fbpx

“وثائق الزرع الطبي”: السجل الأسود لـ”بيزنس” عمليات تكبير الثديين في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن ليخطر على بال كارلا عند خضوعها لعملية تكبير الصدر عام 2003، أن حلمها في الحصول على شكل مثالي وأكثر جاذبية سيتحول في الواقع وبعد نحو 13 سنة إلى كابوس

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن ليخطر على بال كارلا عند خضوعها لعملية تكبير الصدر عام 2003، أن حلمها في الحصول على شكل مثالي وأكثر جاذبية سيتحول في الواقع وبعد نحو 13 سنة إلى كابوس خطير بعد أن أصيبت بسرطان الثدي.

آنذاك، أي أواخر عام 2015، راجعت كارلا الطبيب الذي أجرى لها العملية لمعرفة المواد المستخدمة كـ”حشوة للصدر” والشركة المُصدّرة للمنتج الذي “من المفترض” أن يكون مطابقاً للمواصفات الطبية، إلا أن جرّاح التجميل تنصّل من مسؤوليته رافضاً إعطاءها أي معلومات، بما ان الفترة الزمنية التي مرت على اجراء العملية كانت طويلة، كما أنه رفض إجراء عملية لإزالة “البروتيز” بعد أن تبيّن  وجود ورم خطير قد تشكل بالقرب من الحشوة. ما كان منها إلا أن قصدت طبيباً آخر لنزع المواد المزروعة، قبل أن يضطر الأطباء المسؤولون عن علاجها إلى استئصال صدرها وإخضاعها لجلسات كيماوية…

ليست قصة كارلا قصة فريدة، فالقصص المشابهة لسيدات كنّ بالفعل “ضحية الموضة” باتت بالآلاف. ومقابل كل مأساة تخرج إلى العلن، تقبع مئات القصص خلف جدران العيادات والمستشفيات.

قد ينفي بعض جرّاحي التجميل وجود صلة بين السيليكون المستخدم في عمليات تكبير الصدر والإصابة بسرطان الثدي وبمرض المناعة الذاتية، إلا أن الكثير من الدراسات التي نجهل تماماً لماذا لا يتم الكشف عنها، تؤكد ذلك.

بالطبع ليس جميع الأطباء سواسية وليسوا جميعاً بالتالي منعدمي “الضمير” و”تجاراً”. لكن المخزي هو أن يصبح بعض ممن كانوا بقسمهم مؤتمنين على صحة الناس وحياتهم، مرتهنين لـ “صناعة” تدرّ الملايين من خلال بيع الكثير من العمليات على أنها غير ضارة، في حين أنها تعرض “الزبائن” للمخاطر…

العملية الأولى

1962 هو العام الذي أجريت خلاله أول عملية تكبير صدر. بعدها، بدأت النساء اللواتي خضعن لهذه العملية يعانين من مرض المناعة الذاتية. آنذاك لم يكن هذا المرض (ومن عوارضه: التعب، وآلام المفاصل، والروماتيزم، وآلام العضلات، وجفاف العينين، وجفاف الفم، وضعف في الإدراك، ومشكلات في التركيز، وسكتات دماغية، وتشمّع الكبد) شائعاً، لذا كان التركيز ينصبّ باتجاه تسبب هذا النوع من العمليات بسرطان الثدي. ذاك المرض الخبيث الذي تغلبت عليه كثيرات، كبّد أخريات أرواحهنّ.

تشير دراسة حديثة صادرة عن جامعة “ألبرتا” في كندا (University of Alberta,Edemonton, Canada) إلى أنه وخلال الأعوام العشرين المنصرمة لم تتمكن التجارب والإحصاءات من الجزم بأن المواد المستخدمة في عمليات تكبير الصدر “آمنة تماماً”، وأنها لا تتسبب بأمراض المناعة الذاتية، والأمراض الجهازية إضافة إلى عدد من المشكلات الالتهابية. من هنا فإن النظرية المتمثلة بكون السيليكون والسيلين المستخدمان في عمليات تكبير الصدر طبّيين وليس لهما أي عوارض جانبية لم تعد ذات قيمة.

