fbpx

مُحاكمات هيرد وديب… “الجميع” مذنبون أمام عدالة الـReels

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استفادت “نتفلكس” من هذا الزخم، وبثت لنا أخيراً “محتوى” جديداً، ثلاث حلقات وثائقيّة بعنوان “ديب ضد هيرد”، ثلاث حلقات تفخر المنصة بأنها “أول مرة نشاهد فيها الشهادات متتالية”، أي قام أحدهم بمونتاج المحاكمة لتظهر بصيغة مواجهة بين ديب وهيرد.

 المحاكمة الأشهر التي شغلت “الجميع” العام الماضي، هي  تلك التي واجه فيها جوني ديب طليقته آمبر هيرد في المحكمة، مُتهما إياها بتشويه سمعته وتهديد مسيرته المهنيّة، بسبب مقال كتبته هيرد عام 2018، تقول فيه إنها ضحية العنف المنزلي. الجلسات التي امتدت الى أقل من شهر، أسرت العالم بأكمله، وقسمته إلى فريق جوني، وفريق آمبر.

 الحدث الذي كان يبث في “كلّ مكان”، وصل إلى حد طغيانه على غزو روسيا لأوكرانيا حسب بعض الانتقادات. قضية التشهير لا العنف المنزلي، وُصفت بأنها “نهاية حركة أنا أيضاً”، فانتصار ديب في محكمة فرجينيا وُصف بأنه طعنة لعبارة “نصدق الناجيات”، وتحولت هيرد إلى محطّ تشفّي الكثيرين، إلى حد وصفها بـ”الهيستيريّة”. في حين وصف البعض المحاكمة بـ”حفلة نكاح للذكورية”، في إشارة إلى استخدام ديب شهرته و دوره كرجل لاستمالة هيئة المُحلّفين.

استفادت “نتفلكس” من هذا الزخم، وبثت لنا أخيراً “محتوى” جديداً، ثلاث حلقات وثائقيّة بعنوان “ديب ضد هيرد”، ثلاث حلقات تفخر المنصة بأنها “أول مرة نشاهد فيها الشهادات متتالية”، أي قام أحدهم بمونتاج المحاكمة لتظهر بصيغة مواجهة بين ديب وهيرد.

اللافت، أن”الكل” شاهد المحاكمة وهلل لأحد الطرفين، لكن إعادة مونتاجها تجعلنا أمام محتوى “جديد”، ونظرياً قراءة أشد عمقاً للقضية، لكن لم يحصل هذا، انتهت الحلقات الثلاث من دون أي أجابة: هل هيرد بريئة ؟ هل ديب مذنب؟ هل القضاء منصف؟ وغيرها من الأسئلة التي بقيت مُعلقة.

المسلسل لا يقدم شيئاً، بصورة أدق، يتركنا في النهاية معلّقين، لانعلم ما نقول، هل انتصر ديب فعلاً ؟ أم النظام القضائي متحيّز له؟، هل نُشيطن هيرد ونسخر منها حد التشفّي؟ أم يلام “النظام الذكوريّ” الذي انتصر؟

في عدالة الـReels

أكثر ما يثير الاهتمام في الحلقات الثلاث، الإشارة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي، و”الربح” الذي حققه صانعو المحتوى في التعليق على المحاكمة (بلغت ساعات مشاهدة المحاكمة “89.3” مليون ساعة مشاهدة)، ودورهم في كشف “كذب” هيرد، في إشارة إلى علبة الماكياج التي كانت تستخدمها لإخفاء الكدمات، والتي تبين أن الشركة المصنعة لم تكن تنتجها في الزمن الذي ادعت فيه هيرد استخدامها.

هذا الحادث بالذات، أي علبة الماكياج، يعيدنا إلى عدالة الهواة، تلك التي تحتفي بها “نتفلكس”، كما في مسلسل “لا تقتل القطط” أو “Tinder swindler “، حيث يقوم “الهواة” من ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي، بنوع من التحقيقات لكشف حقائق لم تصل إليها الشرطة أو القضاء، وأحياناً محاكمة المذنب، وهذا بالضبط ما حصل، كشفت مدونة عن علبة الماكياج، وسلمت ما توصلت إليه للمحكمة.

 لكن، لا يمكن تجاهل أن المحاكمة صارت حديث “العالم” وقُطعت وقُسّمت أجزاؤها إلى Reels، تظهر أمامنا من دون انقطاع، دفق لا متناه من المقاطع المجتزأة و”المحتوى”، الذي تقتات عليه الخوارزميات وترميه في وجهنا، ولن نتحدث عن تحيز هذه الخوارزميات، ونظريات ميلهاالى ديب على حساب هيرد، لكن لا بد أن نلاحظ أن الهاشتاغ الذي ينتصر لهيرد حصل على 8.2 مليون مشاهدة، فيما حصل ذاك الذي ينتصر لديب على 15 مليار مشاهدة!

حالياً، نحن أمام ثلاثة أشكال من تلقّي “المحاكمة”، البث المباشر الممل بعض الشيء، والمقاطع المصوّرة و المجتزأة، والمسلسل الذي بثته “نتفلكس”، بصورة أخرى، نحن أمام ثلاثة أشكال من أساليب تكوين الرأي والإدانة، وهنا المفارقة، كل واحد من أساليب المشاهدة هذه يقدم شكلاً من العدالة مختلفاً عن الآخر.

التلقي التقليدي، المباشر، يدخلنا في ملل العملية القانونيّة،  أما الريل فيمكننا من تجميع وتكوين أحكام سريعة، فالمقطع المعنون بـ”جوني ديب يدمر محامي آمبر هيرد، حصل على 13 مليون مشاهدة، والمقطع الذي يحوي عبارة هيرد “لم ألكمك، بل ضربتك فقط”، فحصل على 29 مليون مشاهدة، ما يعني ببساطة أن الانتشار يرتبط بالإثارة لا الحقيقة.

