fbpx

إنهاء العنف الجنسي بتنشئة ذكور أفضل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف أُعدّ ابني ليصبح رجلاً محترماً يتصرّف بلياقة، رجلاً لا يتعدّى على النساء في المقام الأول، ولا يتفوّه أيضاً بنكات بذيئة، ولا يلمس مؤخرات النساء، أو يسخر من ضحايا الاعتداءات الجنسية، أو يعامل النساء على أنهن أقل شأناً من الرجال؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تكوّنت الأسابيع القليلة الماضية من تجارب على أصعدة مختلفة، إذ ذُكّرت -باعتباري امرأة وأمّاً- بمعاناتي في شبابي، فحتى من لم تتعرّض منا إلى اغتصاب أو اعتداء، تتذكر مواقف مزعجة أو حالات أوشكت فيها على التعرّض لأذى. فبسماعي قصة كريستين بليزي فورد، فكّرت في ابنتي ذات الأربع سنوت وفي كيفية إعدادها لمواجهة هذا العالم الكاره للنساء. إلا أن ما ألح علي أكثر، بعد سماعي الضجة التي أثارها كافانو وترامب، هو التفكير في ابني ذي السبع سنوات.

كيف أعدّه ليصبح رجلاً محترماً يتصرّف بلياقة، رجلاً لا يتعدى على النساء في المقام الأول، ولا يتفوه أيضاً بنكات بذيئة، ولا يلمس مؤخرات النساء، أو يسخر من ضحايا الاعتداءات الجنسية، أو يعامل النساء على أنهن أقل شأناً من الرجال؟

قبل قصة كافانو، لم يكن معظم الآباء عادة يفكرون في هذا السؤال. كان الحديث حول العنف الجنسي غالباً ما يدور حول كيفية تعليم الفتيات الحفاظ على أنفسهن. وكانت بعض الأساليب لمنع الاعتداءات الجنسية في المدارس والجامعات تتمحور حول تعليم النساء فقط. أليس هذا سخيف نوعاً ما؟ أليس أفضل من يمكنه إيقاف الاعتداءات الجنسية هم من يقومون بهذه الاعتداءات في الأساس؟

أنا أعتقد ذلك، ويشاركني اعتقادي باحثون كثيرون من الذين درسوا العنف الجنسي، والذين أدركوا الديناميات الاجتماعية والعاطفية الدافعة له. ولحسن الحظ، فإن الأبحاث تشير إلى أن الآباء يستطيعون فعل الكثير، حتى مع الأطفال الصغار، لينشئوهم على الاحترام والتعاطف مع النساء بما يقلل من احتمالية ميلهم إلى العنف الجنسي في حياتهم المستقبلية. ومعظم ما ستقوم به (أي في تنشئتهم على الابتعاد من العنف الجنسي) لا يتطلب منك حتى التفوّه بكلمة جنس. تقول إيميلي روثمان، عالمة في مجال الصحة المجتمعية بكلية جامعة بوسطن للصحة العامة، “نحن جميعاً نعلم أطفالنا الاحترام الجنسي، أو نقيضه، من خلال أصغر الأمور”.

هذا ما تعلّمته عن بعض هذه الأمور:

الاستراتيجية الأولى: اسمح لأطفالك بمواجهة مشاعرهم والحديث عنها بأكبر قدر ممكن من الأريحية

بهذا أنت تسير في تيار معاكس للثقافة السائدة، لأن الآباء الأميركيين يميلون إلى استنكار مشاعر أبنائهم الذكور. فنحن نخبر صبياننا الباكين أن عليهم أن يتغلبوا على مشاعرهم، أو حتى (أن يخجلوا) ليتوقفوا عن التصرف كالفتيات. إلا أننا نعتبر أن الصبيان يجب أن يتمتعوا بالرزانة والقوة الجسدية، وأن الفتيات يجب أن يكن عاطفيات وضعيفات بدنياً، نؤسس لرسالة مفادها أن أحد الجنسين يملك القوة والاستحقاق، في حين لا يملكها الجنس الآخر. تقول دورثي إسبيليج، وهي عالمة نفسية في جامعة فلوريدا، “على الآباء أن يفهموا أن ما نعده كلاماً حسناً يمكن أن يمهد لتبرير العنف ضد الفتيات والنساء، ويمكن أن يكون ذلك الكلام ببساطة قولنا: لا تتصرف كالنساء، أو لا تلقي الكرة كالفتيات”.

