fbpx

فستان رانيا يوسف بات معياراً أخلاقيا للسينما وللمجتمع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضية رانيا يوسف التي غذت “السوشيل ميديا” المصرية المتأهبة لأي تفاعل خارج نطاق الجمود السياسي لأيام متتالية أعادت إحياء أسئلة حرية الملبس وشرطة الأخلاق إلى الواجهة، وكذلك الوصاية التي تفرضها الدولة على الإبداع في ملف الثقافة والفن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد طي صفحة الفستان الذي أقام الدنيا وكاد أن يودي بها الى السجن قبل أن تعتذر، ظهرت الفنانة المصرية رانيا يوسف على جمهورها بإطلالة غير مألوفة، إذ نشرت صوراً وهي ترتدي قميصاً أبيض بأكمام طويلة وقبعة سوداء وتقف في وسط مياه حمام السباحة.

حملت الصور تفسيرات عدة، فقد نشرتها رانيا بعد طي صفحة قضيتها مباشرة، فجرى تفسير الصور بمثابة إعلان الممثلة انحيازها لل”الفضيلة” ومحاولة الانقلاب على صور الفستان بظهورها بمظهر محتشم يحاكي ملابس الرجال.

شأنها شأن كثيرات، حاولت يوسف لفت الأنظار بفستان ساخن في مهرجان سينمائي تتبارى فيه الفنانات لاستعراض أنوثتهن وأناقتهن على السجادة الحمراء، لكنها اصطدمت بحملة شعواء كادت تقودها إلى السجن بتهمة نشر الفجور، وتعرض أطفالها على إثرها لحملة تنمر شرسة في مدارسهم.

رانيا يوسف

قضية رانيا التي غذت “السوشيل ميديا” المصرية المتأهبة لأي تفاعل خارج نطاق الجمود السياسي لأيام متتالية أعادت إحياء أسئلة حرية الملبس وشرطة الأخلاق إلى الواجهة، وكذلك الوصاية التي تفرضها الدولة على الإبداع في ملف الثقافة والفن.

“رانيا لم ترتكب جريمة، هي فنانة جميلة شكلاً وموضوعاً وتمثيلاً، وما فعلته أنها ارتدت فستاناً جميلاً يتماشى مع طبيعة المهرجانات السينمائية في أي مكان يهتم بقوته الناعمة” يدافع المخرج السينمائي الشاب إسلام أمين عن موقف رانيا التي هزت مصر في الأيام الأخيرة.

على عكس رانيا التي لم تتوقع أن يجلب لها فستانها المتاعب ويجرها إلى ساحة المحاكم، فأمين يمتلك تفسيراً لتداعيات ما بعد ختام مهرجان القاهرة السينمائي يقول لـ”درج”: “توقعت أن يثير أزمة لأن المجال العام مغلق في مصر منذ سنوات، وفي مثل هذه الأوقات تتصاعد الخناقات والصراعات الشخصية، ففي حالة الفراغ، الهامش يطغى على المتن”.

أما الكاتب الصحافي هشام أصلان فوضع يديه على المفارقات المصرية في الأزمة: “البعض يصفق لما استطاعته رانيا من حركة واثقة وهادئة في هذه المساحة غير المعتادة من العري، والبعض الآخر يرى نفسه في استثمار أخريات لرصيد أجسادهن دعمًا لتسليع المرأة”، وهي أزمة أخلاقية أخرى تكشف عن تباين المتضامنين أنفسهم.

التيار المحافظ

يذهب المخرج إسلام أمين إلى أن الناس في مصر يحاولون فرض أيدلوجيتهم على جسم البني آدمين، مثلما لاحظنا في مشاغبات أحمد الفيشاوي بظهوره بقرطين ووشوم على جسمه وعلاقاته النسائية في المهرجانات الفنية، مشيراً إلى أن هناك تياراً يحاول فرض نسخته من الانضباط على الفنانين والناس العادين أيضاً، فكلما زاد الفراغ السياسي انتشر هذا التيار.

بين أولئك المحافظين يبرز اسم المحامي سمير صبري، أحد المحامين المؤثرين في هذا المجال، الذي وصفته “النيويورك تايمز” في تقرير لها مطلع العام الجاري بأنه “محامي الأخلاق الحميدة”، فهو لا يكل ولا يمل من ملاحقة تصريحات المشاهير وسلوكهم، ويفخر بأنه قدم نحو 2700 دعوى قضائية ضد فنانين وإعلاميين وسياسيين ومشاهير، معظمها بتمة التحريض على الفجور وهز الثوابت الاخلاقية، وآخر الضحايا رانيا يوسف.

وأمام كتائب حراس الفضيلة التي اتهمت رانيا بالفعل الفاضح ونشر الرذيلة، برز صوت مؤسسة حرية الفكر والتعبير التي اعتبرت بيان النقابة محرضاً ضد فنانيها، وقفت ضدّ حرية أحد أعضائها، وهيأت الرأي العام لهجوم أخلاقي أكثر ضراوة، كما دعت النقابة إلى التوقف عن المساءلة الأخلاقية التي تجريها بحق الأعضاء، كذلك الأحكام الأخلاقية على المبدعين.

وتقول سارة رمضان، الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي منظمة غير حقوقية تعمل في مصر، إن أزمة الفستان لا تعدو كونها جزءاً من محاولات الدولة لتصدير صورة مثالية عن المجتمع المحافظ من خلال السينما النظيفة والدراما الهادفة التي تطرح المشكلات والحلول، فهو يحاول رسم صورة ذهنية عن الأخلاق الحميدة.

