fbpx

“أنا أيضاً” تحاول في مصر “أيضاً”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقدّم مي الشامي نموذجاً محلّي الصنع لحملة”مي تو”، فالصحافية المصريّة الشابة كسرت حاجز صمتها الشخصي، لكنها لم تدعُ إلى تداول قضيتها بالشكل المناسب، ومن والواضح أنّ هناك اختلاف حقوقي- نسوي بشأن تقديرات نجاح الحملة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تنجح الصحافية المصرية الشابة مي الشامي في انتزاع الدعم المجتمعي الكافي للحصول على حقّها في واقعة تحرش رئيس التحرير التنفيذي في صحيفة “اليوم السابع” بها، فكان مصيرها الفصل التعسفي وخسارة حقها القانوني في مقاضاة الخصم.

بدأت الشامي معركة اتهام دندراوي الهواري بالتحرش بها في قلب صالة التحرير الكائنة بحي الدقي، شمال محافظة الجيزة، بقوة استمدتها من “السوشيل ميديا” الساخطة باستمرار ضد كتاباته الداعمة أجهزة الدولة أكثر من دعمها فتاة متزوجة تعرّضت للتحرش في بيئة عملها.

ودندراوي يحظى بدعم واسع من الأجهزة الأمنية في مصر، بينما الشامي محسوبة على تيار التغيير الذي أفرزته ثورة 25 يناير، وهو ما صنع فصلاً ساخناً من المعركة بين المتهم “الدولجي” والضحية الثورية. لكن سرعان ما استجمع الصحافي قواه واستدعى علاقاته لتقرّر الجريدة إيقاف الشامي عن العمل، وتنتصر له النيابة العامة في ما بعد بحفظ البلاغ.

خسرت مي المعركة، على رغم تسريب شهادات مجهولة “لم تصل إلى حد البلاغات” في الوسط الصحافي بأنها ليست الضحية الأولى لهواري، وهو ما فسره البعض بخسارة حركة “مي تو” المناهضة للتحرش الجنسي معركتها على أعتاب القاهرة. فعلى رغم انتشارها في أنحاء مختلفة ونجاحها في كشف النقاب عن وقائع جنسية تتورط فيها شخصيات عامة في الأوساط الفنية والسياسية، أبت الحركة النسائية أن تواصل معاركها على ضفاف النيل هذه المرّة.

ثمة اختلاف حقوقي- نسوي بشأن تقديرات نجاح الحملة، التي اختيرت من قبل مجلة “التايم” شخصية عام 2017، في مصر، فلا أحد يريد الجزم بفشلنا في استقبال الشرارة الهوليودية، لأسباب تتلخص في التباين الثقافي، إلا أنهم اتفقوا على حاجتنا إلى الوقت والتمارين من أجل الإحساس بأثرها، أو بالأحرى انتصارتها، كما شاهدنا في وقائع مختلفة مثل  لحظة اعتقال المنتج الأميركي هارفي واينستين على خلفية التحرش بالممثلات، أو استقالة وزير الخارجية الهندي أم جي أكبر بعدما اتّهمته أكثر من 20 امرأة بالتحرش.

مي الشامي… “التدوين وحده مش كفاية”

تقدّم مي الشامي نموذجاً محلّي الصنع لحركة “مي تو”، فالصحافية الشابة كسرت حاجز صمتها الشخصي، لكنها لم تدعُ إلى تداول قضيتها بالشكل المناسب، بعد أن طالبت بتوحيد الهاشتاغ “ادعم- مي الشامي” بدلاً من مشاركة شهادات أخرى تدعم موقفها، وهو ما أفضى إلى وقوفها وحيدة أمام النيابة ومؤسستها الصحافية التي تديرها أجهزة الدولة.

“في قضية دندراوي ومي الشامي فقدنا شرف الخصومة وتم تسييس القضية، مي نفسها ساهمت في شخصنة قضيتها بعد أن طالبت باقتصار الحملة على “ادعم مي الشامي” وعدم السماح للصحافيات بنشر شهاداتهن عن الشخص نفسه لتدعيم موقفها. “هنا التحرك الفردي أجهض القضية”، كما يقول الناشط الحقوقي فتحي فريد مؤسّس مبادرة أمان لمناهضة العنف الجنسي، موضحاً أسباب فشل النموذج المصري من “مي تو”.

لكن انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ومحامية مي الشامي، تعتبر الواقعة أول بلاغ يخص جرائم التحرش في أماكن العمل، مشددة على أن حفظ القضية ليس معناه الفشل، لكنه رسالة للجميع أن مكافحة العنف الجنسي ضد المرأة يحتاج إلى استمرار النضال بشقيه القانوني والتوعوي.

وترى السعيد، في حديث مع “درج” أن واقعة الشامي وحوادث التحرش التي حدث حولها جدل وزخم هي نموذج واضح لحركة مي تو، واصفة موكلتها بالجريئة كونها بدأت التدوين وحرّكت دعوى قضائية.

تزامنت واقعة مي مع القضية المثارة ضد الإعلامي المصري البارز يسري فودة، إذ أعلنت قناة “دويتشه فيله” الألمانية استبعاد أحد عامليها على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي، بعد شهادات متناثرة من فتيات يعملن بالحقل الإعلامي اتهمت “صوت 25 يناير” بالتحرش بهن، وقد اعتبرها البعض أحد إنجازات “مي تو”، إذ ساهمت في كسر التابوهات حول أشخاص أحاطت بهم قدسية الإعلامي المهني على مدار سنوات طويلة.

