fbpx

قبضوا على اللصوص الصغار… ماذا عن كبارهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بانتظار أن تقبض الشرطة على اللصوص الكبار الذين سرقوا كل ما تمكن سرقته في هذا البلد، لن نستغرب أن تسرق اللقمة من فمنا قريباً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في دمشق نعتبر مؤسسة مياه عين الفيجة مفخرتنا الوطنية. 

أولى ذكريات طفولتنا في الصيف ترتبط بمياه الشرب وبهذا الصنبور (الحنفية) الذي كنا نتركه يجري لدقائق، فتصبح المياه ببرودة النبع الذي يحتفظ بدرجة حرارة منخفضة حتى في أشد أيام القيظ. وعند العودة من أسفارنا، كان شرب الماء من “الحنفية” أول ما نفعله عند الوصول إلى دمشق.

كان سكان مدينة دمشق قبل ثلاثينات القرن الماضي يشربون من نهر بردى وكانت فروعه تمتد داخل المدينة، مخترقة الحواري وكان معظمها ملوثاً وناقلاً لعدوى أمراض كالزحار والتيفوئيد، لا سيما في فترات معينة من السنة. 

وكان الرومان أول من جرّ مياه عين الفيجة إلى دمشق عبر أنفاق وأقبية شُقّت في وادي بردى لكنها أغلقت ولم تعد تجدي بمرور الزمن.

وعام 1922 قرر عدد من رجالات المدينة إقامة مشروع لجرّ المياه إلى دمشق من نبع الفيجة وبعد مفاوضات مرهقة مع سلطات الاحتلال الفرنسي آنذاك وبالاتفاق مع بلدية دمشق، بدأ العمل بالمشروع عام 1924 بطريقة تمويل تعتمد على تأمين المال اللازم من المواطنين الذين سينتفعون به. وذلك ببيع الراغبين منهم حقوق انتفاع بسعر حدد بـ30 ليرة ذهبية للمتر المكعب الواحد. وعندما بلغت القيمة النهائية للمشروع ضعف القيمة المبدئية المحسوبة لم ترفع جمعية ملاكي الماء قيمة الاكتتاب، إنما باعت حقوق ارتفاق الماء للدولة، وأمنت ما بقي من قيمة الأعمال بتأجير شلّال مياه ناتج من فائض المياه في منطقة الهامة لشركة بلجيكية بغية توليد الكهرباء منه.

واستمرّت الأعمال حتى نهاية عام 1925 ثم توقفت إثر اندلاع الثورة السورية واستؤنفت عام 1928 وتم تدشين المشروع عام 1932 على عهد رئيس الجمهورية محمد علي العابد.

وما زال أسلوب التمويل السابق متّبعاً في مؤسسة مياه الفيجة حتى الآن. أي أن مالك البيت في دمشق يشتري حاجته من مياه الشرب عبر عدّاد مياه برقم معروف مسجّل باسمه في المؤسسة، وتوضع العدّادات في خزانة أمام مدخل كل بناء. 

بعد عام 2011 تعرضت مناطق وادي بردى وخصوصاً منطقة عين الفيجة إلى دمار بنسبة 80 في المئة، وفي نهاية عام 2016 قطعت مياه الشرب عن مدينة دمشق لفترة امتدت إلى 15 يوماً، إلى أن تمّت تسوية الأمر عسكرياً وتعلّم سكان المدينة درساً قاسياً بعدما كان الحصول على “ماء الحنفية” أمراً مسلّماً به مثل تنفس الهواء، حتى بدأ الإحساس بقيمة هذه النعمة. وصار ترك الماء جارياً للوصول إلى برودة النبع الأصلية عادة من الماضي.

عندما اكتشفنا أن عدادات مياه بنائنا مسروقة أخذتنا الشفقة على نوعية اللصوص الذين يقومون بهذا العمل. ما قيمة عدادات المياه؟ وكيف يتم حملها وتسويقها؟ كنت مندهشة جداً لدرجة أن عقلي وبالدراما التي أفكر بها كان يحدّثني أن مؤامرة ما تحاك على أبنائنا من قبل عدو مجهول.

لكن الدراما الحقيقية واجهتني عندما توجهت مع جيراني إلى مخفر الشرطة للتبليغ عن السرقة.

فالعصابة المذكورة يبدو أنها قامت بسرقة أكثر من مئة عدّاد في منطقتنا. وقيل لنا إن التبليغ يجب أن يبدأ من مؤسسة المياه.

توجهت في اليوم التالي منذ الصباح الباكر إلى المؤسسة الكائنة في شارع النصر الشهير، في أكثر المناطق اكتظاظاً في العاصمة وبدأت أوراق معاملة التبليغ عن السرقة تتراكم، صورة الهوية، صورة صك التمليك وصولات سداد فاتورة المياه، براءة الذمة، كتاب من المؤسسة إلى المحامي الأول للتحقيق في الحادثة. 

ذهبت إلى القصر العدلي قدمت عريضة ودخلت في طوفان الجمهور الذي يدخل إلى القصر العدلي، تذكرت الزحام في الطواف حول الكعبة، ووصلت إلى مكان المحامي الأول الذي وافق بعد تردّد وتفكير على الطلب من الشرطة بالتحقيق في الحادثة. 

وعندما عدت إلى مخفر الشرطة في منطقة سكني وقام فريق البحث الجنائي بالكشف على العداد المسروق وحصلت على ضبط نظامي أخبرني رجل الأمن أن الضبط يحوّل إلى القاضي ليوافق عليه حتى يتم تثبيت الواقعة وأنهم سوف يرسلون لي رسالة نصية حالما يعود البريد بالجواب.

لم أنتظرطويلاً، جاء الرد بعدم الموافقة. لأن عدّاد المياه ليس باسمي. إنه باسم المالك الذي اشتريت منه البيت منذ أكثر من 30 سنة. وأصبحت من المتّهمين بالسرقة إلى أن أثبت عقد البيع بيني وبين أول مالك للبيت. وعندما عدت إلى وثائق البلدية اكتشفت أنني اشتريت البيت عن طريق وسيط عقاري ولا يوجد عقد مباشر بيني وبين مالك العدّاد المثبت اسمه في مؤسسة المياه.

لقد حُلّت هذه القضية سريعاً لأن فريق البحث الجنائي قبض على “العصابة”، اللص الصغير مغلوب على أمره في هذا البلد، طبعاً، وباعتراف العصابة بما قاموا به أصبحت أنا بريئة الذمة. أكملت معاملة نقل العداد ليصبح باسمي وأخبرتني الموظفة في المؤسسة أن لا أنتظر تركيب عدّاد جديد قريباً لأن العدّادات غير متوفرة وأنّهم سوف يفرضون في هذه الحالة رسماً شهرياً مقطوعاً حتى تركيب عدّاد جديد.

بانتظار أن تقبض الشرطة على اللصوص الكبار الذين سرقوا كل ما تمكن سرقته في هذا البلد، لن نستغرب أن تسرق اللقمة من فمنا قريباً. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!