نحن اليوم نتطرق إضافة إلى سرطان الثدي، إلى مرض المناعة الذاتية وهذا النوع من الأمراض ليس شائعاً كغيره، إلا أنه بالخطورة عينها، وهذا ما يؤكده  رئيس قسم أمراض الروماتيزم، البروفسور Jan Willem Cohen Tervaert من جامعة البيرتا-كندا، الذي يقول “إن الكثير من الدراسات التي أجريت حتى الآن تعطينا استنتاجات قاطعة عن العلاقة بين المواد المستخدمة في عمليات تكبير الصدر وأمراض المناعة الذاتية”.

وبحسب البروفسور، “يجاهر الكثير من الأطباء باستخدام مواد مُوافق عليها من منظمة “إدارة الغذاء والدواء” FDA)) كما ترتكز غالبية الدراسات العالمية في تصنيفها لمنتج ما وإن كان مطابقاً للمواصفات الطبية من خلال اعتراف المنظمة بالمنتج ام لا. غير أن دراسة من جامعة Harvard تشير إلى ازدياد نسب أمراض المناعة الذاتية لدى السيدات اللواتي خضعن لهذا النوع من العمليات، بمن فيهن اللواتي لجأن إلى منتجات معترف بها من قبل الFDA. وأكد 70 في المئة من المرضى أنه بعد إزالة مواد السيليكون تحسنت حالهم كما أنهم شفيوا من متلازمة المناعة الذاتية والالتهابية ASIA”.

وتشير الدراسة نفسها إلى مساهمة المواد المستخدمة في عمليات تكبير الصدر في رفع إمكان الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 26 في المئة، وهي نسبة مرتفعة على رغم تأكيد عدد من الأطباء أن هذا الرقم مُبالغ فيه.

التجميل السياحي في لبنان

منذ سنوات، بدأ قطاع التجميل يزدهر في لبنان، وبات البلد يشتهر بالسياحة التجميلية، ويتحول مقصداً للسياح العرب، خصوصاً الذين يقصدونه بفضل شهرة أطباء التجميل والمراكز التجميلية فيه. لكن الصورة تأتي مغايرة إلى حد ما، على رغم حملات الرقابة التي تنتعش في البلاد هذه الأيام، شهدنا على عمليات خطيرة أدت في أحيان كثيرة إلى الوفاة. وزارة الصحة اللبنانية، من جانبها ووفقاً لمصدر مسؤول، تنفي حدوث حالات وفاة مرتبطة مباشرة بعمليات تكبير الصدر والمواد المستخدمة فيها. إلا أنها لا تملك أي إحصاءات وأرقام دقيقة عن عدد الإصابات بسرطان الثدي  أو بمرض المناعة الذاتية الناجمين عن هذه العمليات.

عن الموضوع يرى جراح التجميل والترميم الدكتور عماد شحاده أن “أول تحذير جدي من المواد المستخدمة في عمليات تكبير الصدر قد ظهر أواخر عام 2012. وتناول التحذير المواد المسبّبة لمرض اللمفوما وهو مجموعة أورام خلايا الدم التي تنشأ من الخلايا اللمفاوية الموجودة في الجهاز اللمفاوي، حيث تشكل هذه الخلايا ما يعرف بالشبكة البطانية، وكثيراً ما يشير هذا الاسم إلى الأنواع السرطانية من هذه الأورام والتي تتكون في منطقة حول المواد المزروعة في الصدرbreast prosthesis . وظهرت هذه التحذيرات بعد شيوع الـPIP) ) وهي بروتيز فرنسية الصنع كان يتم بيعها في جميع أنحاء العالم، غير أن منظمة  إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة (FDA) قد حذرت من استخدامها لأنها تسبب سرطان الثدي”.

