fbpx

حادث “الحدود”… “كوابيس إسرائيليّة” تعود الى الواجهة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التزمت مصر الصمت تماماً حيال أي معلومات حول المجند محمد صلاح، منفذ العملية، إلا أن السلطات الأمنية اعتقلت شقيقه وعمه ومجموعة من أصدقائه كي تقف على تفاصيل ما جرى، وما إذا كان مدفوعاً من إحدى الجماعات الإرهابية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تزال السلطات في القاهرة تفرض سرية تامة على تفاصيل وأسرار حادث “الحدود”، الذي دبّره مجند مصري قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب آخراً، حتى بعد تسليم جثمانه لمصر ودفنه بمعرفة أسرته. 

الإعلام الرسمي المصري يتناول القضية على نحو مبهم، إذ ينشر معلومات ركيكة تتحدث عن مطاردة الجندي مهربي مخدرات، وخلال تلك المطاردة أصيب جنود إسرائيليون بالخطأ، وهو ما لم يحدث نهائياً، طبقاً لوسائل إعلام اسرائيلية تقدم رواية بديلة تلقي بظلال ثقيلة على معاهدات السلام العربية – الإسرائيلية، ومعاهدة كامب ديفيد، وتعبر عن مأزق حقيقي في العلاقة المصرية – الإسرائيلية على مستوى الرأي العام.

الرواية التي نقلها الإعلام الإسرائيلي تتطابق مع الرواية الأولى التي انتشرت منذ اللحظات الأولى للحادث، وتحدثت عن اختراق المجند المصري، محمد صلاح، الحدود وسيره خمسة كيلومترات قرب معبر “العوجة” بسلاحه “الميري” وتصفية جنود إسرائيليين، مرتدياً زي الجيش المصري، حتى عثرت عليه دورية استكشاف إسرائيلية، وقامت بتصفيته.

تتبنى أوساط شعبية مصرية واسعة تلك الرواية، وبات المجند محمد صلاح أيقونة شعبية، وسط حفاوة جارفة تتحدى الصمت الرسمي، تفاعلاً مع ما نشرته الصحف الإسرائيلية عن هويته وأفكاره وتتبُّعها وتحليلها لحسابه على موقع “فيسبوك”، حيث كان آخر ما شاركه مع أصدقائه: “من عُز بقوم ذُل بذلهم ، ومن عُز بالرحمن ظل عزيزاً”. فاعتبرها المتابعون انعكاساً لرغبته في تنفيذ عملية عسكرية، لا سيما أنّ الحادث نُفِّذ قبل يومين من ذكرى النكسة المصرية، في 5 حزيران/ يونيو 1967.

طبقاً لاتفاقية كامب ديفيد، التي تنظم العلاقة بين القاهرة وتل أبيب منذ نهاية الحروب بين البلدين، لا يحق للجيش المصري بالتأمين أو الوجود في المنطقة “ج” الحدودية بين مصر وإسرائيل، ويظلّ التأمين في تلك المنطقة محدوداً، تتولاه قوات الشرطة، وما تكشف تدريجياً من الحادث، هو اختراق مجند شرطة مصري يمضي فترة خدمته العسكرية الحدود، عبر ممر طوارئ مخصص لمرور القوات الإسرائيلية إلى الجانب المصري من الحدود في حالة الحاجة، في الرابعة والنصف فجر السبت الماضي، وأطلق النار على أفراد الحراسة فقتل مجنداً ومجندة، وحين وصلت دورية عسكرية إلى الموقع بعد انقطاع الاتصال معهما، أطلق المجند المصري النار على الدورية، ما أدى إلى إصابة جنود آخرين توفي أحدهم متأثراً بجراحه.

طوال تلك المطاردة، قطع المجنّد المصري خمسة كيلومترات سيراً على الأقدام، وظل متقدماً رغم ما تعرض له من إطلاق للنيران.

لا تزال السلطات في القاهرة تفرض سرية تامة على تفاصيل وأسرار حادث “الحدود”، الذي دبّره مجند مصري قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب آخراً، حتى بعد تسليم جثمانه لمصر ودفنه بمعرفة أسرته. 

