fbpx

السويداء تحتفل ولا تسأل من أطلق المخطوفين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أكثر من مئة يوم، عاشها أهالي محافظة السويداء (أهل الجبل) جنوب سوريا على أعصابهم، وهم بانتظار الإفراج عن المختطفين من أطفال ونساء لدى “داعش”، وبلغ الانتظار ذروته مع إمكان تحوّل المفاوضات إلى مباحثات ماراثونية، عند كل خبر يُنقل عن الاشتباكات بين النظام و”داعش” في بادية الصفا شرق السويداء

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكثر من مئة يوم، عاشها أهالي محافظة السويداء (أهل الجبل) جنوب سوريا على أعصابهم، وهم بانتظار الإفراج عن المختطفين من أطفال ونساء لدى “داعش”، وبلغ الانتظار ذروته مع إمكان تحوّل المفاوضات إلى مباحثات ماراثونية، عند كل خبر يُنقل عن الاشتباكات بين النظام و”داعش” في بادية الصفا شرق السويداء.

وبغض النظر عن الجهة التي ساهمت في تحرير المختطفين، يبقى الحدث المجرّد إيجابياً ومفرحاً، ويبقى الثناء لمن ساهم فيه قليل الأهمية.

ومن الملفت أن عملية “التحرير” كانت بعيدة من مكان الحدث الرئيسي، السويداء، إذ تمت في بادية حمص في (قرية حميمة) شمال شرقي تدمر بحسب ما نقل عن مركز المصالحة الروسي، ما يجعل احتمال حدوث عمل عسكري خاص لهذه الغاية أمراً مستبعداً خلافاً لما روّج له النظام وَروسيا.

17 رهينة من نساء وأطفال، وصلوا تحت جُنح ليل الخميس- الجمعة الفائت إلى السويداء، مع تأكيدات عن مقتل الطفلين رأفت نشأت أبو عمار، وَقصي جودت أبو عمار، ويعود السبب بحسب رواية النظام إلى الاشتباكات المسلّحة بين النظام و”داعش”.

أما عن مقتل الرهينة مروة عصام الأباظة، فإن وسائل إعلام عدة نقلت عن المختطفات المحرّرات أنها قتلت على يد “داعش” بداية تشرين الأول/ أكتوبر، بعد يومين من إعدام الرهينة ثروت أبو عمار، إثر تعثر المفاوضات حينها، ولكن يبقى الغموض يلف قضية مقتلها.

وسبق عملية التحرير الأخيرة، الإفراج عن ستة مخطوفين في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي هم رسمية أديب أبوعمار (والدة الشاب مهند الذي أعدمه التنظيم بتاريخ 2 آب/ أغسطس الماضي)، وعبير مشعل شلغين وأولادها الأربعة، مقابل إفراج النظام عن محتجزين من عوائل عناصر التنظيم وهم 17 معتقلة و8 أطفال.

من صاحب الفضل؟! (كما يقول أهل الجبل)

لقد سعى كل من النظام السوري وحتى بعض معارضيه إلى سحب بساط التحرير كلّ بالاتجاه الذي يريده؛ ففي حين كانت إحدى المختطفات المفرج عنها في المرحلة الأولى وهي رسمية أبو عمار لا تعلم بإعدام “داعش” ابنها مهند، كانت وسائل إعلام النظام تطلب رأيها ببشار الأسد! أما محافظ السويداء عامر العشي فقد صرّح بأن عملية التحرير تتم تحت إشراف مباشر من بشار الأسد!

وفي المقلب الآخر يرفض المعارضون هذا الطرح، ويرجعون السبب إلى روسيا، بل وشكروها على ذلك، ما يذكّرنا بالمقولة الساخرة (شكراً روسيا) التي يتغنى بها النظام دائماً منذ أول مرة استخدمت فيها الفيتو لمصلحته في مجلس الأمن.

وقد شارك بعض النواب اللبنانيين الدروز في شكر روسيا، مثل وائل أبو فاعور، وَتيمور جنبلاط الذين جنحوا بقوة نحو تقديم الشكر لها مُسقطين أمام حساباتهم الطائفية الضيقة أن روسيا شريكة النظام في قتل كثير من السوريين وتشريدهم وتعذيبهم، ومنهم من أتباع الطائفة “الدرزية”.