ويضيف شحاده “في لبنان وللأسف ورغم كل التحذيرات الدولية، بقي العديد من الاطباء يستخدمون PIP لأسباب تجارية، حتى أن عدداً من الأطباء انخرطوا في هذه اللعبة التجارية لما تحققه من مكاسب”.

عام 2010 انفضحت مسألة الضرر الذي تشكله هذه المواد الفرنسية بعد أن قام مسؤول الشركة الفرنسي ببيعها إلى شركة ألمانية.عندها أجرت الشركة الالمانية أبحاثها وكشفت تحذيرات منظمة إدارة الغذاء والدواء التي اتضح أنها تعود إلى عام 2000. وبحسب تقرير الـFDA ، فإن هذه المواد لم تكن صالحة للزرع في جسم الإنسان، فالسيليكون المستخدم لم يكن طبياً. واتضح أيضاً لدى عدد من السيدات اللواتي خضعن لعملية تكبير الصدر بهذه المواد نمو اللمفوما. صحيح أن نسبة هذه الحالات كانت ضئيلة إلا أنه لا يمكن نكران وجودها بالفعل.

هذه الفضيحة سلطت الأضواء على كل الصناعة التجميلية والمواد المستخدمة فيها، ومنذ ذلك الوقت تم التشدد بالإجراءات من قبل منظمة إدارة الغذاء والدواء. وهي الجهة التي تعنى بتحديد ما إن كان كل جسم غريب يزرع في الإنسان أكان طعاماً أم منتجاً طبياً أم دواء صالحاً أم لا.

ويقول شحاده، “عام 1990 وما رافقه من مشكلات في مجال صناعة الـ Breast Prothesis منع استخدام مادة السيليكون في الولايات المتحدة وتم استبداله بالسيلين Siline. لكن برأيي فإن الخطر دائماً موجود وان بنسب متفاوتة وتختلف بين دراسة وأخرى غير أن خطر السيلين يبقى دائماً أقل”.

عن أنواع المواد المستخدمة، يقول شحاده: ” تتناول كل التقارير والدراسات الـ texture implant، ففي أوروبا ولبنان كان الأطباء يعتقدون أنها أفضل من الـsmooth silicone ، لكن منذ ما يقارب 7 أعوام تم التأكد من أن هذا الاعتقاد غير صحيح على صعيد تشكيل غلاف على البروتيز المزروع. هذا العام أصبح الـsmooth implant متوفراً في لبنان وبرأيي فإن إمكان تشكل غلاف عليه نسبه شبه معدومة”.

ثقافة الأثداء الكبيرة …وضحاياها

لا تتعارض الشهادات الحيّة لضحايا تكبير الأثداء في لبنان مع دراسات رئيس قسم أمراض الروماتيزم، البروفسور Jan Willem Cohen Tervaert، وخبرة الدكتور المتخصص  بالطب الوقائي. 

لكن وقبل الغوص في “الأثداء الكبيرة”، دعونا نتطرق إلى الناحية الجمالية، ولنستذكر معا موضوع تلك الأصغر حجماً والتي كانت، حتى وقت قريب/ بعيد، رمزاً للأنوثة الطبيعية.

قد لا يجرؤ فنّانو هذا العصر على التطرق إلى هذه المسألة من خلال إظهار صدر المرأة الذي اتخذ معالم لم تكن موجودة آنذاك، غير أن أولئك الذين عاشوا في العصور القديمة وحتى الحرب العالمية الثانية، لا سيما الرسامين قد أظهروا شكل المرأة الطبيعي وجسّدوا جمالها مبيّنين ثدييها الصغيرين إلى متوسطي الحجم. وحتى أولئك النساء اللواتي اشتهرن بمعالم أجسادهن الممتلئة وأصبحن رمزاً للجمال والجاذبية لم يحظين قط بثديين كبيرين. إذاً، من أين جاءت ثقافة الأثداء الكبيرة التي تجتاح عالمنا اليوم؟

وإن كانت التقارير والدراسات لم تثنِ بعض السيدات عن إجراء عمليات تكبير الأثداء، فلنأمل بأن تنجح شهاداتا إيمان وكارلا، بذلك…

