fbpx

أشجار الفستق الحلبيّ… مكافأة لزعماء الحرب في سوريا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

” كل يوم أحلم بأنني وأبنائي وسط أرضي، وأشجار الفستق محمّلة بالعناقيد التي كانت يوماً تحقق لنا عيشاً كريماً، سال لها لعاب زعماء الميليشيات، ومن دون وجه حق طُردنا منها لتغدو باب رزق لمن لا يستحقها ولا يملكها”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اضطر رامز القادري إلى العمل بالمياومة في الأراضي الزراعية في منطقة حارم الحدودية مع تركيا، بعدما كان يملك 142 شجرة فستق حلبي استولت عليها قوات النظام السوري وميليشياته، إثر سيطرتها وقوات روسيا على ريف حماة الشمالي في صيف عام 2019.

لم يتخيل رامز أنه سيضطر يوماً للعمل وأفراد أسرته بالمياومة للحصول على ثمن طعامهم، بعدما كان من أشهر مزارعي الفستق الحلبي بريف حماة الشمالي المعروف بزراعة أجود أنواع الفستق الحلبي.  يقول رامز لـ”درج” والدموع تكاد تنهمر من عيناه: “اليوم أنا وعائلتي نعمل بطعام يومنا، وأرضنا التي هجّرنا منها النظام تتمتع بمحصولها قيادات ميليشياته للعام الرابع على التوالي، فيما نقبع نحن في خيم بالية. كل يوم أحلم بأنني وأبنائي وسط أرضي، وأشجار الفستق محمّلة بالعناقيد التي كانت يوماً تحقق لنا عيشاً كريماً، سال لها لعاب زعماء الميليشيات، ومن دون وجه حق طُردنا منها لتغدو باب رزق لمن لا يستحقها ولا يملكها”.

حال رامز القادري شبيهة بحال آلاف المزارعين الذين هجرتهم قسراً قوات النظام السوريّة وروسيا عن بلداتهم وأراضيهم في محافظة حماة، وريف إدلب الجنوبي، وشرعت من خلال حكومة النظام السوري في وقت لاحق عمليات الاستيلاء على أراضيهم، والانتفاع منها تحت سياسة المزايدات السنوية لتأجير أراضي المزارعين المهجرين بسبب الحرب، وتوزيع ممتلكاتهم على قيادات الميليشيات الموالية كمكافأة على مساندة القوات النظامية في حربها المفتوحة على السوريين.

مزادات علنيّة للاستيلاء على أراضي المهجّرين

عاودت قوات النظام وميليشياتها بدعم من القرارات الحكومية، سياسة الاستيلاء على ممتلكات المزارعين للعام الرابع على التوالي، وقد تضمن الكتاب المنشور على صفحة “محافظة حماة”، التابعة لحكومة النظام في “فيسبوك”، الإعلان عن مزاد علني لتضمين أشجار الفستق الحلبي لموسم واحد، العائد للمزارعين المهجرين قسراً منذ صيف عام 2019، إبان سيطرة قوات النظام وميليشياتها، مدعومة بالقوات الروسية وطائراتها، على مناطق ريف حماة الشمالي.

حدد الإعلان العائد للأمانة العامة لمحافظة حماة التابعة لحكومة النظام السوري، مدة 9 أيام لتقديم طلبات المشاركة بالمزاد، ويتوجب على المشتركين دفع تأمينات أولية تقدر بـ 100 ألف ليرة سورية، وعشرة في المئة من تأمينات نهائية بموجب إيصال الإحالة.

يطلق النظام السوريّ على المهجرين قسراً لفظ “الأشخاص المقيمين خارج سيطرة الدولة الوطنيّة السوريّة”،  ويستخدم كلمة “استثمار” في حين أنها تعني “الاستيلاء”، إذ تتألف لجنة الاستثمار الزراعي، المعنية بمتابعة وتنفيذ قرارات “الاستيلاء” على أراضي المزارعين المهجرين قسراً، من محافظ حماة محمود زنبوعة، وقائد شرطة المحافظة اللواء تركي السعيد، و عضو قيادة فرع حزب البعث خالد حديد، الذين اجتمعوا في 21 أيار/ مايو 2023، للوقوف على متابعة عملية “الاستيلاء” على أراضي المزارعين، حيث يُعد المحافظ بصفته الإدارية وقائد الشرطة بالمحافظة وأمين فرع حزب البعث، المسؤولين الأوائل عن تسيير عمليات الاستيلاء، بعدما كان ملف الاستيلاء عبارة عن تقاسم بين قيادات الميليشيات خلال العامين 2020-2021.

