fbpx

أي فرنسا هذه يا سيد ماكرون؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يا لهذه النهاية، ولهذا المسار. فرنسا من التنوير إلى الاستثمار، ولبنان من بؤسنا مع ميشال عون إلى إلى بؤس يفوقه مع سليمان فرنجية، وفي أحسن الأحوال إلى جهاد أزعور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لا حرية في لبنان من دون المسيحيين! هم من صنع المساحات التي نتحرك فيها بمواجهة طوائفنا وأحزابنا وسلطاتنا، لا بل هم من صنع المساحة التي نواجههم هم أنفسهم بها! مناسبة هذا التذكير هو ما يحصل اليوم من سعي فرنسي لتجاوز المسيحيين في استحقاق يعني اللبنانيين، وفي مقدمتهم المسيحيين.

يريد الفرنسيون رئيساً للبنان ينتخبه النواب المسلمون! وفي هذا السياق تحضر الحرية بوصفها الضحية الثانية للمسعى الفرنسي. رئيسٌ أقدَم “حزب الله” على ترشيحه، وهو أقرب شخصية لبنانية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وقد يوافق السعوديون على اختياره بوصفه نقطة عودة إلى معادلة التوازن بين النفوذين السوري والسعودي في لبنان! إذاً كل عناصر قمع الحريات حاضرة في هذا المشهد. “حزب الله”، والنظامان السوري والسعودي، ورعاية فرنسية!

سينجم عن هذه الصفقة رئيس “غير مسيحي”، أو لا توازي مسيحيته شيعية نبيه بري، ولا حتى سنية نجيب ميقاتي. هو في أحسن الأحوال جهاد أزعور، الخبير المالي الذي لا حول له ولا قوة حين يجتمع من حوله ديناصورات النظام. 

مرة أخرى، يحضر المسيحيون بصفتهم ضحية هذه الصفقة، والمسيحيون هنا ليسوا الكنائس ولا الأحزاب ولا “جنود الرب”، بل كل ما يمت بصلة للتجربة اللبنانية بوصفها افتراقاً عن نماذج الحكم في دول المنطقة. والحرية هنا هي أول الخسائر التي سنمنى بها، نحن غير المسيحيين ونحن المسيحيين من غير رعايا أحزاب المسلمين، ومن غير الأحزاب المسيحية التي قد تنضوي في الصفقة بفعل الضغط السعودي أو الفرنسي.

والحال أن التضييق على الحريات هو دأب المنقلبين على الربيع العربي والمنتصرين عليه في كل الدول التي اهتزت، ثم عادت الأنظمة فيها لتلتقط أنفاسها، وتنقض على الإنجازات الطفيفة التي تم تحقيقها. المشهد في تونس ومصر ليس بعيداً عما نشهده في لبنان، والتطبيع الخليجي مع النظام في سوريا في هذا السياق، وأول الغيث في لبنان ما شهدناه في الشهرين الأخيرين من تغول لسلطة الفساد والسلاح على الصحافيين وعلى المحامين.

 لا حرية في لبنان من دون المسيحيين! هم من صنع المساحات التي نتحرك فيها بمواجهة طوائفنا وأحزابنا وسلطاتنا، لا بل هم من صنع المساحة التي نواجههم هم أنفسهم بها!

ترشيح سليمان فرنجية هو امتداد لهذه الردة ولهذا البؤس. ترشيحه ليس انتصاراً على المسيحيين، انما أيضاً علينا جميعاً، وهذا أمر طبيعي في ظل الهزائم المتتالية التي منينا بها، في بيروت، ولكن أيضاً في تونس والقاهرة والمنامة. وبشائر الهزيمة بدأت تلوح في دمشق التي زارها كما نقلت الصحف الرئيس العتيد مع زوجته والتقى هناك الرئيس وزوجته. وبشائر الهزيمة ظهرت على وجه أسماء الأسد أثناء قطفها الورود مع سلاف فواخرجي، ليس بعيداً من أنهار الدماء، ونقلت صورها وكالة الصحافة الفرنسية. إنهن الزوجات العصريات اللواتي أبهرن الصحافة الغربية بفساتينهن الجميلة وابتساماتهن التي لا تحجب وقائع الإبادة.

لكن المذهل في كل ما يحصل، لا يقتصر على الاستخفاف الفرنسي بحريتنا، بل بعدم الاكتراث لمستقبل وجود المسيحيين في لبنان، ذاك أن الأمر هذه المرة يفوق ما كان يحصل في زمن وصاية النظام السوري، ففي حينها اخترع النظام السوري هيكلاً هشاً للتمثيل المسيحي وراح يختار رؤساء منه، أما هذه المرة فالهيكل السياسي المسيحي يتعرض للتهميش على رؤوس الأشهاد، ولمزيد من البؤس يتصدر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المهمة.

حتى الآن يواصل الفرنسيون تمسكهم بفرنجية، يحصل ذلك بموازاة الفعلة التي ارتكبتها وكالة أنبائهم في دمشق، وليس بعيداً من مرفأ اللاذقية الذي يستعد ايمانويل ماكرون لتلزيم إدارته لشركة فرنسية أسوة بمرفأ بيروت. يا لهذه النهاية، ولهذا المسار. فرنسا من التنوير إلى الاستثمار، ولبنان من بؤسنا مع ميشال عون إلى إلى بؤس يفوقه مع سليمان فرنجية، وفي أحسن الأحوال إلى جهاد أزعور. 

ملاحظة: في السياق الفرنسي لرعاية الاستحقاق الرئاسي اللبناني، تم افتتاح الموسم السياحي الذي يعول عليه اللبنانيون لرأب جزء من الكارثة الاقتصادية، بعملية اختطاف لسائح سعودي على طريق المطار من قبل سبعة مسلحين يرتدون الزي العسكري، وقد تم نقله إلى الحدود اللبنانية- السورية. الحادث منفصل تماماً عن التطبيع الفرنسي مع الوضع القائم في لبنان، ولا علاقة لسلاح “حزب الله” به!