fbpx

اقتحام نقابة المهندسين… معركة استقلاليّة النقابات في مصر لم تعد سلميّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصوات 24 ألف مهندس كانت تدهسها الأقدام، كثر منهم جاؤوا من محافظات مصرية بعيدة في طقس شديد الحرارة، لرفض سحب الثقة من النبراوي والتأكيد على أن هدف النقابة هو تطوير المهنة والوقوف بجانب الأعضاء وليس تسييس النقابات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جايبين بلطجية عشان طارق النبراوي كسب، كسروا الناس ووقعوا أحد المهندسين وكسروا دراعه وكسروا صناديق التصويت بنجمع البطاقات المرمية في الأرض، نجحوا في ترويع المستشارين كي لا يعلنوا النتائج، أنا شاهدة وجاهزة للتحقيق، بعد اللي حصل دا بنقعد في حوار وطني ليه؟”، هكذا وصفت  المهندسة وعضوة مجلس النواب المصري مها عبد الناصر ما حصل داخل نقابة المهندسين المصرية.

‎ أثناء حضورها كشاهد عيان داخل نقابة المهندسين المصرية، وثّقت مها عبد الناصر بكاميرا هاتفها، تدافع عشرات البلطجية داخل مبنى النقابة ليمنعوا إعلان نتائج الاستفتاء، الذي شارك فيه أكثر من 24 ألف مهندس لرفض سحب الثقة من النقيب المستقل الحالي طارق النبراوي، ورفض تدخّل حزب “مستقبل وطن” الموالي والأحزاب بشكل عام في العمل النقابي.

لم يكن المعتدون على صناديق الاستفتاء مجهولين، فقد قالت مها عبد الناصر إنهم أتباع حزب “مستقبل وطن” الموالي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويمثلهم داخل نقابة المهندسين الأمين العام يسري الديب، والأمين العام المساعد أحمد صبري، ومعتز بركات، أمين الصندوق المساعد.

“مستقبل وطن” هو حزب سياسي مصري أسسه أعضاء في إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع المصرية عام 2014، ظهر بعد أحداث 2013 في مصر، ونما حتى أصبح أحد أكبر أحزاب مصر، ويشبه بطبيعته الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يحكم مصر في عهد حسني مبارك، وذلك لدعمه المطلق للرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلاقاته بكبار مسؤولي الحكومة.

ما كان صادماً أكثر، تأكيد النائبة المصرية مها عبد الناصر، أن أربعة من أعضاء مجلس النواب التابعين لحزب “مستقبل وطن”، جاؤوا إلى نقابة المهندسين وسط حشود البلطجية، رغم أن هؤلاء النواب ليسوا مهندسين ليكونوا موجودين في النقابة قبل إعلان نتائج الاستفتاء، ما يؤكد تورّط الحزب في محاولته السيطرة على النقابة والعمل بكل الطرق غير المشروعة لسحب الثقة من النقيب المستقلّ وغير المسيّس طارق النبراوي.

وأعلنت مها عبد الناصر على حسابها على “تويتر” أمس، أنها ستتقدّم بطلب رسمي لرئيس مجلس النواب المصري، “لتحويل النواب الأربعة الذين ظهروا وسط البلطجية الى التحقيق  في لجنة القيم”.

نقابة المهندسين المصرية من أكثر النقابات التي شهدت ما يسمى بفرض الحراسة القضائية بسبب رفضها التسييس.

طارق النبراوي، النقيب الحالي، وصف ما حصل في النقابة بالأحداث المؤسفة، وقال في فيديو بثه على صفحته الشخصية على “فيسبوك”، إن اقتحام بلطجية أعضاء حزب مستقبل وطن أحدث إصابات بالأسلحة البيضاء لعدد من المهندسين، وأساء الى الديموقراطية المبنيّة على الاستفتاء، وطالب الرئيس المصري بالتحرك العاجل لمنع تدخل حزب الغالبية المعارض في نقابة المهندسين.

‎ أصوات 24 ألف مهندس كانت تدهسها الأقدام، كثر منهم جاؤوا من محافظات مصرية بعيدة في طقس شديد الحرارة، لرفض سحب الثقة من النبراوي والتأكيد على أن هدف النقابة هو تطوير المهنة والوقوف بجانب الأعضاء وليس تسييس النقابات.