صحيح أن المعايير كلها تختلف عندما يتعلق الأمر بالجمال الذي يعتبر نسبياً، لكن في ظل الأخطاء الطبية التي تحصل في مجال التجميل، لا بد من السؤال: هل يستحق الجمال الاصطناعي كل هذه المخاطرة الصحية؟

الجواب على هذا السؤال تعطيه إيمان، إحدى ضحايا عملية تكبير الصدر التي تقول: “كنت أكره شكل ثديي فأجريت العملية عام 2005. كان كل شيء طبيعياً، ولم أعاني من أي آثار جانبية. لم أكن أحتفظ بشهادة بيانات باسم ومصدر الحشوة التي أدخلت إلى هذه المنطقة الحساسة من جسمي. بعد فضيحة حشوات الـPIP، التي اتضح أنها تحوي على سيليكون مصنّع وغير طبي، اتصلت بطبيبي الذي لم يكن يملك تلك البيانات، إلا أنه لم ينكر استخدامه هذه الحشوة. عندها قررت إزالة هذا السيليكون من ثديي واستبداله بآخر طبي. عند الاستئصال، اكتشف الطبيب أن غشاء الحشوة لم يكن صلباً بل أصبح ضعيفاً، وفيه تمزقات، كما أن (الجيل gel) الموجود قد تسرّب إلى خلايا جسمي” ..

 

وزارة الصحة اللبنانية، من جانبها ووفقاً لمصدر مسؤول، تنفي حدوث حالات وفاة مرتبطة مباشرة بعمليات تكبير الصدر والمواد المستخدمة فيها. إلا أنها لا تملك أي إحصاءات وأرقام دقيقة عن عدد الإصابات بسرطان الثدي  أو بمرض المناعة الذاتية الناجمين عن هذه العمليات

 

بدأت إيمان تعاني من التهابات لكنها كانت محظوظة أنها اكتشفت الأمر باكراً ولو بالصدفة. ولم يزرع الطبيب لها حشوة جديدة بل تريث لمراقبة ما ستؤول اليه التسربات. وبدأت إيمان تجري فحوصات دورية. وبعد استئصال الحشوة بفترة وجيزة، تم اكتشاف وجود ورم خبيث وقد انتشر في خلايا الصدر، “شكل ذلك مأساة حقيقية بالنسبة إلي، فقد اضطررنا إلى استئصال جزء كبير من الثديين كما أنني خضعت لجلسات كيماوية… وما أدراكم بهذا العلاج وصعوبته على الصعيد النفسي والجسدي؟ لم أخسر ثديي فحسب، بل خسرت شعري ونضارة بشرتي”.

حين اكتشفت ايمان اصابتها بالسرطان كانت مقبلة على الزواج وحذرها الطبيب من مضاعفات في حال حصل حمل قبل مرور عامين على العلاج مخافة اصابة الجنين بتشوهات. مجدداً، حالف الحظ إيمان وانجبت بعد مرور الوقت اللازم طفلة لكن مع ذلك لم تعد حياتها لطبيعتها، “لم أعد كالسابق. أصبحت أعيش بخوف مستمر من أن يعاودني المرض. لقد كنت ضحية “الجهل” فأنا لم أكن مدركة لما تنطوي عليه عملية تكبير الصدر من مخاطر. أحاول دائماً توعية الراغبات بالخضوع للعملية عينها، فعلى رغم اختلاف الحشوات المستخدمة، إلا أن زرع أجسام غريبة في أجسادنا يبقى أمراً مشوبا بالمخاطر. ولا يدرك خطورة الأمر فعلياً إلا من يتعرض لمأساة حقيقية”. 

