fbpx

الشتاء العربي آتٍ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنّ الأولوية الأولى، بالنسبة إلى الأنظمة المضادة للثورات، هي أن يمنعوا تكرار ثورات عام 2011، وهم يعتقدون أن الطريقة المثلى لفعل ذلك هي أن يستمروا في طريق القمع. لذا فإن ما دار من أحاديث في الفترة الأخيرة عن أن محمد بن سلمان هالك، أو أنه يمكن أن يُستبدل في أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، كانت جهلاً بالواقع العام في المنطقة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ ثلاثة أعوام، عزا أشتون كارتر، وزير الخارجية الأميركي وقتها، سبب نفوذ إيران المتنامي إلى كونه “فاعلاً وحيّاً على الأرض”، وقد حث منافسيها الإقليميين على أن يفعلوا مثل ما تفعل، معبّراً عن رأي منتشر داخل الدوائر السياسية وقتها، وهو أن على دول الخليج أن تُقلّل من اعتمادها على الولايات المتحدة وأن تلعب دوراً أكبر في محيطها.

من نواحٍ عدة، هذا بالضبط ما تحاول تلك الدول فعله منذ 2015؛ والآن على كارتر ومن يشاطرونه الرأي، أن يعيدوا التفكير في نصيحتهم.

فمع غياب قيادة أميركية قوية، على مدار إدارتين الآن، يبقى مستقبل المنطقة معلّقاً بما تُعرّفه القوى الإقليمية على أنه أولوياتها، وكيفية تحقيق تلك الأولويات. وحتى لو حاولت واشنطن أن تستعيد قبضتها، فستجد ذلك أصعب بكثير الآن.

يمكننا تتبع ما يحدث الآن في الشرق الأوسط إلى سلسلة أحداث أوّلها كان مع الربيع العربي عام 2011، والذي أثار رغبة لدى الشعوب بتغيير ديموقراطي، ورغبة مضادة لدى الحكومات بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 2011.

يعتقد المعسكر المضاد للثورات، الذي تمثله السعودية والإمارات والبحرين ومصر وحلفاء هذه الدول في اليمن وليبيا وأماكن أخرى، أنه لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، أي ليعودوا إلى الماضي، على المستقبل أن يكون أكثر سلطوية من أي وقت مضى. وقد توصّلتُ، بناء على محادثات مكثفة مع مسؤولين عرب كبار، إلى أن النظرة المستقبلية المسيطرة يمكن تلخيصها بما يلي: قبضة من حديد على المستويين المحلي والإقليمي يمكن أن تصاحبها مخاطر، إلا أن البديل أسوأ.

فالأوتوقراطيون يُرجعون سبب فقدهم السيطرة على الجموع في 2011، إلى أنهم لم يقمعوا شعوبهم بما يكفي. فالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أعطى متنفساً للإخوان المسلمين، وللنشطاء السياسيين، وللإعلام الناقد. وانظروا ماذا حدث له.

ومع ما سبّبته الاضطرابات التي خلقها الربيع العربي من انتقال لمراكز النفوذ من الجمهوريات العربية إلى الممالك الخليجية، الأغنى والأكثر استقراراً، ألقى زعماء المنطقة عنهم تظاهرهم بأنهم سينحنون أو يركعون دوماً أمام الإرادة الشعبية، سواء أكانت رغبة في المزيد من الديموقراطية أو المزيد من التدين المتشدد.

فعلى سبيل المثال، صرّح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في 2017: “لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرّفة، سوف ندمرهم اليوم وفوراً”. ففي دفاعه عن الاعتدال، اقترح ببساطة أن يسحق المتشددين الدينيين. (أي بتعبير أميركي: الشدة والحزم بدلاً من الحوار والتفاهم). ثم إن محمد بن سلمان على الأرجح يستخدم مصطلح “المتطرّفين” بما يناسب هواه؛ فمنذ ذلك الحين، وسم السعوديون جماعات دينية معينة بأنها منظمات إرهابية، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في حين يراها كثيرون منظمة ذات قبول عام.

“إن الحكومات السلطوية، في رغبتها في توطيد أركان ملكها، تحصر سلطتها أكثر وأكثر بأشخاص معينين- وهو ما يمكن أن يستغله منافسوها الداخليون”

عموماً، تبدو الدول السلطوية اليوم أكثر رغبة من أي وقت مضى بتجاهل رغبات الشارع العربي. فلم يعد سرّاً الآن أن دول الخليج تُنشئ علاقات مع إسرائيل، مع غياب علاقات رسمية، من ضمنها شراكات تجارية واتفاقيات أمنية. مؤخراً جابت وزيرة إسرائيلية أبو ظبي، وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي في الدوحة، وقام رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بزيارة تاريخية إلى مسقط. مثل هذه التصرفات، بالإضافة إلى الدعم المستمر لـ”صفقة القرن” الخاصة بترامب، على رغم قرار إدارته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، أغضبت الشارع العربي.

بالتأكيد هناك مؤيدون لهذا الاستبداد. فقد ابتهجت النخب، والقوميون العلمانيون، والناس العاديون الذين يخشون الحروب، بعد صعود قادة مثل عبد الفتاح السيسي في مصر أو محمد بن سلمان في السعودية. فهم يعوّلون الآن على نجاحهم، مقتنعين بأن أي تساهل سيمحو ما تحقق حتى الآن من “مكاسب”.

إن الحملة ضد الإخوان المسلمين وأي شكل من أشكال المعارضة في مصر، هي الأشرس منذ ما يقرب من 50 عاماً. فمعظم الإسلاميين والمعارضين إما يقبعون في السجون أو يعيشون في المنفى. كما أحكم النظام قبضته على المؤسسة الإعلامية، والتي كانت تعد في السابق إحدى أكثر المؤسسات الإعلامية حيوية في المنطقة. أما السيسي وأنصاره فيرون هذه التدابير القاسية مقبولة، لأنها أعادت الاستقرار إلى الدولة. حتى قيادات الإخوان المسلمين أقروا بأن الحملة ضد الجماعة كانت فعالة إذ دمرتها ومزقتها إلى أجزاء. لذا فإن النظام وأنصاره يدافعون عن استمرار القمع، تحديداً لأنه آتى أكله. فما الذي سيدفعهم الآن للتراجع؟ بعد أن صار الانتصار الحاسم على الإخوان المسلمين في متناول الأيدي.

إن الأولوية الأولى، بالنسبة إلى الأنظمة المضادة للثورات، هي أن يمنعوا تكرار ثورات عام 2011، وهم يعتقدون أن الطريقة المثلى لفعل ذلك هي أن يستمروا في طريق القمع. لذا فإن ما دار من أحاديث في الفترة الأخيرة عن أن محمد بن سلمان هالك، أو أنه يمكن أن يُستبدل في أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، كانت جهلاً بالواقع العام في المنطقة. فمحمد بن سلمان يُنظر إليه على أنه شخصية محورية في زمرة القادة الجدد الذين يعيدون تشكيل الشرق الأوسط، وستقف الزمرة بجانبه. هذا الوضع ينبئ أيضاً عن الحصار المستمر على قطر والحرب في اليمن؛ فالشؤون الإنسانية ببساطة غير مهمة أمام فعالية القمع.

“إذا فاز رجال السلطة، وهم لديهم فرصة حقيقة في الفوز، فعلى الغرب حينها أن يتخلّى عن حلمه بشرق أوسط أكثر انفتاحاً سياسياً”

وسط الإرهاق الثوري، يحظى السلطويون بدعم قطاعات واسعة من مجتمعاتهم، وهي نافذة لتعزيز سلطتهم. إلا أن مجموعات مختلفة، من ضمنها ديموقراطيون ليبراليون وإسلاميون متشدّدون، يرون أن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد- أو حتى لفترة طويلة- لأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أشعلت الثورات العربية عام 2011 صارت أسوأ بكثير.

إن الحكومات السلطوية، في رغبتها في توطيد أركان ملكها، تحصر سلطتها أكثر وأكثر بأشخاص معينين- وهو ما يمكن أن يستغله منافسوها الداخليون. فالقمع السياسي، الذي يمكنه أن يسحق المعارضة على المدى القصير، يعطي أيضاً للإسلاميين مظلومية مشروعة ليستغلوها. وإذا لم يستطع السلطويون تحسين الأوضاع الاقتصادية لشعوبهم، وهم حتى الآن لم يستطعوا، فهذا أيضاً يضر بقدرتهم على استعادة الاستقرار، ومن ثم بقائهم في السلطة. فالعراق والأردن، على سبيل المثال، شهدوا أخيراً موجة احتجاجات بسبب سياسات اقتصادية كرهها شعباهما.

لا مجال للتصالح أو للحلول الوسط بين الحكومات السلطوية وبين معارضيها الإسلاميين أو الديموقراطيين. فإذا فاز رجال السلطة، وهم لديهم فرصة حقيقة في الفوز، فعلى الغرب حينها أن يتخلّى عن حلمه بشرق أوسط أكثر انفتاحاً سياسياً (وهي الرؤية التي خلقها الربيع العربي). وإذا فشل رجال السلطة، وهناك احتمال كبير بذلك، فيمكن لدولهم أن تشهد فترة من الاضطراب على غرار الحرب الأهلية السورية. وفي هذه البيئة المتقلّبة، تغيب الولايات المتحدة عن المشهد غياباً ينذر بسوء.

فمنافسو إيران “فاعلون وأحياء على الأرض”، بالضبط كما نصحهم كارتر قبل ثلاثة أعوام. لكن يغيب عن المشهد حَكَم يدير الصراعات ويقف في وجه أسوأ نزعات السلطويين. تبدو الولايات المتحدة غير مهتمة بما يحدث في المنطقة حالياً، إلا أن الخطر الحقيقي لهذه اللامبالاة هو أنها ستجلب مستقبلاً أقل استقراراً بكثير من الماضي.

هذا المقال مترجم عن موقع The Atlantic ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
كيف يزرع الشرق الأوسط بذور الربيع العربي الثاني؟
في ذكرى ثورتي تونس و مصر: انتصارات الربيع العربي تبدو أكثر هشاشة من أي وقتٍ مضى

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.