fbpx

عامان على سقوط كابول بيد طالبان… مآسي نظام “الحريم”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم مرور نحو سنتين على قرار مصادرة حقهن في التعليم، لم ترضخ الأفغانيات لأمزجة ملالي طالبان المريضة بكراهيتهن، فقد تحولن في هذا الوقت القصير من الزمن، إلى “انتحاريات” في سبيل حقوقهن الإنسانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل عامين تقريباً (15 آب/ أغسطس 2021)، أحكمت حركة طالبان سيطرتها مرة أخرى على أفغانستان، مجددة إعلان كراهيتها للنساء، فسلبتهن فتات الحقوق التي حصلن عليها، بعد مسيرة طويلة من النضال والمعاناة، وأبعدتهن من الحياة العامة، وفرضت عليهن قيوداً ظالمة، على مستوى التعليم والعمل والخروج من المنزل، وارتكبت بحقهن أبشع الانتهاكات، ومنذ ذلك الوقت، تعيش الأفغانيات أسوأ أنواع الاستبداد الاجتماعي والثقافي والسياسي والديني في التاريخ الحديث.

استمدّت طالبان قوانين احتقار النساء من كتاب “الإمارة الإسلامية ونظامها” الذي كتبه الملا عبد الحكيم حقاني (رئيس المحكمة العليا)، إذ شكلت المفاهيم التمييزية الواردة في الكتاب، مادة دستورية، حول كيفية التعامل مع المرأة وما المطلوب منها فعله أو عدم فعله، واعتبر حقاني في كتابه أن المرأة كائن ضعيف وجاهل وغير كفوء، لذلك يجب أن تخضع لسيطرة الرجل وإدارته، ورأى أن مطالب مثل التعليم والعمل خارج المنزل والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، هي أنواع من الفساد الأخلاقي، التي تنشرها أنظمة الجهل والكفر، وهي تتعارض مع النظام الإلهي (الإسلامي). 

في الواقع، لا توجد مادة واحدة في هذا الكتاب، ولا في قوانين طالبان كلها، تضمن حقوق المرأة وتحمي كرامتها وتصون شخصيتها ككائن اجتماعي، على سبيل المثال: ليس بإمكان المرأة أن تقاضي أحداً بتهمة الاغتصاب، إلا إذا رفع الدعوى محرمها (زوج، أب، إبن أو شقيق)، وإلا فليس أمامها سوى حلين: إما أن تظل خاضعة للمغتصب وإما أن تقتل. 

مثال آخر: أي امرأة تلفَّق بحقها تهمة خطرة – الزنا مثلاً، يُلقى القبض عليها، وتُجبر على الاعتراف بجريمتها تحت التعذيب، من دون الحاجة إلى شهود، ثم يتم قتلها بالرصاص أو رجمها حتى الموت في مكان عام.

في أوائل أيام حكمها، حاولت طالبان أن تبدو منفتحة في ما يتعلق بقضية المرأة، وذلك بعدما أبدى المجتمع الدولي قلقه في هذا الشأن، بناء على تجربة حكمها السابقة، فأعلنت أنها ستسمح بمشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، إذ أكد الناطق الرسمي باسمها ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحافي عقدته بعد إتمام السيطرة على كابول، أن “الإمارة الإسلامية ملتزمة بحقوق المرأة ضمن إطار الشريعة الإسلامية، ونحن سنوفر لها التمتع بالحقوق، التي منحها الله لأخواتنا وأمهاتنا وفق شريعتنا، ووفق حاجة أمتنا، المرأة عنصر مهم وجزء من هذا المجتمع، وستكون النساء حاضرات معنا في الإدارات المختلفة، وفقاً للمبادئ والاحتياجات التي لدينا”.

بعد مرور وقت قصير على هذا المؤتمر، أعلنت حركة طالبان أعضاء حكومتها، التي لم تضم في عدادها امرأة واحدة، وكان جميع الوزراء وعددهم 33 من الملالي كارهي النساء، كما استبدلت وزارة شؤون المرأة بوزارة الأمر بالمعروف، وأرسلت جميع الموظفات في الوزارة السابقة إلى منازلهن، وتبين لاحقاً أن مهمة الوزارة الجديدة هي التضييق على النساء وتقييد حرياتهن.

