fbpx

سياسات مكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل التي لا يتحدث عنها أحد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حراك “#أنا_أيضاً” خلق فرصة لإعادة نظر أصحاب العمل في سياساتهم الخاصة، بالتحديد بشأن التحرش الجنسي وللتحدث بشكل أوسع حول العنف المبني على الجنس، وكيف يمكنه أن يكشف عن نفسه جلياً في مكان العمل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مضى عام مذ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” ومجلة “نيويوركر” مقالاتهما المتفجرة التي تبيّن كيف تحرَّش هارفي واينستين واعتدى جنسياً على النساء طوال ثلاثة عقود. ومنذ ذلك الوقت، وجَّهت حركة #أنا_أيضاً ملايين النساء نحو الشوارع، وأطاحت برجال بارزين في هوليوود، ووسائل الإعلام، والسياسة، ووادي السليكون، وأشعلت نقاشاً طال انتظاره حول الاعتداء الجنسي، بخاصة في أماكن العمل.

أثناء ذلك، توجه الديموقراطيون نحو اليسار عند الحديث عن قضايا تبدأ من الحد الأدنى للأجور إلى مصاريف التعليم الجامعي، والرعاية الصحية، وضمانات العمل. لكن ربما من المدهش أنه لم تكن هناك نقلة كهذه تجاه بسط شبكة أمان اجتماعي لضحايا التحرش الجنسي أو العنف المنزلي.

في فصل الصيف، شرّعت نيوزيلندا قانوناً يمنح إجازة مدفوعة الأجر مدتها 10 أيام للناجيات من العنف المنزلي – لمنحهن الوقت للهروب ممن يؤذيهن والعثور على سكن ورعاية طبية ومساعدة قانونية. وقد شرّعت بعض الولايات قوانين مماثلة. توفّر 33 ولاية حالياً نوعاً من “إعانة البطالة” لضحايا العنف المنزلي أو الجنسي، كما توفر عشر ولايات أخرى أيام إجازات مرضية إلزامية مدفوعة الأجر. “ينتشر الأمر كالنار في الهشيم”، كما قالت مريم دوراني، وهي محامية بارزة في مجال السياسات في الشبكة الوطنية لدحر العنف المنزلي. “هناك ولايات أكثر تحذو حذوها”.

هناك نماذج أولية من مشاريع قوانين فيدرالية تشق طريقها حالياً في الكونغرس، لكنها غارقة في حالة جمود. في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد شهر من إعلان الادعاءات ضد واينستين، أعادت العضو في مجلس الشيوخ، باتي موراي، تقديم قانونها الخاص بـ”توفير الأمن والتمكين المالي” (SAFE) إلى الكونغرس. إذا مرر الكونغرس هذا القانون، سوف يسمح للناجيات بالحصول على ما يصل إلى 30 يوماً من إجازات العمل للحصول على الدعم الذي يحتجن إليه، إضافة إلى حماية الضحايا من الفصل إذا تعرضن للتحرش في العمل. وفي الوقت نفسه، سوف يضمن قانون أكثر عمومية، وهو “قانون الأسر السليمة”، فترة تصل إلى سبعة أيام من الإجازات المرضية مدفوعة الأجر لجميع الأسر العاملة. وكانت عضو مجلس النواب، روزا ديلاورو، قد قدمته أمام المجلس في آذار/ مارس من العام المنصرم.

ليست مشاريع القوانين هذه سياسة عمل جيدة فقط. بل هي عبارة عن قضية سياسية جيدة أيضاً. ومع قيام الرئيس ترامب بخفض التمويلات -المحدودة بالفعل- الممنوحة للناجيات، فإن هؤلاء النسوة سيساعدن الديموقراطيين على تبيان الاختلافات بينهم وبين إدارتهم. ومع وجود أيام الإجازات المرضية المدفوعة الأجر في بعض الولايات بالفعل، يمكن أن تغدو هذه المسودة أسهل في التمرير من مشاريع قوانين العنف المنزلي الأخرى – بخاصة إذا كان الديموقراطيون -كما هو متوقع- سوف يستعيدون مجلس النواب في تشرين الثاني/ نوفمبر.

تجابه واحدة من كل أربع نساء في الولايات المتحدة شكلاً من أشكال الإيذاء المنزلي في حياتها، سواء أكان إيذاءً بدنياً أو عاطفياً أو نفسياً أو جنسياً. ويتصاحب هذا بكلفة اقتصادية. عادةً ما يؤخر المعتدون أو يمنعون شركاءهم من الوصول إلى العمل. قالت قدسيا راجا، مديرة السياسات في الخط الوطني الساخن لمساعدة المتعرضين للعنف المنزلي: “هذا مثال كلاسيكي على النفوذ والسيطرة، سيحاول المعتدي التلاعب بأي شكل من أشكال الدعم الذي يحصل عليه الناجي، ومن الواضح أن وظيفته تمثل شكلاً مهماً من أشكال الدعم”.

