fbpx

ميديا بارت الفرنسية: السفير اللبناني في فرنسا رامي عدوان قد يفلت من العدالة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
Mediapart

ما مصير هذا التحقيق القضائي المتعلق بدعاوى اغتصاب وعنف متعمّد ضد رجل يتمتع بحصانة دبلوماسية “منيعة” و”كاملة”، وفقاً للنصوص التنظيمية المنبثقة عن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961؟ تشير تلك النصوص بوضوح إلى أن السفير لا يمكن أن يتعرّض “لأي شكل من أشكال الاعتقال والاحتجاز”، ولا تمكن مقاضاته أمام ولاية قضائية تابعة للدولة التي يمارس فيها عمله، ما لم تقرر دولته الأم رفع حصانتها عنه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقدمت شابتان بشكوى بشأن اغتصاب وممارسات عنف خطيرة قام بها الدبلوماسي اللبنانيّ رامي عدوان، الذي يشغل منصب سفير لبنان في فرنسا منذ 2017. في المقابل ينفي عدوان هذه الاتهامات، كما أنه لا تمكن محاكمته في فرنسا بسبب حصانته الدبلوماسية.

      سارة بِرثس

اتهمته الأولى بضربها على رأسها  بثقّالة ورقة رخامية واغتصابها، بينما اتهمته الأخرى بمحاولة دهسها بالسيارة ثم محاولة خنقها بحشر وجهها في السرير. تشير كلا المرأتين إلى العنف الذي مارسه ضدهما شخصٌ ارتبطا به في علاقة حميمة لسنوات. المتهم هنا هو رامي عدوان، سفير لبنان لدى فرنسا منذ عام 2017، الذي نفى بدوره “أي اتهام بالاعتداء من أي نوع عليهما، لفظياً أو أخلاقياً أو جنسياً”. ولكن مهما كان الأمر، فهو ليس بحاجة إلى الدفاع عن نفسه أمام الشرطة والمحاكم، إذ يمنحه وضعه الدبلوماسي حصانة كاملة ومنيعة.

بدأ كل شيء في صيف 2020، عندما توجهت آفا( 28 سنة) إلى مركز شرطة الدائرة الخامسة في باريس في 26 آب/ أغسطس نحو الساعة العاشرة مساءً، وكانت تلك المرة الأولى التي تدخل فيها مركز الشرطة. في ذلك الوقت، كانت قد أتمّت ثلاث سنوات من العمل في السفارة اللبنانية، في مكتب رامي عدوان، الدبلوماسي البالغ من العمر 47 سنة، الذي زامل إيمانويل ماكرون في المدرسة الوطنية للإدارة.

تقدمت آفا بشكوى بشأن المضايقات الأخلاقية والعنف المتعمّد الذي مارسه ضدها مديرها، المشهور بعلاقته الوطيدة بالرئيس اللبناني آنذاك ميشال عون. وشرعت تسرد لأحد أفراد قوات الشرطة أحداث حياتها اليومية منذ وصول السفير إلى باريس في أيلول/ سبتمبر 2017؛ حيث تعرضت لإهانات (مثل وصفها بالشرموطة، وتعي لحسي أيري”) وإذلال. 

روت آفا عدداً من المواقف؛ أولها كان في تشرين الأول/أكتوبر 2018، إذ ذكرت في شهادتها التي اطلعت عليها “ميديابارت|Mediapart” أنه “رماها بمنفضة سجائر” أمام موظفين آخرين. ثم في ربيع عام 2019، قالت إنه أثناء وجودها في سيارته وجّه إليها “ثلاث ضربات قوية على ساقيها” لأنها تجرّأت بالتحدث إلى السائق أثناء إجراء رئيسها الدبلوماسي اتصالاً هاتفياً.

 ورداً على سؤاله حول هذه الاتهامات، قال الدبلوماسي إنه “لم يتطاول بيده أبداً” على الشابة، واستنكر “التهم التي لا أساس لها”. كما أشار إلى أن علاقتهما قد “انتهت في جو مشحون للغاية”، مؤكداً أن الشابة “تحاول استخدام علاقتهما لتعزيز مكانتها داخل السفارة”.

بيد أن العنف تصاعد بصورة كبيرة في مكتبه بعد ظهر يوم 26 آب 2020. فبحسب ما روته هذه الشابة الفرنسية- اللبنانية؛ بعد شجبها أفعاله، أخذ السفير حقيبة يدها، وقبل أن يرمي أغراضها من النافذة، أمسكت هاتفه وهددته بإلقائه من النافذة أيضاً. قالت للشرطي: “لقد جعله ذلك غاضباً مني كل الغضب، فركلني مرتين على ركبتي، وأمسك بمعصمي ودفعني باتجاه النافذة. بعد ذلك، أخذ السيد عدوان ثقلاً رخامياً يُستعمل لتثبيت الورق بيده اليمنى وضربني على مؤخرة رأسي. لقد أُصبت، وصُدمت، وشعرت بأنني على وشك التقيؤ”.