مي ليست الوحيدة التي كسرت حاجز الصمت في الوسط الإعلامي، فسبقتها الصحافية الشابة منى يسري التي اتهمت رئيس تحرير “جريدة رزو” اليوسف إبراهيم خليل بالتعدي الجنسي عليها في مكتبه بمقر الجريدة الحكومية، وتقدمت ببلاغ عن الواقعة إلى النيابة العامة في آب/ أغسطس 2016، لكن القضية حفظت لعدم ثبوت اتهام التحرش واعتبار خليل أنها محاولة من المتدربة لابتزازه والتشهير به للحصول على مميزات وظيفية في بداية حياتها المهنية.

68 في المئة من العاملات يتعرّضن للتحرّش الجنسي في مصر

خسرت منى معركتها للأسباب نفسها، وهي السكوت والخوف من فقدان الوظيفة، وفقاً لروايتها، وتؤكد الدراسات البحثية أن 30 في المئة من العاملات في مصر يتعرضن للتحرش في أماكن العمل، كما كشفت أن 50 في المئة من العاملات المتعرضات للتحرش في القاهرة يواجهن اضطهاداً في العمل، وفقاً لدراسة أجراها الاتحاد العام لعمال مصر عام 2014.

وبحسب دراسة المركز المصري لحقوق المرأة، فإن 68 في المئة من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي: 46 في المئة منهن يتعرضن للتحرش اللفظي مقابل 22 في المئة يتعرضن للتحرش البدني، وشملت الدراسة أكثر السلوكيات التي اتفقت عليها النساء: 78 في المئة لمس اليد بطريقة متعمدة، 76 في المئة لمس أجزاء من جسدها، 76 في المئة من المتحرشين ينظرون إلى أماكن حساسة من أجساد الضحايا، 73 في المئة يحاولون تقبيلهن، 72 في المئة يمتدحون قوامهن، 72 في المئة يتحرشون عبر التهديد والإغراء لتتجاوب النساء معهن جنسياً.

مصر بدأت الخطوات الأولى في الحملة قبل 10 سنوات وتحديداً مع قضية نهى رشدي

هل حصدت “مي تو” النتائج نفسها في مصر؟

يبرز فتحي فريد أسباب عدم تحقيق “مي تو” الصدى العالمي في مصر، في تأثير الحراك النسوي والحقوقي المحيط بالحركة الذي ساهم في نجاحها في دول أوروبية كثيرة ومجالات متنوعة، بعكس درجة التفاعل معها في الشرق الأوسط، وفي قلبه مصر.

كما أن العقد الاجتماعي للمصريين أثر سلباً في نشاط الحركة، فالبنات في مصر لا يملكن شجاعة البوح بحكايات التحرش والعنف الجنسي الواقع عليهن سواء من شخصيات عامة أو غيرها، فالخوف من الفضائح يصاحبنا دائماً في هذه المعارك، يقول فريد لـ”درج”.

غير أنه ترسخت في عقلية المجتمع المصري مساندة الرجل ضد المرأة في أغلب الأحيان، إضافة إلى أن المؤسسات الإعلامية والمراكز الحقوقية لم تكن مستعدة لخوض معركة حقيقية على غرار نشاط الحملة في هوليوود.

هل سبقت مصر “مي تو”؟

على عكس النظرة التشاؤمية لفريد، فانتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ترى أن “مي تو” لم تفشل في مصر، وهي كمثل دول العالم التي وصل إليها أثرها، إذ نجحت في كسر حاجز الصمت عن وقائع التحرش بالسيدات في أوساط مختلفة.

وتعرج السعيد إلى أن مصر بدأت الخطوات الأولى في الحملة قبل 10 سنوات وتحديداً مع قضية نهى رشدي، مخرجة الأفلام التسجيلية التي انتزعت أول حكم قضائي ضد متحرش في المحاكم المصرية، بعد أن عاقبت السائق الذي اعتدى عليها جنسياً بـ3 سنوات، إلى أن توّج نضال الحركة النسوية بإصدار قانون التحرش الجنسي عام 2014.

نهى رشدي

وأجرت مصر تعديلات على قانون العقوبات ليضع تعريفاً لجريمة التحرش، لأول مرة في مصر، حيث نص على أن من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل، بأي وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وتعتبر السعيد أن تلك التعديلات ثمرة الجهود النسوية خلال العقد الأخير، مؤكدة في الوقت ذاته أن ملف العنف الجنسي ما زال يتطلب من الجميع النضال على جميع المستويات بشكل قانوني وتوعوي من أجل بيئة عمل آمنة للنساء، وإعادة النظر في الآليات الخاصة لإثبات التحرش في القانون المصري، والبحث عن طرائق لدعم الناجيات من التحرش مجتمعياً ومهنياً كي لا تتجدد أزمات مي الشامي ومنى يسري.

أما فريد فينصح النخبة المثقفة القائدة سواء حقوقيات أو صحافيات أو فنانات باتخاذ مواقف أكثر شجاعة وأن يكونوا أكثر تحملاً لضريبة الحديث باعتبارهن حاملات الشعلة لإنارة الطريق أمام الملايين، كما يطالب الوسائل الإعلامية بالاستجابة لضغط العاملين داخلها لدعم مثل هذه القضايا بحيادية تامة.

عموماً، فإن مصر لن تحرز أي تقدم في ملف العنف ضد المرأة من دون توفر إرادة لمكافحة العنف الجنسي عند صانع القرار نفسه الذي يتحكم في كل ما يخص التشريعات والعمل الميداني والمناخ الإعلامي المحرض ضد المرأة دائماً، وفقاً لفتحي فريد.

إقرأ أيضاً:
السجن المصريّ نعيم… السجن المصريّ جحيم…
معركة القهوة… مزاج المصريين يتحدى حُكّامه
سياسات مكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل التي لا يتحدث عنها أحد