الحراك المدني ضحية النظام ومسلّحين معارضين

لم يعتقد النظام أن معظم الشارع “الموالي” له في السويداء سوف يفسح المجال ولو على مضض لتجمّعات تطالب بالإفراج عن المخطوفين، لكن سعي النظام إلى إظهار دوره كحامٍ للأقليات، فرض عليه القليل من التنازلات لبعض الوقت، وفي ظل غياب مظلة سياسية لأي تحرّك في سوريا، وهنا تروي إحدى الناشطات المشاركات في هذا الاعتصام الذي استمر 6 أيام متتالية، ما حصل في حديث لـ”درج”:

“بتاريخ 2 تشرين الأول الماضي، أعلن داعش عن إعدام ثروت أبو عمار، وقد سبق له إعدام الشاب مهند أبوعمار، عندها حصلت دعوات على “فيسبوك” للتجمّع في اليوم التالي أمام مبنى محافظة السويداء، وبتاريخ 3 تشرين الأول تجمّع أفراد من عائلة أبو عمار أمام مبنى المحافظة في التاسعة صباحاً لكن المساندين لهم كانوا قّلة.

وكان لمؤيدي النظام مكانهم المعتاد لكن هذه المرّة عبر مصور قناة الإخبارية والذي حاول منع المعتصمين من التصوير والبث المباشر على “فيسبوك”، وعمل على تسجيل أسماء من قاموا بذلك، وفي مساء اليوم ذاته، عمل مراسل قناة الإخبارية على اتهام إحدى المعتصمات بأنها تعمل مع جهات إعلامية “مغرضة” وشهّر بها على “فيسبوك” ثم حذف المنشور بعد سجالات كثيرة حوله، حينها كثف الناشطون الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي والهدف كان واضحاً “الكشف عن مصير المخطوفين ومستجدات القضية”.

وفي اليوم الثاني، تضيف الناشطة، “قام أمين فرع حزب البعث في المحافظة بإرسال أشخاص كي يقنعوا الشيوخ من آل أبو عمار (عائلة المخطوفين)، والذي اعتصموا أمام مبنى المحافظة لليوم الثاني على التوالي، بحجة أن هذا الاعتصام يضر بمسار المفاوضات، وإن أرادوا أن يعلموا شيئاً حيال الموضوع يمكنهم زيارة فرع حزب البعث. أما النشطاء فكان لهم قول آخر وأصرّوا على البقاء في ساحة الاعتصام، لكن عندما تبين أن بعض الشيوخ من عوائل المخطوفين يحملون أسلحة فردية، طلب منهم الموفدون إلى ساحة الاعتصام التخلي عن السلاح باعتبار أن ذلك يمثل تهديداً للمحافظة، وحصل ذلك فعلاً. وانتظر المعتصمون في الساحة حتى الثالثة ظهراً على اعتبار أن المحافظ سوف يقابلهم، لكن ذلك لم يحصل وكانت الساعة قاربت السادسة مساءً. عندها وفي خطوة متقدمة، قام الناشطون بإقامة خيمة والإعلان عن اعتصام مفتوح، وفعلاً تم ذلك لكن قائد شرطة المحافظة سارع بالحضور إلى خيمة الاعتصام واعتبرها “خيمة للمعارضة”، وتحت التهديد أزال أهالي المخطوفين والناشطين الخيمة”.

وصول المُحرّرين من داعش إلى السويداء، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2018

وبدأت أعداد الداعمين لقضية المخطوفين تتزايد في ساحة الاعتصام، على رغم المحاولات المتكررة لأنصار البعث جذب أهالي المخطوفين إلى صفهم وبالتالي فض الاعتصام.

وهنا حصل انقسام في الشارع، واعتبر البعض أن هذا الاعتصام يمثل المعارضين، وتضيف الناشطة أنه بالفعل بعد مرور أيام كان حضور أهل قرية الشبكي “القرية التي ينتمي إليها المخطوفون” قليلاً مقارنة بأعداد المعارضين وناشطي المجتمع المدني الحاضرين، وبدا هذا الأمر مصدر إزعاج للنظام وأعوانه. حتى أن الحراك استقطب طلاب المدارس في أيامه الأخيرة بشكل كثيف، لكن ما لبث أن انحسر بعد تهديدهم بالفصل من مدارسهم، ومن المشاهدات الحيّة أن أحد مديري المدارس حضر إلى ساحة الاعتصام ليعلم مَن مِن طلاب مدرسته موجود هناك.

“تبقى الصورة واضحة من ناحية أن روسيا بإعلان مساهمتها بعملية التحرير واستلامها المسبق لملف المخطوفين، تقوّض دور النظام في أحد الملفات الداخلية الجديدة”

 تدخّل مسلّحين معارضين

لم يشارك طوال فترة الاعتصام أي من الفصائل المسلّحة المعارضة والمقصود تحديداً “حركة رجال الكرامة”، ويأتي ذلك نتيجة طلب من أهالي المخطوفين. ومع نهاية اليوم السادس، حصل اجتماع بين آل أبو عمار وأحد شيوخ الطائفة المُرسل من قبل محافظ السويداء، وأعلمهم أن ملف المخطوفين سوف يسلّم إلى روسيا وينسق معها أحد “شيوخ عقل الطائفة الدرزية”، وهو حكمت الهجري، ويبدو أن الاتفاق تبلور، وأثار سخط قطب درزي آخر في السويداء، عندها قرر ليث البلعوس وهو نجل قائد حركة رجال الكرامة وحيد البلعوس الذي تم اغتياله عام 2015، الحضور تحديداً بتاريخ 8 تشرين الأول مع عدد من عناصره “مُلثمين” إلى ساحة الاعتصام بهدف الوقوف مع أهالي المخطوفين وإشهار دعمهم، بخاصة في ظل الانتقادات الموجهة للحركة حول دورها في القضية، وحدثت مشادة كلامية مع أحد المحسوبين على الأمن، وعلى إثر ذلك تم إطلاق النار من قبل أحد عناصر الحركة على إحدى نوافذ مبنى المحافظة، عندها عمل النظام على إغلاق مداخل المدينة، وقام ليث البلعوس وعناصره باغلاق بعض الحارات، لكنهم انسحبوا بعد ساعتين من الأحداث، ووصلت تعزيزات عسكرية للنظام وتم رفع سواتر حول مبنى المحافظة، وأزالوا صور المخطوفين التي وضعها المعتصمون على درج مبنى المحافظة، وبدأت الماكينة الإعلامية للنظام بالحديث عن هجوم مسلح للمعارضة على مبنى المحافظة.

بعد هذه الحادثة مباشرة تم الإعلان على لسان “حكمت الهجري” أحد شيوخ طائفة الدروز أن ملف المخطوفين أصبح بعهدته وأن جهات روسية أصحبت في صلب العملية، بعد ذلك بقليل بدأ “مسلسل” تحرير الدفعة الأولى من المخطوفين بحسب رأي الناشطة، وما حدث أخيراً هو الجزء المكمّل من الرواية.

وصول المُحرَّرين من داعش إلى السويداء، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2018

السويداء… ولاء مُطلق

تقول الناشطة من السويداء، إنه “بعد إغلاق ملف المختطفين هناك أكثر من 60 في المئة من أهالي المحافظة يصدقون رواية النظام، والجزء الأهم أن أهالي المخطوفين يصدقونها، وبغض النظر عن احتمال تعرّضهم لضغوط أم لا، فإن النتيجة واحدة. وَمن أكثر الأمور سلبية هو ما حدث ويحدث من احتفالات أمام مبنى المحافظة والتي ترفع فيها صور بشار الأسد، كما تحول المراسل الذي كان يسجل أسماءنا ويشتمنا إلى بطل”.

وتضيف؛ “ما حصل وعلى رغم إيجابيته من حيث الإفراج عن المختطفين، تم توظيفه بشكل كامل خدمة للنظام وروسيا، وتم تلميع صورة روسيا محلياً وإقليمياً من ناحية استعادة معظم المخطوفين، إضافة إلى إبراز دور فاعل على الساحة الدرزية لرجل الدين حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة على حساب الشيخ يحيى الحجار القائد الجديد لحركة رجال الكرامة، والذي وجهت له انتقادات كثيرة حول كيفية التعاطي مع عناصر الحركة وموضوع المخطوفين بشكل عام. وهو أيضاً نجاح جديد للنظام في أن يستطيع قمع أي احتجاج بأشكال كثيرة، مع المحافظة على كسب تأييد غالبية الناس في المناطق الموالية له ومنها طبعاً… السويداء”.

ما حدث في السويداء هو امتداد لحكايا الثورة في سورية. لكن تبقى الصورة واضحة من ناحية أن روسيا بإعلان مساهمتها بعملية التحرير واستلامها المسبق لملف المخطوفين، تقوّض دور النظام في أحد الملفات الداخلية الجديدة، لكن كثيرين من أبناء السويداء يرون أنه لا فرق بين روسيا والنظام، والنتيجة النهائية طي صفحة المخطوفين لدى “داعش”.

إقرأ أيضاً:
السويداء: لماذا أخفى النظام شريط الأسرى الذي بثّه داعش؟
الخناق يضيق على أهالي السويداء، فهل يتهدّد وجودهم في جبل العرب أو سوريا؟