fbpx

إعادة إحياء النازية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ اندلاع أعمال الشغب لليمين المتطرّف عقب مقتل رجل ألماني على يد اثنين من اللاجئين، احتضن وسط مدينة كيمنتس تظاهرات أسبوعية ضد المهاجرين والحكومة التي رأى المحتجّون أنها تسمح لهم بدخول ألمانيا. تضم مجموعة الأشخاص الذين يجتمعون لأجل التظاهر أفراد يبدون يمينيين أكثر من الحزب اليميني البديل…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما وصلت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إلى مدينة كيمنتس السكسونية الشرقية مطلع الشهر كان مصطفى، وهو طالب تركي يدرس في كلية الطب انتقل إلى المدينة قبل شهرين، يحاول معرفة ما إذا كان عبور الطريق آمناً. كان متوجّساً من عبور الشارع مع مجموعة من الرجال يرتدون ملابس سوداء على طول الرصيف وهم يصرخون “شكراً ميركل”. بينما كان قائدهم، العضو السابق في حركة الدم والشرف النازية الجديدة، يصيح بشعارات أخرى في مكبر الصوت الذي يحمله.

منذ اندلاع أعمال الشغب لليمين المتطرف أواخر آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من هذا العام، عقب مقتل رجل ألماني على يد اثنين من اللاجئين، احتضن وسط مدينة كيمنتس تظاهرات أسبوعية ضد المهاجرين والحكومة التي رأى المحتجّون أنها تسمح لهم بدخول ألمانيا. تضم مجموعة الأشخاص الذين يجتمعون لأجل التظاهر أفراد يبدون يمينيين أكثر من الحزب اليميني البديل من أجل ألمانيا (AfD) المعادي للمهاجرين.

قال بنجامين يان زشوكي، المتحدث باسم المحامي المحلي مارتن كولمان، والذي يتحدث أسبوعياً في هذه التجمعات التي تقام مساء كل جمعة “ركب السياسيون المنتمون لحزب البديل من أجل ألمانيا الذين انضموا إلى التظاهرات في أوائل أيلول سياراتهم الغالية ثم اختفوا بعدها”. يحضر كولمان مؤتمرات يلقي فيها أعضاء سابقون في قوات العاصفة SS ومنكري الهولوكوست كلمات حول الحياة في ألمانيا النازية. في خطابه ليلة الجمعة دعا إلى “مقاومة” مسلّحة ضد الحكومة الألمانية بسبب سياستها المؤيدة للهجرة.

بالنسبة إلى بعض السكان المحليين، تزيد مبالغات وسائل الإعلام الألمانية والدولية من حدة هذه الأحداث. لكن على رغم ذلك سجلت المنظمات غير الحكومية ارتفاعاً كبيراً في جرائم الكراهية والتطرف خلال الشهرين الماضيين في كيمنتس وولاية ساكسونيا وغيرهما من الأماكن في ألمانيا بالتزامن مع زيادة النشاط اليميني المتطرف. وهو ما يكفي لدفع الأشخاص الذين يبرزون عبر ملصق مضاد للفاشية معلق على حقائب أظهرهم أو بسبب مظهرهم الخارجي الذي لا يوحي مباشرة بأنهم “ألمان” – للقلق على سلامتهم الشخصية.

عندما كنت واقفاً يوم الأحد وسط الحشد خارج القاعة التي كانت تتحدث فيها مركل، أخبرتني ممرضة بضفائر شقراء تدعى مارلين تبلغ من العمر 50 سنة، أنها كانت شاركت في مسيرات متظاهري حزب “برو كيمنتس” اليميني المتطرف كل أسبوع منذ الصيف. في الليلة التي أعقبت مقتل دانييل هينينغ، الرجل الذي تسبب في اندلاع أعمال الشغب، كانت في الشارع مع المتظاهرين اليمينيين الآخرين. ولم ترَ النازيين الجدد يطاردون المهاجرين أو يؤدون تحية هتلر، كما أخبرتني، على رغم أن لقطات الفيديو وشهادات شهود العيان المتعلقة بالتحيات المحظورة، أدت في النهاية إلى ملاحقات قضائية، وهي مقتنعة بأن الحكومة كذبت بشأنهم. في كل حال، فمنذ ذلك الحين أصبح من المستحيل إغفال المجموعات الرئيسية من الهوليغانز (معتصبين مشاغبين) وحليقي الرؤوس في مسيرات جماعة برو كيمنتس.

