لولا قليل من الحركة تبديها الأجسام المطمورة تحت الأنقاض، لكنا اعتقدنا أن كل ما نراه ليس سوى غبار وركام اسمنتي. لا يحتاج الأمر سوى لتركيز النظر وتأمل الصور للشعور بشيء من الألم الرهيب، وكيف تنازع تلك الأجساد كي نراها ونسمع أنينها. وكم يبدو المشهد أكثر قساوة حين يظهر من بين الركام رأس طفلة حية عالقة تحت الركام، اختلط على وجهها الدم بالتراب. ذاك أن ما يخلفه فينا بقاؤها حية، ليس الغبطة بنجاتها، بل الكابوس الذي يمكن أن يعيشه كائن حيّ تحت الركام.لقد شهدت الأيام الأخيرة هجمات شرسة نفذها النظام السوري والطيران الروسي على الشمال السوري وتحديدا في ادلب وسراقب وعلى ضواحي دمشق في الغوطة الشرقية المحاصرة. حصيلة الضحايا ترتفع بوتيرة مفزعة والصور الواردة لا لبس فيها لجهة هوية العدد الأكبر من الضحايا، مع تجدد دلائل على استخدام النظام لمواد سامة في قصفه. وهذا ما لطالما أجادت علينا به الصور القادمة من سورية. فالطفل السوري صار طفلاً خارجاً من تحت الركام، ولا طفل سورياً آخر غيره يمكن أن تستحضره ذاكرتنا.شراسة القصف الروسي مردها بحسب “مراقبين” إلى اسقاط مقاتلة روسية ومقتل الطيار، والنظام السوري يقصف بشراسة متذرعاً باستهداف مسلحين لدمشق. أكثر من مئة قتيل بين سراقب والغوطة وادلب، ولا يزال الصمت الدولي مدوّ الى حدّ مرعب حقاً. ما سمّي بمناطق “خفض التوتر” باتت المناطق الأكثر فتكاً بالمدنيين والأشد حصاراً وقتلاً لهم. لكن العالم سيواصل صمته وتسليمه بمقولة أن النظام يطارد مسلحين، وسيشيح بوجهه عن الأطفال ينتشلون جثثاً من تحت الأنقاض، أو أولئك العالقين تحت ركام مستشفيات قصفت فوق رؤوسهم.وأن تقرر دولة بحجم روسيا أن تنتقم لطائرة حربية أُسقطت لها بأن تمعن في قصف المدنيين، فهذه صورة عن ضغينة، لا تمت إلى حسابات الحروب بصلة. إسقاط الطائرة جرى في سياقٍ آخر للحرب. الإمعان في القتل صادر هنا عن مزاجٍ ثأري لا عن ساعٍ لربح الحرب.صور مختنقين بغاز الكلور تصل من إدلب بعد غارات طائرات النظام، وصورة طفلة ناجية تحت الركام في الغوطة بعد قصف روسي، وفي هذا الوقت تماماً، تعلن سانا أن طائرات اسرائيلية أغارت على مواقع للجيش السوري من دون أن يُرفق صور بهذا الخبر. لا يمكن للمقارنة أن لا تحضر في هذه اللحظة.لا أخبار عاجلة من سوريا. صفحات السوشيال ميديا غارقة بالاهتمامات اليومية. لا هاشتاغ رائج عربيا أو دولياً عن الموت هناك رغم وفرة الأخبار ووفرة الصور والحكايات. لا استغرب شعور من يوثقون الموت السوري حتى ولو كلفهم حياتهم بالخيبة. يقول معاذ الشامي في تصريح نقلته صحيفة نيويورك تايمز، “لا أعرف ما الهدف”. قصد بذلك الجدوى من المخاطرة بحياته لنقل حقيقة ما يحصل في سراقب حيث يسكن.العالم يعرف تماما ما يحصل في سوريا لكنه اختار عدم التدخل. وها هي الأمم المتحدة تقرّ على نحو غير مسبوق بفشلها، وتعلن أن الديبلوماسية “الانسانية” لم تنجح في الوصول إلى ضمير وآذان صناع القرار من حول العالم، إذ يبدو أن الالم السوري صار خارج اهتمامات الرأي العام العربي والعالمي. وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان قال، إن بلده موقن أن النظام السوري استعمل سلاحاً كيميائياً في إدلب بالأمس. هذه دولة كبرى تقول ذلك، لكن ليس لقولها أي وظيفة ردعية، وهذا ما سيضاعف من الاختناق السوري. الصمت كان أجدى، فأنت هنا تقول للسوريين “نحن نعرف أن الأسد يقصفكم بالكيميائي لكننا لن نقف في وجهه”.ومع الخيبة العارمة من ضعف المؤسسات الدولية خصوصاً الأمم المتحدة، لكن كان لافتاً ما أطلقته المنظمة الدولية من معلومات ومواقف، فقد اعتبرت أن الوضع في سوريا هو من أسوأ ما مرّ به السوريون، وأن النظام السوري لم يسمح في العام 2017 سوى بتمرير 27% فقط من الامدادات الانسانية للمناطق المحاصرة. لقد اعطى اتفاق خفض التوتر في مناطق محددة والذي رعته روسيا وتركيا وايران، انطباعاً واهماً أن الحرب في سوريا هدأت، بل شرع البعض في تجرع الماضي القريب وشرع بعض آخر في التفكير باستثمار الإعمار وما يمكن أن يجرّ ذلك من أموال. لكن الجميع اليوم أمام الحقيقة الكبرى التي لم تتغير رغم كل محاولات التمويه الدبلوماسي والعسكري. الوضع السوري سيبقى حالكاً ودامياً بل وصافعاً للوجوه ما لم ير العالم بشار الأسد بصفته المسؤول الأول عن ذاك الألم قصفا وتعذيباً وتهجيراً. قالت الأمم المتحدة إن الكلمات نفذت. صحيح، لكن القذائف لا تنضب.[video_player link=””][/video_player]

