيء: التعليم، القرابات الاجتماعية، مساندة لا محدودة من دوائر السلطة، فغادة من “طبقة إيجيبت”، وهي من مواليد 1990 خريجة الجامعة الألمانية، إحدى أغلى الجامعات في مصر، والدها مهندس معماري، تخرجت في قسم تصميم الغرافيك عام 2011، ثم درست في جامعة فلورنسا في إيطاليا، اختارتها مجلة “فوربس” العالمية لتكون من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم تحت سن الثلاثين لعام 2017، وهي أصغر متحدثة عربية في Ted Global. لا شيء يعيب في هذا، بل العكس، لا يضر أحداً أن يكون ” ابن ناس” بالمعنى الدارج لدينا، وأن يكون قد تعلم تعليماً جيداً، والذي لم تكن لتحظى به لو كانت من طبقة “مصر”.

لكن عند لحظة الاختبار الحقيقية، كشفت عن ضحالة ما تملكه، الذي لم يتعدَّ مجرد استخدام اللغة الإنكليزية، كل تلك المزايا لم تصنع منها فنانة جيدة، بل سارقة جيدة، لقد فعلتها بفجاجة (الكوبي بيست).

أما بغدودة، فهو فقير يعمل والده سائق توك توك، والذي ردّ على اتهامات وُجهت لابنه بالهرب، قائلاً إن السبب هو المعاملة المجحفة التي تلقاها من الاتحاد، وراتبه الذي لم يزد عن 2200 جنيه مصري شهرياً، والضغوط التي تعرض كي يصبح بطلاً في اللعبة رغم قلة الإمكانات المادية، فهو لم يكن يملك ثمن حذائه، وكان يستعير أحذية زملائه للعب، فضلاً عن المبلغ الضئيل الذي كان يتقاضاه كراتب شهري، إذ كان من المفترض أن يحصل على مبلغ 16 ألف جنيه من اتحاد المصارعة منذ عام، ولكنه فوجئ بحسم 14800 جنيه ضرائب، وحصل على 1200 جنيه فقط”.

بغدودة يحمل موهبة حقيقية، نجح في الحصول على عدد من الميداليات في لعبته، كان آخرها الميدالية الفضية في تونس، رغم أنه كان مصاباً وتحامل على نفسه للفوز.

غادة والي من “إيجيبت” وبغدودة” من “مصر” عالمان منفصلان، بينهما هوة متسعة

بغض النظر عن موهبة أحمد اللافتة من عدمها، تظل المسألة لها علاقة بشاب فقير يكافح ظروفه، لكنه لا يحصل على التسهيلات التي توافرت لغادة للحصول على ملايين بالأمر المباشر من السلطة، ثم الحصول على فرصة تصميم إعلانات لشركة مياه غازية كبرى(بيبسي).

حظيت غادة والي بفرصة دفاع عن نفسها من خلال الظهور في واحد من البرامج الأكثر شعبية، وهو برنامج “الحكاية” لعمرو أديب المعروف بقدرته على تسويغ أي فكرة. فيما حرصت الجهات الأمنية في مصر، من خلال صحفها ومواقعها، أن تطلق على أحمد لقب “الهارب”، بكل ما يحمله الاسم من أصداء “الخيانة”. أما غادة فتمسكت بدفاعها عن نفسها، باستدعاء كلمات كالمؤامرة على مصر، والخطاب الفارغ للوطنية. وعندما طلب موقع “فيتو” التابع لإحدى الجهات الأمنية من جمهوره أن يوجه رسالة الى ” هارب”، كانت المفاجأة أن غالبية التعليقات التي تجاوزت الألفين، كانت متضامنة مع اللاعب، فيما تم اتهام غادة والي بوضوح، وفشل عمرو أديب في مساندة تلك الضحالة للنهاية، فنجا بنفسه وضحى بها وقرر حصارها.

المثير للتساؤل أيضاً، أن ينتج التعليم الجيد وتوافر الفرص كلها، ذلك المستوى الضحل الذي كشفته ردودها في برنامج عمرو أديب على واقعة السرقة، فحتى الأخير المعروف بقدرته على تسويغ كل شيء، لم يتمكن من الدفاع، وجعلتها ردودها التي تنم عن جهل فن عميق بأبسط التعريفات الفنية التي تحدثت عنها كالتكعيبية لبيكاسو، وكان الحوار كوميديا  غير معروفة السبب: الجهل أم جرأة من سرق عشرات المرات وأفلت بفعلته. هذا مثلاً مقتطف من الحوار يعبّر عما فيه:

غادة والي: الموتيفة اللي الفنان الروسي مستخدمها سارقها من بيكاسو.