في حالات أخرى، تتعرض النساء للتحرش عند وصولهن إلى العمل -وعندما يبلّغن عن هذا الاعتداء، وفقاً لمسح حديث أجرته إدارة العمل في ولاية ماين، تعرضت 60 في الائة منهن إما للاستقالة أو الفصل. في الولايات المتحدة وحدها، تفقد ضحايا الاعتداء 8 ملايين يوم عمل مدفوعة الأجر سنوياً، وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها. أي أن هذا يمثل نحو 32 ألف وظيفة بدوام كامل لا يشغلها أصحاب العمل، ما يؤدي إلى وجود قوة عاملة يصعب توقعها، تعج بالتغيب واستبدال الموظفين. حتى عندما تحضر الضحايا إلى العمل، فإنهن يصبحن محبطات وأقل حماسة، الأمر الذي يقف عائقاً أمام تقدمهن.

لكن على رغم جسامة المشكلة، من العسير تمرير تشريع يساعد على علاج المسألة. فمثلاً، لطالما اعتبر العنف المنزلي قضية خاصة لا عامة. ولم يتغير ذلك إلا عام 1994 عندما مرر الكونغرس أخيراً قانون مكافحة العنف ضد المرأة، الذي مثّل أول تشريع فيدرالي شامل يحمي المرأة ويحول دون تعرضها للاغتصاب والاعتداء، حينها فقط اعتُبر العنف المنزلي بمثابة قضية حقوق إنسان في المقام الأول، بدلاً من اعتباره أمراً حدث في نطاق خاص، خلف الأبواب المغلقة.

على رغم ذلك، لا يزال العنف المنزلي غير مبلغٍ عنه بشكل ملحوظ. حيث وجد مكتب إحصاءات العدالة أنه من المرجح ألا يتم الإبلاغ عما نسبته 31 في المئة من العنف المنزلي الجسيم لوكالة تطبيق القانون، خوفاً من الانتقام -سواءً من شريكهم، أو أحياناً، حتى من جانب الحكومة، التي تعاقب، في الولايات التي لديها عقوبات قضائية للإزعاج، النساء اللاتي يتصلن برقم 911 (رقم الطوارئ) مرات كثيرة.

أما من منظور تشريعي، فمن العسير تفادي تعرض النساء للعقاب بسبب الإبلاغ عن الإيذاءات: لكل ولاية قوانين مختلفة، ويعطى أصحاب العمل حرية واسعة لإقرار متى وهل ينبغي فصل شخص ما (لا تعدّ ضحايا العنف المنزلي فئة تحظى بحماية قانونية في العمل، بموجب المادة السابعة من قانون الحقوق المدنية لعام 1964)، لذا إن كان الشخص المعتدي يتصل أو يحضر إلى مكان عمل ضحيته متسبباً في حدوث اضطراب، فإنَّ هذا يجعل الموظف (الضحية) معرضاً للخطر. وحتى لو مرر الكونغرس قانوناً يمنع التمييز المبني على سلوك المعتدي تجاه ضحيته، فكيف سيتمكنون من تطبيقه؟

إن إرساء سياسة تعطي ضحايا العنف المنزلي حق الحصول على أيام إجازات مرضية مدفوعة الأجر، سيكون في المقابل، أمراً أسهل جداً عند التطبيق. فأكثر من 40 في المئة من العاملين بالقطاع الخاص في الولايات المتحدة لا يمتلكون الآن حق الحصول على أيام إجازات مرضية مدفوعة الأجر – وهي معضلة لا تزال قائمة بسبب الضغوط التجارية العنيفة وضعف نقابات العمال.

لطالما قاومت منظمات مثل الاتحاد الوطني للشركات المستقلة، والغرفة التجارية سياسات الإجازات المدفوعة باستمرار، متذرعة بأنها مكلفة للغاية، منادين بضرورة ترك أمرها لإدارة الشركة لتقرر مقدار ما يمكنها أن تقدمه في هذا الصدد.

ذلك يعني أن النساء العاملات غير المستقلات مالياً، المعتمدات في كسب أرزاقهن على تلك الشركات، غالباً ما يقعن في شراك العلاقات المسيئة، لأنهن لا يستطعن الحصول على إجازة من العمل للهروب ممن يسيئون إليهن، أو حتى مقاضاتهم في المحاكم. قالت دوراني، التي عملت محامية لضحايا العنف المنزلي وممثلة لهم في المحاكم قبل انضمامها إلى الشبكة الوطنية للقضاء على العنف المنزلي: “إذا فاتتك جلسة الاستماع بالمحكمة، فلن تحصلي على أمر الحماية”. وأضافت: “أو قد تفقدين عملك، ويجد صاحب عملك مبرراً لطردك، وقد لا تملكين الموارد للتغلب مع هذا الأمر. خلافاً للأضرار الجسدية والعاطفية الناجمة عن الإساءة، هناك تداعيات بعيدة المدى”. يعمل مشروع قانون موراي، ومشاريع القوانين التي على شاكلته، على علاج مثل هذه الأمور.