من الواضح أن هذه المجموعات اليمينيّة تفتقر إلى الزخم الحقيقي. “نحن قليلون جداً” كما يقول أحدهم

ارتفع عدد الهجمات المرتبطة بالعنصرية وكراهية الأجانب في ألمانيا كثيراً عام 2016. لكن العدد تناقص في العام الماضي على رغم انتخاب “حزب البديل من أجل ألمانيا” المعادي للأجانب في البرلمان للمرة الأولى كحزب معارض رئيسي. لذا، بالنسبة إلى أندريه لوشر، مستشار ضحايا العنف اليميني المتطرف في كيمنتس، كانت مرعبة ملاحظة أنه منذ اندلاع أحداث الشغب في آب، تم الإبلاغ عن 47 جريمة كراهية عنصرية، وهو ضعف العدد الإجمالي لمجموع جرائم الكراهية المسجلة في المدينة الصغيرة العام الماضي. هوجم 4 مطاعم، ودخلت مجموعة من الرجال في 14 أيلول إلى حديقة، وألقوا قنينة زجاجية على رأس شخص إيراني يبلغ من العمر 26 سنة، بعد مطالبتهم برؤية بطاقة هويته وبطاقات هوية أصدقائه. وتبين في وقت لاحق أن بعض الرجال الذين كانوا في مجموعة المهاجمين يخططون عبر “الواتساب” لشراء أسلحة و”إسقاط الديكتاتورية الإعلامية وعبيدها” في الثالث من تشؤين الأول/ أكتوبر، يوم الاحتفال بالذكرى السنوية لإعادة توحيد ألمانيا. ولطخت عشرات من اللويحات البرونزية التي تحيي ذكرى المواطنين الذين ماتوا في الهولوكوست، بالقطران في الذكرى السنوية الثمانين لليلة الزجاج المكسور، مذبحة يهود ألمانيا التي حدثت عام 1938، في حين دعا محامي برو كيمنتس إلى التسلح ضد “نظام مركل”.

تكرر نمط العنف هذا في فورتزن (Wurzen)، وهي مدينة أخرى في ولاية ساكسونيا، أرهبها ظهور النازيين الجدد في فوضى ما بعد إعادة التوحيد في التسعينات. في الآونة الأخيرة، كانت هناك سلسلة من هجمات الحرق المُتعّمد والاعتداءات الجسدية في الشارع. في المساء، يشرب الشباب الذين يطلقون على أنفسهم “الميليشيات الشعبية” حدّ السُّكر، ويسيرون في المدينة وهم يهتفون “أخرجوا أيها الأجانب!”. يشكلون نوعاً من احتجاجات الشوارع، المرتبطة بجماعات مثل بيغيدا (PEGIDA) (اختصار لاسم “الأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب”). في ولاية ساكسونيا، لاحظ لوشر أنه عندما بدأت بيغيدا وغيرها من التظاهرات اليمينية المتطرفة تتضاءل، قبل بضع سنوات، انخفضت جرائم الكراهية والتطرُّف في المناطق التي توقفت فيها الاحتجاجات. الآن، يبدو أن التظاهرات وجرائم الكراهية والتطرُّف عادت من جديد. يقول لوشر: “عندما يتجول كثير من الناس في الشوارع ويلاحظون أنهم كثر، يحفزهم هذا الأمر ويثير فيهم الحماسة”.