من هو المجند المصري محمد صلاح؟

التزمت مصر الصمت تماماً حيال أي معلومات حول المجند محمد صلاح، منفذ العملية، إلا أن السلطات الأمنية اعتقلت شقيقه وعمه ومجموعة من أصدقائه كي تقف على تفاصيل ما جرى، وما إذا كان مدفوعاً من إحدى الجماعات الإرهابية، بينما كشفت إسرائيل المزيد من المعلومات عنه قبل تسليم جثمانه إلى مصر، تمهيداً لدفنه، بدءاً من اسمه حتى توجهاته والطريقة التي سقط بها، وكان بيده نسخة من القرآن  ومجموعة من السكاكين، ويمسك بمسبحة ذات طابع ديني.

يبلغ الجندي المصري من العمر 22 عاماً، ويعيش بمنطقة عين شمس الشعبية شمال شرقي محافظة القاهرة، وبدأ فترة تجنيده الإلزامي في حزيران من العام الماضي بقطاع الأمن المركزي، الذي يلتحق به المجندون الذين لا يحملون شهادات دراسية، وتصل مدة الخدمة إلى 3 سنوات. صلاح توقف تعليمه عند المرحلة الإعدادية، ولم يكن له أي نشاط سياسي، إلا أنه كان يُظهر تعاطفاً موسمياً مع غزة، وكتب ذات مرة على صفحته الشخصية “الله يقف مع فلسطين“، ومن هواياته الرسم والسفر والترحال، ولا يخفي تدينه الشعبي، لا المتذمت ولا المتهاون.

تفرّغ صلاح في عمرٍ صغير للإنفاق على أسرته، برفقة أخيه الأكبر، بعد وفاة والده في حادث سير، وكان من المفترض أن ينهي خدمته العسكرية بعد عام ونصف العام، إلا أن مقتل أحد أصدقائه من المجندين بطريقة مثيرة للشكوك خلال عمليات التأمين، غذّى لديه الرغبة في الانتقام. وباستطلاع حسابه على “فيسبوك”، تبيّن أنه كان شديد التعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية، ما يعني أن إرساله إلى الحدود المصرية – الإسرائيلية كان “خطأً” من جانب قيادات بالجيش.

غادر صلاح معسكره ليلاً وسار نحو خمسة كيلومترات مسلحاً ببندقيته الكلاشينكوف ذات الطراز القديم، وكانت في حوزته 6 مخازن ذخيرة، وقطع الأصفاد الموضوعة على المعبر بسكين، وخطّط لكل خطوة مسبقاً، ما يعني أنه كان على علم واطلاع واسعين بالمنطقة، حتى موقع المراقبة الذي قتل فيه الجنديين.

وفور انتهائه من قتلهما، اتخذ لنفسه مخبأ اختفى فيه لـ6 ساعات، لمواصلة التخفي داخل الأراضي الإسرائيلية، تمهيداً لتنفيذ عمليات أخرى، وساعدته التضاريس الجبلية للمنطقة التي تضم منحنيات وطرقاً غير ممهدة في تنفيذ خطته.

تتسم تلك المنطقة الحدودية بتضاريسها الوعرة، وعدم وجود أي سكان فيها من الجانبين المصري والإسرائيلي، بخاصة بعد تهجير السكان على طول الحدود مع قطاع غزة قبل سنوات في الجانب المصري، وهو ما ساعد الجندي في الاختباء والمناورة لساعات.

ورغم الاحتفاء المصري على مواقع التواصل الاجتماعي بمحمد صلاح، إلا أنه دُفن في القليوبية بحضور عدد محدود من أفراد أسرته وتحت حراسة أمنية مشددة، بعد جنازة “سرية” لم يحضرها أحد خوفاً من تحوّله الى بطل شعبي وتحوّل جنازته إلى تظاهرة كراهية لإسرائيل، “الحليف” الأقرب الى مصر في الوقت الراهن، بينما أقامت تل أبيب جنازة عسكرية مهيبة لجنودها.

