fbpx

عفرين… والخطأ الكردي الثاني بعد كركوك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد هزيمة كركوك في إقليم كردستان، هل سيتعرض كرد (روج آفا)، إلى هزيمة جديدة في عفرين؟ لكن هذه قصة وتلك قصة أخرى، تختلفان في الخلفيات والخصوصيات على رغم وجود قواسم مشتركة هنا وهناك. الوضع الكردي في سوريا لا يدعو الى التفاؤل ولا يبشر بالخير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد هزيمة كركوك في إقليم كردستان، هل سيتعرض كرد (روج آفا)، إلى هزيمة جديدة في عفرين؟ لكن هذه قصة وتلك قصة أخرى، تختلفان في الخلفيات والخصوصيات على رغم وجود قواسم مشتركة هنا وهناك. الوضع الكردي في سوريا لا يدعو الى التفاؤل ولا يبشر بالخير.
فبعد نحو ثلاث سنوات من التهديدات التركية، تخللتها عمليات عسكرية ومواجهات بالقصف المدفعي والغارات الجوية، وأحيانا التوغل البري المحدود، حسمت تركيا أخيراً موقفها، بتنفيذ عملية عسكرية واسعة باستخدام قوات برية وجوية، أطلقت عليها تسمية غريبة هي “غصن الزيتون”، داخل الأراضي السورية مستهدفة قوات “وحدات حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) الذي تعتبره أنقرة جناحا سوريا لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره المؤسسة التركية الحاكمة العدو اللدود الأول.
هكذا يدخل الوضع الكردي في (روج آفا)، وهي التسمية التي اعتمدها “الاتحاد الديموقراطي” لادارته في المناطق الكردية، بعدما سيطر عليها دون قتال  إثر انسحاب قوات نظام الأسد من هذه المناطق في 2012.
في البداية، كانت هناك مشاركة بين الأحزاب والجماعات السياسية الكردية التقليدية، لادارة هذه المناطق، لكن هذا الوضع تغيّر بالتدريج، لمصلحة “الاتحاد الديموقراطي”، وهو أقلها عمراً، لكنه أكثرها أدلجةً وانضباطاً وتسلحاً وقدرةً على القتال، (لأسباب سنأتي على تفصيلها لاحقا). والاتحاد فرض هيمنته مهمشاً بقية الأحزاب، وانفرد عملياً بادارة (روج آفا). لكن كل هذا، من شأنه أن يغيره “غصن الزيتون” التركي هذا، لتبدأ مرحلة جديدة، يصعب الآن تحديد تداعياتها المحتملة، وانعكاساتها على الوضعين الكرديين السوري والتركي، وعلى مواقف اللاعبين الاقليميين والدوليين المعنيين.
يسعى كاتب هذه السطور الى تسليط الضوء، على الارتباط بين الوضعين الكرديين السوري والتركي، وخلفيات تعامل أنقرة معهما بمنظار واحد، يعكس هاجس تركيا الدائم، ازاء “الخطر” الكردي على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وفي الاطار تقديم تفسيرات ومبررات على وفق ما يراه الضالعون في النزاع.
على مدى قرن ٍمن الزمن خاض الكرد في جميع أجزاء كردستان، كفاحاً متواصلاً من أجل حقوق مشروعة ٍعادلة، تعرضوا خلاله الى كوارث ومآس ٍلا حصر لها، وتجارب قاسية، اتعظوا ببعضها ولم يتعظوا بمعظمها. وأزعمُ ان ما حدث في كركوك ويحدث حالياً في عفرين، تجربتان أخريان وليستا أخيرتين.
في الاطار العام، أصبح لكل جزء كردي خصوصياته، بحكم ضمّه الى واحدة من الدول التي تتقاسم كردستان، ولاعتبارات ٍأخرى، أدت الى مستويات متفاوتة في تطور الحركات الكردية في هذ الاجزاء، على صعيد تعاملها مع انظمة الدول الحاضنة وفقا لثقلها السياسي والعسكري. هذا الأمر، انعكس على تعامل الدول الحاضنة مع كردها، إن بقليل من التسامح والعدل والاعتراف بهم كقومية، اقتضت منحهم بعض الحقوق المترتبة على ذلك، كما في العراق وايران، أم بكثير من الظلم والقمع وانكار وجودهم وحرمانهم من كافة حقوقهم القومية، كما في تركيا وسوريا، الأمر الذي أدى الى تشابك وتداخل الوضعين الكرديين في هاتين الدولتين.
