fbpx

“الحرية البطيئة” تدفع ايرانيات لخلع حجابهن في “الأربعاء الأبيض”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تتولى شرطة الأخلاق المنبثقة عن تنظيم الحرس الثوري، فرض المظاهر الإسلامية في الفضاءات العامة، انطلاقا من مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تتولى شرطة الأخلاق المنبثقة عن تنظيم الحرس الثوري، فرض المظاهر الإسلامية في الفضاءات العامة، انطلاقا من مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تجوب دوريات شرطة الأخلاق شوارع المدن الإيرانية ليل نهار، تتمركز عند مداخل الجامعات والمدارس، تغير على حبيبين أو حتى صديقين جلسا متجاورين على مقعد في حديقة عامة، تعتقل امرأة كشفت مقدمة شعرها، تجلد أخرى خرجت من بيتها بثياب ضيقة أو تنذر واحدة طلت فمها بأحمر الشفاه.
لم تفشل شرطة الأخلاق في إقناع النساء الإيرانيات بمراعاة قواعد الحجاب الشرعي فحسب، بل فشلت أيضا في إجبارهن عليه، رغم الدعم المالي والرسمي والديني الذي تحظى به، ورغم الرهاب الذي زرعته في النفوس والعقول، لذلك استعانت في السنوات الأخيرة بالشريحة الشعبية الموالية للنظام. حيث حفزت عبر انتزاعها قرار “دعم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر”، كل مواطن غيور على النظام الإسلامي، على معاقبة أي امرأة تخرج إلى الشارع غير متقيدة بالحجاب المنصوص عليه في الجمهورية الإسلامية، دون الرجوع إليها. بمعنى آخر، سلمت قيادة معركة “تصحيح الحجاب” للمجتمع الأهلي، الذي تفوق عليها بأساليب الإجبار.
ففي مطلع العام  2014، بعد المصادقة رسميا، على مشروع قانون “دعم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر”، أطلق متشددون في مدينة إصفهان حملة “الهجوم بالأسيد”، التي أسفرت في أيامها الأولى، عن مقتل إمرأة بعد رش وجهها بمادة الأسيد الحارقة وتشويه وجوه 15 امرأة أخرى.
في البداية، أرست حملة “الهجوم بالأسيد” جوا من الرعب في إصفهان ومدن أخرى وصلت إليها، وأجبرت النساء على لزوم منازلهن وعدم الخروج إلى الشارع، تجنبا لعبوات الأسيد، التي تتربص بوجوههن وما ظهر من أجسادهن، لكنها في الوقت نفسه، لم تستطع النيل من عزيمة الإيرانيات وإصرارهن على حق اختيار المظهر الذي يناسبهن. فقد قوبلت على وجه السرعة، بأوسع حملة نسوية في البلاد ضد الحجاب الإجباري، وصلت أصداؤها إلى كل بقاع العالم حملت اسم “الحرية البطيئة = آزادى يواشكى”.
أحدثت حملة “الحرية البطيئة” إنقلابا أبيض في شخصية المرأة الإيرانية، أمدتها بالقدرة المعنوية على تخطي الحواجز النفسية، التي تمنعها من التعبير عن نفسها، ومنحتها مساحة واسعة تطل بها على العالم كما تحب أن تكون وليس كما يراد لها أن تكون. كما أحدثت عاصفة من الاتهامات والشتائم بحق المسؤولة عنها، الصحافية الإيرانية مسيح علي نجاد، التي كان اسمها معصومة علي نجاد قمي، قبل فرارها من إيران إلى الولايات المتحدة، على خلفية مطالباتها بمنح المرأة الإيرانية بعض الحريات الشخصية، فاتهمها الإعلام الرسمي بالردة وبخيانة الوطن والدين، ووصفها بالمريضة نفسيا والعاهرة والدمية الرخيصة التي يتلاعب بها الإعلام الغربي.
لاحقا، أنشأت حملة “الحرية البطيئة” صفحة خاصة بها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وجمعت بعد أسبوعين من انطلاقها 230 ألف صديق، ووصل عدد متابعيها بعد سنة من تأسيسها إلى المليون متابع.