المسلسل لا يقدم شيئاً، بصورة أدق، يتركنا في النهاية معلّقين، لانعلم ما نقول، هل انتصر ديب فعلاً ؟ أم النظام القضائي متحيّز له؟، هل نُشيطن هيرد ونسخر منها حد التشفّي؟ أم يلام “النظام الذكوريّ” الذي انتصر؟

“سلطة” تجزيء الحكاية

 الأسئلة  السابقة  بلا إجابات، لكن التركيز على عدالة الـReels يكشف أن المحاكمة حولّتنا “جميعاً” الى مذنبين، كل واحد من أساليب المتابعة وما تفرضه من “معارف” وانقسامات بين الأفراد، أوقعنا جميعاً في الذنب، فقط لأننا نشاهد، ونختزل المعاناة الإنسانيّة، سواء في ريل من 10 ثوان، أو 3 ساعات من “نتفلكس”.

هذا الذنب الجمعي يفسر أننا  لم نقم بما فيه الكفاية لندعم أو “نتدخل” في سيرك العدالة وسيرها، لكن هل المشاهدة والانتشار يؤثران في هيئة المحلفين؟ ألا يناقض ذلك مفهوم استقلال القضاء نفسه؟

نسأل أيضاً بسذاجة وحذلقة، ماذا عن المشاهدة البريئة و”الترفيهيّة” إن كان لفظ كهذا متاحاً،  هذه الأخيرة مستحيلة إن كانت الخوارزميات هي التي تتحكم بما نشاهده، ما يعني أننا ضحايا الشركات الكبرى، ومذنبون لأننا لم نتخذ موقفاً تجاه ذلك، بل ساهمنا في صب النقود داخل جيوب المؤثرين وصناع المحتوى.

الأهم، تصميم الريل وانتشاره يساهم في إطلاق الأحكام السريعة، “هي ممثلة لكنها سيئة”، “هو ممثل موهوب ولا بد أنه أقنعنا”، “لا رجال ضحايا، المحكمة تميل الى صالحهم” وغيرها من اليقينيات التي تخلقها الـReels، ويقتات عليها صناع المحتوى لأجل الربح، وهذا أيضاً يجعلنا مُذنبين، وضحايا التصميم المفرط في قدرته على “أسر” انتباهنا والتلاعب بعقولنا.

لا ننسى أيضاً أن الـReels تمتلك سلطة ما، هي معيار الانتشار لأي منصة أو مادة، بل إن “إنستغرام” نفسه يدفعها إلى الأمام، ناهيك بأن الكثيرين خبراء في تصميمها، وعوامل الجاذبيّة، والـhook، والقدرة على أسر الانتباه، كلها “علوم”، أساسها تجزئي للـ”خطاب” إن صحت التسميّة، لخلق نشوة سريعة وآنية، وفي حالة المحاكمة “قرار” ضمني يُتّخذ بسرعة.

نتكلم عما سبق كون الوثائقي تسبب بغضب الكثيرين من المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، و بصورة أدق، صناع المحتوى، الذين يرون أن “نتفلكس”، “استخرتهم” وسخرت منهم ،كونها لم تأخذهم على محمل الجدّ، ونظرت إليهم كقطيع يطلق الأحكام.

اتُّهموا أيضاً بالتأثير على مجريات المحكمة، تلك التي طلب ديب نفسه أن تكون علنيّة، وأكد القضاء أن هيئة المحلفين لم تتعرض لوسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي أبداً، ما يعني أنها مادة ترفيهيّة نوعاً ما وسعي الى تبييض السمعة، لكن يبقى السؤال من دون إجابة، من نحن لنطلق أحكام بناء على 20 ثانية؟

أزمة الحقيقة… مرةً أخرى

تكشف مشاهدة الوثائقي أننا تعرضنا (أو أنا على الأقل) إلى كم كبير من الـReels المزيفة أو المولدة بالذكاء الاصطناعي، وكميات كبيرة من الصور التي لم تكن جزءاً من المحاكمة، ليرى المشاهد نفسه (مرة أخرى، على الأقل أنا) “مذنباً” لتصديقه الكثير مما شاهده.

تسلّلت “أكاذيب” كثيرة في تدفق الـReels في شاشاتنا،  وصور الذكاء الاصطناعي، إلى حد يهدد زمن المحاكمة العقلية (هنا مبالغة غير علميّة وغير دقيقة)، والتفكّر في ما نراه، فكيف يمكن أن نحكم على بكاء هيرد ونحن نتوقع ظهور كرش ياسين جنكيز ليهتز أمامنا؟كيف يمكن أن نحكم على صور كدمات ديب واللكمة التي تعرض لها بينما يتردد صوت “علاوي حبيب قلبي…” في الخلفيّة؟.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 03.10.2023

120 مليون يورو لمحطة تكرير مياه طرابلس… وعشرون عاماً من الانتظار!

يعدّ مشروع الصرف الصحي هذا من المشاريع التي لها الأولوية ضمن مبادرة الاتحاد الأوروبي "Horizon 2020" التي تهدف إلى تنظيف البحر الأبيض المتوسط. وفيما كان المشروع يهدف إلى تغطية أحدث طرق معالجة المياه، إلا أن المحطة تقوم بالمعالجة الأولية فقط. لماذا؟ لأنه بعد مرور 20 عاماً من بداية المشروع في عام 2003، لم تتلقّ المحطة…