fbpx

“بنطالك فاضح”: ملابس السودانيات تفضي إلى السجن والجلد وما هو أفظع..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تكن الفنانة السودانية منى مجدي تتوقع أن ينتهي الحفل الذي أحيته بالقبض عليها من قبل شرطة النظام العام بتهمة “ارتداء بنطال فاضح”. أما ويني عمر فتسبّبت ملابسها بملاحقتها واعتقالها واتهامها بممارسة الدعارة.. فما قصة البناطيل في السودان؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
منى مجدي ترتدي البنطال الذي سبب ملاحقتها

لم تكن الفنانة السودانية منى مجدي تتوقع أن ينتهي الحفل الخيري الذي أحيته في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم على مسرح “سيتي مول” بالخرطوم دعماً لذوي الاحتياجات الخاصة، بالقبض عليها من قبل شرطة النظام العام (شرطة الآداب) بتهمة “ارتداء بنطال فاضح”.

كثيرات قبل منى مجدي أُلقي القبض عليهن وحوكِمن بالجلدِ أو الغرامة أو السجن، إلاّ أن ما يُميِّز هذه الحادثة هو أن البلاغ بحقِ الفنانة فُتِحَ بأثر رجعي، على خلفية صور ومقاطع فيديو للحفل، اطلعت عليها شرطة النظام منشورة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فكانت المرة الأولى التي تُقتاد فيها امرأة إلى مخفر الشرطة وفقاً لزي ارتدته في مناسبة سابقة.

لاحقاً، أجلت محكمة النظام العام محاكمة منى مجدي إلى أجل غير مسمى. وفيما اتهم والدها وهو محامٍ وسياسي شرطة النظام العام بالتربص بابنته، ذكرت مبادرة “لا لقهر النساء” وهي منظمة مجتمع مدني تهتم بحقوق النساء القانونية والاجتماعية، في بيان أن الشرطي الشاكي في البلاغ اتصل بالفنانة هاتفياً منتحلاً صفة موظف في اتحاد المهن الموسيقية، وأخبرها أن عليها الحضور لاستلام بطاقة عضوية المهن الموسيقية، لتفاجأ بشرطيين يقتادانها إلى قسم شرطة النظام العام في ضاحية المقرن وسط الخرطوم.

ملابس “ويني عمر” دفعتها لمغادرة البلاد

تعرضت الناشطة الحقوقية والصحفية ويني عمر لملاحقات قانونية بعضها وصل إلى مراحل خطيرة. في مطلع العام 2017 كانت ويني عمر تعود الى منزلها بعد انتهاء عملها وتقف بانتظار شاحنة النقل المشترك لتتوقف أمامها سيارة أمن، ” أطل رجل في بدلة رسمية وبدأ يتحدث معي بشكل مهين وعدائي، معلقاً على ملابسي، واصفاً إياها بغير المحتشمة وغير اللائقة وأصر على اعتقالي واقتيادي إلى قسم شرطة النظام العام، فقلت له: أعتقد أن ملابسي عادية ولن أسمح لك بالحديث معي بهذا الشكل، هددني ضابط الشرطة الذي كان برفقته بأنه سيعتقلني بواسطة شرطة النظام العام إذا رفضت الذهاب معهما، وافقت بشرط أن يسمحا لزميلي في العمل بالذهاب معنا. وفي الطريق إلى القسم حدثني وكيل النيابة عن الدين والشريعة وعن مسؤوليته أمام الله عن ما أرتديه من ملابس، ثم منعني من استخدام هاتفي الشخصي. وعندما وصلنا القسم صادره مني ومعه حاسوبي المحمول، ثم قام بتفتيش الهاتف، على رغم تنبيهي له بعدم قانونية ذلك، وأنه ينتهك بذلك خصوصيتي، ومنعني من الاتصال بأسرتي أو بمحامٍ من أجل طلب المساعدة القانونية”.