ثم بدأت رحلة القمع، فأغلقت طالبان أبواب المدارس بوجه الفتيات الصغيرات، ما فوق الصف السادس، وأكدت وزارة التربية والتعليم، أن أبواب المدارس فوق الصف السادس، ستبقى مغلقة أمام جميع الفتيات في أفغانستان، حتى إشعار آخر.
في مقالة نشرها موقع “راديو آزادي” الناطق باللغة الدرية، على أعتاب السنة الثانية من استيلاء طالبان على أفغانستان، تشرح فتاة أفغانية محرومة من متابعة تعليمها في المدرسة: “عندما بدأ الحكام الجدد حكمهم، أظهروا ببطء وجوههم الحقيقية للشعب، في البداية، أغلقوا الجامعات، ثم أغلقوا بعدها المدارس، هذا صعب للغاية بالنسبة إلي والى الفتيات الأخريات، أنا أنظر دائماً إلى حقيبتي التي اشتريتها هذه السنة، كان يجب أن أكون في الصف التاسع، وأن أذهب إلى المدرسة ومعي حقيبتي، سأظل أنتظر هذا اليوم”.
في حين تقول طالبة جامعية: “قتلت طالبان آمالي وأحلامي، بإغلاق الجامعة، في تلك الليلة، حين انتشر القرار، دفنت كل أحلامها وتخيلاتي عن المستقبل الذي رسمته لنفسي، كما تلاشت آمال عائلتي، التي كانت تعول علي لإعالتها بعد أن أتخرج وأجد عملًا لائقاً، صدقوني قتل أمل إنسان أسوأ آلاف المرات من فقدان شخص عزيز، الإنسان لا يعيش إلا بالأمل وهم قتلوا أملنا”.

تعيش الأفغانيات أسوأ أنواع الاستبداد الاجتماعي والثقافي والسياسي والديني في التاريخ الحديث.

في المقابل، دافع وزير التعليم العالي في حكومة طالبان ندا محمد نديم، عن قرار تقييد تعليم الفتيات، وادعى أن “هناك مشاكل في المناهج التعليمية، ونحن نعمل على تصحيحها، إضافة إلى أننا نواجه مشكلة، هي أن الطالبات لا يراعين الحجاب الإسلامي، ولا يحترمن قواعد الفصل بين الجنسين”.

يومها، لم تمر قرارات طالبان هذه، من دون ردة فعل احتجاجية من النساء الأفغانيات، يوجد الكثير من مقاطع الفيديو على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر غضب الأفغانيات وهن يصرخن بوجه جنود طالبان في شوارع كابول وهرات وقندهار وغيرها، اعتراضاً على حرمانهن من حقوقهن العادية، خصوصاً حق التعليم.

وعلى رغم مرور نحو سنتين على قرار مصادرة حقهن في التعليم، لم ترضخ الأفغانيات لأمزجة ملالي طالبان المريضة بكراهيتهن، فقد تحولن في هذا الوقت القصير من الزمن، إلى “انتحاريات” في سبيل حقوقهن الإنسانية، ولذلك ما زالت شوارع المدن وبوابات الجامعات والمدارس، في عموم البلاد، تشهد من حين الى آخر، تظاهرة نسائية أو اعتصاماً أو مسيرة احتجاجية، تطالب بالعودة إلى التعليم، وما زال جنود طالبان يستخدمون أساليبهم الدموية في قمعها.


تعتب الناشطة في مجال حقوق المرأة ظريفة غفاري، على الرجال الأفغان، الذين سكتوا عن الظلم اللاحق بالنساء، وتقول بحسب الموقع المذكور آنفا: “على الرجال الأفغان دعم النساء، في معركتهن لاستعادة حقهن في التعليم، على كل الأخوة والآباء الذين يؤمنون بحق الفتيات في التعليم، الوقوف إلى جانب أخواتهن، وعدم ترك قضية حرمان الفتيات من التعليم الجامعي والمدرسي لتصبح أمراً واقعاً”.