سارة رمضان تملك قناعات رانيا الشخصية ذاتها عن حرية الملبس، لذا تبدو مستغربة من محاولات الترهيب التي  تحاصر أي سيدة فكرت في النزول إلى الشارع بفستان قصير. وتعتقد أن السلطة هي حجر الأساس في أزمة الحريات الشخصية، لكنها تستمد شرعيتها من مواقف الناس في هذه الحالات.

تضيف رمضان لـ”درج”: “النظام يتبنى فلسفة محافظة قائمة على الوصاية والتوجيه، على رغم محاولته إنكار أسلمة الدولة التي كانت عليها مصر في عهد الإخوان، إنما على العكس زاد القيود”.

وترجع المحامية الحقوقية غياب حائط الصد أمام كتيبة المحامين المدافعين عن الأخلاق إلى ضعف حالة المجتمع المدني في الوقت الحالي وحصاره من قبل السلطة وترهيبه طوال الوقت، لذا سيكون صوته ضعيفاً في الاشتباك مع الفئات المستهدفة.

ويعلق أمين الذي ينتمي إلى أحد الأحزاب الليرالية: “رفع أي قضية على رجل أو مرأة بسبب ما يعتقدونه من أفكار أو يرتدونه من ملابس، يشكل رسالة سيئة للمجتمع الدولي بأن مصر لا تحترم الحقوق الشخصية لمواطنيها وتجور على حقهم في الملبس وحرية التعبير بشكل عام”.

Dress Code

اللافت أيضاً في أزمة فستان القاهرة السينمائي هو موقف نقابة الفن التمثيلية الذي لا يتوافق مع تقاليد المجتمع وقيمه وطبائعه الأخلاقية، كما أنها ابتدعت نظاماً جديداً بوضع قواعد لملابس الفنانات “dress code” أثناء حضور المهرجانات السينمائية، ما يكشف عن الدور المستقبلي الذي ستلعبه النقابة في حياة الفنانين.

هذا التطور هو جزء من فلسفة النظام القائمة على الوصاية وتغليف السينما في قالب أخلاقي، فالسينما الحقيقية عند الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هي التي تدعو إلى الأخلاق وترسيخ الثوابت المجتمعية، فالجنرال تحدث سابقا عن تألمه من أفلام العشوائيات وما تحويه من ألفاظ خارجة، لذا لن يكون مرحباً بك إذ خرجت عن هذه الروشتة أو الكود الأخلاقي الجديد للسينما المصرية، خصوصاً أن شركات الإنتاج التابعة لأجهزة الدولة أصبحت المتحكم الأكبر في هذا السوق.

غادة عبدالرازق

وقبل شهر من الآن، أدلت الفنانة غادة عبدالرازق بتصريحات خطيرة حين كشفت عن تدخل جهات استخباراتية تدير شركة “إعلام المصريين” لمنعها من العمل في دراما رمضان 2019، إذ هددها المسؤلون بمنع مع فنانين آخرين بالجلوس في المنزل بدون عمل، وهو ما ربطته تقارير صحافية بأن الدولة ستحدد من سيظهر على الشاشة وطبيعة المحتوى الفني الذي يروق للسلطة، وإن تحددت ملامحه العريضة بشكل كبير في الأعوام الأخيرة بتجميل صورة الشرطة المصرية وأخلاقيات الأسرة المصرية.

وبحسب دراسة لمؤسسة حرية الفكر والتعبير أيضاً، بعنوان “رقباء الشاشة الصغيرة“، فإن السلطة حاولت تحجيم وتطويق دور الفن والثقافة وفرض الرؤية الأخلاقية الدينية على هذا القطاع من خلال المجلس الأعلى للإعلام ولجنة الدراما. وقد عبرت تحركات وتصريحات المجلس ولجنته عن رؤية السلطة للإبداع والثقافة.

وجاء في التقرير السنوي أن لجنة الدراما استخدمت السلطة الممنوحة لها من قبل المجلس الأعلى للإعلام في ما وصفته بتطوير الدراما المصرية من خلال الرقابة اللاحقة على الأعمال الإبداعية التي تعادي المجتمع وقيمه. وعلى طريقة مدينة أفلاطون الفاضلة التي عرفت بمعاداة التمثيل عموماً، والمسرح بشكل خاص، إذ كان يرى أفلاطون أن مهمة الثقافة هي إعداد السادة المهذبين… هكذا بدأت اللجنة عملها.

“الجميع في المهنة الآن أصبحوا خائفين على أكل عيشهم لذا لا نتوقع أي تضامن مع مواقف فردية للفنانين في أزمات مهنية كحالة غادة عبدالرازق أو شخصية كحالة رانيا يوسف، فالفنانون لم يتضامنوا لشعورهم بالرعب من حصار الدولة إنتاجياً في الفترة الأخيرة، والنقابة نفسها تقودها أجهزة الدولة لفرض الوصاية على هذه الشريحة” تقول رمضان في تحليل للمشهد الأخير.

أما إسلام فلا يبدو مندهشاً من تركيبة المشهد الحالي، فكلما انخفض سقف الحريات في البلاد، قل فيها الإبداع وتضاءل الإنتاج الفني وخضع السوق لعملية تأميم وإعادة توجيه مسار من قبل الدولة، لكنه لا يتوقع استمرار هذه الحالة في ظل وجود أدوات حديثة، مثل شبكة “نتفليكس” الأميركية التي تقدّم عروضاً حصرية في السينما والتلفزيون، وهو ما حدث مع انسحاب الصحافة الورقية أمام المواقع الإلكترونية وتأثرها بمواقع التواصل الاجتماعي.