ماذا تعني العملية رسمياً؟

على الجانب الرسمي، يمثل ذلك خرقاً لاتفاقية السلام التي تربط مصر بدولة إسرائيل، والعلاقات المتنامية والتنسيق الأمني رفيع المستوى بين البلدين، بخاصة أن القاهرة كانت طرفاً أساسياً في جميع اتفاقات الهدنة بين تل أبيب والحركات الجهادية في غزة، ويُتوقّع أن يهدد ذلك الحادث قوة مصر في إدارة المفاوضات في الأوقات اللاحقة، لأسباب أخرى لا تتعلق بالشأن السياسي، ولكن بالثقة بين البلدين والشعبين بعد اتفاقية سلام عمرها نحو 45 عاماً، لكنها لا تزال عاجزة عن تطوير العلاقة نحو سلام حقيقي.

بعد سنوات من الهدوء الأمني، قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “الدرس الأول المُستخلص من الحادث غير العادي، هو أن وجود اتفاقية سلام لا يعني تراجع العداء تجاه الإسرائيليين، لا في مصر ولا أي مكان آخر، وهذا يعلمنا أننا لا نستطيع أن نكتفي بما حققناه، حتى عندما يكون هناك إطار اتفاق يعمل على استقرار البيئة الاستراتيجية، فلن يتم ضمان أمن إسرائيل إلا من خلال قوتها الأمنية، وليس الاتفاقية السياسية”.

لم تكن الجبهة الجنوبية لإسرائيل محل اهتمام طوال السنوات الماضية، فقط كانت تخضع لتأمين روتيني لعمق العلاقات مع مصر من ناحية، ومن ناحية أخرى، لوجود جدار حدودي كلّف مليارات “الشواكل” الإسرائيلية لمنع المتسللين ووقف العمليات العسكرية.

قد يغير ذلك الحادث “البسيط” الذي تقدر خسائره بأقل من خسائر حادث طعن تدبره حركة فلسطينية، وجهات النظر الإسرائيلية حيال السلام مع الدول العربية، ورغم عمق التعاون بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع مصر والأردن، لا تزال المسألة شعبياً أكثر تعقيداً، وهو ما يدفع “إسرائيل اليوم” الى توقّع ترجمة المشاعر الشعبية المعادية إلى سياسة عملية، والاستعداد لسيناريوات أصعب.

توصّلت أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى أن الحادث “انتحاري” وليس عابراً، ما زاد المخاوف من أن يتحول أي جندي مصري على الحدود بين البلدين فجأة إلى مقاتل ومنفذ عملية فدائية يقتل خلالها جنوداً إسرائيليين، كما فعل الجندي المصري، بخاصة أنها ليست المرة الأولى. إذ تقع مناوشات حدودية بين الجنود المصريين والإسرائيليين مراراً، وفي مناسبات عدة تعمّد جنود إسرائيليون استفزاز المصريين برقصات وحركات بذيئة، إلا أنه قبل 33 عاماً، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1990، وقع حادث مماثل بل أكثر خطورة خصوصاً مع سقوط ضحايا مدنيين وليس فقط جنود إسرائيليين.

آنذاك، تسلل الشرطي المسؤول عن تأمين الحدود المصرية، أيمن محمد حسني، عبر الحدود ودخل الأراضي الإسرائيلية حاملاً بندقية، وأطلق النار على سيارات عسكرية ومدنية وقتل 5 إسرائيليين وأصاب 27، وتمكن من الانسحاب والعودة إلى مصر. وسبقت ذلك عملية مسلحة أخرى تزامنت مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد، عام 1978، نفذها الجندي سليمان خاطر، وأسفرت عن مقتل 7 إسرائيليين.

هل يعود التنسيق الأمني المصري – الإسرائيلي إلى المربع صفر؟

يرى عبد الغفار محمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن العلاقات بين مصر وإسرائيل لن تتأثر بعملية الجندي المصري محمد صلاح، لكن “الثقة في أمان الحدود بين البلدين ستظل محل شك لفترات طويلة، كما أن شعور الإسرائيليين بالأمان في مناطق سياحية كجنوب سيناء، التي يُسمح لهم بدخولها بتسهيلات، سيتحول إلى رهبة، خوفًا من أن يتم استهدافهم”، وفق قوله.

