fbpx

سياسيو العراق يقتلون أسماكه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كارثة بيئية جديدة تضرب في العراق وهي نفوق آلاف الأسماك جراء أوبئة في نهري دجلة والفرات. الإجابات الحكومية تبدو قاصرة عن نفي الاتهامات حول احتمال أن يكون نفوق الأسماك بفعل فاعل..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشرح حسن كاظم في “دكانه” الصغير بسوق السمّاكة في مركز مدينة الديوانية جنوب العراق، تدهور السوق بسبب الوباء الذي أصاب الأسماك في البلاد، ولا ينتظر الزبائن كما اعتاد في عمله اليومي. يعرض أسماك البنيّ في مقدمة المحل، فيما يضع الأخرى القابلة للنفوق بسبب التعفن في الغلاصم أو الخياشيم على مصطبة عالية، كي يلفت انتباه الزبائن ويستعيد ثقتهم ببضاعته. لا يملك هذا السمّاك الجنوبي سوى هذا المحل لإعالة عائلته، “إنه المصدر الوحيد لرزق عائلتي، ليس لدي أي مُرتب حكومي أو ما شابه، إذا استمر الوضع على هذه الحال وامتنع الناس عن شراء أسماكنا في هذا السوق، سنخسر كل شيء”.

كاظم يشرح للزميل خالد سليمان في محله في الديوانية مشكلة الأسماك

يكمن مصدر خوف هذا السمّاك في حقول ناحية سومر، على بعد 25 كيلومتراً جنوب شرقي مركز الديوانية، حيث انتشرت الفطريات القاتلة بين أقفاص حذرت مديرية الزراعة للمحافظة من وضعها الصحي بتاريخ 3/10/2018. وقد حددت المديرية من خلال وحدتها الإدارية في الناحية المذكورة “وجود نواقص تحتاج أربعة أشهر من العمل كي يكون المشروع قابلاً للعمل والإنتاج”، كما يقول المهندس أحمد راضي مسؤول قسم الثروة الحيوانية، شعبة الأسماك في المديرية. إنما بدل إصلاح ظروف القفص العائم، لجأ صاحبه ثامر العوادي إلى شراء أسماك كبيرة من أقفاص مجاورة بغية تعويض جزء من خسارته. بعد أيام معدودة نفقت الأسماك الجديدة وانتشر الوباء بين الأخريات. وحذر “صاحب القفص ثامر العواد من سوء أحوال حقله قبل أسابيع من النفوق”. أسماك نافقة أخفاها صاحب الأقفاص تحت التراب بعمق سنتمترات معدودة على بعد أمتار من النهر، تظهر حقيقة تعفنها ورائحتها الكريهة. على رغم جريان المياه في الأقفاص، انتشر مرض “تعفن الغلاصم” في الحقول الذي يصيب جهاز الأسماك التنفسي عبر الهواء الجوي أو أسماك مستوردة مصابة. وانتشر هذا الوباء للمرة الأولى في حقول سمكية في الفرات عند قضاء المسيب شمال محافظة بابل جنوباً والرمادي غرباً، ولم تستثن منه العاصمة بغداد.

ويشير مسؤولون محليون إلى أن الطفيليات انتقلت إلى الأسماك بسبب الإدارة السيئة لحقوق تربية الأسماك ووضع أعداد كبيرة منها، غير المسموح بها، في مساحات ضيقة، الأمر الذي أدى إلى تقليل الأوكسجين وتراكم الفضلات والأعلاف. كما يتحدثون عن استغلال بعض أصحاب حقول تربية الأسماك حجم الكارثة وما نتج عن ذلك من مواقف للحصول على التعويضات، وقد استغل بعض أصحاب حقوق تربية الأسماك حجم الكارثة وما نتج عنها من المواقف للحصول على التعويضات كما في حالة قفص ناحية سومر، الأمر الذي أدى إلى انتشار المرض في شط سومر، وهو رافد من روافد نهر الفرات.

يسأل مواطنون في الديوانية والحلة والنجف وبغداد، عن علاقة ما تربط بين صدور بيان من وزارة الزراعة عن اكتفاء البلاد بالثروة السمكية ذاتياً، وبين هذه الكارثة البيئية والاقتصادية التي خسّرت العراق مليارات الدنانير وفق مسؤولين حكوميين. ويتحدث ناشطون وعدد كبير من المواطنين على شبكات التواصل الاجتماعي عن حرب إقليمية اقتصادية تشنها أطراف إقليمية على العراق، بينما يشير مسؤولون إلى التسمم بفعل فاعل داخلياً، ناهيك بعدم التزام مالكي الحقول السمكية بالشروط المطلوبة مثل المساحات الضرورية للحركة والأوكسجين والغذاء، ووضع الأقفاص على ضفتي أنهار تعاني أساساً من التلوث وقلة التدفقات المائية. الأمر الذي يحول دون ترك ممرات كافية لحركة المياه وإبقاء كميات كبيرة من الفضلات وبقايا العلف في الأقفاص والأنهر. يتحدث مدير مديرية الزراعة في محافظة الديوانية صفاء الجنابي عن تجاوز مربي الأسماك مقاسات علمية تتبعها سياسات الدولة الزراعية في ما خص تربية الأسماك. “ولكن ما حصل في الأقفاص هو تجاوز للشروط العلمية والصحية برأيه، إذ تراكمت المخلفات وزاد عدد الأسماك في المتر المكعب الواحد”، مشيراً إلى إحالة القضية الى المحاكم، ذاك أن وضع مياه الحقول أشبه “بالمياه الآسنة” وفق رأيه، ناهيك بوضع عشرة أضعاف العدد المطلوب من الأسماك فيها.

يقتضي انتشار هذا الوباء في نهري دجلة والفرات وروافدهما في جنوب العراق ووسطه، رفع الغطاء عن جميع الأسباب، الخفية منها، والمعلنة، ذلك أن الأوبئة بين الحيوانات والطيور أو في الطبيعة، ليست إلاّ إشارة استباقية تمهد لانتشارها بين البشر.

قالت وزارة الزراعة في بيان حول هذه الكارثة البيئية إن أهم أسباب نفوق الأسماك بكميات كبيرة، بعدما وصل العراق بحسب البيان ذاته إلى الاكتفاء الذاتي وسد حاجة السوق من الأسماك، “هو انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وقلة الايرادات المائية من تركيا وبالتالي ركود وتوقف جريان المياه في بعض مناطق تربية الأسماك بالأقفاص العائمة، إضافة الى ما يلقى في نهري دجلة والفرات من ملوثات صناعية ومنزلية من دون عمليات معالجة وتدوير للمياه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم الالتزام بالضوابط والمحددات البيئية من خلال وجود أعداد كبيرة من المتجاوزين من مربي الأسماك بالأقفاص العائمة وكذلك كثافة التربية في وحدة المساحة (25 سمكة للمتر المكعب الواحد)، أدت إلى نقص الأوكسجين وتحفيز الإصابات الفطرية والبكتيرية نتيجة تخمر مخلفات الأعلاف وفضلات الأسماك في قاع النهر الراكد وانبعاث غاز الأمونيا نتيجة التحلل، ما أدى إلى تعفن غلاصم الأسماك أو تلفها وبالتالي نفوقها”. ولم تستبعد الحكومة العراقية أن تكون “القضية نتيجة الصراع على سوق الأسماك”، كما جاء في بيان آخر نشر بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

أسماك نافقة

لا يتجاوز هذا البيان الحكومي الأسباب التي يعرفها الجميع، لا يحدد طبيعة الصراع على السوق، ولا يذكر أسماء تلك الجهات التي لا تلتزم بالضوابط والمحددات البيئية في تربية الأسماك، هل هم مواطنون عاديون، أصحاب الأعمال، أم هم من الطبقة السياسية الحاكمة؟ وقد يضطر الباحث عن جواب لمثل الأسئلة، إلى التوجه الى المناطق المتضررة والواقعة في الجغرافيا البشرية والوطنية لهذه الكارثة البيئية- الاقتصادية التي حالت دون الاكتفاء بالثروة السمكية ذاتياً. في لقاء خصّنا به محافظ الديوانية سامي الحسناوي للحديث عن الأزمة وتبعاتها والخسائر التي نتجت عنها، الى خسارة مليارات الدنانير تكبدها العراق وقال: “إن أصحاب الأقفاص الذين يتحكمون بالنهر ولا يلتزمون بالشروط الصحية والعلمية في تربية الأسماك في شمال مدينة الحلة، كلهم أعضاء في مجلس النواب أو مجلس المحافظة ولهم نفوذ سياسي”. كما أشار السيد الحسناوي إلى إمكان الانتهاء من المرض، “بمجرّد ارتفاع منسوب النهر وتسريع حركة المياه، لأن الأقفاص وبسبب تحميلها أكثر من طاقتها تكاد تغط في القاع، كما تحجب حركة مياه النهر إلى الديوانية أحياناً”.  

لا تعود الأسباب في النقاشات العامة بين الناشطين والخبراء البيئيين إلى الكثافة السمكية في الأقفاص أو انخفاض منسوب المياه، بل إلى سموم أو مبيدات زراعية أثرت بشكل فعال في قتل مفاجئ لمئات أطنان الأسماك خلال ساعات معدودة. السؤال هنا هو، لماذا تجيف الأسماك بعد ساعات من موتها وتصدر منها روائح كريهة؟ لا يجيب المسؤولون الحكوميون على جميع أسئلة الصحافيين والناشطين، تحديداً تلك المتعلقة بيد خفية في ما خص إبادة الأسماك بفعل فاعل. قصارى القول، يقتضي انتشار هذا الوباء في نهري دجلة والفرات وروافدهما في جنوب العراق ووسطه، رفع الغطاء عن جميع الأسباب، الخفية منها، والمعلنة، ذلك أن الأوبئة بين الحيوانات والطيور أو في الطبيعة، ليست إلاّ إشارة استباقية تمهد لانتشارها بين البشر.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

إقرأ أيضاً:

التغير المناخي وراء كارثة البحر الميت

المياه القذرة ترسم مستقبلنا

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…