ومع ذلك، هناك علامات على تراجع الكراهية. منذ بضعة أسابيع، قام مجلس مدينة كيمنتس بتركيب كاميرات جديدة لامعة في وسط المدينة لاستعادة الإحساس بالأمن. في برلين، خرج 242 ألف شخص إلى الشوارع الشهر الماضي للاحتجاج على اليمين المتطرّف. وحضر 75 ألف شخص في أيلول حفلة لموسيقى الروك ضد العنصرية في كيمنتس. الأسبوع المقبل ستكون المرة الأولى منذ آب التي لن تُنظم فيها جماعة برو كيمنتس (Pro Chemnitz) اليمينية المتطرفة مسيرتها ليلة الجمعة. وبعد أسبوعين فقط من إعلان عدوة اليمين المتطرف، أنغيلا مركل، أنها لن تسعى إلى إعادة انتخابها لمنصب المستشارة الألمانية – وهو سبب الاحتفال بين الحشود المناهضة للمهاجرين – كانت التظاهرات خلال زيارتها يوم الأحد محدودة نسبياً.

وعلى غرار حركات الشارع اليمينية المتطرّفة قبلهم، وكذلك مثل الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة، يبذل المتحدّثون في مسيرات برو كيمنتس قصارى جهدهم للتأكيد للناس أن الإعلام يكذب بشأن حجم حشودهم. (بجّح أحدهم في تجمع مسيرة ليلة الجمعة قائلاً “أرى ما لا يقل عن 5000 شخص”. وقدرت الشرطة العدد بحوالى 2500). ولكن وعلى رغم بثهم الخوف في نفوس أهدافهم، فمن الواضح أيضاً أن هذه المجموعات تفتقر إلى الزخم الحقيقي. “نحن قليلون جداً” كما يقول أحدهم. لقد نشط هذا الشخص في السياسة اليمينية المتطرفة منذ انفصاله العام الماضي عن صديقته التي ارتبط بها في علاقة طويلة. يقول: “ولكن مع تناقص عدد ساعات النهار وحلول الشتاء، يمكنني أيضاً التفكير في أشياء أخرى حتى أمضي ليلة الجمعة بدلاً من تجميد مؤخرتي هنا”. حتى مارلين، التي أمضت معظم المساء في قراءة أحدث نظريات المؤامرة التي توصل إليها اليمين المتطرف عن ميثاق الأمم المتحدة للهجرة، والمُقتنعة بأن “يوم الحساب قد اقترب”، توافقه فيما يقوله.

ولكن سواء بدأ عدد المتظاهرين في التناقص أم لا، فإن شيئاً ما قد تغير في كيمنتس، في اتجاه قد يثير انزعاجاً حقيقاً لدى الأجيال الأقدم: فالمدينة تشهد تطبيعاً متزايداً مع ماض اعتبر يوماً كارثة لا يمكن غفرانها. بدأ بعض المتظاهرين غير المنتمين إلى جماعات يمينية متطرفة، والذين انضموا إلى المنادين بـ “اخرجوا أيها الأجانب” بوصف أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم “نازيون”، رداً على ما يرون تنميطاً ظالماً تفرضه المؤسسة السياسية والثقافية. يقول فيليب، أحد المصورين الشباب في كيمنتس “بالنسبة إلى البعض، أصحاب الرؤوس الحليقة أصدقاؤهم وجيرانهم. إنهم يفكرون: حسناً إذا كان نازياً لعدم رغبته في وجود مهاجرين هنا، فأعتقد أنني أيضاً كذلك”.

يناسب هذا الأمر اليمين الراديكالي جداً: فقد بدأ بالفعل طبع شعار النازيين الجدد في ولاية ثورينغيا (Thuringia) على قمصان كُتِب عليها “NAZI Nicht an Zuwanderung interessiert”، أي “نازي: غير راغب في وجود المهاجرين”. ومع اقتراب عام 2018 من نهايته، تشهد ألمانياً إعادة إحياء بعض من أكثر فترات تاريخها إيلاماً.

تنويه: بالنظر إلى الوضع المتقلب في كيمنتس في الأشهر الأخيرة، عرّفنا الكثير من الأفراد في هذا المقال بالاسم الأول فقط.

هذا المقال مترجم عن New Republic ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
هل يتزعم المهاجرون الأعمال الإجرامية في ألمانيا؟

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.