طفلة سورية أخرى تكشف عن جحيم القصف وجحيم الصمت
لولا قليل من الحركة تبديها الأجسام المطمورة تحت الأنقاض، لكنا اعتقدنا أن كل ما نراه ليس سوى غبار وركام اسمنتي. لا يحتاج الأمر سوى لتركيز النظر وتأمل الصور للشعور بشيء من الألم الرهيب، وكيف تنازع تلك الأجساد كي نراها ونسمع أنينها.
الأكثر قراءة
- تغيّر المناخ عنوان “سكسي” يكتسح العراق 26.01.2023
- من هو غسان عويدات الذي قاد انقلاب السلطة على التحقيق بانفجار المرفأ؟ 26.01.2023
- فضيحة “قطرغيت” والشاهد الإيطالي… من تلقى 1.5 مليون يورو رشوة من قطر؟ 29.01.2023
- أغنية أعادتني إلى أطياف الحرب الإيرانيّة – العراقيّة 27.01.2023
- أنا الصبيّ الطائش الذي شتم نظام الأسد 27.01.2023

مرح الدخل الله - كاتبة سورية
بيوت على العظم… آخر ما تبقى لفقراء سوريا!
02.02.2023

"درج"
تمثال تكريمي لصدّام حسين في بريطانيا؟ إليكم أبرز أخبار الأسبوع المضللة
01.10.2021

آية منصور - صحافية عراقية | 02.02.2023
العراق… طيبة علي التي قتلتها العائلة والقانون والعشيرة!
قُتلت الشابة العراقيّة طيبة العلي على يد والدها، بعدما تجاهلت السلطات وأسرتها استغاثتها، لتنضم إلى قائمة طويلة من النساء اللاتي قضين أمام أعين "الجميع".
الأكثر قراءة
- تغيّر المناخ عنوان “سكسي” يكتسح العراق 26.01.2023
- من هو غسان عويدات الذي قاد انقلاب السلطة على التحقيق بانفجار المرفأ؟ 26.01.2023
- فضيحة “قطرغيت” والشاهد الإيطالي… من تلقى 1.5 مليون يورو رشوة من قطر؟ 29.01.2023
- أغنية أعادتني إلى أطياف الحرب الإيرانيّة – العراقيّة 27.01.2023
- أنا الصبيّ الطائش الذي شتم نظام الأسد 27.01.2023
11 جلسة انتخابية فشلت بإنتاج رئيس للجمهورية في لبنان. نُوّاب قوى التغيير وغيرهم أرادوا كسر الجمود السياسي والتزموا البقاء داخل مجلس النواب استناداً إلى المادتين 74 و75 من القانون، اللتان تنصّان على إبقاء الجلسات مفتوحة وبقاء النواب داخل البرلمان حتى انتخاب رئيس. تلك الحركة الاحتجاجية كانت الخيار الوحيد المُتبقي أمام النواب بظلّ الإنسداد الراهن، ولكن…
25.01.2023
أزيلت صور ضحايا مرفأ انفجار بيروت عن جدار أحد المباني في بيروت بعدما طلب صاحب شركة "ديستركت// أس" ذلك بحجة إعادة ترميم المبنى. هذا المشهد أعاد الحزن والحسرة لأهالي الضحايا الذين يعانون من تآمر السلطة عليهم ومحاولتها الاستخفاف بالقضية، إضافة للترهيبهم وتوقيفهم.
21.01.2023