fbpx

“إمامة البطل”… إردوغان زعيم الإحباط السنّي في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعاني طيف كبير من سنة لبنان من حاجة ملحّة لراعٍ إقليمي، يخرجهم من حالة الإحباط وعدم القدرة على التأثير. هذه الحاجة التي ما عادت السعودية تلبيها بشكل واضح، ربما تدفع بالطائفة السنّية إلى حضن إردوغان، هذا طبعاً إذا اكترث هذا الأخير للعب دور سياسي جدي في لبنان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يأتي إحباط الطوائف على أشكال عدة. بعضهم يتقوقع على نفسه، فيما يجهد آخرون بحثاً عن راعٍ إقليمي مفقود. الطائفة السنّية اللبنانية يمكن أن توصف بالقوم التائهين في بحر التنافس الطائفي في لبنان، يبحثون عن راعٍ إقليمي غائب، ربما يجدونه في تركيا.

طوال ليلة الانتصار الانتخابي لرجب طيب إردوغان، احتفل قسم لا بأس به من أبناء الطائفة السنّية في لبنان بفوز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة. في طرابلس، أقيم احتفال في ساحة التل، فيما أطلقت المفرقعات النارية في صيدا، كما جابت السيارات شوارع بيروت ومجدل عنجر فرحاً بالأخبار الآتية من تركيا. 

لا يختلف ميل الطائفة السنّية إلى البحث عن راعٍ إقليمي أو دولي عن بقية الطوائف اللبنانية كثيراً، فالكل يبحث عن حماية ما، إلا أن الطائفة السنّية تبدو الأكثر ضعفاً وتراجعاً في الوقت الحالي، لا سيما مع تراجع الدعم السعودي الذي لطالما استفادت منه، أقله من عام 1992.

اللهاث في البحث عن “زعيم” 

البحث عن الراعي، رحلة طويلة خاضتها الطائفة السنية في لبنان، تخللها صعودٌ وخيبات وإخفاقات ووجوه جديدة وأفول أخرى قديمة. 

فحتى قبل تحقيق الاستقلال، كان ميل الطائفة السنّية للوحدة العربية، ثم تخلت عنه في “الميثاق الوطني” الذي أرساه ممثل الطائفة، رياض الصلح، بتسوية تأسيسية مع بشارة الخوري، ممثل الطائفة المارونية. من بعدها، بات دور الطائفة هامشياً في لبنان، فانتظرت حتى منتصف الخمسينات، يوم تحمّس سنّة لبنان للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد “العدوان الثلاثي” على مصر عام 1956. حينها، رُفعت صور عبد الناصر في بيروت وصيدا وطرابلس، وبات “زعيم الطائفة” وراعيها. 

مع غياب الزعيم المصري عن مسرح الأحداث، وتطور العمل الفدائي المسلح في لبنان، تحوّل ياسر عرفات إلى “زعيم السنّة”، فراهنوا عليه قبيل اندلاع الحرب اللبنانية وبعدها من أجل تغيير النظام السياسي اللبناني، بهدف الحصول على حصة أكبر فيه. لم يغب، في تلك الفترة، حافظ الأسد عن المسرح اللبناني، وحصد بعض التأييد بين أطياف محدودة من الطائفة السنّية اللبنانية، وصولاً إلى رفيق الحريري، السعودي الجنسية والهوى، الذي دعمته بشكل أساسي الرياض بعد إقرار اتفاق الطائف ونهاية الحرب.

أما اليوم، فيبدو واقع الطائفة السنّية في حالة يرثى لها، هذا طبعاً إن قيست الأمور من زاوية القوى الطائفية والصراعات المذهبية في لبنان. زعيمهم المحلي، سعد الحريري، غادر لبنان إلى أجل غير مسمى، فيما السعودية أدارت ظهرها للطائفة وإن مرحلياً، وباتت تفضل العمل السياسي والدبلوماسي الأقل تدخلية في الوقت الحالي، أقله إن قورن أسلوب هذا العمل مع الماضي القريب. 

