fbpx

الوجود الروسي في سوريا: صلاحيات مطلقة حتى إشعار آخر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الوجود الروسي في سوريا لن ينتهي قريباً، وليس مرتبطاً حقيقةً بوضع سوريا الإقليمي أو العربي، هذا ما تشير إليه الدلائل وتصريحات المسؤولين من كلا الجانبين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما بعد عودة سوريا إلى القمة العربية بالنسبة الى روسيا لا تختلف عما قبلها، فهي موجودة في سوريا في جميع الظروف وقبل الثورة حتى. وقد احتفت وسائل الإعلام الروسية بالعودة السورية إلى الحضن العربي، وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت: “ترحب موسكو بقرار استئناف مشاركة سوريا في أنشطة جامعة الدول العربية”. وفي كل الأحوال، أي خطوة يقدم عليها النظام السوري تكون بموافقة روسيّة أولاً وأخيراً.

احتفاء بالأسد ومهاجمة زيلينسكي

تستغلّ روسيا علاقتها بالنظام السوري إلى الحد الأقصى، إذ استخدم الإعلام الروسي عودة الأسد لتبرير دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير المتوقعة إلى الجامعة العربية، فقال المحلل السياسي فلاديمير كورنيلوف لصحيفة “فزغلياد” الروسية، أنه وعندما هاجمت الولايات المتحدة والغرب كله بالإجماع جامعة الدول العربية لدعوتها بشار الأسد، وُلدت حينها فكرة “نوازن الوضع” بدعوة شخص يحبه الغرب كثيراً، وكان الشخص هو الرئيس الأوكراني. في الأحوال كافة، كان الاحتفاء ببشار الأسد في الصحافة الروسية موازياً لتفسير حضور زيلينسكي، فقالت الصحيفة ذاتها محتفية بالأسد: “يوم الجمعة هو يوم انتصار بشار الأسد، عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، واضطرت الدول التي استبعدتها من هناك إلى الاعتراف بالهزيمة، لكن عطلة الأسد أفسدها فلاديمير زيلينسكي، الذي سافر إلى قمة جامعة الدول العربية وتحدث هناك”.

تُعتبرعودة سوريا إلى الجامعة العربية بمثابة تعزيز لقدرات روسيا الدبلوماسية، من خلال اعتراف المجتمع العربي والدولي بأن روسيا كانت على حق، والتي دعمت الأسد منذ البداية، وبالتالي انحازت إلى الجانب الصحيح. من جهة أخرى، تدحض هذه العودة نظرية معارضي بوتين، التي تقول إن مساعدة روسيا للأسد تعني بشكل أتوماتيكي مساعدة إيران في معارضة المملكة العربية السعودية، و بعد تطبيع العلاقات السعودية – السورية وبدء تطبيع العلاقات التركية – السورية، تختفي نقطة الضعف هذه، والنقطة الأهم أنه باتت لدى روسيا فرص اقتصادية جديدة، بعد تطبيع العلاقات بين دمشق والدول العربية الأخرى. وتبرز هنا مسألة إعمار سوريا، وهنا بإمكان دول الخليج التبرع بالمال، ولكن من الذي سيبني ويعيد الصناعة والبنية التحتية؟ ورغم وجود الصينين والإيرانيين للقيام بهذه المهمة، لكن الفرص الأكبر هي لروسيا، المحرومة الآن من الوصول إلى الأسواق العالمية بسبب العقوبات.

روسيا المحتفية ببشار كانت قد خسرت في 25 آيار/ مايو العقيد  أوليغ فيكتوروفيتش بيتشفيستي (49 عاماً)، وهو قائد القوات الخاصة الجوية الروسية في سوريا، والذي توفي إثر قصف نفذته “هيئة تحرير الشام” استهدف موقعاً عسكرياً بريف اللاذقية. وفي كل الأحوال، بيتشفيستي ليس أول ضابط رفيع المستوى يُقتل في سوريا، ففي عام 2017 قتل اللواء فاليري أسابوف، أحد كبار مجموعة المستشارين العسكريين الروس في سوريا، وفي عام 2016، قتل الملازم أول ألكسندر بروخورينكو بمنطقة تدمر. ويعيدنا موت أوليغ مجدداً إلى قضية الوجود العسكري الروسي في سوريا، الذي لم ينتهِ ولن ينتهي قريباً في ما يبدو.

ما بعد عودة سوريا إلى القمة العربية بالنسبة الى روسيا لا تختلف عما قبلها، فهي موجودة في سوريا في جميع الظروف وقبل الثورة حتى.

الخريطة الزمنيّة للوجود الروسي في سوريا

منذ بداية الثورة، حاولت روسيا الحفاظ على نظام الأسد في الحكم، ولهذا الهدف استخدمت الفيتو مراراً ضد قرارات تدين هذا النظام، وانحصر دعمها في البداية في تقديم الدعم اللوجيستي وتحسين المنظومة العسكرية للجيش السوري، ولم تتدخل فعلياً إلا حين فشل النظام في القضاء على المعارضة ومن بعده “حزب الله” وإيران. فيما نفى المسؤولون الروس تدخل بلادهم العسكري في سوريا، مصرّين على أن الوجود الروسي هو مجرد وجود سياسي. رغم ذلك، كانت روسيا تمتلك في سوريا في عام 2012، أكبر مركز تنصّت إلكتروني لها خارج أراضيها. استمر المسؤولون في نفي تدخل روسيا العسكري في سوريا حتى عام 2015، في ذلك العام كانت المعارضة تسيطر على نحو ثلثي مساحة سوريا بعد فشل النظام وحليفه الإيراني في إحراز أي تقدم، ما استوجب تدخل الدب الروسي، إذ بدأت روسيا عملياتها الجوية من الريف الشمالي لمدينة حماة، من منطقة كفر نبودة تحديداً.