توجّهَت على الفور إلى غرفة الطوارئ في فندق ديو في باريس، حيث أصدر لها الطبيب شهادة تفيد بوجود “ورم دموي قذالي” و”جروح حِمامية في كلا الرسغين”، وأضيف كل ذلك إلى أوراق الشكوى. وبحسب روايتها، فقد رفض ضابط الشرطة تسجيل محضر إثبات حالة فقط دون رفع شكوى (وهو الإجراء الذي مُنع منذ عام 2021 إذا كانت القضية متعلقة بالعنف الأسري)، وطلب منها تقديم شكوى رسمية، وهو ما رفضته الشابة “لأنها لا تريد الإضرار ببلدها، أو إفساد حياة هذا الرجل”، الذي تربطها به علاقة حميمة سرية، لأنه في النهاية متزوج وله أولاد.

سُجّل محضر جلسة الاستماع، ثم عادت إلى عملها بعد بضعة أيام.

السفير قدّم سردية مختلفة تماماً للأحداث: “لقد غضبت مني لسببٍ لا أعرفه، وبدأت بالصراخ، ورمت أشيائي التي كانت على مكتبي، بما فيها هاتفي بعدما أمسكت به”، على حد قوله، “ثم صاحت في وجهي وهددتني، فاضطررت إلى الانصياع لرغبتها وأغادر. كنا نتشاجر فعلاً، وكان هناك صياح وحركات مفاجئة، ولكن كل ذلك حدث دون ضربها أو رميها بأي شيء”.

https://twitter.com/Mediapart/status/1664647059142590466

صيف 2022

في صيف 2022، عادت آفا إلى قسم شرطة الدائرة الخامسة للمرة الثانية. وسألها الشرطي عما إذا كانت عازمة بالفعل على تقديم شكوى، فأجابت هذه المرة بنعم. في نيسان/ أبريل 2021، أبلغت السفير أنها ستترك منصبها. وبحسب شهادتها، فإن السفير ألقى أغراضها من النافذة مرة أخرى، قبل أن يشدها من شعرها ثم يضربها بشماعة معطف، وهو ما أكدته الشهادة التي اطلعت عليها “ميديابارت”. ومن جانبه، نفى رامي عدوان مرة أخرى مؤكداً أنه “لم يكن هناك أي اعتداء ولا ضرب باستخدام شماعة المعطف”.

فوق هذا كله، فالشابة تريد تقديم دعوى وقوع اغتصاب. فبحسب روايتها، في 17 آيار/مايو في شقة السفير – الموجودة بالطابق العلوي في السفارة – وبعد تناول الغداء مع موظف آخر، أجبرها السفير على علاقة جنسية بالعنف والمباغتة. وقالت للشرطة “صرختُ من الألم وأنا أقول له: لا، توقف. وبدأت أبكي وأرتجف”. كما أطلعت السلطات على محادثاتهم على الواتساب، خصوصاً تلك التي كانت في المساء واليوم التالي للأحداث، حيث اتهمته صراحة باغتصابها.

لم يصدر أي رد كتابي من رامي عدوان بشأن هذه الاتهامات، وهو يؤكد اليوم أن تلك العلاقة كانت “بالتراضي”؛ وأضاف أن “دعوى الاغتصاب تلك التي تُرفع بعد أكثر من عامين على حدوثها تثير الشكوك حول صدق ما تزعمه، وأغراضها من الدعوى”.

دهس قدمها بالسيارة

ليست آفا هي الشابة الوحيدة التي رفعت شكواها إلى السلطات الفرنسية. ففي 21 شباط/ فبراير 2023، قدمت إحدى زميلاتها السابقات، تُدعى غابرييل، شكوى ضد رامي عدوان بتهمة العنف المتعمّد. وصلت هذه الطالبة اللبنانية، ذات الثلاثة وعشرين عاماً، إلى فرنسا بمفردها عام 2018، وعملت لمدة أربع سنوات في السفارة حتى نهاية عام 2022. 

بدأت متدربةً، ثم عملت في مكتب السفارة. وهي أيضاً كانت على علاقة حميمة برئيسها، والتي وصفتها لمحققي الشرطة الجنائية بأنها “علاقة سيطرة وتملك”، تقوم على “الخوف” و”نظام المكافأة والعقاب”، وترسم صورة مشابهة لما قدمته آفا عن علاقة تجمع بين الإهانات الأخلاقية والتحرش والعنف النفسي، مع تصريحات بالحب على شكل عشرات الرسائل في اليوم الواحد.