أمام هذا الواقع، يجهد أبناء الطائفة السنّية في البحث عن راعٍ وزعيم جديد. يتحمّسون لتركيا وإردوغان أكثر مما يتحمسون للعب هذا الدور الذي يريدونه لهما في لبنان. في المقابل، لا تكترث تركيا للبنان إلا من ثلاث زوايا، مفضلة عدم البحث عن نفوذ سياسي تقليدي في “بلد كثير المتاعب”، أو السعي للاستثمار في طائفة والرهان عليها لتحقق مكاسب سياسية في بيروت. إن جلّ ما تكترث له تركيا في لبنان هو الحصول على بعض الاستثمارات في المرافق الحيوية اللبنانية، كما دوام تدفق رجال الأعمال والسياح اللبنانيين لصرف أموالهم في تركيا، وأخيراً الاهتمام بالتركمان الذين يسكنون لبنان، وبخاصة في بعض قرى عكار والضنية وطرابلس.

طوال ليلة الانتصار الانتخابي لرجب طيب إردوغان، احتفل قسم لا بأس به من أبناء الطائفة السنّية في لبنان بفوز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة

تركمان لبنان… قاعدة النفوذ التركي

يحوي لبنان ثلاثة أطياف من التركمان.

أولاً هناك المرتبطون بتركيا ليس سياسياً وحسب، بل أيضاً بالدم والجنسية. ففي عكار، وتحديداً في قريتي عيدمون والكواشرة، وبعض الأحياء الصغيرة في قرى قضاء الضنية، تركمان عثمانيون “تُركوا” في هذه المنطقة بعد انسحاب السلطنة عن مسرح المنطقة والتاريخ. الكثير من هؤلاء حصلوا على الجنسية التركية، بعدما أثبتوا جذورهم العثمانية والتركية عبر أوراقهم الثبوتية، وبالتعاون المباشر مع السفارة التركية في بيروت.

الطيف الثاني هم “الكريتيون”، وهؤلاء يسكنون في مدينة طرابلس بشكل أساسي، وقد أتوا إليها من جزيرة كريت عام 1898 بعدما أخلتها السلطنة العثمانية إثر خسارتها الحرب هناك. لهؤلاء ارتباط أقل عمقاً مع تركيا بالمقارنة مع تركمان عكار، وذلك “لأنهم اندمجوا بشكل كبير في مدينة طرابلس، فنسي كثر منهم هويته الأصلية”، بحسب ورقة بحثية أصدرها “معهد الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الاستراتيجية” عام 2014.

أما في بيروت، فيسكن “الماردينيون” بعض الأحياء الفقيرة، وهؤلاء أتوا إلى لبنان من مدينة ماردين التركية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية والمشكلات التركية الداخلية. سكن هؤلاء القسم الغربي من بيروت، وهم مؤلفون من سنّة وسريان وحتى بعض الأرمن.

من المجموعات الثلاث، يبدو تركمان عكار الأكثر قرباً من تركيا، فيما حصل كثر منهم على الجنسية ضمن إطار السياسة التركية الخارجية القائمة على تعزيز الشعور القومي والارتباط بين تركمان العالم وبلدهم الأم. في المقابل، رعتهم السفارة التركية بشكل كبير، فرممت مساجدهم، وأنارت طرقاتهم، وعلّمت شبيبتهم بمنح دراسية مجانية، كما اهتمت في البنى التحتية في هذه القرى من بناء طرقات وساحات عامة وملاعب رياضية… فأنتجت هذه الرعاية ولاءً لتركيا. 

أما بقية الطائفة السنّية اللبنانية، فتبحث اليوم عن “بطل” قد تجده في إردوغان، بخاصة أن فراغاً سياسياً حقيقياً يعتري الطائفة التائهة في الصراعات المحلية التي باتت، حالياً، لاعباً قليل التأثير فيها. 