 بعد أول ضربة نفذتها روسيا في سوريا، بات وجودها العسكري علنياً لا بل شرعنته، إذ ذكرت في مناسبات عدة أن وجودها شرعي لأن النظام السوري هو من طلب منها التدخل. وبحلول عام 2020، امتلكت روسيا في سوريا 75 موقعاً، منها 23 قاعدة عسكرية، و42 نقطة وجود، و10 نقاط مراقبة، وانتشرت نقاط المراقبة في محافظتي إدلب وحماة، أمّا القواعد العسكرية فتنتشر في محافظات دير الزور، الحسكة، الرقّة، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص ودمشق. بينما تتوزّع نقاط الوجود في محافظات دير الزور الحسكة، حلب، السويداء والقنيطرة. وتمثّل روسيا القوة العسكرية الأكبر في سورية حاليّاً، من حيث سيطرتها على معظم الأجواء في غالبية المناطق التي لا تشهد وجوداً أميركياً. واعتمدت روسيا في البداية على قاعدتين جويتين وهما قاعدة ميناء طرطوس البحري، وقاعدة حميميم التي أُنشئت على عجل.

الوجود الروسي طويل الأمد

الوجود الروسي في سوريا لن ينتهي قريباً، وليس مرتبطاً حقيقةً بوضع سوريا الإقليمي أو العربي، هذا ما تشير إليه الدلائل وتصريحات المسؤولين من كلا الجانبين، إذ وقّع الرئيس  بوتين، في 31 تموز/ يوليو 2022، وثيقةً تتضمّن “العقيدة البحرية الروسية” الجديدة، وفيها تحدّد روسيا المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لها أو تعدّها ذات صلة بأمنها القومي حول العالم، وأعادت وثيقة العقيدة البحرية الروسية الجديدة تأكيد أهمية وجود روسي دائم في البحر المتوسط، وتحديداً في الشرق منه، وهذا يعني أن الوجود الروسي في سوريا ذو أولوية على المدى البعيد.

في الأحوال كافة، أُعلن خطاب البقاء الروسي في سوريا على لسان الأسد نفسه أيضاً، ويبدو أنه سيكون طويل الأمد في ظل مكاسب وتنازلات جديدة سيقدمها النظام السوري، إذ قال الأسد: “إذا كانت لدى روسيا رغبة في توسيع قواعدها أو زيادة عددها في سوريا، فهذه مسألة فنية أو لوجستية، ونحن نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سوريا أمر جيد”.

ويقدَّر عدد عناصر روسيا في سوريا حوالى 20 ألف فرد بين القوات البحرية والجوية والبرية من دون حساب الشرطة العسكرية. وبحسب وزارة الدفاع الروسية، خاض أكثر من 63000 عسكري روسي “تجربة قتالية” في البلاد  بين أيلول/ سبتمبر 2015 حتى عام 2018. وخلال تلك الفترة، شنت القوات الجوية الروسية 39000 طلعة، ودمرت 121466 “هدفاً إرهابياً” بحسب ما تدّعي روسيا، وقتلت أكثر من 86000 “متشدد”، ولم تأتِ وزارة الدفاع على ذكر حصيلة الضحايا من المدنيين.

تكلفة الوجود السوري

 تكلفة الوجود الروسي كانت ثقيلة على السوريين، إذ إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت مقتل 6239 مدنياً على يد القوات الروسية، بينهم 1804 أطفال، منذ تدخلها العسكري في سوريا وحتى نهاية عام 2018. ووثق التقرير ما لا يقل عن 321 مجزرة نفذتها القوات الروسية، منذ تدخلها، وما لا يقل عن 954 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، من بينها 176 اعتداء على مدارس و166 اعتداء على منشآت طبية، بالإضافة إلى 55 اعتداء على أسواق، وبحسب التقرير نفذت روسيا ما لا يقل عن 232 هجوماً بالقنابل والذخائر العنقودية، إضافة إلى 125 هجوماً بأسلحة حارقة.

وتعدّ القاعدة البحرية في مدينة طرطوس السورية، القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر المتوسط، وعلى رغم أنها موجودة، عملاً باتفاقية قديمة بين البلدين تعود الى عام 1971، فإن استمرارها كلّف روسيا إعفاء سوريا من ديون بلغت 9.8 مليار دولار عام 2006. من جهة أخرى، تشكل سوريا إحدى الدول المهمة في سوق السلاح الروسي، إذ شكّل نصيبها من تجارة روسيا العسكرية نحو 7 في المئة عام 2010، فضلًا عن صفقات عسكرية بقيمة أربعة مليارات دولار حتى عام 2013، بالإضافة إلى أهمية سوريا في بسط روسيا قوتها السياسية، فسوريا هي أحد أهم شركاء الروس التجاريين في العالم العربي، إذ تشكل التجارة الروسية – السورية ما نسبته 20 في المئة من إجمالي التجارة العربية – الروسية، وبطبيعة الحال سوريا هي سوق ممتاز للأسلحة الروسية.

وفي لقاء سابق مع صحيفة “راينشيه بوست” الألمانية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن روسيا وقعت اتفاقيات عسكرية مع النظام السوري، من دون تحديد مدة زمنية لانتهائها، مشيراً إلى أن الحكومتين السورية والروسية تملكان صلاحية إجراء تغييرات على تلك الاتفاقيات، ما يعني أن روسيا تمتلك صلاحيات مطلقة على الساحة السورية لن تنتهي قريباً.