عمرو أديب: يبقوا إنتوا الاتنين سارقين من بيكاسو؟

غادة والي: بالضبط.

ما بحث عنه المصريون هنا، شيء لا يهتم بحقوق الملكية الفكرية، أو المعاني التقليدية للخطاب الوطني، بل بالبحث عن العدل، إدانة الظالم المتبجح، ومساندة الضعيف الذي قرر في لحظة ما أن يتخطى حصار الظلم والفقر بحل غير تقليدي.

على الأقل، لم يتّخذ بغدودة خيار عبد الحميد شتا، في 2003، والذي يعرف في مصر باسم شهيد الطبقية، وهو طالب متفوق حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد والعلوم السياسية، رفضت وزارة الخارجية تعيينه كملحق تجاري لها؛ لأنه غير لائق اجتماعياً، فرمى بنفسه من النيل. وهي الفترة التي شهدت بدايات صعود نجم جمال مبارك في الساحة السياسية وبداية تحوّل مصر إلى سياسات نيو ليبرالية، جاء النظام ليجعلها أكثر شراسة وصرامة، وسرّع من وتيرتها بعنف.

بحسب تقرير الصحافي محمد الجارحي، فإن صعود غادة والي حدث بمباركة من الدولة، والتي أُسندت لها على الهواء مباشرة في خطاب رئيس الدولة نفسه، مشاريع بالأمر المباشر، مشاريع قومية، كمشروع الهوية البصرية للأقصر، والذي اتضح أنه مسروق بدوره، إذ أعلن رئيس الجامعة الألمانية أن المشروع بدأ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، وشارك فيه أكثر من 300 خبير مصري وألماني وحوالى 500 طالب بالمراحل الدراسية المتقدمة، هذا المجهود كله نسبته غادة والي لنفسها، ووضعته على موقع شركتها الإلكتروني من دون أي إشارة الى الجامعة أو الى زملائها المشاركين فيه.

تعجبت غادة والي في الحوار مع عمرو أديب من لجوء الفنان الروسي إلى القضاء الأميركي بدلاً من المصري، أي منظومة قضائية تعرف كيف تتعامل معها وقادرة على إنهاء أي تحقيق في مهده، وهو ما حدث فعلاً، إذ اعترفت غادة في البرنامج بأن الفنان الروسي لجأ في البداية بالفعل الى القضاء المصري، لكن قضيته لم تتحرك، وهو ما أوردته لتأكيد نظرية المؤامرة، التي كررتها من قبل في بيان أوردته في شركتها، وعلى لسان محاميها، الذي قال في البرنامج نفسه إنهم تأخروا في الرد لأسباب شبه سياسية – وفق تعبيره، مشيراً إلى أنّ الاتهام ملفق تلفيقاً محكماً. وأضاف أنّ الرئيس عبدالفتاح السيسي كرمها مرتين في مؤتمر الشباب، وكلفها بتنفيذ مشروع الهوية البصرية للأقصر، معتبراً ما حدث مع غادة والي أنه مؤامرة ضد الفن المصري، وأن واقعة مترو الأنفاق غير حقيقية، وهدفها إهانة الفنان المصري “لدى مصر ثلثا آثار العالم… هل غادة تنتظر لوحة من بره مصر وتسرقها.. الفنان ده هو اللي سارق تصميمات من آثارنا الفرعونية يعني هو (الفنان الروسي) دخل المترو وشاف الصورة… ده عمره ما دخل مصر… دي مؤامرة من سنة 2013”.

وأشار إلى أنّ الهدف من هذه الاتهامات هو هدم غادة والي؛ نظراً الى تشابه اسمها مع عائلة وإلي، وأن “الهدف كان إقالة غادة والي (وزيرة التضامن السابقة) بسبب موقفها من جماعة الإخوان، ولإقالة عصام والي (رئيس الهيئة القومية للأنفاق السابق)، مناشداً الرئيس عبد الفتاح السيسي ببحث هذا الأمر”.

واعتبر المحامي عادل عبد الحميد أن هيئة الأنفاق أخطأت عندما أزالت صور اللوحات من محطات المترو في 2018 (عندما وُجِّه الاتهام الأول الى غادة والي)، مؤكدا ًأن التحقيقات ستُظهر قريباً ما سماه “خطأ” الهيئة.

