fbpx

انتشار السلاح وأطياف الحرب الأهليّة في السودان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تطورات الوضع في السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023، لا تبشّر بأي حلول، وتشير التعقيدات الاجتماعية والقبلية إلى أنه يمضي بسرعة إلى هاوية لا قرار لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد انتشار أعمال العنف في العاصمة الخرطوم جراء القتال بين الجيش و قوات الدعم السريع، اضطر محمد الطاهر (36 عاماً)، لشراء سلاح كلاشنكوف بمبلغ 500 ألف جنيه (نحو 850 دولاراً)، لحماية أفراد أسرته.

يقول الطاهر لـ “درج”، إن حماية المدنيين تقع على عاتق الدولة، فيما لا توجد دولة الآن، ما حتم عليه شراء سلاح من جاره من دون أن يسأله عن مصدره، لمعرفته السابقة بتسرب السلاح من قاعدة كرري العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع في أعقاب قصفها بطيران الجيش.

يشدد الطاهر على أنه تسلح لحماية أسرته من أعمال النهب، وليس بناء على الدعوات المكثفة المنتشرة في السودان لتسليح المدنيين لحراسة الأحياء السكنية والقتال لصالح الجيش ضد قوات الدعم السريع، والتي صدر بعضها من رجال الدين، وبعضها الآخر من حكومة ولاية الخرطوم التي نادت القوات المسلّحة بإعلان التعبئة العامة.

دعوات للقتال

استجابت وزارة الدفاع لهذه الدعوات، وأعلن وزيرها المُكلف الفريق يس إبراهيم في 22 أيار/ مايو، عن استعداد الجيش لتسليح المدنيين والمتقاعدين لتأمين أنفسهم والعمل وفق خطط المناطق العسكرية التي يتسلحوا منها، ليؤكد بعدها أن حرب المدن لا حدود زمنية لوضع أوزارها.

وقال في بيان، إن قوات الدعم السريع “تمادت في إذلال رموز الدولة من الأدباء والصحافيين والقضاة والأطباء، وأسر ومطاردة والقبض على متقاعدي القوات النظامية، إننا نوجه نداءنا هذا ونهيب بكل متقاعدي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح، بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية أعراضهم والعمل وفق خطط هذه المناطق”.

الأمر ذاته قامت به الشرطة في اليوم التالي، لكن الأخطر هو دعوة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، مواطني الإقليم، بمن فيهم النساء وكبار السن، إلى حمل السلاح للدفاع عن ممتلكاتهم، على أن تُساندهم الحركات المسلحة.

حماية المدنيين تقع على عاتق الدولة، فيما لا توجد دولة الآن

انتشار السلاح

يقول صحافي ــ فضّل عدم ذكر اسمه ــ إن جيرانه في أم درمان عرضوا عليه هدية، وهي سلاح كلاشنكوف ومسدس، قبل أن يفروا من المدينة، لكنه رفضها بلطف، مشيراً إلى أنه شاهدهم يوزعون 10 قطع من الأسلحة، معظمها مُرخص من الحكومة إلى آخرين بدعوى حماية منازلهم. يؤكد آخر أن أحياء العاصمة الخرطوم الطرفية باتت مليئة بالأسلحة المعروضة للبيع، لكنها تُباع عادةً عبر وسطاء.

بعد أيام من اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، نهب سكان مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور غرب السودان، أكثر من 9 آلاف قطعة سلاح من مخازن الشرطة، ما ساهم في تحويل الاشتباكات بين القوتين إلى قتال عرقي، أسفر عن نهب وحرق المحال التجارية والمؤسسات الخدمية ومقار الدولة والمنظمات، قبل أن ينقطع عنها الاتصال. 

التخوف الآن هو أن يمتد هذا النمط من القتال إلى باقي إقليم دارفور، الذي يُعاني من احتقان اجتماعي، بسبب الحرب التي اندلعت فيه منذ العام 2003، والتي أدت الى انتشار تجارة مختلف أنواع الأسلحة فيه، بما في ذلك صواريخ أرض ــ جو. 

يُرجح أن تنخرط الحركات المسلحة الموقِّعة على اتفاق السلام في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، والتي لم تُدمج مقاتليها في الجيش؛ في القتال بخاصة أن حاكم الإقليم منحها صلاحيات مُطلقة في فرض الأمن.

ومن المؤكد، أن أهالي دارفور المناوئين لهذه الحركات، لا ينظرون إليها كقوات نظامية أو محايدة، لا سيما أنها تتكون من قبائل بعينها، ما يدفعهم إلى الاصطفاف ضدها من منطلق أهلي. والسؤال، لماذا لا تكافح الدولة العنف في السودان؟ ببساطة، لأنه لا توجد “دولة”، إذ تنتشر أكثر من 8 ملايين قطعة سلاح في أيدي المواطنين، بحسب إحصائية رسمية صادرة في شباط/ فبراير 2023. 

مستقبل سيئ

يؤكد الخبير الأمني طلال الطيب، أن انتشار السلاح في أي بلد يُعاني من انعدام الأمن، يدفع حامليه إلى استخدامه لحماية أنفسهم، لكن بمرور الوقت يحتمل انخراطهم مع طرفي الحرب أو المشاركة في أعمال النهب، بخاصة بعد تعطل أعمال كثير من السكان.

ويشير لـ “درج”، إلى أن حاملي السلاح بدأوا يستخدمونه في أعمال النهب، بخاصة في إقليم دارفور، باعتباره الوسيلة الأسرع لجني الأموال، ما يدفع المنهوبين للتسلح، وهكذا يبدأ الاحتراب بين الأهلي، والذي لا يحتاج الى دوافع مع انتشار خطاب الكراهية وحالة الاحتقان.

ويقول الطيب إنه في ظل الحرب لا أحد يعرف ماذا يحدث غداً، سوى المزيد من العنف وفرض واقع جديد يصطف فيه الأهالي مع طرفي النزاع اللذين سيمدان مناصريهما بالسلاح، من دون أن يستبعد استخدامه في تصفية الخلافات الشخصية والعشائرية، وبالتالي توسيع نطاق النزاع.

وبالفعل، أعلنت قبيلتان على الأقل في غرب السودان تأييدهما لقوات الدعم السريع، فيما تبرعت قبائل من شمال ووسط وشرق البلاد بمواد غذائية للجيش.

ونظراً إلى سيطرة زعماء العشائر والقبائل على المجتمع في الأرياف والمدن الصغرى وانتشار الأسلحة بمختلف أنواعها والغبن الأهلي، فإن تحوُّل الحرب بين الجيش والدعم السريع إلى قتال أهلي أصبح قريباً. ويُساعد في ذلك، عدم رغبة طرفي النزاع في إنهاء العنف بطرق سلمية، وهذا ما يظهر جلياً في عدم التزامهما بالهُدن الإنسانية واتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد.

يلفت الطيب إلى أن عملية تسليح المدنيين لا تخضع عادة لمراقبة أو ضوابط، ما يدفع المسلحين إلى التمرد على من سلّحهم حال تقاطعت المصالح؛ لكن الأخطر من ذلك أن يقع السلاح في أيدي جماعات متطرفة تستخدمه لصالح مشروعها الديني. ولهذا، فإن استمرار القتال يجعل مستقبل السودان بيد المسلحين.

تطورات الوضع في السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023، لا تبشّر بأي حلول، وتشير التعقيدات الاجتماعية والقبلية إلى أنه يمضي بسرعة إلى هاوية لا قرار لها.