في خانة “من نحن” كتبت مسيح علي نجاد: “هذه الصفحة، غير تابعة لأي فريق أو تيار سياسي. مهمتها نقل شؤون المرأة الإيرانية وشجونها ليراها العالم. تخضع كل النساء الإيرانيات في أماكن عيشهن، لقيود اجتماعية وقوانين جائرة ولا يملكن حرية اختيار لباسهن. لكن، على الرغم من كل هذه القيود، فإن المرأة الإيرانية، تصر على فك الحصار المفروض عليها واستنشاق نسيم الحرية ولو للحظة. أنشئت صفحتنا من أجل توثيق لحظة الحرية هذه، عسى أن تصل المرأة الإيرانية إلى حق اختيار اللباس الذي يناسبها. يمكنكم قراءة حكايات الحريات البطيئة للنساء الإيرانيات بين سطور هذه الصفحة”.
وبدأت الصفحة بعرض صور لنساء إيرانيات من مختلف الأعمار، تجرأن على خلع الحجاب وسط الشارع، في الحديقة العامة، على باب إدارة رسمية، في مكان العمل، في السيارة، في المترو، قرب لوحة ترويجية عن الحجاب الإسلامي، في ظل صورة لقائد الثورة الإمام الخميني أو لمرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامئني، مع تعليق مقتضب أسفل الصورة، مثل: “أنا لست دمية”، “لست سلعة للبيع”.
استطاعت حملة “الحرية البطيئة” خنق حملة “الهجوم بالأسيد” قبل أن تتفاعل وتؤتي أكلها، بترهيب النساء ومحاصرتهن في منازلهن، بمعنى آخر، أبطلت العمل بقانون دعم القواعد الشعبية الموالية تسلط شرطة الأخلاق على لباس النساء الإيرانيات وشعورهن. كما لعبت صفحتها على “فيسبوك” دورا أساسيا في إيصال اعتراض المرأة الإيرانية على إلزامية الحجاب، إلى العالم كله، ولفتت نظر المتابعين إلى أن الحجاب في إيران إجباري وليس اختياريا كما تدعي السلطة الحاكمة.
حملة “الحرية البطيئة” لم تكن الأولى من نوعها، في سياق الاعتراض النسوي السلمي على قانون فرض الحجاب، سبقتها حملة “لا للحجاب الإجباري”، التي أطلقتها مجموعة من الجامعيات والجامعيين، بدعم من شخصيات سياسية واجتماعية مؤثرة في إيران وصحافيين وفنانين وحقوقيين. الصحافي والمحلل السياسي محسن كديور كان من أول داعميها ووصل عدد أعضائها إلى 49 ألف عضو.
ومن رحم حملة “الحرية البطيئة”، ولدت حملة “الأربعاء الأبيض”، وهي أحدث الحملات النسائية في مواجهة قانون فرض الحجاب. انطلقت ربيع العام الماضي، وتسللت إلى كل المدن الإيرانية، قبل أن يستيقظ الحرس. ففي 24 أيار/مايو2017 تفاجأت شرطة الأخلاق، بفتيات سافرات يسرن في الشوارع فرادى أو يقفن عند ناصية، يلوحن بمناديلهن بصمت. لتكتشف بعدها، أن هذه الظاهرة هي ترجمة لحملة “الأربعاء الأبيض”، المعترضة على إلزامية الحجاب، وسطوة الدين ورجاله على حياة النساء في إيران.
تدعو حملة “الأربعاء الأبيض” كل امرأة إيرانية مجبرة على ارتداء الحجاب، إلى التعبير  عن رأيها، بالخروج يوم الأربعاء من كل أسبوع إلى مكان عام، مرتدية منديلا أبيض، وبعد أن تختار مكانا مناسبا لتقف فيه، تخلع منديلها وتربطه بعصا وتلوح به بصمت، ولا بأس أن يرافقها رجل يدعم رأيها بشرط أن يربط حول معصمه شريطة بيضاء.
تعتبر الأوساط الدينية والأمنية الإيرانية أن حملة “الأربعاء الأبيض”، هي أخطر الحملات المناوئة للحجاب وأكثرها إرباكا للسلطة، وأسرعها انتشارا بين النساء. فهي حملة غير تقليدية، لا يوجد لها رأس ليرمى بسهام الاتهام، ولا تملك جسدا تنظيميا ليسهل قمعه. هي أشبه بدعوة سرية تتغلغل في المجتمع النسائي وتنخر النظام الإسلامي دون ضجيج أو تكلفة أو حتى تنسيق.[video_player link=””][/video_player]