وأضاف محمد: “الرسائل التي وصلت من هجوم الجندي المصري، غير المؤدلج أو المُسيس كما تشير التحريات حتى الآن، هي أن الإسرائيليين والسلام معهم في الوطن العربي حبر على ورق، لكن لن يتحول إلى تطبيع حقيقي أو تبادل زيارات وأعمال، فالمصريون، على سبيل المثال، اعتادوا على كراهية إسرائيل وتربوا على ذلك منذ الصغر، وكل الملايين التي أُنفقت على تغيير تلك الصورة الذهنية، أثبت ذلك الحادث أنها أُهدرت، ولم يكن لها أي أثر”.

وعن التحوّل المنتظر في تأمين الحدود من الجانب الإسرائيلي، يؤكد أستاذ محمد أن “هذه العملية، بالنسبة الى الإسرائيليين، جرس إنذار، بأنّ الأمور قد تنقلب في لحظة، وأن تلك الحدود التي منحوها أقل اهتمام وتأمين، قد تشتعل بلا سابق إنذار، ولذلك سيتجه جيش الاحتلال إلى زيادة الموارد والمعدات المخصصة للتأمين، والاستعانة بقوات أعلى تدريباً بدلاً من القوات محدودة التدريب، التي اعتادوا تعيينها في تلك النقاط التي كانوا يعتبرونها حصينة، ولن تشهد قلقاً على الإطلاق، ومن المعروف أن القوات الإسرائيلية كانت تدفع بكامل طاقتها إلى الحدود مع لبنان والأراضي المحتلة”.

يتماشى ذلك مع ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، التي أكدت أن العمل الاستخباراتي في تلك المنطقة “منقوص، وهذا مرتبط بسلم الأولويات بالنسبة الى إسرائيل”. وأضافت الصحيفة: “الجدار الذكي نسبياً الذي أقيم على الحدود مع مصر قبل 10 سنوات، يمنع طالبي اللجوء والباحثين عن عمل الأفارقة، لكنه ليس مغلقاً تماماً، وشبكات التهريب الدولية تنجح في عبوره وتنفيذ عملياتها”.

وقد تستغل إسرائيل هذا الحادث، فضلًا عن الإعلان المصري الرسمي عن القضاء التام على الجماعات الإسلامية المسلحة، للدعوة إلى تفكيك الوجود العسكري المصري بجوار حدودها، بعدما سمحت به بالمخالفة للملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد طوال السنوات الماضية، وصارت المنطقة “ج” التي يجب أن تبقى فارغة من المعدات الثقيلة، عامرةً بعتاد نوعي وأعداد غفيرة من القوات، أكثر من المسموح به.

ويضفي موعد الحادث مزيداً من الملابسات حول العملية، والشكوك في كونها مُدبّرة من جانب جماعة ما، سعت إلى تجنيد المجند المصري، إذ إنها أعقبت إعلان صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن خطة تسعى إليها تل أبيب لتولي مصر مسؤولية إدارة حكم قطاع غزة وضمّه إلى سيناء، وهو المخطط الذي أثير مراراً وتمّ رفضه شعبياً في مصر، كما أثار غضباً فلسطينياً واسعاً، وربما يكون المكسب الوحيد لتلك العملية هو إغلاق ذلك الملف نهائياً.

حسب المتوقع، لن تغير العملية التي نفذها المجند المصري في الجانب الإسرائيلي من سيناء شيئاً في العلاقات المصرية – الإسرائيلية، لكنها حتماً ستغير كثيراً في الرؤى الإسرائيلية حول عمليات السلام والتطبيع مع الدول العربية. فالتنسيق مع الأنظمة السياسية وأجهزة الأمن ليس كافياً حتى يعيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة بسلام تام ومن دون شعور بالخطر.