أحد أهم مخاوف التيار المحافظ حيال إقرار قانون مثل قانون SAFE، الذي قدمته موراي، هو التكلفة: عندما طُرح مشروع قانون مشابه في ولاية ماريلاند، احتج الاتحاد الوطني للشركات المستقلة، وهو منظمة محافظة ممولة من مجموعة كو براذرز، على التشريع -قانون الأسرة العاملة السليمة- زاعماً أنه قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج بما يزيد عن 1.5 مليار دولار بحلول عام 2027. وقد كتب مايكل تشاو، محلل البيانات البارز في تقرير للاتحاد الوطني للشركات المستقلة في شباط/ فبراير من عام 2017، “من شأن ذلك أن يؤدي إلى انخفاض في الربح، وخسارة في المبيعات والإنتاج، وفقدان للوظائف”.

إلا أن هذه ليست القصة كاملة. فقد قدر مركز السيطرة والوقاية من الأمراض عام 1995 التكلفة التي تتحملها الشركات الأميركية نتيجة العنف ضد المرأة بـ727.8 مليون دولار من الإنتاجية الضائعة كل عام -وهو أكثر مما يلزم لتعويض العجز في الإنتاج الذي قد يسببه قانون موراي. فمن خلال السماح للنساء بمتابعة إجراءات السلامة من دون التضحية بأجورهن أو وظائفهن، تسمح الإجازات المرضية المدفوعة الأجر، والأيام الآمنة بالإبقاء على النساء ضمن القوى العاملة، ما يساعد أصحاب الأعمال على الاستفادة من مجموعة المهارات غير المُستفاد منها في الوقت الراهن. علاوة على ذلك، وجد مركز التقدم الأميركي (Center for American Progress)، أن الدولة عندما تُقر قوانين على غرار قوانين الإجازات العائلية والمرضية، تزداد ربحية الشركات الصغيرة بالفعل، إذ يصبح العاملين في هذه الشركات أكثر إنتاجية، ويصبح توظيفهم أكثر فاعلية، ويستمر العاملون لدى هذه الشركات لفترات أطول أيضاً.

قالت سارة غونزاليس بوسنسكي، مديرة أحد البرامج في منظمة مستقبل بلا عنف، وهي منظمة غير هادفة للربح تسعى إلى إنهاء العنف المنزلي والجنسي: “إننا نرى هذا الأمر على أنه تشديد على تطبيق سياسات مكان العمل حتى يمكن لكل فرد أن ينجح بالتساوي، يجب ألا يضطر الضحايا إلى الاختيار بين الأمان المهني وسلامتهم الشخصية. إنه حقاً قرار فظيع ينبغي على الأفراد اتخاذه، بخاصة لمن هم في الوظائف الأدنى دخلاً”.

بالنسبة إلى الديموقراطيين في الكونغرس، يغدو تماشيهم مع تشريع كهذا أمراً ذكياً من وجهة نظر استراتيجية أيضاً. فعلى سبيل المثال، سوف يساعدهم ذلك على الوقوف بمنأى عن الرئيس، الذي لم يقف إلى جانب المتّهمين (المعتدين) فحسب، بل أمر المسؤولين أيضاً برفض طلبات اللجوء لمن يدّعون أنهم ضحايا للعنف المنزلي أو عنف العصابات. كما يحوي مشروع القانون فوائد مزدوجة تتمثل في حماية كل من العمال والشركات، على الأقل على المدى البعيد. وبينما يأمل الديمقراطيون بتوجيه رسالة تعلق بالأذهان، تعدّ هذه أنواع السياسات التي يحتاجون إلى زيادتها بشكل أكبر، كي ينصبوا أنفسهم حزباً للعمال مرة أخرى.

قالت بوسنسكي إن حراك “#أنا_أيضاً” خلق فرصة لإعادة نظر أصحاب العمل في سياساتهم الخاصة، بالتحديد بشأن التحرش الجنسي. والآن، حان الوقت للديموقراطيين “للتحدث بشكل أوسع حول نطاق من العنف المبني على الجنس، وكيف يمكنه أن يكشف عن نفسه جلياً في مكان العمل”.

هذا المقال مترجم عن newrepublic.com ولقراءة المقال الأصلي زوروال الرابط التالي