fbpx

لا أشعر بأدنى تعاطف تجاه المستوطنين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا أتعاطف مع الأشخاص الذين يستغلون المآسي الإنسانية لتحقيق مكاسب خاصة بهم. ولا أتعاطف مع اللصوص. وليس لدي أي تعاطفٍ تجاه المستوطنين. لا أتعاطف مع المستوطنين حتى عندما يتجرعون من كأس المأساة، وهم الملامون وليس أنا..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا أتعاطف مع الأشخاص الذين يستغلون المآسي الإنسانية لتحقيق مكاسب خاصة بهم. ولا أتعاطف مع اللصوص. وليس لدي أي تعاطفٍ تجاه المستوطنين. لا أتعاطف مع المستوطنين حتى عندما يتجرعون من كأس المأساة. فقد أصيبت امرأةٌ حامل بجراح وتوفي طفلها الوليد متأثراً بجراحه، هل يمكن أن نتصور أسوأ من مثل هذه المأساة؟ أن تتصور نفسك في مكانهم، هو أمرٌ مخيفٌ، في وقتٍ تتعاظم فيه موجة المعارضة العنيفة لوجودهم – فلا أشعر إذاً بأي تعاطف مع مأساتهم، ولا أشعر بأي تعاطف أو تضامن معهم.

وهم الملامون وليس أنا، على حقيقة عدم قدرتي الإحساس بأكثر المشاعر إنسانية، التي من شأنها أن تدفع بي إلى التضامن معهم والتألم لآلامهم. لا يقتصر الأمر على كونهم مستوطنين فقط ينتهكون القانون الدولي والعدالة العالمية، وليس فقط بسبب ارتكاب بعضهم للعنف وكونهم جميعاً مستوطنين في أراضي الغير، بل أيضاً بسبب عملية الابتزاز التي يستخدمونها عقب كل مأساة، ما يجعلني لا أشعر بالحزن على ما يحدث لهم، لكن تحت ستار النفاق، والورع الزائف الذي يتظاهرون به، ومن خلال الصورة المزيفة التي تنشرها وسائل الإعلام، عن مشاعر الحزن الوطني لتحقيق أهدافها التجارية الخاصة، لا بد من قول الحقيقة، إن مأساتهم ليست مأساتنا.

مأساتهم لا تخصنا، لأنهم من جلبوا المأساة على أنفسهم وعلى البلد بأكمله، صحيحٌ أن اللوم الرئيسي يوجه إلى الحكومات التي رضخت لهم، إما بنوع من الحماسة، أو نتيجة الوهن الذي يدب في أوصالها، لكن لا يمكن مع ذلك إعفاء المستوطنين من اللوم أيضاً.

ليس المبتزين فقط – ولا أولئك الذين رضخوا لابتزازهم – هم المسؤولون عن تلك المأساة. إذ إنهم يعيشون هناك. أجيال بأكملها ولدت على أرض مسروقة، وأطفال نشأوا في ظل حياة تقوم على التمييز العنصري، ولقنوا اعتقاداً رسخ في أذهانهم أن ذلك هو العدالة التوراتية، وبدعمٍ من الحكومة. ربما لا يمكننا إلقاء اللوم على الذين يقيمون في أرضٍ اغتصبها آباؤهم، لكن مأساتهم ليست مأساتنا، لأنهم يستغلون كل مأساة لتحقيق أهدافهم بأكثر الطرق مقتاً.

عندما يموت طفل رضيع، يقيمون بيوتاً متنقلة، وعندما يُقتل الجنود الذين يدافعون عنهم – لا يلتمسون مجرد الصفح من عائلات هؤلاء الجنود، على رغم أنهم يتحملون اللوم والمسؤولية عن إزهاق تلك الأرواح مبكراً، كل ما يقدمونه هو مجرد مطالب من أجل تبرئة ساحتهم من تلك الجرائم، ومع هذه المطالب، تتعاظم شهيتهم في الانتقام، وسجن المزيد من جيرانهم، وتدمير منازلهم، فضلاً عن القتل، والاعتقال، وإغلاق الطرق، والشروع في المزيد من عمليات الانتقام.

وإذا لم يكن ذلك كافياً لإطفاء عطشهم إلى الانتقام، تشن ميليشياتهم الهمجية غارتها على الفلسطينيين وترشق سياراتهم بالحجارة وتضرم النيران في محاصيلهم الزراعية وتُلحق الأذى وتبث الذعر بقراهم، ولا يشفي غليلهم العقاب الجماعي، الذي يمارسه الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) بكل قسوة وأحياناً بشكل إجرامي. إن لهفة المستوطنين للانتقام لا يمكن إشباعها أبداً، هل يمكن التضامن مع معاناة أشخاص يتصرفون على هذا النحو؟

من المستحيل التعاطف مع فواجعهم، لأن إسرائيل قررت أن تغض الطرف عن كل ما يحصل هناك على أرض يهودا – منطقة جبلية تقع في جنوب فلسطين، ومن ثم عندما تصل بك الحال إلى عدم الاكتراث بإعدام شابٍ مختل عقلياً على يد الجنود، يمكنك أيضاً عدم الاكتراث بإطلاق النار على امرأةٍ حاملٍ .

عندما تتجاهل ما يحصل في مخيم طولكرم للاجئين، يمكنك أيضاً تجاهل ما يحدث عند نقطة تقاطع جفعات عساف، إنه نوعٌ من العمى الأخلاقي الذي يحجب رؤية أي شيء. لقد غاب مجلس مستعمرات يهودا والسامرة وغزة (يشع) YeSha Council، وهذا هو الثمن لعدم الاهتمام بما يحصل في المناطق الفلسطينية وتجاهل حقيقة الاحتلال، الذي تأسست المستوطنات تحت رعايته. توّجَه بسخاء ميزانيات هائلة من دون أي معارضة علنية –  لذا من الطبيعي الشعور باللامبالاة بمصير المستوطنين ومآسيهم. لا يهتم معظم الإسرائيليين الذين يعيشون في بلاد إنكار حق الغير، بقطعة أرض استولى عليها مستوطنٌ، وهذا هو الثمن الواجب دفعه.

لسنا مجبرين إطلاقاً على الاعتذار عن عدم اهتمامنا وتعاطفنا معهم، لقد جلب المستوطنون هذه المآسي كلها لأنفسهم. إن الذين لم يظهروا أدنى اهتمام  بمعاناة جيرانهم الفلسطينيين، على رغم أنهم المتسببون فيها، والذين يكررون طوال الوقت أن القبضة الحديدية يجب تشديدها دائماً، لكي يسببوا لهم المزيد من العذاب –  لا يستحقون التعاطف معهم، ولا حتى في ساعة حزنهم.

لا أشعر بأي فرحة في معاناتهم، لكن ليس لدي أي تعاطف مع آلامهم. إن الألم الحقيقي يتحمله ضحاياهم، أولئك الذين يبتلعون آلامهم ويئنون في صمت وقهر، والذين يأخذون مصيرهم في أيديهم ويحاولون مقاومة واقع عنيف بعنف وأحياناً بشكل قاتل. الفلسطينيون هم الضحايا الذين يستحقون الشفقة والتضامن.

 

*جدعون ليفي

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي