fbpx

لماذا هرب المُصارع “بغدودة”؟… ضحايا فساد الرياضة المصرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وراء قصص المغادرين، الذين يطاردون أحلامهم في دول أخرى مُتخلّين عن قميص المنتخب المصري، الذي صار ثقلاً بدلاً من أن يكون مصدراً للدعم والقوة بالنسبة إلى الكثير من اللاعبين في الألعاب الفردية المختلفة، سجل “درج” شهادات عدد من اللاعبين الحاليين والسابقين عن معاناتهم في الملاعب المصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صار أحمد فؤاد بغدودة، لاعب المصارعة الرومانية المصري، معادلاً للظلم والاستهتار بالموهبة في الملاعب والساحات الرياضية، بعدما هرب من معسكر المنتخب المصري في تونس، غداة تتويجه بفضية بطولة إفريقيا للمصارعة الرومانية.

واقعة هروب بغدودة ليست الأولى في الرياضة المصرية خلال السنوات الماضية، ولم تكن الأسوأ بين وقائع الهروب من المنتخبات المصرية في بطولات دولية، وبعضها انتهى بالتجنيس بجنسية دولة أخرى وتمثيلها، أو اكتفى أبطال تلك الوقائع بالتمرّد ليرسلوا رسالة متكرّرة بأن الرياضة المصرية طاردة للمواهب والكفاءات، وأنّ فساد الاتحادات الرياضية ومنظومة الرياضة المصرية هو السر.

لم تتخذ الدولة خطوات حقيقية تجاه تصحيح الأوضاع، أو ضخّ المزيد من الأموال في صناعة الأبطال الرياضيين، بعد هروب بغدودة، بل ضاعفت الأثقال والأعباء على كاهلهم، بإعلان تخفيض موازنة وزارة الشباب والرياضة المصرية بمبلغ قدره 100 مليون جنيه (نحو 3.2 مليون دولار) ترشيداً للإنفاق، وهو ما يعكس عدم الاهتمام المصريّ بالرياضة عموماً، طالما أنها سلعة لا تربح، ولا تضخ أموالًا مباشرة.

وراء واقعة بغدودة ورفاقه المُجنّسين بجنسيات دول أخرى يمثلونها في بطولات دولية ويحصلون على أوضاع وفرص ونمط حياة أفضل، تفاصيل كثيرة تكشف استخفافاً بالرياضة ولاعبيها وعدم رعايتهم، إلا أن هروبهم يؤدي إلى اتهامهم بالخيانة والتخلي عن الوطن، وتفكيك المشروع الرياضي الوطني، رغم أن السياسات الرياضية وطريقة إدارة اللعب والاتحادات، في الأصل، لا تعترف بأي مشروع رياضي ولا تؤسس لذلك.

لماذا هرب بغدودة؟

يفسّر فؤاد بغدودة، والد اللاعب أحمد بغدودة، الذي يعمل سائق “توك توك” بكفر الشيخ، هروب ابنه من معسكر المنتخب المصري، بـ”غضب مكتوم داخل اللاعب”، ويقول لـ”درج”: “أحمد كان حزيناً، ومحدش طبطب عليه، ووقت سفره للبطولة كان مصاباً في ركبته، ولم يتلقَّ الدعم الطبي الكافي، ورغم ذلك لعب البطولة”.

رداً على الاتهامات بأن الهروب كان مدبراً – قبل وصوله الى تونس – بغرض التجنيس في فرنسا، يقول والد بغدودة: “بالتأكيد لا، لم أكن على علم بما فعله أحمد، وهو سافر أوروبا كثيراً لحضور تدريبات وبطولات في روسيا وكرواتيا وإسبانيا وإستونيا، ويملك تأشيرة شنغن (تأشيرة دول الاتحاد الأوروبي)، وكان بإمكانه السفر من مصر، فلماذا ينتظر بطولة إفريقيا ليغادر بعدها مباشرةً؟”.

تعاني أسرة بغدودة فقراً مدقعاً، إذ يعمل والده سائق “توك توك”، بالكاد يغطي أجره نفقات أسرته، كما أنه لا يملك مصدر دخل ثابت، ونتيجة لما يتلقاه من اتصالات، فضلًا عن قلقه على نجله، يؤكد أنه “لم يعمل منذ خمسة أيام، ولم تتناول أسرته سوى الخبز والفول، لعدم استطاعته مادياً”، مضيفاً: “أنا رجل أحصل على قوت اليوم بيومه، ورغم ذلك، كنت أنفق على نجلي في ممارسته لعبة المصارعة”.