في سوريا، تعرض كردها الاقل عدداً من اشقائهم في الدول الحاضنة الاخرى، الى انكار وجودهم بأساليب واجراءاتٍ عنصرية مختلفة. في مطلع الستينات، أقامت السلطات السورية ما سمي بـ “الحزام العربي”، لتطويق المناطق الكردية وحرمانها من الخدمات الأساسية، لإجبار سكانها على الهجرة، إلى خارج مناطقهم. وعلى مدى عقود، رفضت السلطات اعتبار مئات الآلاف من الكرد مواطنين، وحرمتهم من الجنسية السورية، بذريعة أنهم “ضيوف” مهاجرون من تركيا. ناهيك طبعاً عن عدم الاعتراف بحقوق أساسية، بما في ذلك حقهم في تعلم لغتهم الأم في المدارس. لهذه الاسباب وأخرى جغرافية تتعلق بعدم وجود مناطق جبلية منيعة كما في كردستانات العراق وتركيا وايران، لم تستطع الجماعات الكردية في سوريا تنظيم حركات مسلحة تحتمي بالجبال، ضد الأنظمة الحاكمة في دمشق.
لكن يتعين الرجوع الى الوراء قليلا، تحديداً الى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، لفهم الارتباط العضوي بين الوضعين الكرديين في تركيا وسوريا. حزب العمال الكردستاني تأسس سنة 1978 في بلدة ليجة التابعة لمحافظة ديار بكر، سعياً الى إقامة دولة كردستان، على أسس إيديولوجية ماركسية – لينينية، وهو هدف تخلى عنه الحزب لاحقا. بعد عام واحد أضطر مؤسس الحزب وزعيمه حتى الآن، عبدالله اوجلان الى الفرار الى سوريا، حيث أقام فيها نحو عقدين، تحديداً حتى مغادرته في 1999 في ظروف معروفة، أدت الى اعتقاله في كينيا، ونقله الى تركيا ومحاكمته وسجنه.  مصلحة النظام السوري في عهد حافظ الأسد، اقتضت دعم “العمال الكردستاني” تمويلاً وتسليحًا وتوفير امكانات لوجستية له، باعلان الكفاح المسلح ضد “الدولة التركية الفاشية” في آب 1984، وذلك كورقة ضغط يستخدمها في التعامل مع الجارة الجنوبية. في هذا الاطار سمح النظام السوري لكرد سوريا بالانضمام الى حزب اوجلان، على الصعيدين التنظيمي والعسكري كوسيلة لامتصاص الغضب الكردي القومي، ضد النظام شرط عدم اثارة المشاعر القومية بين اكراد سوريا، خصوصاً في المناطق الحدودية مع تركيا. منذ ذلك الحين استولى على الطبقة السياسية التركية، الحاكمة والمعارضة، في مقدمها طبعا المؤسسة العسكرية هاجس الوضع الكردي والمواجهة العسكرية مع مقاتلي “العمال الكردستاني”.
في هذه الاثناء، زاد الاندماج سياسياً وعسكرياً بين كرد سوريا و”العمال الكردستاني” تدريجياً، ليشكلوا نسبةً عالية في صفوفه، بما في ذلك في قياداته حتى في جبال قنديل في كردستان العراق، منذ استقرت فيها القيادة في مطلع التسعينات. ومع غياب أرقام محددة، لكن بحسب تقديرات مصادر عدة فان عدد المقاتلين الكرد السوريين في صفوف “العمال الكردستاني” يبلغ عدة آلاف. المصادر الامنية التركية مثلاً، تقدر العدد حالياً بنحو سبعة آلاف مقاتل. وبعض هذه المصادر سرّبت أن قيادات كردية أبلغت أوجلان في 2012، خلال عملية السلام مع أنقرة، أن إجمالي مقاتلي الحزب في تركيا والعراق وسوريا، يتجاوز العشرين ألف مقاتل، منهم ستة آلاف مقاتل كردي سوري. بعبارة ٍأخرى، من وجهة نظر تركيا، فإن لهاجسها الأمني القومي، لجهة الخطورة التي يشكلها الوضع الكردي السوري ما يبرره، في حال استطاع حزب الاتحاد الديموقراطي وجناحه السري، أي وحدات حماية الشعب تأسيس كيان ٍكردي ٍعابر للحدود، ليمتد الى المناطق الكردية داخل تركيا نفسها. ووأضح أن لا شيء يقنع أنقرة بأن “الاتحاد الديموقراطي” ليس فرعاً سورياً لـ “العمال الكردستاني”. ولم تقتنع أنقرة بأن تشكيل قوة عسكرية بطلبٍ ودعم أميركي لقتال “داعش”، تحت مسمى “قوات سوريا الديموقراطية” ،(تشكل “الوحدات” ما لايقل عن 80% من عديدها والبقية من العرب)، ليس سوى خداع، أقدمت عليه أميركا لتبرير هذا الدعم، كونها تدرك تماماً أن لا فرق بين الحزبين الكرديين التركي والسوري، نظراً إلى أن الأول مصنفٌ من قبل واشنطن رسمياً تنظيماً إرهابياً.