 المهندس المصري محمد زاهر كان شاهداً على اقتحام البلطجية نقابة المهندسين (أنشئت عام 1946)، وقال في تصريحاته لـ”درج”، “لا يمكن وصف مشهد دخول البلطجية سوى بأنه مشهد هابط أخرجه مخرج فاشل، لم نستوعب ما نراه ولا الترويع الذي تعرض له المستشارون كي لا يعلنوا النتائج،  ما حدث بالضبط كالتالي، القاضي تأخر في إعلان النتائج، بعدها وجدنا على المنصة بجواره ثلاثة من الوجوه المتذمرة تطالبه بعدم إعلان النتائج وتسليمها إلى مجلس النقابة، وهذه الوجوه هي: إيمان العجوز عضوة مجلس النواب بتعيين من السيسي،  والأمين العام للنقابة يسري الديب، والأمين العام المساعد أحمد صبري، ومعتز بركات أمين الصندوق المساعد، وبعدما رفض القاضي الضغوط التي يمارسونها عليه، فوجئنا بدخول البلطجية، الذين دفعوا أمامهم المهندسين وكسروا صناديق التصويت، ما جعل القاضي ومستشاريه يغادرون المكان بأسرع وقت قبل إعلان النتائج.

بدوره، أصدر حزب “مستقبل وطن” بياناً، قال فيه إنه سيتخذ كل الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الإساءة إليه أو فرض إدعاءات مغرضة.

المهندسة المصرية وفاء السيد، قالت في تصريحات لـ”درج”، إن ما يحدث داخل نقابة المهندسين خطير، ليس فقط على مسألة سير العمل النقابي بشكل صحيح وملاحقة التطور وتيسير خدمات الأعضاء، بل في وضوح الإطار الأمني الذي يحاول حزب “مستقبل وطن” السيطرة به على نقابة يتجاوز عدد أعضائها مئات الآلاف، “تخيلي أن الأمين العام للنقابة والأمين العام المساعد يرفضون ويغضبون إذا لم نقل لهم يا سيادة اللواء، يتعالون على لقب مهندس، نحن لسنا في منشأة عسكرية أو مخابراتية، لكنهم يحاولون تحويلها إلى ذلك بالفعل”.

كتلة المهندسين العددية في مصر كبيرة ومنتشرة في محافظات الجمهورية كافة، ما يجعلها مغرية لمن يمارسون العمل السياسي ويبحثون عن أذرع فاعلة وأبواق مناصرة محتملة سواء في انتخابات رئاسية أو برلمانية أو حتى محليات، وبحسب تصريحات لعضو اللجنة الاستشارية لنقابة المهندسين محمد عبد الغني، فإن أعداد خريجي كليات الهندسة حالياً وصل إلي 850 ألف خريج، وبحسب بيان لنقابة المهندسين العام الماضي، قالت إن من يلتحقون بكليات الهندسة سنويًّا يتجاوز عددهم الـ 40 ألف طالب.

نقابة المهندسين المصرية من أكثر النقابات التي شهدت ما يسمى بفرض الحراسة القضائية بسبب رفضها التسييس، ففي تسعينات القرن الماضي شاركت في اجتماعاً مشتركاً مع النقابات المهنية في مصر بمقر نقابة الأطباء، طالب فيه ممثلو النقابات، ومنها نقابة المهندسين، بأمور سياسية عدة،  منها إلغاء العمل بقانون الطوارئ وتخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن رئاسة الحزب الوطني. وبعد هذا الاجتماع، تم فرض الحراسة على عدد من النقابات النشطة سياسياً وفقا للقانون رقم 100 لسنة 1993.

وفي عام 1994، فرض نظام مبارك الحراسة القضائي على نقابة المهندسين، والتي استمرت لأكثر من 16 عاماً، حتى صدر الحكم بفكّها بعد قيام ثورة كانون الثاني/ يناير عام 2011.

والآن، وبعدما بدأت النقابة بمحاولة سلك طريقها من دون حراسة قضائية نحو مهنة يعاني أعضاؤها من قلة الوظائف وتسيّد غير الكفاءات وغياب الرؤى الفنية، هل سيعود الصراع السياسي مرة أخرى ليسيطر عليها؟ وهل سينتهي هذا الصراع بانتزاع استقلاليتها أم بفرض الحراسة عليها مجدداً؟.