fbpx

النظام الإيراني يخوض حرباً خاسرة ضد العلوم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبح الداعون إلى حماية البيئة آخر المُستهدفين في عمليات القمع التي يقوم بها فصيل قوي في النظام الإيراني، مصابٌ بجنون الارتياب، ويبدو أنه يعتقد بأن إحراز أي نوع من التقدم، فيه تهديد للأمن القومي للجمهورية الإسلامية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصبح الداعون إلى حماية البيئة آخر المُستهدفين في عمليات القمع التي يقوم بها فصيل قوي في النظام الإيراني، مصابٌ بجنون الارتياب، ويبدو أنه يعتقد بأن إحراز أي نوع من التقدم، فيه تهديد للأمن القومي للجمهورية الإسلامية. حملة الهجوم على العلوم هذه هي الأكثر سخفاً بين الكثير من الحملات الأخرى التي نفذتها السلطات المتطرفة في الماضي، لكن يمكن القول إن هذه المرة المخاطر أشد من أي وقت مضى.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، قُبض على عددٍ من الداعين إلى المحافظة على البيئة. أحدهم -هو كافوس سيد إمامي، مواطن إيراني- كندي، توفي في ظروفٍ غامضة بعد أسابيع فقط من احتجازه. وقالت السلطات الإيرانية إنه مات منتحراً، لكن لم يقتنع بذلك سوى عدد قليل من الناس. فقذ أثار موته ضجة واستياء مُستحقين. ومع ذلك لا يزال كثر من النشطاء الآخرين الذين اعُتقلوا معه في السجون، كما مُنعت زوجته من مغادرة إيران.

حالياً تناشد مجموعة من العلماء ودعاة حماية البيئة الأكثر احتراماً في العالم، تتزعمهم جين غودال، الحكومة الإيرانية بإطلاق سراح المعتقلين من الداعين إلى المحافظة على البيئة.

الاتهامات العلنية الموُجهة إلى هؤلاء الباحثين هي أنهم استخدموا كاميرات ليلية مُصممة لالتقاط صور للحيوانات المهددة بالانقراض (نتحدث هنا عن الفهد الآسيوي)، من أجل التجسس على برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، لمصلحة وكالة المخابرات المركزية والموساد.

لا يوجد من قد يقتنع بتلك الحجة المُلفقة، وهي غير قابلة للتصديق، بقدر كونها ساذجة.

القضية المرفوعة ضد دعاة حماية البيئة هي أحدث مثال على تصعيد الجناح الاستخباراتي في الحرس الثوري الإيراني – المجموعة نفسها التي كانت مسؤولة عن اعتقالي والاعتقالات الأخيرة لمزدوجي الجنسية والصحافيين والمعلمين، بل وحتى الديبلوماسيين والمسؤولين الإيرانيين- حربه غير المعلنة على الفضول والبحث العلمي. تقوم حملته بشكلٍ ثابت باعتقال الأشخاص الذين لهم صلات بالعالم الخارجي الذي يتجاوز حدود إيران، إلى جانب أيّ شخصٍ يكشف الحقائق صعبة التصديق عن الحياة في الدولة التي تدعي المجموعة أنها تقوم بحمايتها.

تواجه إيران أزمة بيئية كبيرة لم يعد يمكن تجاهلها. إذ لعقود كان البلد ولا يزال يتضرر من انحراف مسار الأنهار وإفراغ البحيرات لأغراض الري. لكن الآن صارت الآثار المترتبة على سوء الإدارة – مثل التصحر الذي يجتاح البلاد- سافرة للغاية لمعظم الإيرانيين بحيث لا يمكن التغاضي عنها.

صارت العواصف الرملية والترابية المنتظمة والتلوث الهوائي الذي يصيب بالاختناق، عناصر متفشية في التجربة الإيرانية الحديثة.

رجال الدين الذين يملكون منابر عامة مؤثرة، عادة ما يُرجعون هذه الكوارث الطبيعية، إلى جانب الزلازل التي تقع في إيران، إلى غضب إلهي على السكان المحليين -بخاصة النساء- ونهجهم العلماني والغربي المتزايد.

إلا أن الإجماع المتزايد في المجتمع العلمي الدولي يقول إن قادة إيران -المسؤولين عن سنوات من الإسراف وسوء الإدارة والفساد- هم السبب الأساسي في الكوارث البيئية الحاصلة في البلد. يساعد العلماء في دحض بعض الأساطير الخطرة لجمهور ضجر من استخدام الدين في تبرير كل القضايا والمشكلات اليومية.