المعلق السياسي التركي مراد يتكين مثلا ً، كتب أخيرا في “حريت ديلي نيوز،” أن قائد القوات الاميركية الخاصة الجنرل رايموند توماس هو الذي طلب من “وحدات حماية الشعب” تغيير اسمها “لخداع” الحليف التركي في حلف الاطلسي، كي يشاركنا في قتال “داعش”، وأضاف بسخرية: “ولم يمر سوى يوم واحد حتى أعلنوا أنهم أصبحوا قوات سوريا الديموقراطية”.
إضافة الى ما سلف هناك جانب عاطفي لارتباط أوجلان  بـ (روج آفا). فالكيان الكردي الناشيء في سوريا، أتاح له للمرة الاولى رؤية جوانب من رؤيته، كمفكر ومنظر كما يعتبر نفسه، تتحقق عملياً على الأرض، وهو أمر لم يستطع تحقيقه في تركيا، لأن حزبه لم ينجح أبداً في السيطرة على أراضٍ فيها، والاحتفاظ بها وإقامة أي نوع من الكيان الكردي هناك. فالنظام السياسي – الاداري الذي يعتمده “الاتحاد الديموقراطي” في (روج آفا)، يقوم على أساس أفكار شغّلت عقل أوجلان، منذ مطلع التسعينات.
كنتُ أجريت لقاء طويلاً مع أوجلان في آذار 1993، حين كان يقيم في دمشق، تناول في جزء منه رؤيته لمستقبل كردستان، ومشروعه لبناء المجتمع الكردي، الطوباوي نوعا ما، في اطار الكيان الذي يسعى اليه (هذا الجزء من اللقاء لم أنشره حتى الآن وأحتفظ بالتسجيل الكامل له)، على أساس مبادىء الكومونات، تحقيقاً للمساواة الكاملة ممثلةً في الشراكة بين الرجال والنساء، على صعيد القيادات السياسية والعسكرية وكافة التنظيمات النابعة عنها. يشار الى أن مبدأ الشراكة في القيادات مطبقٌ ولو صوريا في حزب أوجلان والاحزاب والتنظيمات الكردية المرتبطة به في تركيا وسوريا، بما فيها الاحزاب الكردية سابقاً وحالياً في تركيا، مثل حزب الشعب الديموقراطي المعترف به والممثل في البرلمان التركي.
في اللقاء السالف معه أيضاً، خاض أوجلان في تفاصيل رؤيته لمجتمع كردي قائم على مبدأ الكومونات التي سماها “الحكم الذاتي الديموقراطي” ،وهي الأسس ذاتها التي يعتمدها حاليا “الاتحاد الديموقراطي” في (روج آفا). هكذا وفي ضوء ما سلف أصبحت المكاسب التي حققها على الأرض “الاتحاد الديموقراطي” في روج آفا بالنسبة الى “العمال الكردستاني” مهمة الى حد أنه قرر أن التمسك بـ “روج آفا” أهم من عملية السلام مع أنقره، معتبراً أنها فرصة تاريخية للامتداد إلى مناطق كردية في سوري،ا متاخمة لمناطق نفوذه في المناطق الكردية في تركيا. هكذا أعلنت قيادة جبال قنديل في 2015 نهاية عملية السلام، من جهتها أعلنت انقرة “تجميد” العملية. في مقابل رهان “العمال الكردستاني” على “روج آفا” زاد الهاجس الامني التركي ازاء الوضع، خصوصا بعدما سيطرت “وحدات حماية الشعب” في منتصف ذلك العام على تل أبيض (كري سبي)، وهو ما كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة الى تركيا، فهذه البلدة ذات غالبية عربية مع نسبة لا بأس بها من الكرد، وأقليتين تركمانية وأرمنية. في الحال، اتهمت أنقرة “الاتحاد الديموقراطي” بتنفيذ “تطهير عرقي” ضد التركمان في تل أبيض، فيما اعتبر معلق في احدى الصحف الموالية لاردوغان، أن هذا الحزب “أخطر من داعش”. ما سلف زاد عزم تركيا على مواجهة الكرد عسكرياً في سوريا نفسها.
