fbpx

أيّ دونالد ترامب بعد منتصف الولاية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأثر الذي ستخلّفه حركة مهرجانات ترامب وتعبويّتها، وكيف ستؤثّر لغته، وهل سيعمل تطرّفها ضدّ حزبه أم لمصلحته، أسئلة ستكسب مزيداً من الأهميّة في الايّام القليلة التي تفصلنا عن الانتخابات الأميركية. لكن في هذه الغضون طرأ حدث يشبه دونالد ترامب وسلوكه: طرود متفجّرة أرسلت بريديّاً لسياسيّين وإعلاميّين معروفين كلّهم بمعارضة ترامب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هناك دونالد ترامب للإثنين، ودونالد ترامب للثلاثاء، ودونالد ترامب للأربعاء… أحياناً هناك أكثر من دونالد ترامب واحد في اليوم الواحد. وقد يقال بحقّ إنّ ترامب يفتعل الأحداث والمواقف كي يكثّر شخصه وكي يزيد حضوره في حياة الكون والناس.

رجل الضجيج هذا تنتظره لحظة ضجيج في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. يومذاك سوف تُجرى انتخابات منتصف الولاية التي تشمل جميع مقاعد مجلس النوّاب البالغة 435 مقعداً، ومعها 35 مقعداً من مقاعد مجلس الشيوخ البالغة مئة، و39 حاكميّةً للولايات والمقاطعات.

الخبرة التقليديّة تقول إنّ الحزب الذي ينتسب إليه رئيس الجمهوريّة يخسر نسبة مرموقة من مقاعده في انتخابات منتصف الولاية. هذا شكل من الاعتراض ينظّم التوازن بين حزبي السلطة ويحدّ من تغوّل أيّ منهما. لكنّ هذا التقدير لا يكفي لرسم الصورة التي سيكون عليها دونالد ترامب يوم 7 تشرين الثاني.

لنقل بدايةً إنّ الرئيس ليس رئيساً شعبيّاً. لقد فاز أصلاً بالبيت الأبيض (وهو لم ينل الأكثريّة العدديّة كما هو معروف) لأنّ كثيرين لم يذهبوا إلى التصويت لثقتهم أنّ “المهرّج” لن ينجح. اليوم، بعد سنتين من حكمه، زادت أسباب كرهه كثيراً، مع ذلك تبقى هناك خِشيتان: أن لا تصوّت بكثافة الأقلّيّة اللاتينيّة الكبرى، جرياً على عادتها في انتخابات منتصف الولاية، وأن يغلّب المحافظون البيض الذين يمقتون ترامب ولاءهم للحزب الجمهوريّ على مقتهم لرئيسه.

في هذه الغضون، تنجلي اللوحة الانتخابيّة عن جملة من الحقائق: فرئاسة دونالد ترامب سيّستْ قطاعات لم تعرف التسييس من قبل، وبالفعل لوحظ أنّ أعداداً كبيرة من الموظّفين طلبت إجازات تتيح لها المشاركة في الحملات الانتخابيّة. هذا التسييس ألقى في ساحة التداول السياسيّ الأميركيّ عناوين لم تكن مألوفة:

صحيح أنّ الموضوع البيئيّ لم يتحوّل إلى موضوع محوريّ لأنّه “معقّد” ولأنّ الانقسام حوله “قاطع ولا تسوية فيه” بما يحرم النقاش كلّ جدوى. مع هذا رفع مرشّحون ديمقراطيّون لافتات إعلانيّة تؤكّد على أهميّة مسألة المناخ والعودة إلى اتّفاقيّة باريس التي انسحب منها ترامب. بدورها فالجماعات البيئيّة، لا سيّما “رابطة المقترعين للحفاظ على البيئة” أنفقت، وتنفق، ملايين الدولارات على دعايات لدعم المرشّحين الذين يؤيّدون سياسات صديقة للبيئة.

الموضوع هذا الذي قد لا يُعدّ جذّاباً في حسابات التصويت، هو قطعاً جديد على العناوين السياسيّة الأميركيّة. حرائق كاليفورنيا وإعصار مايكل في فلوريدا لعبت دوراً محوريّاً في رفعه إلى هذه السويّة.