إردوغان “البطل”… تعبئة فراغ سنّة لبنان

في كتابه المرجعي “إمامة الشهيد وإمامة البطل”، يبحث فؤاد إسحاق الخوري عن كيفية تأثير التنظيم الديني للطوائف على مواقفها السياسية ورؤيتها للزعيم أو “الإمام”. يخلص الأكاديمي اللبناني إلى أن السنّة يبحثون عن “إمام بطل” يشبه إلى حد كبير صورة الخلفاء الراشدين، فيكون قاسياً مقاتلاً حازماً، يجمع في شخصه صورة السياسي والعسكري، ويكون حاملاً للبُعد الديني في أعماله. وذلك على عكس الشيعة مثلاً، حيث “الإمامة” هي للشهيد المضرّج بالدم والفِداء، والذي يُرفع من مقامه في مخيال الجماعة بعد الاستشهاد، فتتحوّل الشهادة والفِداء والموت إلى بطولة تستجلب تطوعاً جديداً وشهداء آخرين.

لا تشذ هذه الرؤية عن السنّة في لبنان، ورؤيتهم للزعيم. فإن كانوا قد رأوا حالتهم الصعبة وفراغ ساحتهم من راعٍ إقليمي في الوقت الحالي، فإنهم باتوا يرون إردوغان بمثابة “البطل” أو “الإمام”. فهو، في مخيالهم طبعاً، يجمع في شخصه الزعيم السياسي الذي رفع من مقام بلاده سياسياً وعسكرياً، ويحمل بُعداً دينياً محافِظاً واضحاً، وهو حازم قاسٍ ومقاتل شرس في سبيل ما يؤمن به. 

هذه الصورة البطولية لإردوغان تتجسد في الولاء الذي بات يتمتع به بين الأفراد والجماعات السنّية اللبنانية، كما من ميل عام لدى الطائفة للحصول على الدعم التركي بشكل أو بآخر، إضافة إلى الثناء الإيجابي الذي يُسمع منهم عند الحديث عن “التجربة التركية” الرائدة. 

في مقابل ذلك، يشكّل الفراغ السياسي عند الطائفة السنّية اللبنانية نقطة ضعف فيها، أو ربما حجر عثرة في داخلها يمنعها من التأثير الجدي في مجريات الحياة السياسية المحلية، كما الوقوع السهل في فخ التطرف أو الزعامات الطارئة. وللطائفة تجربتان حديثتان في هذا المجال، الأولى تمحورت حول الشيخ أحمد الأسير، الذي ظهر عام 2013 في صيدا وحاول التمدد سريعاً إلى مناطق أخرى. هذا النموذج الرديء عن “الزعامات” المحلية للطائفة ما كان ليبرز لولا غياب القيادة الحقيقية في داخلها. وهناك نموذج آخر مدفوع ببعض الحماسة للحركات المتطرفة شمال لبنان على وقع الحرب السورية في السنوات الماضية. لم يدم هذا النموذج كثيراً ولم يتوسع على جميع الأحوال، وتبدد بسرعة. 

هذه النماذج من ظهور جماعات وأفراد يحملون فكراً متطرفاً ما هو إلا نتيجة لأسباب عدة منها، بشكل أساسي، غياب “الإمام البطل” عند الطائفة في لبنان. هذا الغياب الذي يُسهّل جرّ الجماعة إلى مشاريع غريبة عنها، كما يحمّسها، في الوقت عينه، للبحث عن راعٍ إقليمي بسبب غياب الزعامة المحلية الحاضرة والقوية.

مع فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية التركية، احتل الأتراك الذين انتخبوا في لبنان مركز الصدارة في لائحة الدول التي صوتت لإردوغان. انتخب 3286 مواطناً في لبنان (معظمهم من اللبنانيين المجنسين)، حصل إردوغان على 3135 صوتاً منهم، أو ما نسبته حوالى 95 في المئة من مجمل الأصوات. هذه النسبة الضخمة من الأصوات جعلت لبنان يحتل المرتبة الأولى في الدول التي صوتت لإردوغان، وبفارق كبير جداً عن بقية الدول التي توزعت فيها النسب بين الرئيس التركي وخصمه.

يعاني هؤلاء وطيف كبير من سنة لبنان من حاجة ملحّة لراعٍ إقليمي، يخرجهم من حالة الإحباط وعدم القدرة على التأثير. هذه الحاجة التي ما عادت السعودية تلبيها بشكل واضح، ربما تدفع بالطائفة السنّية إلى حضن إردوغان، هذا طبعاً إذا اكترث هذا الأخير للعب دور سياسي جدي في لبنان. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!