ينظر المزارع سامر أبو الخير بعين الحسرة إلى أرض أخيه المصادرة منذ العام 2020، والمتاخمة لأرضه في منطقة محردة شمال محافظة حماة، إذ عمدت قوات النظام بحسب سامر الى الاستيلاء على أرض أخيه فقط، لأنه فرّ بحياته وحياة أسرته من القصف باتجاه المناطق الحدودية مع تركيا في صيف العام 2019، فيما كان سامر مقيماً في مدينة حماة، ويملك أوراق أرضه، لكنه ممنوع من التصرف بأرض أخيه بحجة أن الأخير مقيم في “مناطق سيطرة الجماعات المسلحة”، وكل عام تؤول ملكية الأرض المزروعة بالفستق الحلبي لأحد قياديي ميليشيات النظام، التي تعمل على جني المحصول بكل همجية، ما يتسبب بأضرار جسيمة تطاول الأشجار، فيما تتعرض بعض الأشجار للقص بقصد استخدامها للتدفئة من قبل قيادات الميليشيات.

“اليوم أنا وعائلتي نعمل بطعام يومنا، وأرضنا التي هجّرنا منها النظام تتمتع بمحصولها قيادات ميليشياته للعام الرابع على التوالي، فيما نقبع نحن في خيم بالية”.

صراع وحلول أمنية

لم يكن ملف الاستيلاء على ممتلكات السوريين، لا  سيما الأراضي الزراعية في محافظة حماة بجديد، إذ يعود الى العام 2020 الذي شهد اقتتالاً بين قيادات ميليشيات النظام ذات التبعيات المختلفة،  أبرزها الدفاع الوطني، والدفاع المحلي، وضباط من قوات النظام، ونسور الزوبعة، وميليشيا لواء القدس، وفصائل أخرى كانت تتصارع للسيطرة على أراض شاسعة للمزارعين المهجرين قسراً من المنطقة، وصلت إلى حد إحراق أشجار فستق حلبي ومحاصيل قمح في مدينة كفرزيتا شمال محافظة حماة.

دفعت الممارسات السابقة نظام الأسد الى إطلاق يد “اللجنة الأمنية” في المحافظة لتوزيع الأراضي والبساتين بين قيادات الميليشيات وضباط النظام برتب كبيرة، مثل سيمون الوكيل قائد ميليشيا الدفاع الوطني في محردة، ونابل العبدالله قائد الميليشيا ذاتها في السقيلبية، و باسم المحمد القيادي البارز في ميليشيا الدفاع الوطني في منطقة سهل الغاب، إضافة الى ضباط مثل العميد صالح العبدالله، وقائد اللجنة الأمنية في العام 2020 اللواء رمضان رمضان،  وقائدها في العام 2021 إبراهيم خليفة، وقائد شرطة المحافظة جاسم الحمد، ومحافظ حماة عبدالله حزوري، وخلفه طارق كريشاتي، وقائد ميليشيا الدفاع الوطني في حماة عدوان مصطفى، وقائد الميليشيا ذاتها في السلمية طلال دقاق، وقائد الفرقة السادسة اللواء غسان علي عرفات، وقائد ميليشيا الدفاع المحلي في محردة ماهر قاورما،  ورئيس فرع حزب البعث في حماة أشرف باشوري، ورؤساء أفرع المخابرات العسكرية والجوية والسياسية، وقائد ميليشيا الدفاع المحلي في حماة المدعو أبو جعفر والمقرب من القوات الإيرانية.

أنشأت اللجنة الأمنية التي كان محافظ حماة الرجل الثاني فيها، ما يسمى صندوق دعم أسر “شهداء الدفاع الوطني”، والذي يعني صندوق دعم عائلات قتلى ميليشيا الدفاع الوطني، الذين قُتلوا وهم داعمون لقوات النظام في حربها المفتوحة على السوريين، على أن يتم دعم الصندوق من ريع الأراضي الزراعية، والمستولى عليها من قبل اللجنة الأمنية والعائدة الى المزارعين المهجرين قسراً من أراضيهم وبلداتهم.

يعتبر بشار الأسد قائداً للجان الأمنية في المحافظات، التي يترأسها صاحب أعلى رتبة عسكرية بالمحافظة بعد العام 2011، في حين كان المحافظ هو رئيس اللجنة الأمنية، ويتلقى رؤساء اللجان الأمنية مراسلات من القائد الأعلى للجان الأمنية أي بشار الأسد، عبر مكتب الأمن القومي، الذي كان يرأسه سابقاً اللواء علي مملوك، واليوم اللواء محمد ديب زيتون.