من الناحية العلمية، يرى طبيب مختص في الأمراض السرطانية “أنه على رغم إمكان الشفاء عند اكتشاف المرض باكراً، إلا أن تأخّر علاجه أو اكتشافه يؤدي إلى انتشاره في جميع أنحاء الجسم”. ويضيف الطبيب أن “الوفيات المتوقعة نادرة، ولكنها تحدث بالفعل. وقد سجّلنا في لبنان وقوع حالات مشابهة، إلا أننا لا نملك إحصاءات دقيقة عن العدد”.

أواخر العام المنصرم، ذكرت صحيفة “ديلى ميل” البريطانية في تقرير أعدّته أن “منظمة إدارة الدواء والغذاء الأميركية” FDA، أجرت دراسة جديدة وقد وجدت علاقة بين إجراء عمليات تكبير الثدي وبين الإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية المميت. وأضافت الصحيفة أن 9 نساء من أصل 359 سيدة شملتهم الدراسة، توفين من جراء الإصابة بسرطان الغدد واللواتي أصبن به بعد إجراء عمليات تجميل الثدي.

أتى هذا التحذير بعد مرور 10 سنوات على التحذير الأول الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية عام 2007، وحذرت فيه من تبعات إجراء عمليات تكبير الثدي.

وقد نصح التقرير آنذاك السيدات اللواتي أجرين هذه عمليات بالخضوع لكشف طبي منتظم للتأكد من خلوهن من المرض.

بالعودة إلى حالة كارلا، فإن إصابتها بمرض المناعة الذاتية وسرطان الثدي ومن ثم سرطان الدم، أدت إلى تلف خلايا نخاع العظم أي الخلايا الجذعية المكونة للدم.

وتتابع كارلا: “لن أغوص في تكلفة هذه العملية علماً أنها مرتفعة جداً. لكنني سأركز على صعوبتها.لو أنني لم أصب بمرض المناعة الذاتية لكان من الممكن أخذ الخلايا من جسمي لحفظها في المستشفى، ثم إعادتها إليه، بعد الانتهاء من الجلسات الكيماوية. لكن تدمير هذه الخلايا جعلني في حاجة إلى متبرع… ومن الصعب إيجاد من تتطابق خلاياه مع خلايا دمي. قد يتساءل البعض عن كيفية انتشار المرض في الدم. للأسف لم نتمكن من اكتشاف المرض في مراحله الأولى. فقد كنت مهملة بعض الشيء، على رغم أنني لاحظت حدوث تغيرات في منطقة الصدر. وقد اكتشفنا المرض بعد أن انتشر في الصدر أولاً، ما أدى إلى عملية استئصال كاملة وفي ما بعد بدأنا نحارب وجوده في الدم.”

بحسب كارلا فقد اخبرها الاطباء بأن ما حدث معها ليس سوى مصادفة، وأنها كانت ستصاب بالسرطان حتى لو أن الحشوة لم تكن في ثدييها. ولكن للطبيب المختص بالأمراض السرطانية رأياً مخالفاً،

“قد أكون محظوظة بإيجادي متبرعاً ساهم بإنقاذ حياتي ولكن تجربتي المريرة جعلتني أسأل عن عدد السيدات اللواتي خسرن حياتهن مقابل الشعور بجمال آني”.

متابعة المريض بعد الزرع

من المعروف أنه على الطبيب أن يتابع مرضاه بعد أي عملية أو اجراء طبي خصوصاً إذا ظهر ألم أو لوحظ تغير بالشكل. ويجب تغيير المواد بعد انقضاء فترة اقصاها 10 أعوام لتفادي حالات السرطان التي غالبا ما تظهر بعد مضي هذه الفترة. يقول الطبيب عماد شحادة، “إن احتمالات الإصابة بالسرطان عند السيدات اللواتي لم يخضعن لهذه العمليات ليست نفسها، خصوصاً في لبنان الذي كان يخضع لمعايير FDA لحين بدء العمل بشراكة اليوروميد وأصبحنا نتبع الـ CE. ووضعت علامة “سي أي” من قبل التجمع الأوروربي في الثمانينات وهي اختصار للجنة الأوروبية أو التجمع الأوروبي والذي منه انطلقت فكرة السوق الأوروبية المشتركة. أنا شخصياً لا أثق بالـCE فهم من بدأ تسويق مواد اتضح أنها غير طبية، كما أن بعض المواد الممنوعة من fda  مسموحة من قبل CA”.