“طرود متفجّرة أرسلت بريديّاً لسياسيّين وإعلاميّين معروفين كلّهم بمعارضة ترامب، لكنّ أمرها كُشف قبل وصولها إليهم. أوّل من قصدتهم الرسائل كان البليونير الليبراليّ جورج سوروس”

الموضوع النسويّ واضح الأثر أيضاً. ذكوريّة ترامب ولغته الفاقعتان والبذيئتان، وحركة “أنا أيضاً”، واختيار برت كافانّو لعضويّة المحكمة العليا، والبعض يضيف “الثأر” لهيلاري كلينتون بوصفها امرأة…، كلّها عناصر فعلت فعلها. في تسع ولايات على الأقلّ، بينها نيويورك، ترشّحت أربع منافسات ديمقراطيّات أو أكثر. هذا غير مسبوق في الولايات المتّحدة. المرشّحات الأربع في نيويورك حصدن تبرّعات بملايين الدولارات لحملاتهنّ، ومعهنّ باتت مسائل كالأمّهات المطلّقات وحضانة الأطفال تحظى بضوء حُرمت منه سابقاً.

ومع أنّ اللغة العنصريّة تبقى مكبوتة نسبيّاً، فإنّ مواجهات كالمعركة على حاكميّة فلوريدا لا تنقصها الحدّة ونكء الجراح. هناك يخوض المنافسة مرشّح جمهوريّ يدعى رون دوسانتس سبق أن شارك في مؤتمرات لليمين المتطرّف كما تلقّى تبرّعات ماليّة من عنصريّين بيض.

والمال بالطبع حاضر بقوّة. بعض كبار الأثرياء كمايكل بلومبرغ تبرّع، بين تبرّعات أخرى، بـ 20 مليون دولار لمرشّحي الحزب الديمقراطيّ لمجلس الشيوخ. في المقابل، حوّلت “اللجنة الوطنيّة الجمهوريّة” مبلغ 3،5 مليون دولار لكلّ من حملتي الشيوخ والنوّاب الجمهوريّين، كما حظيت اللجنة نفسها بتبرّع بلغ 3 ملايين دولار من حملة ترامب الرئاسيّة. يحصل هذا وسواه وسط تعاظم الاستياء من دور التبرّعات التي تقدّمها الشركات والمصالح الكبرى للأحزاب والمرشّحين.

مع هذا، وبسبب حدّة الاستقطاب الذي يعدم النقاش في القضايا الكبرى، يلوح كأنّنا أمام “شعب” يتملّكه اليأس من “الشعب” الآخر الذي يعيش في جواره. دور وسائط التواصل الاجتماعيّ يفاقم الاستقطاب والتوتّر بقدر ما يعطّل النقاش. في الاقتصاد مثلاً، يتغنّى الجمهوريّون بـ “الإنجازات الصلبة” لرئيسهم، فيما يتغنّى الديمقراطيّون بالأسس التي أرسيت في عهد أوباما وطرحت ثمارها اليوم، مع التشكيك بأنّ النجاحات التي يتباهى بها ترامب وينسبها إلى نفسه أقرب إلى فقّاعات. موضوع الرعاية الطبّيّة قد يكون الأهمّ، لكنّه يبقى أسير المناوشات والمهاترات. أهميّته تبقى ضمنيّة في هذا المناخ المشوب بضعف النقاش وتفتّت القضايا. أمّا البحث عن السياسة الخارجيّة في الانتخابات النصفيّة فيلزمه مجهر.

كذلك تبدو حالة الحزبين الرئيسين، الجمهوريّ والديمقراطيّ، في أسوأ أوضاعها. “مَن يسيطر على الحزب الديمقراطيّ؟” سؤال يُطرح كلّ يوم ومع كلّ تناول للعمليّة الانتخابيّة. الحزب أقرب إلى أجنحة ثلاثة: يمينيّ مرشداه بيل وهيلاري كلينتون، ووسطيّ ملهمه باراك أوباما، ويساريّ يقوده بيرني ساندرز.

بعض انتهازيّي الحزب الديمقراطيّ يحاولون اللحاق بما يُفترض أنّه الوضع الانتخابيّ الأمثل والأفيد: هكذا مثلاً رأينا عضوين في مجلس الشيوخ ومرشّحين حاليّين، هما كلير ماككاسكِل من ميسوري وجو دونلّي من إنديانا يتنصّلان من يسار حزبهما. ماككاسكِل وصفت نفسها عبر واحدة من دعاياتها الإذاعيّة بأنّها “ليست واحداً من الديمقراطيّين المجانين”. دونلّي ذهب أبعد، فراح يؤكّد أنّه خالف حزبه في ما خصّ الخفوضات الضريبيّة إبّان عهد جورج دبليو بوش، كما عارض “اليسار الليبراليّ” دفاعاً عن الإنفاق على الدفاع الوطنيّ، بل أيّد بناء ترامب للجدار الحدوديّ.

