fbpx

الشعبويّون إذ يدمّرون البيئة أيضاً…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بين المواصفات التي يتّصف بها الزعماء الشعبويّون أنّهم، أوّلاً، لا يثقون بالعلم الذي هو نتاج عمل “النخبة” ومراكز أبحاثها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بين المواصفات التي يتّصف بها الزعماء الشعبويّون أنّهم، أوّلاً، لا يثقون بالعلم الذي هو نتاج عمل “النخبة” ومراكز أبحاثها، وأنّهم، ثانياً، يناهضون الجهود المنسّقة جماعيّاً بما يتجاوز حدود الدول القوميّة، وأنّهم، أخيراً، في تطاولهم على القوانين والمؤسّسات، يُحابون الأقارب والمقرّبين والراغبين في جني الثروات كيفما اتّفق، دون اكتراث منهم بالمصلحة العامّة وتجديد الطبيعة والأرض وشروط الحياة عليها.

المواصفات هذه، متضامنةً في ما بينها، كفيلة بتدمير البيئة التي هي قطعاً أكثر ما يحضّ على بذل الجهود العابرة للحدود الوطنيّة والقوميّة. هكذا سمعنا، قبل أيّام، رمز المؤسّسة الكونيّة، أي أمين عام الأمم المتّحدة أنطونيو غوتيرِّس، يحذّر من أنّ “صعود القوميّة في العالم يقلّل الرغبة السياسيّة لدى بعض البلدان كي تعمل جماعيّاً لمواجهة ارتفاع الحرارة على نطاق كونيّ”.

والحال أنّنا شهدنا هذا العام، 2018، عدداً من التطوّرات البيئيّة المخيفة وغير المعهودة لجهة الكثرة والحدّة معاً: من حرائق الغابات في غرب الولايات المتّحدة الأميركيّة والأعاصير على ساحلها الشرقيّ، إلى الفيضانات الضخمة في ولاية كيرالا الهنديّة أو الجفاف المعدم للحياة في أفغانستان. هذه التطوّرات حرمت ملايين الناس شروط رزقهم، فضلاً عمّن أودت بهم كلّيّاً. وغنيّ عن القول إنّ تعاظم النزاعات الأهليّة، مع تقلّص الموارد، وانعدام الاستقرار، وانفجار موجات الهجرة واللجوء إلى الشمال، هي بعض النتائج المتوقّعة. ووفقاً لجوشوا بوسبي ونينا فون أويكسكول، في مقالة نشرتها مؤخّراً “فورين أفيرز”، فإنّ عوامل ثلاثة تجعل بعض البلدان أشدّ قابليّة للتأثّر والعطب أكثر من سواها: نسبة الاعتماد المرتفع على الزراعة، وتاريخ النزاعات الداخليّة بين الجماعات الأهليّة، ومدى انحياز المؤسّسات السياسيّة لجماعة دون أخرى.

إذاً، كلّ شيء يحضّ على الاستنفار لإنقاذ البيئة التي سيرتدّ انهيارها على العالم كلّه، ولكنْ خصوصاً على البلدان الأفقر والأضعف في إجماعاتها وتقاليدها المؤسّسيّة. لكنْ ما الذي نراه على الأرض؟

بحسب تقرير صدر مؤخّراً عن الأمم المتّحدة، شهد العام 2017 بداية ارتفاع لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، الناجمة عن الصناعة وإنتاج الطاقة، بلغ 1،2 بالمئة، بعد النجاح خلال سنوات 2014-2016 في ضبط ارتفاعها. هكذا صار من الأصعب الوفاء بالتزامات معاهدة باريس للمناخ، الموقّعة في 2016، إذ تقول معايير الأمم المتّحدة إنّ من شروط منع درجات الحرارة، على نطاق كونيّ، من الارتفاع بنسب مؤذية، وصول نسبة الخفض للانبعاثات الغازيّة والحراريّة عام 2030 إلى ما يقلّ بنسبة 55 بالمئة عمّا هي الآن. هذا ما بات الحديث عن بلوغ تلك النسبة يشبه الإقرار بالاستحالة.

 

كلّ شيء يحضّ على الاستنفار لإنقاذ البيئة التي سيرتدّ انهيارها على العالم كلّه، ولكنْ خصوصاً على البلدان الأفقر والأضعف في إجماعاتها وتقاليدها المؤسّسيّة. لكنْ ما الذي نراه على الأرض؟

 

صحيح أنّ مؤتمراً كبيراً عن البيئة يُفترض افتتاحه في بولندا هذا الشهر، كانون الأوّل/ديسمبر، فيما تنعقد بضعة آمال على تحرّكات “الفاعلين غير الدولتيّين”، كالإدارات والمجالس المحلّيّة ومعاهد البيزنس والتعليم العالي… لكنّ الصحيح أيضاً أنّ التغيير المطلوب لن يحدث إلاّ في ظلّ مواقف حكوميّة حاسمة وحازمة.

والمعروف أنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب كان قد أعلن، بُعيد انتحابه المشؤوم، عن رغبته في سحب بلاده من معاهدة باريس (تبعاً لقانون المعاهدة، لا يستطيع بلد ما الانسحاب منها إلاّ بعد إنذار من ثلاث سنوات. هكذا لن تستطيع الولايات المتّحدة الانسحاب قبل 2019، بحيث يسري ذلك في 2020). أسوأ من ذلك أنّ تقريراً رسميّاً أميركيّاً صدر الأسبوع الماضي، وحذّر من نتائج مدمّرة على البيئة بسبب التغيّر المناخيّ، بما في ذلك الآثار الضارّة على الاقتصاد الأميركيّ نفسه، الذي سيخسر بلايين الدولارات سنويّاً، فضلاً عن الإساءة إلى الأحوال الصحّيّة للسكّان. التقرير ردّت عليه نرجسيّة ترامب الطفليّة: “لا أصدّقه”، ورجل “في ذكائي” لن تنطلي عليه أمور كهذه! ونبرة تشاوف شوفينيّ طالب المهتمّين بالبيئة بمخاطبة آسيا “التي تلوّث”، لا نحن. وكان ترامب، في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، ومن على شاشة “فوكس نيوز”، قد أعلن أنّه لا يصدّق أنّ البشر مسؤولون عن التغيّر المناخيّ، متّهماً علماء البيئة بأنّهم “أصحاب أجندات سياسيّة”.

عن البرازيل، ظهر تقرير آخر يحذّر من أنّ نزع الغابات في الأمازون، المصدر الأهمّ للأمطار عالميّاً، بلغ مستويات خطيرة: فقط بين صيف 2017 وصيف هذا العام، دُمّرت مساحة غابيّة تبلغ 7900 كلم2، أو 3050 ميل2، أي قرابة خمسة أضعاف مساحة مدينة كبرى كلندن، وثلاثة أرباع مساحة بلد كلبنان. هذا التقرير ظهر إبّان انتخاب جايير بولسونارو، الشعبويّ المعجب بترامب، رئيساً للبرازيل. يومذاك كان بولسونارو يعلن عن برنامج انتخابيّ يقضي بتشريع الأمازون أمام “الاستثمارات الزراعيّة”، ودمج وزارة البيئة في وزارة الزراعة.

إنّ الشعبويّين يدمّرون البيئة أيضاً.  

 

إقرأ أيضاً:

وللذكر مثل حظ الأنثى

فرنسا تنتصر مرتين

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!