لم تكتف طالبان بحرمان الفتيات من التعليم، فقد أصدرت تباعاً أوامر بمنع النساء من السفر من دون محرم، داخل البلاد، وبالطبع خارجها، وبجعل الحجاب إلزامياً، وفي المدن، ألزمت سائقي سيارات الأجرة بعدم اصطحاب النساء من دون محرم في سياراتهم، ويعاقب المخالف بالجلد، وطلبت من مراكز بيع الهواتف الخلوية والبطاقات عدم بيعها للنساء، ومنعتهن من التنزه في الحدائق العامة، حتى القيام بالزيارات العائلية أصبح من المحرمات، كما أعلنت إغلاق حمامات النساء، لأنها “مراتع للشياطين”، وتغري النساء بالخروج من منازلهن، ومنعت النساء من العمل في المؤسسات غير الحكومية المحلية والأجنبية، ثم أنهت عملهن في المكاتب الحكومية أيضاً، باستثناء عدد قليل من الأقسام المحدودة، التي لها علاقة بتطبيق الشريعة. وطلبت من عدد من الموظفات إرسال ذكور من العائلة للعمل بدلاً منهن، وألغت تصاريح العمل بمهنة المحاماة لكل النساء، وواجهت المعترضات على هذا القرار اعتقالات تعسفية، حتى أن بعض المحاميات تعرضن للاعتقال أو التهديد بسبب مرافعات في قضايا سابقة، اعتبرتها طالبان مخالفة للشريعة الإسلامية.
على صعيد الصحافة والإعلام، فقد أبدعت طالبان في هذا المجال، إذ حظرت على النساء العمل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لوجود حرمة شرعية، ثم اختارت لاحقاً عدداً محسوباً من الصحافيات لهذه المهنة، بشرط لبس العباءة السوداء ووضع النقاب، ما أجبر صحافيات كثيرات على الاستقالة.
تبقى قضية القتل اليومي للنساء لأتفه الأسباب، وانتهاك أجسادهن واغتصابهن وإجبارهن على الزواج، إحدى أكثر الجرائم بشاعة في تاريخ الإنسانية، يكفي أن نستعيد قصة الطالبة في السنة الرابعة في كلية الطب في جامعة كابول إلهه دلاورزي، التي كان والدها أحد جنرالات الحكومة السابقة، اعتُقلت إلهه من قبل جنود طالبان، وتعرضت للاغتصاب الجماعي في السجن، ثم احتجزها أحد قادة طالبان في بيته، مدعياً أنه تزوجها، مكرراً اغتصابها وتعذيبها من دون رحمة.

زينب عبد اللهي فتاة أخرى، قُتلت برصاص جنود طالبان، عند نقطة تفتيش في كابول، أثناء عودتها من حفل زفاف، لعدم ارتدائها الحجاب “الكامل”.

كما أن المداهمات الليلية لمنازل النساء اللواتي يرفعن أصواتهن ضد جرائم طالبان، أو النساء اللواتي شاركن سابقاً، في الأنشطة الاجتماعية والتوعوية ضمن منظمات المجتمع المدني أو الفن والإعلام والثقافة، أمثلة أخرى لا حصر لها على ترهيب طالبان للنساء.

هذا غيض من فيض مما يحصل يومياً في هذا البلد المنكوب، أمام أعين العالم المتحضر، وعلى مرأى من منظمة الأمم المتحدة، وهنا من الضروري الإشارة إلى حقيقة مرة، هي أن طالبان على الرغم من تشكيلها حكومة غارقة في الفساد المالي والرشوة والابتزاز وأعمال العنف الشنيعة ضد النساء والأقليات العرقية والدينية، لا تزال تتلقى مساعدات أسبوعية من الأمم المتحدة بطريقة ما! كما أن منظمة الشفافية الدولية، منحتها تقييماً إيجابياً، عبر إعطائها 24 نقطة في تقريرها السنوي، كاعتراف بتحسنها في الحكم!