فهذه الإهانات، إضافة إلى إرسالها رسائل تمييزية ضد النساء، تدفع الصبيان للتصرف بما “يثبت” أنهم ذكور تقليديون، إذ تشير الأبحاث إلى أن الصبيان الذين يُدفعون للشعور بنقص في رجولتهم، أميَل من غيرهم لممارسة العنف الجنسي. (للمزيد عن الكيفية التي تغذي بها هذه الصور النمطية عن الجنسين، التمييز ضد النساء وما يمكن أن يفعله الآباء بخصوص هذا، اقرأ هذا العمود الذي كتبته العام الماضي).

“الأبحاث تشير إلى أن من شعروا بحاجة لكبح مشاعرهم من الرجال، يميلون أكثر من غيرهم إلى التصرف بعنف حين يكبرون”

كما أن حرمان الذكور من الحرية العاطفية يضر من نواح أخرى أيضاً. تقول بوكو كيرنسمث، باحثة في مجال الوقاية من العنف بجامعة وين ستيت، “إذا لم يستطع الذكور أن يدركوا مشاعرهم الشخصية بعدم الارتياح أو بضيق يعتريهم عن شيء ما، فسيصعب عليهم إدراك وجود تلك المشاعر في الآخرين، وبالتالي يعيقهم هذا عن تعلم التعاطف مع الآخرين”. فبدلاً من دفعهم إلى أن يخشوشنوا، علينا أن ندفعهم إلى عكس ذلك، أن نتفهم مشاعرهم وأن نحاول دفعهم للتعبير عنها وفهمها، لأن هذا يعينهم على التحكم في عواطفهم، وعلى أن يصيروا في النهاية أقل عنفاً. فلنقل أشياء مثل: أنت تبدو غاضباً الآن، أو لنتحدث عن سبب عدم رغبتك في الذهاب إلى المدرسة اليوم.

إن التحدث عن العواطف التي تعتري ابنك يمكن أن يبدو غريباً، إلا أن عدداً متزايداً من الأبحاث تشير إلى أن من شعروا بحاجة لكبح مشاعرهم من الرجال، يميلون أكثر من غيرهم إلى التصرف بعنف حين يكبرون. كما أن من يعاني من مشكلات التحكم في عواطفه من الرجال يميل أكثر من غيره إلى تعاطي المخدرات، الأمر مرتبط أيضاً بالعنف الجنسي.

الاستراتيجية الثانية: علم أطفالك أن يضعوا حدوداً في الاتصال الجسدي وأن يحترموها

على سبيل المثال، لنقل أن جدة الأطفال جاءت إلى المنزل في زيارة، فتخبر أنت أطفالك أن يعانقوها. قد يبدو هذا بسيطاً، إلا أنك بفعلك ذلك تعلم الأطفال بأنه من المقبول أن تُجبِر (أو تُجبَر) على عناق أحدهم. (بعد دقائق من كتابتي هذا، وجدت نفسي أقول لابنتي “أريد عناقاً منكِ”. ما أشد حماقتي! بدلاً من هذا، يمكن أن تطلب العناق لكن لا تصُغ طلبك صياغة الإلزام أو الأمر. تقول كيرنسمث “إن أكثر ما يشعرني بالراحة هو أن يخبرني أحدهم، سأحب لو تعانقينني، أو لو أردتِ أن تعانقيني”، أي عليك أن تطمئنهم بأنه لا بأس إذا لم يريدوا عناقك.

ومتى ما أردت أن تقتحم مساحة طفلك الخاصة، سيكون من الحكمة دائماً، كما تقول روثمن، أن “تركز على طلب إذنهم قبل فعلك ذلك”. هل تقبل أن أرفع قميصك لأرى جرحك؟ هل تمانع أن أحتضنك؟ قد يبدو هذا مبالغاً فيه، لكن أن تظهر لطفلك أنك تحترم استقلالية جسده ومساحته الخاصة يؤكد له أن جسده ملك له، وأن أجساد الآخرين ملك لهم أيضاً.