ولفت إلى أن بعض المواد التي منعت في أوروبا منعت في لبنان، علماً أنها كانت ممتازة، فقط لأن أوروبا وخصوصاً فرنسا أرادت إدخال منتجها الممنوع من fda إلى البرازيل، غير أن الأخيرة تشددت بعد أن منعت منتوجات فرنسية وحظرت من قبل fda فجاء رد الفعل في السوق اللبنانية، كنتيجة لعدم السماح بدخول مواد سيليكون من فرنسا إلى البرازيل من دون معرفة السبب.

وختم: “أما في ما يتعلق بالأكلاف واختلافها فتعود إلى المستشفيات التي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، لا سيما الكبرى منها والتي تأخذ لصالحها نسباً لا تقلّ عن 30 في المئة”.

هذا ما دفع بعض الأطباء إلى إجراء العمليات في العيادات وهنا الخطورة الحقيقية، إذ إن نسب انتقال البكتيريا وحدوث التهابات إن لم تراع المعايير، كبيرة. أما موضوع اختيار المواد فيعود إلى أخلاقيات الطبيب. وفي هذا الصدد يقول شحادة، ” 70 في المئة من النساء اللواتي اللواتي يقمن بزيارتي يسعين إلى تصحيح خطأ طبي وترميم تشوهات حاصلة جراء عمليات سابقة، لأن بعض المعتدين على الطب ليسوا جراحي تجميل يقومون بالعمليات. أما الآثار الجانبية فهي: تشوهات، تجمع دماء حول البروتيز أو الفرق بالحجم”.

صناعة مربحة

تدر هذه الصناعة أموالاً كثيرة على أصحابها ولكن على حساب الناس، والدليل أعداد الضحايا المشوهين، خصوصاً في الآونة الأخيرة .فـ«تجارة» التجميل لم تعد تفرق بين الطب والرسالة الإنسانية والكسب المادي.

في هذا الإطار، يشير طبيب في أحد أكبر المستشفيات في لبنان، وفضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن “أفضل المواد المستخدمة في عمليات تكبير الصدر لا تتعدى كلفتها (من دون الربح) 1500 دولار، إلا أنه مع الأجر الذي يتقاضاه الطبيب وكلفة المستشفى، تصل كلفة عملية تكبير الصدر في لبنان إلى معدل 7000 دولار، “ترغب بعض النساء بإجراء العملية، على رغم عدم امتلاكهن الإمكانات المادية، لذا نضطر أحياناً وبعلم من المريضة إلى استخدام مواد صينية الصنع وإجراء العملية في العيادة. فالسيدة الراغبة بتحسين مظهرها الخارجي لا يمكن أن تعزف عن رأيها مهما كانت النتائج وإن لم أقم أنا بإجراء العملية فغيري سيفعل بلا أدنى شك”.

من جهة أخرى، يرى طبيب تجميل ومتخصص في الطب الوقائي أن “السيليكون والسيلين متشابهان من حيث التركيبة، إلا أن مواد التصنيع تختلف. غير أن السيلين يبقى أفضل من الناحية الطبية لأنه مصنوع من الماء والملح. وفي حال تمزق مادة السيلين وتسربها إلى خلايا الجسم لا يكون هنالك خطر، بما أنها مصنوعة من مكونات طبيعية، إلا أنه في حال حصول حادث ما وتمزق السيليكون، فهذا يستدعي إزالتها وبشكل فوري لما تسببه من خطر إذا ما تسرب السيليكون إلى الخلايا”.

في ما خص السعر، فان السيلين أرخص من السيليكون، إلا أن الأخير مطلوب أكثر لأنه يساهم بالحصول على شكل صدر أقرب إلى الطبيعي من السيلين.