وعبر صفحة “اتحاد فلاحي حماة” التابع لحكومة النظام، والذي يرأسه عضو حزب البعث في حماة “خالد حديد”، نشرت إعلانات المزادات على أراضي المزارعين المهجرين قسراً من البلدات التي سيطرت عليها قوات الأسد وروسيا.

كما كانت صفحات حزب البعث وفرقه عبر “فيسبوك” تنشر إعلانات للمزادات التابعة للجان الأمنية تحت عنوان مزاد علني لضمان استثمار الأراضي المشجرة بالفستق الحلبي لموسم واحد

حدّدت اللجنة الأمنية في عامي 2021-2020 بتعاميم وكتب صادرة عن رئيس اللجنة الأمنية العميد رمضان رمضان، الأشخاص المسموح لهم بزراعة أراضيهم، وهم القاطنون ضمن مناطق سيطرة النظام، حصراً، شريطة إحضار أوراق رسمية تدل على ملكهم للأرض، في حين لا تحق لهم حيازة أراضي أقربائهم سواء من الدرجة الأولى أو الثانية، إلا بالحصول على توكيل رسمي مصدّق من دوائر المحاكم في مناطق سيطرة النظام.

وللإمعان في شرعنة عمليات الاستيلاء على أملاك السوريين المهجرين قسرياً من بلداتهم ومدنهم، وعدم إعطاء أقاربهم الحق في إدارة تلك الممتلكات، أصدرت وزارة العدل في حكومة النظام في شهر أيلول/ سبتمبر، تعميماً حمل الرقم (30) ونصّ على ضرورة الحصول على “الموافقات الأمنية اللازمة”، كشرط جوهري ومسبق للبدء بإجراءات استصدار وكالات عن الغائب أو المفقود، أسوة بمعظم أنواع الوكالات العامة والخاصة. فقبل ذلك التعميم كانت الوكالة عن الغائب أو المفقود مستثناة من الموافقة الأمنية، وهو ما كان يعطي القاضي الشرعي صلاحية السماح باستصدار “وكالات عن الغائب والمفقود بناء على طلب ذويهم، تخولهم لاحقاً قبض الرواتب والمعاشات التقاعدية على سبيل المثال، أو استصدار أوراق ثبوتية ما”.

ولم تكن تلك الوكالة تعطي صلاحية التصرّف بأملاك الغائب أو المفقود بشكل تلقائي، بل كانت تخضع لسلطة القاضي الشرعي التقديرية.

برر وزير العدل في حكومة النظام حينها أحمد السيد، مسوغات التعميم لأمور عدة منها: (تزايد هذا النوع من الوكالات خلال العشر السنوات السابقة، إضافة إلى افتراض الوزير بأنّ الغائبين أو المفقودين هم ملاحقون بجرائم أو أموات). وبرر الوزير القرار أيضاً بوجود حالات يتم فيها استغلال الوكالات للتصرّف بأملاك الغائب أو المفقود بطريقة تضرّ بمصالحه.

تنديد لا يغني من جوع 

عملت منظمات حقوقية يديرها سوريون على تدويل عملية الاستيلاء وفضحها، إذ قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها في نيسان/ أبريل 2021، إن قوات النظام تصادر بشكل غير قانوني منازلَ وأراضي عائدة للسوريين الذين فروا من الهجمات العسكرية السورية – الروسية في محافظتَي إدلب وحماة، إذ شاركت ميليشيا موالية للنظام و”الاتحاد العام للفلاحين” في الاستيلاء على هذه الأراضي وبيعها بالمزاد العلني لموالي النظام.

للعام الرابع على التوالي، يقبع أحمد الياسين على الحدود التركية – السورية بعيداً من أرضه التي هُجر منها قسراً من قرية عطشان  شمال محافظة حماة، هارباً من الموت والاعتقال في سجون النظام، كحال أبناء عمه الذين عادوا إلى بلدتهم وأرضهم خلال صيف العام 2022. يقول أحمد: “آثرت البقاء بعيداً من أرضي وأرض أهلي. أفضل العيش بالعوز والفقر على العودة الى مناطق سيطرة النظام كما فعل أبناء عمي ياسر وعمر، حين أعلن النظام عن فتح باب تسوية للراغبين في العودة إلى مناطق سيطرته في محافظة حماة، وبالفعل قرر أبناء عمي العودة والعمل في أرضهم، لكن بعد شهر واحد من وصولهم، اعتقلت قوات الأمن إبن عمي ياسر بتهمة الخروج بتظاهرات ضد الدولة عام  2016. وبعد ثلاثة أشهر من عودتهم، اعتقلت القوات ابن عمي الآخر عمر بتهمة عدم تأديته الخدمة الاحتياطية، لتؤول الأرض مجدداً الى ميليشيات الأسد، وهذا ما يخيفنا من العودة، فالنظام يعُد كل الخارجين عن مناطق سيطرته معارضين ومسلحين ومخربين، ويستولي على أراضيهم”. 