وسارع اتحاد المصارعة  بإلقاء المسؤولية على بغدودة للتبرؤ من مسؤوليته، رغم أنه السبب الأول في مغادرة نجله معسكر المنتخب المصري في تونس واختفائه حتى الآن، مؤكداً أن نجله لم يتقاضَ راتباً منذ سنوات من اتحاد المصارعة، رغم أنه بطل رياضي تنفق الدولة في مصر أموالاً طائلة لإعداده لخوض الأولمبياد. وأشار إلى أن نجله تلقى مكافأة قدرها 16 ألف جنيه، تمّ حسم 14800 جنيه منها، فلم يحصل سوى على 1200 جنيه فقط (نحو 38 دولاراً).

وبرّرت مصلحة الضرائب المصرية حسم ذلك المبلغ من بغدودة بكونه رسوماً متأخرة كان مفترضاً أن يسدّدها، كرسوم انتقال من أحد مراكز الشباب إلى المشروع القومي للموهبة.

“أحمد كان حزيناً، ومحدش طبطب عليه، ووقت سفره للبطولة كان مصاباً في ركبته، ولم يتلقَّ الدعم الطبي الكافي، ورغم ذلك لعب البطولة”.

بغدودة… الجرح الغائر في فساد الرياضة

تحوّل هروب بغدودة إلى جرح غائر في الكرامة المصرية، بالنسبة إلى الدولة، أدى إلى إحالة مجلس اتحاد المصارعة إلى النيابة العامة للتحقيق معه في هروب اللاعب المصري، بينما عزا الاتحاد الواقعة إلى استسلامه لـ”ملايين التجنيس“، في إشارة إلى الإغراءات المالية الخارجية، وليس تقصير الاتحاد معه، وقال أمام مجلس النواب المصري إن “التعاطف معه يشجع الآخرين على الهروب”. كما تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بمنح بغدودة منحة للتدريب والتأهيل مع رعاية تامة له كموهبة رياضية مصرية واعدة، وصارت عودته إلى مصر وعدم تجنيسه أو تمثيله دولة أخرى ملفاً حساساً، على عكس المرات السابقة التي انتقل فيها لاعبون مصريون إلى منتخبات أخرى من دون أن تتحرك الدولة تحركاً حقيقياً أو تحسّن أوضاع الرياضات واللاعبين.

يتكرّر ذلك السيناريو للمرة الثانية في رياضة المصارعة الرومانية تحديداً. وكان بطل المرة الأولى المصارع المصري الحاصل على الميدالية الذهبية في أولمبياد أثينا، محققاً الميدالية الأولمبية السابعة لمصر في تاريخها، بعد توقف دام 56 عاماً، وانتهت به الحال موقوفاً وممنوعاً من تمثيل مصر بعد خلافاته المستمرة مع اتحاد المصارعة.

رداً على الاتهامات التي تطارد اتحاد المصارعة، قال عصام نوار، رئيس الاتحاد، وهو لواء بوزارة الداخلية شغل منصب نائب مدير الإدارة العامة لاتحاد الشرطة الرياضي، إن بغدودة ليس واحداً من اللاعبين الذين يُجرى تأهيلهم للعب في الأولمبياد، مضيفاً: “لا أعتبره لاعباً مهماً”.

عبر نوّار في تصريحات لـ”درج”، عن دهشته من الضجة الإعلامية التي صاحبت هروب بغدودة، موضحاً أنه ليس اللاعب الأول الذي يهرب من منتخب المصارعة: “نصف لاعبي المنتخب هربوا إلى الولايات المتحدة لتمثيلها، والآن الوجهة أصبحت فرنسا لسعيها الى تشكيل منتخب قوي ينافس عالمياً، ورغم ذلك لم نتأثر وأحرزنا 68 ميدالية في أوزان مختلفة خلال البطولة الإفريقية الأخيرة”.

وعن سبب هروب اللاعبين، قال: “اللاعب بعد التحاقه بمنتخب دولة أخرى يحصل على راتب يساوي  – على الأقل – عشر أضعاف ما يحصل عليه لاعب منتخب مصر، الذي لا يتجاوز راتبه الـ3 آلاف جنيه (نحو 100 دولار أميركي) شهرياً، بسبب الميزانية المحدودة المخصصة لنا، فضلًا عن عدم اهتمام الأندية بالإنفاق على الألعاب الفردية لحساب كرة القدم، التي يمكن أن يحصل لاعب واحد فيها خلال عام على ميزانية الاتحاد في قرن”.

فسّر نوّار هروب بغدودة بوجود “شبكات سماسرة حول العالم تقنع اللاعبين بالهروب من منتخباتهم، وتحصل منهم على الكثير من الأموال بعد تعيينهم وكلاءً لهم”، يتماشى ذلك التصريح مع اعتراف وزير الشباب والرياضة المصري، أشرف صبحي، بأنه على علم بوجود شخص في فرنسا وراء هروب اللاعبين المصريين، فيما كشف الناقد الرياضي بليغ أبو عايد أن اتحاد المصارعة لم يمانع في تجنيس اللاعب إبراهيم غانم بالجنسية الفرنسية، وخاطبه بالموافقة مقابل دفع 10 آلاف يورو.

هروب جماعي

تعيش الرياضات المصرية هروباً جماعياً، نتيجة لسوء المعاملة وانعدام التقدير وعدم رغبة الدولة في دعم الأبطال للتقدم نحو بطولات عالمية، وعدم قناعتها بأهمية البطولات الدولية أو اتساع ميزانيتها لرعاية بطل أولمبي، بخاصة أن الأمر يتكلف نحو مليوني دولار، وفق تصريح وزير الرياضة أشرف صبحي، المبلغ الذي يفوق ميزانيات الاتحادات، وهو ما يتحقّق للاعبين في دول أخرى، تمنح اللاعبين أضعاف ما يحصلون عليه في مصر مادياً، كما تؤهلهم رياضياً للمنافسة الدولية، إلى جانب الشهرة والنجومية والاهتمام، العوامل التي يفتقدها لاعبو الرياضات الفردية في مصر.

من بين اللاعبين الذين فضلوا اللعب بقميص دول أخرى، كان محمد الشوربجي، نجم الإسكواش، لاعب منتخب إنكلترا الحالي، الذي قرر تمثيلها بعد سنوات من اللعب باسم مصر، وهو المصنف الثالث عالمياً في الإسكواش، لكونه “لم يحظَ بأي دعم خلال مسيرته في مصر، وكان عليه القيام بكل شيء بشكل شخصي”، وفق قوله.

سبقه في تمثيل إنكلترا الفارس سامح الدهان، المصنف 203 عالمياً في رياضة الفروسية، وذلك رداً على حرمانه من المشاركة في أولمبياد طوكيو ضمن منتخب الفروسية المصري، واستبعاده من دون وجه حق، وكلاهما كان يحمل الجنسية المصرية ويفضّل اللعب باسم مصر منذ البداية، لكن التجربة السيئة دفعتهما الى استبدال القميص.

وفي رياضة الفروسية، لم يكن “الدهان” الأول. إذ سبقه إلى اللعب بقميص المنتخب البلجيكي الفارس عبد القادر سعيد المصنف 40 عالمياً في الفروسية، غضباً من “تصرفات اتحاد الفروسية، الذي دفع كثيرين الى الرحيل رغم انتمائهم الشديد الى وطنهم”، فضلًا عن الضغوط الكبيرة التي تعرض لها.

وقبل 8 أشهر فقط من الآن، هرب لاعب منتخب المصارعة الرومانية “تحت 17 عاماً” محمد عصام من معسكر المنتخب المصري بعد نهاية بطولة العالم للمصارعة للناشئين في إيطاليا، تاركاً جواز سفره لمديري البعثة المصرية، وأجريت تحقيقات موسعة لكشف أسباب هروبه، ولم تعلن نتائجها حتى الآن، إلا أنّه بدا أن هروب اللاعب كان مخططاً قبل سفره، نظراً الى كونه من إحدى قرى المنوفية التي يعمل شبابها في غالبيتهم في إيطاليا، والكثير منهم وصلوا إلى هناك عبر الهجرة غير النظامية.

إحدى أكبر الصدمات التي تلقتها الرياضة المصرية كانت تجنيس الرباع فارس حسونة بالجنسية القطرية مقابل تمثيل الدوحة، التي حصل باسمها على الميدالية الذهبية لرفع الأثقال للرجال وزن 96 كغم بدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو لعام 2020، وأثار ذلك حالة عامة من الإحباط، نظراً الى الخلاف السياسي بين مصر وقطر في تلك الأثناء، وكانت تلك الخطوة نتيجة لـ”شعوره بالإهمال وتعيين المدربين بالمجاملات، واختيارهم اللاعبين بالمجاملات أيضاً”، حسب تصريح والده. حينذاك، ردّ اتحاد رفع الأثقال المصري على تجنيس اللاعب وتفوّقه بمقيص قطر، بأن الدوحة “تصرف عليه مثل أندية الكرة”.

خلال تلك النسخة من الأولمبياد، شارك ثلاثة لاعبين مصريين آخرين بقمصان دول أخرى، وهم أشرف الصيفي، لاعب ألعاب القوى، وأحمد عبد الواحد، لاعب ألعاب القوى، الحاصل على الجنسية الإنكليزية، وشادي النحاس، لاعب الجودو، الذي يمثل كندا، وحصل باسمها على 9 ميداليات، والمركز الرابع للجودو في أولمبياد طوكيو.

ولم تشمل قوائم الدول التي تُجنس اللاعبين المصريين ليلعبوا باسمها، دولاً متفوّقة رياضياً أو ثرية فقط… إنما شملت دولاً متوسطة رياضياً ومالياً كبلغاريا، التي يمثلها حالياً لاعب المصارعة المصري الأصل طارق عبد السلام، وكانت مغادرته مصر حدثاً درامياً، إذ هاجر إلى بلغاريا وعمل في أحد محال الشاورما، ولم يلتفت مسؤولو الاتحاد إلا بعد تمثيله منتخبها، رغم مغادرته القاهرة قبل معسكر البطولة الإفريقية لعام 2016 مباشرة.

تطول القائمة إلى حد أنه لا يمكن حصرها، لا سيما أن الكثير من اللاعبين غادروا مصر ولاذوا بدول أخرى من دون إعلان رسمي من الاتحادات، ولولا أنّ هروب بغدودة جاء بعد حصوله على ميدالية فضية في بطولة مهمة كالبطولة الإفريقية، وتمّ بدولة أخرى، لما سمع أحد بقصته، أو ربما مرّت مروراً عابراً كما غيرها من قصص اللاعبين الذين تخلّصوا من فساد الاتحادات الرياضية المصرية وضيق حالها، ولا يمكن فصل هروب اللاعبين من مصر عن هجرة الأطباء والمهندسين المصريين المتنامية إلى دول أخرى كبريطانيا وألمانيا وكندا “في المراتب الأولى لهجرة الشباب المصري” بحثًا عن عمل.

يهرب الجميع من الحياة في مصر، إلى آفاق أرحب حول العالم، تمثل فرصة جديدة ومتكافئة وعادلة، وهو ما يتجلّى في قصص المغادرين التي تؤثر في الكثير من الشباب المصريين ليلحقوا بهم في أول فرصة. وبينما وصف أحد المواقع الإخبارية المصرية “بغدودة” بالهارب وطالب الجمهور بتوجيه كلمة إليه، فوجئ بطوفان التعليقات التي تدعو للاعب بالتوفيق، وتثني على قراره بالهرب من جحيم الألعاب الفردية في مصر، وتبارك قراره وتهنئه بالخروج من ذلك “الوطن المُستبد”، لتعبر عن حالة مصرية عامة تتمنى “الخروج” السريع وتعكس تحولاً حاداً ما بين موقف المصريين الناقد والغاضب من “الشوربجي” بسبب لعبه بقميص إنكلترا قبل عام واحد فقط، وسعادتهم العارمة بهروب بغدودة.

شهادات رياضيين حاليين وسابقين… مصير غامض!

وراء قصص المغادرين، الذين يطاردون أحلامهم في دول أخرى مُتخلّين عن قميص المنتخب المصري، الذي صار ثقلاً بدلاً من أن يكون مصدراً للدعم والقوة بالنسبة إلى الكثير من اللاعبين في الألعاب الفردية المختلفة، سجل “درج” شهادات عدد من اللاعبين الحاليين والسابقين عن معاناتهم في الملاعب المصرية.

قال سيف الدين عبد الفتاح، ثاني إفريقي وأول العرب في رياضة الترايثلون، إنه يتقاضى نحو 600 جنيه مصري (20 دولاراً) راتباً شهرياً من الاتحاد المصري للترايثلون، ولا يحصل على رعاية كافية كرياضي أولمبي.

أكّدت سمر حمزة، المصنفة الأولى عالمياً في المصارعة الشاطئية، أنها حين حصلت على ذهبية البطولة الإفريقية، كانت المكافأة التي قدمتها لها الدولة مبلغاً هزيلاً لا يتجاوز الـ 20 ألف جنيه مصري (نحو 650 دولاراً أميركياً)، وقالت لـ”درج”، إن ذلك كان أحد أسباب اعتزالها، بعد عودتها من أولمبياد طوكيو، إلا أنها عادت مرة أخرى، وعانت وواجهت صعوبات كثيرة على مستوى الإمكانات المتاحة والفرص التي تساعدها على المنافسة في البطولات الدولية: “أحتاج دعماً مالياً ومعنوياً حتى أستمر”.

وفي المصارعة الرومانية، وكما حصل لبغدودة، تعرض بطل إفريقيا، اللاعب أحمد إبراهيم، المشهور باسم “عجينة” لإصابة خلال تمثيله المنتخب المصري، ويروي عبر حسابه على “فيسبوك“، أنه طلب مساعدة اتحاد المصارعة في العلاج، ويقول: “الاتحاد رفض التكفل بالجراحة، وتكفلتُ بمصاريف علاجي بالكامل، وبلغت 50 ألف جنيه، ولم أستردْ منها شيئاً، رغم أنني كنت أطالب بالمساعدة بصفتي لاعباً مصرياً يمثل المنتخب الوطني”.

يضيف: “أنا من أسرة فقيرة، ورغم ذلك لم يساعدني الاتحاد، وما أحزنني أكثر من تخلّي الاتحاد عني، أنه أوقف راتبي الذي لا يتجاوز الـ 1200 جنيه، رغم أنني أصبت خلال مباراة باسم مصر”.

لا تختلف تلك القصص كثيراً عن قصة علي الشرقاوي، بطل مصر في كمال الأجسام، الذي يعمل حتى الآن جامعاً للقمامة صباحاً، ويؤكد لـ”درج” أنه رفض الهروب من مصر أو التجنيس، لأنه يحلم بلقب “مستر أولمبيا”.

يبدو الحلم بعيد المنال بالنسبة إلى الشرقاوي، ولا سيما أنه مُنهك في مهمته الأولى، التي يربح منها قوت يومه، وهي جمع القمامة، قائلاً: “إذا استسلمت لكمال الأجسام، سأتحول إلى شخص فقير، ولا يمكن أن أنفق على نفسي منه”.

ويوضح الشرقاوي أن يومه “يبدأ من الفجر، أخرج لجمع القمامة وأعمل حتى الظهر، وأعود إلى صالة الحديد، لممارسة كمال الأجسام وتحسين قدراتي، لكن ذلك لا يصنع بطلاً… إلا أن مصدر رزقي الأصلي هو الذي يساعدني على مطاردة حلمي… لقب مستر أولمبيا”.

ويرى كثير من الرياضيين الشباب، أنهم في النهاية قد يتحولون إلى السيد عواد، النموذج الذي يمثل إحباطاً كبيراً لمن يستمر في مصر من دون مطاردة حلم التجنيس، ليس لعيب فيه، بل لعيب في التعامل معه.

السيد عواد هو بطل العالم الأسبق في رياضة الكاراتيه، حصد 17 بطولة دولية وذهبيتين، وانتهى به الأمر بائعاً للكشري، وسائقاً لـ”توك توك” يعلق عليه إنجازاته وشهادات تقديره وميدالياته، حتى يتمكن من الإنفاق على أبنائه.

يروي عواد لـ”درج”، أنه تلقى أكثر من عرض للتجنيس وتمثيل دولة أجنبية، إلا أنه رفض العروض إرضاءً لشعوره الوطني. ويقول: “كنت صغيراً، واستمراري في الكاراتيه كان لحصولي على مكافآت البطولات التي شاركت فيها، إلا أني مع التقدم في العمر لم أعد أربح أي أموال، ولا تمنحني الدولة معاشاً، كما أنها لم تصرف مكافآت لبطولات حصلت عليها”.

عمل عواد مدرباً للكاراتيه في أحد الأندية الشعبية، وكان يتقاضى راتباً هزيلاً لم يستطع معه العيش، بخاصة أن الدخل المحدود الذي حصل عليه من البطولات لم يكفِ للادخار، فقرر بيع الكشري، ثم العمل على “توك توك”.

ويضيف: “عمري الآن 58 عاماً وما زلت مضطراً للعمل اليومي على التوك توك حتى أنفق على أولادي ونفسي، وقابلت أشرف صبحي، وزير الرياضة، وطلبت منه المكافآت المستحقة لي عن البطولات التي حصلت عليها، من دون استجابة. ومن الطبيعي حين ينظر إليّ لاعب شاب مثل بغدودة ويرى مستقبله فيّ، أن يقرر الرحيل”.

يبدو مستقبل الرياضيين المصريين غامضاً إذا لم يتخذوا خطوات بديلة، ويؤمّنوا حياتهم بعيداً من السيناريوات التقليدية التي توفرها الدولة في الوقت الراهن، بخاصة أن حضورها في حياة الأبطال الرياضيين هامشي، لا يتجاوز التصفيق والاحتفال بالإنجازات من دون دعم حقيقي أو تأهيل رياضي يحوّل هروب اللاعبين إلى ذكرى… إنما الأداء الرياضي في مصر يجعل الهروب واللعب بقمصان دول أخرى الاختيار الأول لمن يريدون حياة كريمة.