والآن يجد النظام نفسه واقعاً في ورطة صعبة إذ إنه استثمر بكثافة في البحث العلمي والتعليم (وإن كان ذلك بشكل انتقائي).

هؤلاء المدافعون عن حماية البيئة هم كبش الفداء المثالي لمتملقيّ النظام، الذين يفرضون سيطرتهم على سلطة قضائية فاسدة بالفعل بشكلٍ هزلي، إضافة إلى قبضتهم  المتزايدة على عديدٍ من قطاعات الاقتصاد.

في السنوات الأخيرة، تمكن عدد متزايد من الإيرانيين من ذوي الثروة والامتيازات من السفر إلى الخارج للتعلّم، والذين استفادوا وقتها من إمكان الوصول إلى العاصمة الدولية والحرية النسبية في السفر. يرى متطرفو الحرس الثوري هذه النخب باعتبارها العدو الرئيسي. لكن الواقع أن الإيرانيين الذين يعيشون في إيران والذين يقتربون من تحقيق هجرةٍ ناجحة ومتزايدة، يملكون تطلعات خاصة بمستقبل البلاد تشبه تلك التي يملكها الإيرانيون المقيمون في إيران حالياً، أكثر مما ​كانوا عليه في الجمهورية الإسلامية منذ 40 سنة تقريباً.

هؤلاء يريدون رؤية علاقاتٍ مُقامة بين وطنهم والدول التي تبنتهم، وهي علاقات تعود بالنفع على الطرفين. يرى كثيرون أن هناك فرصةً لهم في إيران، ويرى آخرون طرائق يمكنها المساعدة على النهوض بالبلاد.

أدت الهجرة الملحمية التي شهدتها إيران لذوي الكفاءات في بداية التسعينات إلى عودة بعض الإيرانيين إلى وطنهم عقب انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013، عندما وعد بمجتمعٍ أكثر انفتاحاً يكون متصلاً بالعالم بشكل أكبر. وقد ساعد تنفيذ الاتفاق النووي مع القوى العالمية في تطبيق هذا التوجه بصورة أكبر. وهذا بدوره زاد من ذعر الحرس الثوري أكثر.

في غضون سنوات قليلة مقبلة، سيتم التخلص من هؤلاء الأفراد واحداً تلو الآخر.

من بين هؤلاء الأشخاص كافيه مدني، وهو عالم تعلّم في المملكة المتحدة وله وظيفة في كلية لندن الإمبراطورية، عاد إلى إيران بناء على دعوة من مكتب الرئيس ليصير نائب رئيس شؤون البيئة. إلا أنه بعد وقت قصير من وصوله، تعرض لضغوطٍ أخذت في التزايد وفي النهاية اضطر إلى الرحيل مرة أخرى.

من بين وعود كثيرة فشل روحاني في الإيفاء بها، ربما يكون وعد حماية البيئة هو الأكثر إلحاحاً. وهي قضية كان ينبغي على القيادة الإيرانية أن تتوصل إلى إجماع حولها حتى مع المنافسين الداخليين. الورطة التي وقع فيها مدني، إلى جانب استمرار اعتقال الأبرياء من المدافعين عن حماية البيئة، بتهمٍ يمكن أن تُودي إلى عقوبة الإعدام، كلها تذكيرات واضحة بأن المؤسسة السياسية الإيرانية تضع أولوية بقائها فوق كل شيء آخر.

إنها حرب استنزاف، لن يتمكن أشد مُتنمري النظام من الفوز بها على المدى الطويل، إذ إن المشكلات البيئية يستحيل حلها من دون خبرة وإدارة، وهما أمران لا تزال إيران تفتقر إليهما، وسيكون عليها في النهاية قبول مساعدة غير المواطنين، وسيكون أولئك هم الإيرانيون في الشتات على الأرجح.

لكن قبل أن يحدث ذلك، سيكون لهذه المعركة التي لا داعي لها الكثير من الضحايا والآثار المدمرة بعيدة المدى، التي ستؤدي إلى جعل العيش في إيران المنعزلة بالفعل أكثر صعوبة، ناهيك بكونها مكاناً يستطيع الناس أن يتنفسوا فيه.

 

هذا المقال مترجم عن washingtonpost.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي.