fbpx

المال والمرض يرسمان الحدّ بين الطبيب والمريض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“علاقتي بالدماء عرضية. عندما أجري عملية جراحية، أحتك بكمية كبيرة من الدماء واللحم الحي. ويحدث أن أصاب بالاضطراب فقط حين يسوء وضع المريض الصحي، لكنّ الدماء لا تؤثر فيّ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“علاقتي بالدماء عرضية. عندما أجري عملية جراحية، أحتك بكمية كبيرة من الدماء واللحم الحي. ويحدث أن أصاب بالاضطراب فقط حين يسوء وضع المريض الصحي، لكنّ الدماء لا تؤثر فيّ”. قد يرى البعض هذه الإجابة قاسية، إلا أن الطبيب الجراح علي الحر ينظر إلى العمليات الجراحية على أنها إحداث ضرر لإفادة المريض.

حين كان الحر طالباً في السنة الثالثة في كلية الطب، أَذن له أستاذه الجراح بأن يشاهد عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث من معدة مريض. وقف ورفاقه الطلاب على بعد مترين من الطبيب الذي يجري العملية، وبعد أن انهى أستاذهم استئصال الورم، نظر علي إلى أصدقائه ليكتشف إصابة بعضهم بحالة غثيان قوية، وأغميَ على آخرين.

يعلق الدكتور علي الحر على الحادثة “بقيت أنا واقفاً، شاهدت العملية وركزت على أدق تفاصيلها، عرفت أني سأصبح طبيباً جراحاً، فصمودي أمام المشهد كان مفصلياً في حياتي المهنية”.

في مراحل كثيرة، أصيب الحُّر بإضطراب ليلي وكآبة تمتد لأيام، خصوصاً حين يصطدم بظروف غير مستقرة يعانيها مريضه. ويقول “عندما أضع رأسي على الوسادة، أتذكر أصعب الحالات المرضية التي صادفتها خلال يوم العمل، وأحياناً أبكي على مريض حالته ميؤوس منها”، مضيفاً لـ”درج” “الطبيب ليس وحشاً كما يُصور في المخيلة الجماعية، بل إنسان يتأثر جداً بالآخرين، والعمليات الجراحية والحالات المرضية المستعصية لا تجعله بارداً في تفاعله، بل تضفي عليه حكمة وهدوء في ردود أفعاله”.

لا أثق بالطبيب

علي سليم مصاب بمرض متلازمة الروماتيزم المزمن… “يؤلمني جسدي دائماً”، عبارة يرددها علي باستمرار. كل يوم ينشر على صفحته في “فيسبوك”، منشوراً يحكي فيه عن مرضه المزمن، فالشاب البالغ من العمر 23 سنة، يعاني من مرض يؤدي إهماله إلى حصول أضرار جانبية ومضاعفات سيئة جداً في المستقبل. وبدأ المرض يؤثر في عينه اليمنى بحسب تشخيص طبيبه الأخير وهو ما قد يجبره في حال فشلت الأدوية التي يأخذها حالياً إلى أخذ أبرة في العين تبلغ قيمتها 300 دولار.

لا يثق علي بالأطباء الذين زارهم لأنهم لم يحرروه من مرضه المتعب. فهو مذ بلغ الثامنة عشرة، زار كثيرين منهم. يقول لـ”درج”: “صرفت آلاف الدولارات بين فحوصات مخبرية ومراجعات عند الأطباء كي أحصل على العلاج وحتى الآن ما زلت مريضاً”.

وبعد مسيرة طويلة من المعانات، تبين أن علاج علي يأتي بالابر، لقد تنقل علي بين الأطباء، وخلق سوء ظروفه المادية صراعاً نفسياً جعله يعاني من كآبة والنوم لساعات تفوق الحد الطبيعي، فالطبيب بالنسبة إليه يمثل “الآخر” الذي يريد المال من دون تأمين علاج يريحه من آلامه الجسدية المبرحة.

وضع الشاب الجامعي المادي لا يتيح له الحصول على العلاج اللازم بسبب ثمنه الباهظ، فكلفة كل ابرة روماتيزم تتجاوز الـ1300 دولار وعليه الحصول عليها شهرياً وبشكل دائم، وما يضاعف وضعه الصحي سوءاً أن ظروف عمله اليومية الصعبة التي تؤذي جسده باستمرار.

سيضطر علي كبقية أصحاب الدخل المحدود في لبنان، إلى إنجاز معاملاتهم الطبية من خلال وزارة الصحة أو الضمان الإجتماعي، وهما إدارتان رسميتان مرهقتان لناحية البطء الإداري في تأمين التغطية المالية لمتطلبات المرضى بسبب بيروقراطيتهما المهترئة، وأعداد المرضى الذين يلجأون إليهما.

علاقة مرتبكة

يعتقد عدد من المرضى أن الأطباء يمتهنون الطب من أجل الكسب المادي فقط، ويفتقرون إلى حس التعاطف بسبب ما عايشوه من حالات مرضية قاسية غيّرت آليات تأثرهم بمواقف مؤلمة. هذا الاعتقاد دفع موقع “quara” التفاعلي إلى توجيه هذا السؤال للجمهور: “لماذا تكرهون الأطباء”، وجاءت الإجابات متفاوتة بين انعدام الثقة بالعلاج، وبدا واضحاً في النقاشات التي دارت حول السؤال أن دوافع الكره تأتي من شعور ينتاب المرضى بأن الأطباء يسعون إلى تحقيق المال مروراً بمعاناتهم الجسدية.

حاجة المريض للطبيب وعجز الأخير في بعض الأحيان عن تشخيص المرض بدقة أو تحديد وسائل العلاج اللازمة، دائماً ما يخلقان توتراً صامتاً بين الطرفين، ويزعزعان ثقة المريض بالجهة الطبية التي لجأ إليها.

ومن المجدي هنا، تأمل علاقة طرفين يطغى عليهما طابع تقاسم الأدوار بين قوي وضعيف، فالطبيب يستحوذ على وسائل القوة والعلاج، والمريض يضفي عليه ألمه الجسدي سمات الضعف والتآكل، ما يتيح للطبيب ممارسة دوره وأوامره وإرشاداته الطبية من دون أن يسجل المتلقي اعتراضاً.

تمر علاقة الطبيب بمريضه بمراحل عدة من بينها “الأبوة” كما تقول مجلة “ساينس دايركشن” الاميركية في مادة نشرتها عن ما يربط الطرفين ببعضهما بعضاً، فحين يختار الطبيب إعطاء المريض وصفة طبية معينة، أو يستدعيه لإجراء عملية جراحية يكون الطبيب قد لبس دور الأب الآمر، أما المرحلة الثانية التي تجمع الطرفان فهي “الأمومة”، أي حين يحاول الطبيب التوغل في آلام المريض لاستيعاب حجم الألم الجسدي.

 

إقرأ أيضاً:

“كانوا يستمتعون بالتصويب عليّ”: التنمر الالكتروني يلاحق النساء

من يملك قرار الرقابة في لبنان؟