تم تحويل ويني الى قسم شرطة النظام العام حيث بقيت لأكثر من خمس ساعات بانتظار اكتمال إجراءات الإفراج بالضمان، وتمت مصادرة ملابسها التي كانت ترتديها كمعروضات في القضية.”

وفي أولى جلسات المحاكمة فوجئت ويني عمر بشهود بعضهم لم ترهم من قبل، “أكد الشهود، أن زيي كان فاضحاً وغير لائق. أحدهم، وهو الضابط الذي كان رفقة وكيل النيابة لحظة اقتيادي من الشارع، أضاف: إن “مشيتي لم تكن طبيعية”، ثم أكدوا أقوالهم في الجلسة الثانية.”

الجلسة الثالثة كانت لشهود الدفاع، حيث استمعت المحكمة لسيدة التقتها ويني صباح يوم اعتقالها فشهدت أنها رأت ويني ونساء أخريات في وقفه لدعم فتيات اعتقلن من حفل مغلق خاص بالنساء ومناصرتهن، ودُوِّنت في حقهن بلاغات تتعلق بالزي الفاضح، “قالت إنها شاهدتني في (وقفة المناصرة) سالفة الذكر بالملابس ذاتها التي صُنفت فاضحة لاحقاً. وبعد أن استمعت المحكمة إلى أقوالي، قضت ببراءتي وشطبت البلاغ، بعد أن أكدت أن به شبهة ترصد”.

ويني عمر

لكن ملف الملاحقات بحث ويني عمر لم يتوقف بحيث بلغت حد اتهامها بممارسة الدعارة، ” في 20 شباط/ فبراير 2018، كنت مع صديقتي في منزلها برفقة صديقات أخريات، وبغتة  قفز عدد من رجال الشرطة عبر نافذة المنزل إلى داخله، فاعتقولنا وصادروا متعلقاتنا من هواتف وأجهزة لابتوب وغيرها، وزجوا بنا في قسم لشرطة النظام العام لخمسة أيام، وماطلوا في إجراء التحقيق معنا أو إكمال إجراءات الضمان. ثم أفرجوا عنا بعد تدوين بلاغات بممارسة الدعارة بحقنا، ولم تُرد إلينا متعلقاتنا بحجة أن هنالك بلاغاً آخر بالتحري حولها”.

ومنذ الاعتقال في شباط وحتى مطلع الصيف لم تتم احالة ويني ورفيقاتها الى القضاء ولم توجه بحقهم اتهامات رسمية ولكن استمرت اجراءات التضييق. تقول ويني، ” في نهاية تموز/ يوليو وحين كنت أقوم بإجراءات روتينية متعلقة بتغيير ضامني الشخصي بقسم الشرطة الذي اعتقلنا فيه، تعرضت لإساءات وإهانة من بعض منسوبيه، وتم ايداعي الحراسة مُجدداً، حينها قررت عدم الخروج من (الحبس) حتى تقرر النيابة، أمرين؛ إما إسقاط الاتهامات عني أو تُحدد موعداً للمحاكمة، وبالفعل نجح الأمر فحدد اليوم التالي لأولى الجلسات، لكن ظلت الإجراءات تمضي ببطءٍ شديد، وتكرر غياب الشاكي (الشرطة) ووكيل النيابة مرات عدة، وتم تغيير القضاة ومكان المحكمة أيضاً.”

تكرار الملاحقات أشعر ويني بأنها باتت مستهدفة وأن الأمور قد تتطور نحو الأسوأ فكان قرارها بالرحيل،” في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، قررت مغادرة السودان ومواصلة دراستي العليا، في الوقت الذي تقدمت هيئة الدفاع عني بطلبٍ إلى المحكمة لفصل البلاغ الخاص بي وحفظه.”

تاريخ من التعسف ضد النساء

لم يفلح السودان رغم كل الدعوات والمطالبات الحقوقية في الحدّ من التمييز ضد النساء،قوانين الآداب العامة الغامضة والفضفاضة تميز ضد المرأة السودانية وتحدد الزي الذي يجب أن ترتديه النساء وتحد من حركتهن ودورهن في الحياة العامة وتفرض عليهن عقوبات جسدية مهينة مثل الجلد ..