ويضيف الطبيب: “في لبنان لا نزال نفتقر إلى الإحصاءات الدقيقة والرسمية وبالتأكيد لا تملك غالبية السيدات المعرفة اللازمة بالمخاطر المحدقة جراء عمليات تكبير الصدر. وللأسف فإن الأطباء يقومون بالتغاضي عن هذه المخاطر وعدم التطرق إليها متذرعين بعدم وجود داتا رسمية. بالتالي لا تملك السيدات أدنى فكرة عن الأمراض السرطانية والأخرى المتعلقة بأمراض المناعة الذاتية والتي يمكن أن تنجم عن عمليات تكبير الصدر وإلا لما قمن بإجرائها”.

ويتابع: “لذا وبالنسبة إلى الطب الوقائي، ولتجنب السرطان وأمراض المناعة الذاتية، يُفضل عدم زرع السيليكون في الجسم لأنه يبقى جسماً غريباً مشوباً بالمخاطرة. وعندما تُزرع مادة السيليكون في الجسم، هنالك خطر أن يتعرف إليها جهاز المناعة. عندها ترتفع نسب حدوث التهابات حادة ويبدأ جهاز المناعة بضرب الأعضاء”.

 

تنفي وزارة الصحة اللبنانية حدوث حالات وفاة مرتبطة مباشرة بالمواد المزروعة في عمليات تكبير الصدر خلال العامين الأخيرين. ولكنها لم تنف وقوع وفيات قبل ذلك التاريخ

 

ويختم الطبيب الذي فضل عدم ذكر اسمه لئلا يخلق رأيه “العلمي” جواً من البلبلة في الأوساط الطبية اللبنانية كما يقول، “تمكن الاستعاضة عن السيليكون وحتى السيلين بطريقة حديثة هي  fat transfer أي أن السيدة التي تعاني من وزن زائد وترغب بالحصول على صدر أكبر حجماً، يمكنها اللجوء إلى تقنية شفط كمية من الدهون من منطقة البطن والأرداف وزرعها في الصدر. حتى الساعة، يُعتقد أن الدهون الموجودة في الجسم هي مكوّن طبيعي، وبالتالي فإننا بهذه الطريقة لا نقوم بإدخال جسم غريب بل إعادة توزيع لما هو موجود أصلاً في جسم الإنسان. هذه الطريقة مثلى لتجنب أمراض المناعة الذاتية والسرطان علماً أنه ليس هنالك داتا واضحة تؤكد عدم مساهمة هذه التقنية بالإصابة بسرطان الثدي.

لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة قد تزيد من نسبة التكلسات في الصدر وتجعل المتابعة الطبية باللجوء إلى صورةmammography  غير ممكنة لذا تجب الاستعاضة عنها بالـRMI وذلك بسبب الدهون االمزروعة في الصدر”.

وزارة الصحة: لا معلومات

تنفي وزارة الصحة اللبنانية حدوث حالات وفاة مرتبطة مباشرة بالمواد المزروعة في عمليات تكبير الصدر خلال العامين الأخيرين. ولكنها لم تنف وقوع وفيات قبل ذلك التاريخ. 

وعلى رغم تحديد الوزارة مواد السيليكون المطابقة للمواصفات الطبية التي يُسمح باستخدامها، إلا أنها لا تقوم بأي إجراءات رقابية جدية لمحاسبة من يقوم بإدخال سيليكون غير طبي وزرعه في أجسام الناس…

فماذا ينتظر اللبنانيون لإطلاق ثورة صحية ومحاسبة من يعتبرهم مجرد “فئران مختبر”؟!

 

 إقرأ أيضاً:

وثائق الزرع الطبي : “جمهورية ميدترونيك” حولت مضخات القلب إلى مضخات نقود

“وثائق الزرع الطبي” : تلك الشركات ماذا تزرع في أجسادنا؟

 “وثائق الزرع الطبي”: : ارتفاع مذهل في أرباح الشركات يوازيه ارتفاع الخسائر البشرية