ومثل زميلتها السابقة، ادعت غابرييل أيضاً أنها كانت ضحية العنف الجسدي. ففي إحدى أمسيات أيار/مايو  2022، قالت إنه بعد حفلة كلية العلوم التقنية في أوبرا باريس، دار جدالٌ  حاد بينهما، وضربها رامي عدوان عدة مرات على وجهها. وتظهر الصور المرفقة مع التحقيق القضائي الذي فتحه مكتب المدعي العام في باريس وجهَ غابرييل مجروحاً ومنتفخاً عند الشفتين والأنف.

سألها الشرطي: “لماذا لم تتقدمي بشكوى؟”، فقالت: “لم أجرؤ على ذلك، لقد أحببته كثيراً”، وذكرت أيضاً حدوث علاقة جنسية دون رضاها، إلى ممارسات عنف الأخرى، لدرجة أنه كان “يجرها من شعرها على الأرض” و”يحبسها” في الغرفة.

وصفت غابرييل مشهدين من العنف القاسي. الأول في أيلول 2022، حين رافقت السفير إلى منتدى السلام، في كاين (كالفادوس). وبعد تناول وجبة غداء في أحد المطاعم، قالت إنه أجبرها على ركوب سيارته، و”ضربها على رأسها” بعد رفضها ممارسة الجنس معه. نزلت من السيارة واتصلت بـ 17 (رقم الشرطة الباريسية). وبحسب روايتها، فإن رامي عدوان قال لها: “أتريدين الهرب؟ سأقتلكِ!”، فرجعت متجهة إليه. وقالت للمحققين: “رأيت السيارة وكانت على وشك الاصطدام بي، فحوّلت اتجاهي لتجنبها، لكن أن العجلات دهست قدمي، ثم سقطت. وعندما استيقظنا في اليوم التالي، كان يقول إن ما وقع كان حادثاً”، وأضافت: “اصطحبني إلى أخصائي الأشعة، ولم يكن هناك كسور”.

هنا مرة أخرى يروي السفير قصة مختلفة، إذ يقول إن “السيارة انزلقت عندما كنتُ أحاول الضغط على المكابح حتى تتوقف. لم أحاول قط دهسها، ولم تصدمها السيارة. لقد قالت إن قدميها تأذتا عندما انزلقت السيارة، لذلك رافقتها في اليوم التالي إلى اختصاصي الأشعة لإجراء الفحوصات اللازمة”.

أمسية أخرى – حسب شهادة غابرييل – هي التي دفعتها إلى مغادرة السفارة وإنهاء علاقتها برامي عدوان. إذ قالت “أكثر لحظات حياتي رعباً كانت في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2022”. في ذلك اليوم، وصل السفير إلى منزله الباريسي ثمِلاً في الليل، ودعاها إلى ممارسة الجنس، لكنها رفضت، “فشدني بيد واحدة من رقبتي ودفع وجهي لأسفل في السرير، فلم أستطع التنفس. رفع يده عني بعدما قاربت من الموت، لو استمر في خنقي بضع ثوان أخرى”. وقال لها وهو يغادر: “إياك أن تزعمي أنني خنقتك!”. في كانون الثاني/ يناير الماضي، حثها طبيبها النفسي على رفع دعوى رسمية، وعرض عليها مرافقتها إلى مكتب التحقيقات الجنائية.

من جانبه، يقول رامي عدوان عن تلك الليلة: “ما إن وصلتُ إلى منزلها، حتى بدأت تتشاجر معي على الفور لكوني على علاقة بامرأة أخرى”. ويؤكد أنه لا يتذكر أبداً أنه طلب منها إقامة علاقة جنسية معه ذاك المساء، وتابع قائلاً: “بصقت في وجهي وحاولت خنقني وهي تصرخ، فدفعتُها بعيداً، ولم أحاول قط خنقها”.

تقرير سابق في لاهاي

قالت إحدى جيران غابرييل – التي تواصلت معها “ميديابارت” واستجوبتها الشرطة أيضاً – إنها استيقظت في تلك الليلة حوالي الساعة الثانية على أصوات “شجار”، ثم سمعت “صرخات مكتومة”، وقالت إنها تعرفت على السفير اللبناني الذي التقت به مرات عدة.