كلام المحامي كان مجرد تمهيد لما طالبت به غادة والي في حوارها مع عمرو أديب، أي محاكمة الفنان الروسي بتهمة إهانة الدولة المصرية، وتطبيق مادة الشائعات الكاذبة وتكدير السلم العام عليه.

في تصريحات لجريدة المصري اليوم، قال الفنان الروسي كوراسوف إن” هناك حالتين تم انتحال لوحاتي فيها، واحدة تخص محطة المترو، والحالة الثانية حملة دعائية خاصة بمشروب غازي، حيث تم استخدام جزء من إحدى لوحاتي رقم 225 Chess / 2015، وفي الحالتين لم يُطلب مني إذن مسبق لاستخدام تلك الأعمال، وما اكتشفته أن الحملة الدعائية للمشروب الغازي كانت في عام 2018، حيث استخدمت بالفعل جزءاً من لوحاتي، لكن أحداً لم يلاحظ الأمر، لذا تكرر الأمر ثانية بعدها من خلال استخدام 4 من لوحاتي لمحطة المترو”.

وحول كيفية معرفته بأمر رسوماته التي يزعم انتحالها، أوضح: “عرفت عن الحالتين من خلال بعض المصريين المهتمين بالأعمال الفنية التي أرسمها، سواء في حالة المترو  أو حالة المشروب، مواطنون مصريون كتبوا لي عبر حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي”، وأكد أنه اتخذ إجراءات قانونية داخل مصر.

وبشأن ما انتهت إليه الأزمة السابقة مع غادة والي، قال: “حتى هذه اللحظة، لا يزال يتم تداول الأمر داخل ساحات القضاء المصري، من خلال ممثلي القانوني في مصر، والذي من خلال المتابعة معه يؤكد أن الأمر ما زال قيد النظر، لكن هناك خطوة للأمام في التحقيقات، إذ نجح الفريق القانوني في إثبات انتحال إحدى لوحاتي” ،ونفى الفنان الروسي وجود تواصل بينه وبين الفنانة غادة والي أو شركتها.

وعن البيان الذي نشرته شركة غادة والي، قال: “شاهدت بيان الفنانة بالفعل، تؤكد فيه أنها رسمت كل شيء بيديها، وهذه أيضاً كذبة أخرى على الأقل لأنها لم ترسم بيديها، ولكنها لجأت إلى استخدام برنامج تعديل الصور المعروف “فوتوشوب”، ومن الأفضل لها أن تلتزم الصمت! وللمناسبة، في قضية المترو، أدلت أيضاً ببيان بأنها لم تنتحل شيئاً”.

في بدايات حكم الدولة الجديدة، وكما عمدت غادة والي في مؤتمر للشباب بحضور رئيسها، شهدنا صعوداً مماثلاً بمباركة الدولة، للواء إبراهيم عبد العاطي، أو عبد العاطي كفتة الذي أقنع قيادات الدولة بقدرته على علاج فيروس الإيدز بجهاز عرُف إعلامياً بجهاز الكفتة، ولم يحاسبه أحد، كما لن يحاسب أحد غادة والي.

وبعدما أكدت أن ما حدث من غادة تجاه الفنان الروسي هو استنساخ صريح لأعماله، تساءلت صفية القباني، نقيبة الفنانين التشكيليين، حول سبب إسناد مشروع قومي على مرأى العالم ومسمعه، الى غادة، وهي ليست فنانة جداريات، وذلك من دون الرجوع إلى أرباب الفن وهم كثيرون، من بينهم من صمموا جداريات الخطوط الأولى من مترو الأنفاق والخط الثالث، وهو فنانون كبار وشباب ما زالوا على قيد الحياة، من خريجي كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، على سبيل المثال لا الحصر، الفنان محمد بنوي، الحاصل على جائزة في بينالي فينيسيا،، وعشرات من فناني التصوير الجداري الشباب، وأساتذة قسم الديكور  والعمارة الداخلية والفنون التعبيرية كالدكتور محمد مكاوي، والدكتور طاهر عبد العظيم، الذي شارك في تصميمات محطات مترو الأنفاق الثالث.

وكان سامي رافع الذي توفي عام 2019، قد صمّم 19 تصميماً متمايزاً لجداريات محطات مترو الأنفاق بالخطين الأول والثاني، بينهما محطة الأوبرا، وكان همه أن تعبر كل جدارية عن “شخصية المحطة والمنطقة المحيطة بها”، وألا يتكرر الشكل الفني لكل واحدة، وإلا فإن مهمته تُعتبر قد فشلت.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.