في الحزب الجمهوريّ ميل أكبر إلى كتم الخلافات لأنّ الكثيرين من المرشّحين يسعون بانتهازيّة وراء جمهور ترامب. نهاية عهد الأخير، خصوصاً إذا لم يُجدَّد له، قد تنهي الشكل الراهن لحزبه وللحزبيّة الثنائيّة في أميركا. مع هذا، تطلّ برأسها خلافات يصعب ضبطها والسيطرة عليها: مثلاً، بوب هوغن، المنافس على مقعد مجلس الشيوخ في نيو جيرسي، نفى أن يكون من “جمهوريّي ترامب”، وأكّد أنّه “جمهوريّ مستقلّ”.

حاكم فيرمونت الجمهوريّ نيل سكون تحوّل، متأثّراً بإطلاق نار في إحدى المدارس، من داعية لحرّيّة اقتناء السلاح إلى متحمّس لتقييده. الناشطة المتحوّلة جنسيّاً كايتلِن جينّير، وهي بطلة أولمبيّة سابقة ومن نجوم تلفزيون الواقع، أعلنت عبر “واشنطن بوست” توقّفها عن دعم ترامب بسبب مواقفه من حقوق المتحوّلين وإلغائه بعض المكاسب التي تحقّقت لهم في عهد أوباما. ما أثار غضب الأقلّيّات الجنسيّة والإيروسيّة، بما فيها محافظوها، كان خبراً أوردته “نيويورك تايمز”: الحكومة تفكّر باستصدار تعريف رسميّ لـ “الجندر” بوصفه معطى “بيولوجيّاً وثابتاً”.

الأثر الذي ستخلّفه حركة مهرجانات ترامب وتعبويّتها، وكيف ستؤثّر لغته، وهل سيعمل تطرّفها ضدّ حزبه أم لمصلحته…، أسئلة ستكسب مزيداً من الأهميّة في الايّام القليلة التي تفصلنا عن الانتخابات. لكنْ في هذه الغضون طرأ حدث يشبه دونالد ترامب وسلوكه: طرود متفجّرة أرسلت بريديّاً لسياسيّين وإعلاميّين معروفين كلّهم بمعارضة ترامب، لكنّ أمرها كُشف قبل وصولها إليهم. أوّل من قصدتهم الرسائل كان البليونير الليبراليّ جورج سوروس، ثمّ كرّت السبحة: باراك أوباما وهيلاري كلينتون وجو بايدن والممثّل روبرت دينيرو ومحطّة “سي إن إن” ورئيس “سي آي أي” السابق جون برينّان وسواهم. كلّ واحد من هؤلاء سبق أن تعرّض لساعات من الهجاء والتحريض في تعليقات “فوكس نيوز” الموالية لترامب. “أف بي أي” تمكّنت من اعتقال سيزَر سِيُوك، البالغ 56 عاماً وذي الأفعال المشابهة التي عوقب عليها. الرجل، كما يبدو، غير متوازن. يؤمن باغتيال الخصوم وهو مناهض للديمقراطيّة ومعادٍ للساميّة. إنّه، فوق هذا، يحبّ ترامب.

الديمقراطيّون والليبراليّون لاحظوا بحقّ أنّ هذه الطرود أُرسلت في مناخ الهجمات التحريضيّة المتواصلة التي شنّها الرئيس على أوباما وعلى الديمقراطيّين والإعلام. انكشاف الطرود لم يردع ترامب عن المضيّ في حملاته: في مهرجان في وسكنسن مثلاً أسف لما حصل لكنّه طالب الإعلام بأن “يعتمد صوتاً متمدّناً ويوقف [حالة] العداء الذي لا نهاية له والهجمات السلبيّة المستمرّة التي هي في أغلب الأحيان زائفة”.

وعلى العموم سوف نشاهد ترامبات كثيرة بين يومنا هذا ويوم 6 تشرين الثاني. والبائس أن تأتينا النتائج يوم 7 تشرين الثاني بترامب المنتصر والواثق الذي ينجح في التخلّص من “أوباما كير”، بعدما فشل في ذلك سابقاً، أو في وقف تحقيقات روبرت مولر بشأن الصلة بروسيا ودور بوتين في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة عام 2016. أمّا إذا ظهر في ذاك اليوم ترامب المهزوم فأغلب الظنّ أنّ المكابرة لن تتمكّن من إنجاده.

إقرأ أيضاً:
والد دونالد ترامب هو السبب الأساسي لغضبه
نظام دونالد ترامب العالمي الجديد