fbpx

موارنة ضدّ موارنة…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تكتمل المنازعات داخل الطوائف اللبنانيّة إلاّ حين يضاف إليها بُعد خارجيّ، أي أن يفرز الطائفةَ المعنيّة اصطفافان إقليميّان وربّما دوليّان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تكتمل المنازعات داخل الطوائف اللبنانيّة إلاّ حين يضاف إليها بُعد خارجيّ، أي أن يفرز الطائفةَ المعنيّة اصطفافان إقليميّان وربّما دوليّان.

هذا ما عرفته الطوائف اللبنانيّة جميعاً ولو بنسب مختلفة راحت تكبر مع مرور الزمن. ما كبّرها كان الانتقال المتعاظم من الضآلة الأبرشيّة للبنان إلى الموقع المؤثّر في محيطه. كذلك زاد في تكبيرها أنّ الطوائف كلّها اقتربت، عقداً بعد عقد، من المركز وصناعة القرار، فيما شؤون المنطقة زادت تعقيداً واستقطاباً عبر محطّات معروفة: ناصريّة الستينات، ثمّ المقاومة الفلسطينيّة في السبعينات، ثمّ سوريّا وإسرائيل ومن بعدهما السعوديّة وإيران.

الحالة السنّيّة الأبرز كانت سامي الصلح، في أواخر الخمسينات، قياساً بصائب سلام ورشيد كرامي، ثمّ نشأت الثنائيّة البالغة الاختلال لرفيق الحريري وسليم الحصّ، وبعدها الثنائيّة الأقلّ اختلالاً التي جمعت سعد الحريري ونجيب ميقاتي، والحريري والسنّة “الآخرين” من أصدقاء سوريّا وحزب الله. عند الشيعة، وبسبب التأخّر الزمنيّ في الاقتراب من المركز، ثمّ السعي المتسارع، بعد حرب أواخر الثمانينات، لبناء مركز واحد، بقيت الحالة الأبرز ما مثّله كامل الأسعد في مواجهة حلفاء سوريّا وإيران. قبلها شكّل كاظم الخليل “الشمعونيّ” حالة جزئيّة.

عند الموارنة، كان هذا الانشقاق أبكر وأوضح، وبمعنى ما أكمل. أسباب ذلك كثيرة في عدادها أنّ منصب رئيس الجمهوريّة، الذي يحتكر القرار المركزيّ قبل الطائف ويشارك فيه بقوّة بعده، منصب مارونيّ حصراً. إلى ذلك فالبيئة المارونيّة عرفت مبكراً التنظيمات الأهليّة والسياسيّة الأقدر على تسييس الانقسامات ومدّها ببُعد شعبيّ وحركيّة تعبويّة عابرين للمناطق والطبقات.

هكذا شهدنا في التاريخ المارونيّ الحديث نزاع بشارة الخوري وإميل إدّه الذي لم ينفصل عن التنافس بين النفوذين الفرنسيّ والإنكليزيّ، حيث أيّد الثاني الاستقلال ضدّاً على الأوّل. لقد بلغت مرارة النزاع أن منع الخوري، وكان رئيساً للجمهوريّة، أيّة مشاركة رسميّة في جنازة إميل إدّه، الذي كان رئيساً سابقاً، عام 1949.

 

إذا نظرنا اليوم إلى جوار لبنان، من سوريّا إلى الخليج بضفّتيه، صحّ القول إنّنا نعيش تخمة في الإقليميّ وفائضاً في احتمالاته. وهذا ما سيعكس نفسه حتماً، سلباً أو إيجاباً، على الموارنة، حبّاً أو كرهاً، وعلى ما بات يُعرَف بـ “العقدة المسيحيّة” وراء الحكومة العتيدة المنتظَرَة.

 

المواجهة الثانية الكبرى كانت بين كميل شمعون وحميد فرنجيّة المتحالف مع البطريرك المعوشي، وقد اتّصلت بالموقف من الناصريّة والأحلاف الغربيّة، فضلاً عن التجديد. لقد تأدّى عنها، بين ما تأدّى، مذبحة كنيسة مزيارة في أواسط 1957. بعد ذاك كانت المواجهة السياسيّة الساخنة بين فؤاد شهاب، المنحاز من موقعه في رئاسة الجمهوريّة إلى السياسة والنفوذ الناصريّين، وكميل شمعون وريمون إدّه المعترضين على ذاك الانحياز. إحدى أبرز النتائج المارونيّة لهذا الاستقطاب كانت إسقاط شمعون وإدّه في انتخابات 1964، ثمّ إسقاط الشهابيّة ذاتها بعد قيام “الحلف الثلاثيّ” وانتخابات 1968. أمّا لاحقاً، وبعد حرب السنتين، فكان الصراع الذي اصطبغ بكثير من الدم بين الكتائب وآل فرنجيّة، من حلفاء سوريّا، في الشمال. البعض أسبغ على الصراع هذا مواصفات سوسيولوجيّة افتقرت إليها الصراعات البينيّة الأخرى: مارونيّة الشمال مقابل مارونيّة الجبل، ومارونيّة العشيرة مقابل مارونيّة الطائفة…  

اليوم، هناك الانشقاق العونيّ – القوّاتيّ الذي يحول (بالتضامن مع عقدتين أخريين أصغر حجماً: سنّيّة ودرزيّة) دون تشكيل الحكومة، مع ما يرتّبه ذلك من معطيات اقتصاديّة مقلقة.

الاستقطاب هذا لا يُعدَم الماضي والخلفيّة: “حرب الإلغاء” التي خاضها الطرفان في 1990 وانتهت بهزيمتيهما معاً ودخول القوّات السوريّة إلى مناطق كانا يسيطران عليها. المصالحة العابرة التي أقدم بموجبها سمير جعجع على ترشيح ميشال عون للرئاسة بدت أقلّ كثيراً من أن تتغلّب على ماضي الكراهية وحاضر الريبة والشكّ.

وقد يكون من التبسيط والاختزال ردّ الخلاف العميق هذا إلى البُعد الإقليميّ، خصوصاً وأنّ نوايا العونيّين في “إلغاء” “القوّات” لم تتغيّر، وإن تغيّرت أشكالها وصيغها. ثمّ إنّ رئاسة الجمهوريّة، التي تشخص إليها الأعين المارونيّة دوماً، تحفّز ميلاً كهذا إلى الإلغاء. لكنّ المرجّح أنّ الإقليميّ، وربّما الدوليّ، أي “السياسات الخارجيّة” للطوائف وأحزابها، هو صاحب الدور الحاسم في احتدام علاقاتها الداخليّة البينيّة. وإذا نظرنا اليوم إلى جوار لبنان، من سوريّا إلى الخليج بضفّتيه، صحّ القول إنّنا نعيش تخمة في الإقليميّ وفائضاً في احتمالاته. وهذا ما سيعكس نفسه حتماً، سلباً أو إيجاباً، على الموارنة، حبّاً أو كرهاً، وعلى ما بات يُعرَف بـ “العقدة المسيحيّة” وراء الحكومة العتيدة المنتظَرَة.

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!