فيما تستمر العملية العسكرية التركية، فإن اللاعبين الضالعين في الوضع السوري، يراقبون التطورات، ويقررون أو سيقرروا مواقفهم وفقاً لاعتبارات ومصالح الأمن القومي لدولهم، كما فعلوا ازاء تداعيات استفتاء الاستقلال في اقليم كردستان العراق. كذلك يفعل اللاعبون المحليون وفقاً لارتباطاتهم بهذة القوة الخارجية أو تلك، واستنادهم الى دعمها.  لكن الطرف الكردي هناك هو الوحيد الذي لا يعرف أي قوة خارجية يمكن أن يعول على دعمها له. ليس سراً أن “الاتحاد الديموقراطي” سعى الى الهيمنة والانفراد بادارة المناطق الكردية مهمشاً كل الاطراف الاخرى في هذه المناطق بما فيها المختلطة.
باختصار، سياسات “الاتحاد الديموقراطي”، الذي أثبتت “وحدات حماية الشعب” التابعة له، بأنها أكفأ القوى السورية المعارضة لنظام دمشق في قتال “داعش”، الأمر الذي جعل الطرف الاميركي يعتمد عليها في مواجهة التنظيم الاسلامي الارهابي، أدت الى عزلته عن شركائه الكرد والعرب. أكثر المستائين من إقدام القوات الكردية على السيطرة على مناطق لا يشكل الكرد غالبية سكانها هم العرب. هكذا تعتمد تركيا على جماعات عربية مسلحة حانقة على “الاتحاد الديموقراطي”. في مقدم هذه الجماعات “الجيش السوري الحر”، الذي يتقدم الهجوم التركي على عفرين، “ليرد الصاع صاعين”، بحسب تعبير الناطق السابق باسم تيار الغد السوري المعارض عبد الجليل سعيد، مضيفاً انه رد على “غدر” القوات الكردية وقتها لهذا الجيش. ولا يبدو ان هناك أطرافٌ عربية معارضة لنظام دمشق تقف الى جانب الطرف الكردي في المواجهة مع القوات التركية.
الأسئلة التي تطرح نفسها كثيرة بالنسبة الى تداعيات الهجوم التركي على عفرين وتأثيره في مستقبل كرد “روج آفا”.  كثيرون سيعتمدون على مواقف اللاعبين الخارجيين الرئيسيين روسيا والولايات المتحدة الاميركية. موسكو مثلا، وهي الداعمة الرئيسية للنظام السوري، تتهم الاميركيين بأنهم لا يفهمون ما يجري في سوريا ويتقصدون “استفزاز” تركيا. لكن من غرائب الموقف الروسي، أن موسكو اقنعت دمشق بالسماح لقوات تركية بتطهير مناطق سورية، كان يسيطر عليه الكرد الامر الذي أثار قلقهم.
لكن السؤال الأهم يتعلق بموقف واشنطن، التي اتخذت “وحدات حماية الشعب” حليفاً وسلحتها على رغم كل تحذيرات شريكها التركي في حلف الاطلسي. يشار في هذا الصدد، إلى أن الغزو التركي بدأ غداة قرار أميركي تشكيل قوة تعدادها 30 ألف مقاتل من “قوات سوريا الديموقراطية”، لحماية الحدود السورية مع تركيا والعراق، الأمر الذي اعتبرته أنقرة تراجعاً عن وعد اميركي سابق بنزع سلاح هذه القوات بعد تحرير الرقة من “داعش”. عموماً، حتى الآن لا يبدو ما يشير الى أن اي طرف دولي قوي ينوي التدخل لعرقلة عملية “غصن الزيتون”، وحماية “الاتحاد الديموقراطي وذراعه العسكري “وحدات حماية الشعب”، الأمر الذي جعل حزب العمال الكردستاني يصدر بيانات إدانة قوية ضد اميركا وروسيا.
يشار الى أن بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للرئيس الاميركي منسق القتال ضد “داعش” في سوريا والعراق، ومعه قائد عسكري اميركي زارا كوباني غداة بدء العملية العسكرية التركية، واجتمعا مع قيادات “الاتحاد الديموقراطي”. لم يُعرف حتى الآن مالرسالة التي أبلغها المبعوثان الأميركيان إلى قيادة “روج آفا”.  لكن الكرد يخشون أن يكون السيناريو المحتمل، تكرارا لسيناريو الموقف الاميركي من استفتاء الاستقلال في اقليم كردستان، وأن تلحق عفرين بشقيقتها الكردية كركوك.[video_player link=””][/video_player]