في مطلع آذار/ مارس من عام 2022، أشار تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان الدولي، إلى انتهاج نظام الأسد استراتيجية السيطرة والسلب والنهب على أملاك المهجرين قسراً من المناطق المحتلة من قوات النظام وروسيا.

وتضمنت نتائج التحقيقات في الفترة الممتدة من 1 تموز/ يوليو 2021 إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أن نظام الأسد عمل على اغتصاب الأراضي وحقوق الملكية للمشردين من خلال مزادات علنية في المناطق التي سيطر عليها في محافظات حماة ودير الزور وإدلب، إذ أصبحت المزادات أكثر رسمية ومنهجية، ما يدل على سياسة حكومية ناشئة ومدروسة، ما دفع نظام الأسد الى نقل ملف الاستيلاء من اللجنة الأمنية للمحافظة بصفتها الإدارية واعتمادها في عمليات الاستيلاء على القانون 51، وأعطاها صبغة شرعية.

عام 2022، عاودت لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجمهورية العربية السورية وصفها سلوك النظام الخاص “بالاستيلاء” على أراضي المزارعين المهجرين قسراً.

وخلص تقرير اللجنة حينها إلى أن نظام الأسد عمل على اغتصاب الأراضي وحقوق الملكية للمشردين من خلال مزادات علنية في المناطق التي سيطر عليها في محافظات حماة ودير الزور وإدلب، إذ أصبحت المزادات أكثر رسمية ومنهجية، ما يدل على سياسة حكومية ناشئة ومدروسة في هذا الصدد.

وذكر التقرير أنه تم الإعلان عن المزادات بناء على أوامر موقعة من المحافظين، ثم إنشاء “اللجان المحلية” – على الأقل على مستوى المنطقة لإجراء تعداد للأراضي لإعداد قوائم المزاد، والتي عادة ما يتم توقيعها أيضاً من المحافظين. تشير القوائم الناتجة إلى المعلومات المتعلقة بالأرض، مثل الموقع ومساحتها واسم المالك وحالته الأمنية، في حين أن غالبية الملاك النازحين المتأثرين يقيمون حالياً خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام.

يؤكد التقرير أن الرابح بالمزادات يدفع مبالغ طائلة مقابل الوصول إلى الحقول لمدة ستة أشهر أو سنة بالتزامن مع تمتع أقارب مالكي الأرض الغائبين بإمكان التقدم للحصول على إجراء معين والدفع لمنع المزاد، وهو إجراء باهظ التكلفة، فالفائزون بالمزاد هم غالباً أعضاء رفيعو المستوى في الميليشيات الموالية للحكومة أو شخصيات أخرى لها صلات وثيقة بسلطات النظام.

نوّه التقرير إلى أن مثل هذه المزادات تضفي الطابع الرسمي على الممارسة غير القانونية لاحتلال الأراضي ومصادرة الحصاد من قبل الميليشيات الموالية للنظام والجهات الفاعلة المحلية الأخرى.

ولفت تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجمهورية العربية السورية، إلى التأثير السلبي لتعميم وزارة العدل الصادر في 15 أيلول/ سبتمبر 2021 القاضي بالحصول على الموافقات الأمنية للراغبين في إجراء وكالات خاصة للأقارب، ما ساهم في زيادة السطوة الأمنية غير الشرعية على أملاك النازحين والمهجرين.

حوّل نظام الأسد آلية الاستيلاء بعد ذلك على أراضي المزارعين المهجرين قسراً، من اللجنة الأمنية إلى الحكومة ممثلة بوزارة الإدارة المحلية والمحافظة، مستندة إلى القانون رقم 51 للعام 2004، في شرعنة عمليات الاستيلاء، وتعود أول جلسة لمزاد علني بهدف الاستيلاء على أراضي المزارعين المهجرين قسراً إلى الخامس من شهر تموز/ يوليو2021 بإشراف محافظ حماة محمد طارق كريشاني، وقائد شرطة حماة اللواء جاسم الحمد، وعضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي مخزوم حيدر”.