“يميل الأطفال إلى ملاحظة ما تفعل أكثر بكثير من ملاحظة ما تقول”

إن التركيز على هذه الأفعال، يؤدي إلى التشديد على مفهوم الخصوصية واحترامه. إذا كنتم بشكل عام في عائلتكم لا تمانعون التعرّي، فلا بأس بهذا، لكن مع ذلك أكِّد على أن بعض الناس لا ينزعون ملابسهم عادة إلا بعيداً عن أنظار الآخرين. فحين يدخل طفلك عليك وأنت تستعد للاستحمام، فلتقل ربما، “لاحظ أنك في حمامي وأني عارٍ، ولا بأس في هذا بالنسبة لي، لكن هلّا طرقت الباب في المرة المقبلة؟” تقول روثمن، “إن هذا النوع من الحقائق، يبين لطفلك أن لديك حدوداً، وأنك تعلم كيف تؤكدها، وأنك تريد منهم أن يحترموها”. فكلما تعلم ابنك عن حدود الآخرين وكيفية التعامل معها، كان أكثر ارتياحاً وتقبلاً حين يقابل امرأة في المستقبل نشدد على احترام حدودها.

إذا كان ابنك ناضجاً بما يكفي، يمكنك أن تتحدث معه عن الجنس بالتراضي. تأكد أنه يفهم هذا جيداً، كما تقول كريستين مويلَنين، المختصة في علم نفس النمو بجامعة ويست فريجينيا، “لا يكفي أن تفترض أنها موافقة، بل عليك أن تناقشها في ذلك وعليها أن تقولها صراحةً”. إليكم مصدر مرجعي لآباء يتحدثون عن هذا الموضوع مع أطفالهم، يحوي مقطع فيديو لصبيانٍ بين عمر 11 و16 عاماً، ومقطع آخر يظهر حديثاً مع الأطفال عن الجنس عموماً ويحوي أوراقاً تحمل معلومات عن مواضيع مختلفة.

إقرأ أيضاً: مَن التالية؟ :جرائم العار والحرب المزمنة ضدّ النساء

الاستراتيجية الثالثة: كن قدوة بسلوكك اللائق وتحدّث مع أطفالك باستمرار عما يعنيه السلوك اللائق

يقول مارك فان ريزن، خبير في علم النفس التربوي بجامعة أوريغون: “يميل الأطفال إلى ملاحظة ما تفعل أكثر بكثير من ملاحظة ما تقول”. إذ يتعلم الصبيان كثيراً من رؤيتهم لكيف يعامل أبوهم أمّهم، كما يتعلمون من كيفية حل الخلافات داخل الأسرة. تقول مويلَنين: “إذا عاش الصبيان في منزل يُعتدى داخله لفظياً على أمّهم أو على أخواتهم الفتيات أو على أي امرأة أخرى، فسيتعلمون هذا السلوك، أو هذه المبادئ”.

لذا بقدر استطاعتك، رسّخ في العائلة عرفاً ينص على أن الجميع مُحترم، وصوته مسموع، ويعامل بعدالة. وهذا يتضمن احترامك أنت لأبنائك، فالهدف، كما تقول مويلَنين “هو أن تمارس أبوةً مدروسة بعناية، وهادفة، وتفاعلية مع الأطفال”. تشير الأبحاث إلى أن التعنيف المستمر والسلوك المستبد تجاه أطفالك، يزيد من احتمالية تعاملهم بعنف مع شركائهم العاطفيين، في حين أن وضعك حدوداً واضحة في التعامل، إضافة إلى سلوكك المساند للأطفال، لهما تأثير معاكس.