منتصف عام 2010 تسرَّب مقطع (فيديو) من باحةِ إحدى (محاكم) شُرطة النظام العام في الخرطوم، إلى وسائلِ التواصل الاجتماعي، حيث كان أحد أفراد الشرطة يلهب جسد امرأة متوسطة العمر بخمسين جلدة من سوط مصقول وقاسٍ، بينما تناثرت في الفضاء الحزين ذاته ضحكات وتعليقات ساخرة صادرة مِنْ الذين شهدوا الواقعة، فبدا المشهد برمته وكأنه اقتباس من نصٍ ممحوٍ للغةٍ ميِّتة.

لاحقاً، وبسبب ردود الفعل القوِّية (خارجياً) إزاء الحادثة، أصدرت السلطة القضائية بياناً مُقتضباً أشارت فيه إلى أنها بصدد فتح تحقيق حول تعرض فتاة للجلد بعنفٍ على أيدي (رجال يرتدون زي الشرطة)، فيما علّقَ عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم حينها، وهو رجل مُقربٌ من الرئيس عمر البشير، على ذلك بقوله: “هذه المرأة عوقبت بموجب الشريعة الإسلامية، ولكن حدث خطأ ما في طريقة التنفيذ”.

شريط فيديو آخر بمحتوى الأول ذاته؛ تسرَّب إلى الإنترنت بعد عامينِ منه، ما فاقم ضغط نُشطاء حقوق الانسان حول العالم على الحكومة، فكان أن بررت شرطة النظام العام الأمر؛ بأنها نفّذت حُكماً قضائيِّاً متعلقاً بالزنا والدعارة بحق الفتاة (المجلودة)، وعلق الرئيس عمر البشير على الحادثة قائلاً: “إن الحكومة ستعمل على تطبيق الشريعة وأنه (لا دغمسة) – أي لا التواء – بعد الآن في تطبيق الشريعة، وأن البنت التي نفذ الجلد بحقها تستحقه، طالما أنه حد من حدود الله”.

في العام 2009، دهمت شرطة النظام العام مطعماً يتسع لــ(400) زبون – وألقت القبض على 12 امرأة، كانت بينهن الصحافية لدى مكتب بعثة الأمم المتحدة إلى السودان، لبنى أحمد حسين، التي اشتهرت قصتها بسبب ما تعرضت لها وجرأتها في المواجهة. تقول لبنى، “اقتادتنا الشرطة إلى مقرها، وأجبرتنا على تنظيم ما يشبه عرض الأزياء أمام طاقمها، فيما كانوا يتفحصوننا بدقة لتحديد أي الأزياء أكثر (فضاحة)، وبعد تمحيص وتدقيق شديدين، أُطلق سراح بعضنا، وأوقفت أخريات، كنت بينهن. حدث ذلك بناء على المادة 152 من القانون الجنائي.”

لاحقاً، أصدرت محكمة النظام العام حكمها بتغريم لبنى حسين 500 جنيه أي 200 دولار حينها، أو السجن شهراً في حالة عدم الدفع، ورفضت لبنى الغرامة واختارت السجن، إلاّ أن اتحاد الصحافيين السودانيين التابع للحكومة دفع نيابة عنها من دون استشارتها، فأطلقت المحكمة سراحها، وغادرت البلاد لتستقر في فرنسا.  

ويناهض حقوقيون قانون النظام العام في السودان ويصفونه بأنه قانون فضفاض ويفتح الباب واسعاً أمام الانتهاكات بحق الفتيات. وهذه القوانين سببت باعتقال وجلد العشرات من النساء. وترفض السلطات السودانية الغاء المادة المثيرة للجدل في قانون النظام العام وتزعم أنها وضعت للمحافظة على القيم السودانية.