وفي يوم 9 تموز 2021، زار وزير الزراعة والإصلاح الزراعي في الحكومة السورية محمد قطنا، محافظة حماة للاطلاع على سير المزادات بهدف إضفاء شرعية أكبر على عمليات الاستيلاء.

ومنذ العام  2021 حتى اليوم،  تعتمد حكومة النظام السوري في شرعنتها عمليات الاستيلاء، على القانون 51 للعام 2004، إذ تستمر محافظة حماة ممثلة بالمحافظ والشخصيات الأمنية والبعثية الرفيعة بالمحافظة، في عملية الاستيلاء سنوياً على أراضي المزارعين المهجرين قسراً وتأجيرها لقيادات الميليشيات في مزادات علنية في مبنى محافظة حماة. في حين لا يُسمح لأي شخص حضور المزاد ما لم تكن له واسطة تدخله قاعة المزاد، والمتحكم بها ضباط أمنيون وموظفون إداريون مهمتهم توثيق عمليات التأجير فقط، بحسب ما روى (هـ . ش) المقيم في مدينة حماة الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، والذي نتحفظ عن ذكر اسمه الصريح لأسباب تتعلق بسلامته، حيث اضطر للوصول الى قاعة المزاد إلى دفع 700 ألف ليرة سورية  في جلسة مزايدة بمحافظة حماة، عُقدت في شهر كانون ثاني/ يناير 2023، بهدف ضمان أرض عمه الواقعة في منطقة سهل الغاب  المقيم في السويد. وعند دخوله للقاعة، تفاجأ بوجود ضباط عسكريين وقيادات لميليشيات ضمن الحضور، وعلى رغم نجاحه في استئجار أرض عمه ودفع كامل المستحقات المالية التي وصلت الى نحو 3000 دولار أميركي  للجنة المزاد، آلت الأرض الى متزعم ميليشيا الدفاع الوطني في منطقة السقيلبية نابل العبدالله، ولم يجرؤ بعدها ( هـ.ش) على المطالبة بالأرض أو بالأموال خوفاً على حياته وحياة أسرته.  

وفي هذا الصدد، يقول المحامي والقانوني عبد الناصر حوشان، أن تبديل الجهة المنظمة لعملية الاستيلاء تبقي الملف ضمن جرائم الحرب والنهب، لأن المحافظ هو الرجل الثاني باللجنة الأمنية بعدما كان المحافظ قبل العام 2011 هو رئيس اللجنة الأمنية. ويشير الى أن نظام الأسد حاول شرعنة عملية الاستيلاء للتهرب من اتهامه باغتصاب أراضي المهجرين ونهبها. إذ عمد منذ العام 2021 في الإعلان عن المزادات للاستيلاء على الأراضي، على القانون 51، الذي يخصّ الأملاك العامة للدولة فقط، ويسمى قانون العقود العامة، والذي يكون لعقد على ملك عائد للحكومة أو الدولة، وهذا العقد لا يشمل ولا يطبق على الأملاك الخاصة. وتعتبر المزادات تعدياً صارخاً على أحكام القانون المدني الذي ينص على أن للمالك حق الانتفاع بثمار ملكه،“لذلك فإن مصادرة الأرض وتأجيرها اليوم ونهب خيراتها يعتبر جريمة دستورية كونها تصدر عن السلطة”، بحسب حوشان.

وشدد على أنها تعتبر “جريمة جنائية لسرقة ثمار تلك الأراضي”، وذلك كله جرائم يعاقب عليها القانون السوري.

لم تعد أشجار الفستق الحلبي الواقعة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد والمستولى عليها من النظام، تعطي مردوداً جيداً، بسبب الإهمال المتواصل لها وابتعاد أصحابها منها، ما جعلها عرضة للآفات الزراعية نتيجة عدم تقليمها ورشها بالمبيدات والمخصبات، بحسب المهندس الزراعي علي الأيوب، إذ يتراجع نمو الأشجار كل عام بسبب عطشها في فصل الصيف إضافة الى إصابتها بحشرة البسيلا التي تؤدي الى دمار الشجرة مع استمرار استيطانها فيها وعدم مكافحتها. وفي العادة، تعطي شجرة الفستق الحلبي بأوج خصوبتها نحو 80 كيلوغراماً. أما اليوم فأشجار الفستق الحلبي المستولى عليها من النظام، تراجعت إلى ما دون الـ 40 كيلوغراماً، وهذا مؤشر خطير ينذر بتدهور زراعة شجرة الفستق الحلبي في المنطقة المشهورة بزراعة هذا الشجر منذ مئات السنوات، والتي أصبح موروثاً شعبياً وجزءاً من هوية السكان. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.