ولكن ماذا تفعل إذا رأيت ابنك يتصرف بشكل تعدّه أنت عنيفاً أو قليل الاحترام مع الآخرين؟ تقول روثمن إنه سيكون جيداً أن تمنعه عن فعله ذلك في لحظتها، قائلاً شيئاً مثل: إن الطريقة التي تلمس بها أختك الآن غير لائقة، لكن عليك أن تتحدث معه عن الأمر لاحقاً أيضاً، حين يكون الجميع قد هدأ. تتابع روثمن، “طمئنه بأنك تحبه، حتى لا يشعر أنه راضخ تحت ضغط”، ثم أخبره شيئاً مثل: عادة أنت تعامل أختك جيداً وباحترام شديد، لكنك البارحة فعلت شيئاً ساءني.

وتقول روثمن إن التحدث عن عواقب أفعاله يمكن أن يعينك أيضاً، إذ يجدر تنبيهه إلى أنه إذا أمسك أحدهم بهذه الطريقة في المدرسة، يمكن أن يُرسل إلى مكتب الناظر، أو أن هذا السلوك مجرمٌ قانوناً للبالغين. إن التحدث عن العواقب يشدد أيضاً على مفهوم المساءلة، وهو مفهوم من الضروري أن يغرس في الصبيان، وهذا يعني، كما تقول مويلَنين “ألا شيء يقلل من مسؤوليتك”، (حتى لو كنت تحت تأثير الخمر).

وإذا سمعت ابنك يقول شيئاً يتسم بالتمييز تجاه النساء -سمعت ابني يقول ذات مرة إنه هو وأصدقاءه لا يلعبون كرة القدم مع الفتيات لأنهن لسن جيدات بقدرهم، ولأنهن بكّاءات- فإن معاتبته ليس من الضروري أن تكون الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف. ربما يجدر بك بدلاً من ذلك التحدث معه بتمعن أكثر. تقول روثمن: “إن الأهالي حسني النية، سيقولون: هذا ليس عدلاً، عليك أن تسمح للفتيات باللعب أيضاً”. (أكاد أجزم أن هذا ما قلته لابني حينها). إلا أنه حنيها، سيعرف طفلك أنه فعل شيئاً خاطئاً، لكنه لن يملك سبباً ليعيد التفكير في لعبه مع الفتيات. بدلاً من ذلك، كان تصرفي ليكون أحكم لو طرحت عليه أسئلةً وبدأت معه نقاشاً أوسع. وكما تقول روثمن، كان يمكنني أن أسأله لماذا تظن أن الفتيات يبكين أكثر من الصبيان، ثم أتحدث معه عن المعايير الاجتماعية؛ أو كان يمكنني أن أسأله ماذا يظن أنه كان سيحدث لو سمح لهن باللعب، ولماذا كان سيشعر بشكل أفضل لو كان قد احتواهن.

من الأفضل، على أولياء الأمور أن يخوضوا نقاشات كهذه مع أبنائهم حين تحين فرصة ملائمة لتعليمهم شيئاً. أي لا تطلب منهم بطابع رسمي الجلوس خصيصاً (من دون مناسبة) مرة في السنة، لكن اجعل نقاشك معهم تلقائياً وجزءاً معتاداً من نقاشات العائلة. ليس هذا فقط لأن ابنك سيستوعب كلامك أفضل هكذا، بل لأنه سيشعر براحة أكبر في الحديث معك في خضم مشكلة صعبة أو مربكة. وإذا كان ابنك ناضجاً بما يكفي ليتابع الأخبار، تذرّع بالأخبار لتبدأ معه حديثاً، إذ ستتاح لك الكثير من الفرص لفعل هذا في هذه الأيام – هل سمعت عن سخرية ترامب من فورد؟ اسأله إذا كان يعتقد أن فعله ذاك مقبول، وأخبره لماذا تظن أنت أنه غير مقبول. فإذا كنا سنواجه باستمرار أمثلة سيئة (أي في الإعلام)، فيمكننا أن نستخدمها لتنشئة أطفال أفضل.

ميليندا وينر موير

هذا المقال مترجم عن موقع Slate ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
كيف نحافظ على الانسجام العاطفي مع أبنائنا المراهقين
“كانوا يستمتعون بالتصويب عليّ”: التنمر الالكتروني يلاحق النساء