أفادت كلٌ من غابرييل وآفا أن موظفات السفارة الأخريات يتعرضن لسخط السفير بالقدر نفسه؛ إذ تروي الأولى أنها سمعته ينادي إحدى الإداريات بلفظ “شرموطة”، قبل أن يوبخها في وجهها قائلاً: “لن تعودي إلى هنا حتى تزحفي على أربع مثل الكلب”، ويعترف السفير: “أنا متحمس لأداء مهام منصبي، ولذا قد تصدر مني بعض الفظاظة”.

وفي مقابلة مع “ميديابارت”، يروي موظف سابق أيضاً حالة موظف في السفارة يقول إن السفير أجبره على العمل واقفاً من دون كرسي أو مكتب، بينما نفى السفير تلك الحادثة قائلاً: “أحترم المتعاونين معي وأقدر عملهم”.

وفقاً لمقالات في الصحافة اللبنانية، هناك تقرير واحد على الأقل يدور حول الاعتداءات الجنسية لرامي عدوان خلال الفترة التي شغل فيها منصباً دبلوماسياً في لاهاي بهولندا في أوائل عام 2010. في إحدى تلك المقالات تحدثت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن “الاحتجاج” الذي يحتمل أن يثيره قرار تعيينه في باريس في الأوساط الدبلوماسية، مستشهدة بـ”تقرير سري” متداول في وزارة الخارجية اللبنانية. وقالت الصحيفة إن هذا التقرير “تضمن اتهامات في قضايا بعضها يتعلق بجرائم جنسية”، مشيرة إلى وجود فصل بعنوان “سلوك السيد عدوان في هولندا”.

من جانبه، رد السفير قائلاً: “هذه ليست سوى محاولة لتصفية حسابات سياسية فور تعييني مدير مكتب وزير الخارجية اللبناني، بجانب أنه مقال صحفي مجهول، ولم يحظ بأي متابعة، كما أنه لم يُطلب مني العودة إلى لبنان”.

بداية لم تعلق وزارة الخارجية اللبنانية التي يشغل رامي عدوان منصب مدير مكتبها. وقال متحدث باسم “ميديابارت” إنه لم يصلهم إخطار بالإجراءات القانونية في باريس. لكنها لاحقاً أصدرت بياناً وعدت فيه بإرسال لجنة تحقيق إلى باريس لاستجواب السفير والموظفين.

ما مصير هذا التحقيق القضائي المتعلق بدعاوى اغتصاب وعنف متعمّد ضد رجل يتمتع بحصانة دبلوماسية “منيعة” و”كاملة”، وفقاً للنصوص التنظيمية المنبثقة عن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961؟ تشير تلك النصوص بوضوح إلى أن السفير لا يمكن أن يتعرّض “لأي شكل من أشكال الاعتقال والاحتجاز”، ولا تمكن مقاضاته أمام ولاية قضائية تابعة للدولة التي يمارس فيها عمله، ما لم تقرر دولته الأم رفع حصانتها عنه.

رداً على طلب التعليق على تداعيات هذه القضية، قال مكتب المدعي العام في باريس: “لا يمكننا الرد في الوقت الحالي”.

الكرة الآن في ملعب وزارة الخارجية، وهي التي يمكن أن تعلن أن هذا الدبلوماسي غير مرغوب فيه على أراضيها. ثم يُطلب من الدولة الأم استدعاءه والتأكد من مغادرته أراضي الدولة الأخرى فعلياً. في الوقت الحالي، تقول وزارة الخارجية إنه “ليس لديها معلومات عن هذه القضية المعروضة على المحاكم، والتي تكتنفها سرية التحقيقات”.

حاشية:

أضافت ميديا بارت هذه الفقرة  التي صدرت عن وكالة الأنباء الفرنسيّة إلى المقال، نضعها هنا مع رد وزارة الخارجيّة اللبنانيّة:

أشارت وزارة الخارجية الفرنسية في تعليق لوكالة فرانس برس مساء الجمعة (2 أيار) إلى أنه “إزاء خطورة الوقائع المذكورة، نعتبر أن من الضروري أن ترفع السلطات اللبنانية الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس من أجل تسهيل عمل القضاء الفرنسي”.

من جهتها قالت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان إنه “تقرر استعجال إيفاد لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام للوزارة وعضوية مدير التفتيش، الى السفارة في باريس للتحقيق مع السفير المعني والاستماع إلى إفادات موظفي السفارة من دبلوماسيين وإداريين”.

أضاف البيان أن اللجنة ستقابل “من يلزم من الجهات الرسمية الفرنسية لاستيضاحها عمّا نقل عنها في وسائل الإعلام ولم تتبلغه وزارة الخارجية اللبنانية عبر القنوات الدبلوماسية أصولاً”.