fbpx

تقرير سرّي يؤكّد أن إسرائيل تخرق القانون الدولي بانتظام في الخليل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد عشرين عاماً من إنشاء فرقة المراقبة التي كان الهدف منها المساعدة في بث الشعور بالأمن وضمان الرخاء للفلسطينيين في الخليل، يحذّر تقرير الفرقة الأخير من أن المدينة صارت أكثر انقساماً من أي وقت مضى، وأن السبب في ذلك هو ممارسات الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخرجت فرقة عمل دولية للمراقبة -أُنشئت قبل عقدين لمراقبة مدينة الخليل المُقسّمة الواقعة في الضفة الغربية- تقريراً داخلياً شديد الاستفاضة والإدانة عن ممارسات إسرائيل في المدينة، وفقاً لأشخاص مطّلعين على التقرير تحدثوا مع صحيفة Haaretz مع اشتراط عدم ذكر أسمائهم. وهي المرة الأولى التي تكشف فيها الصحافة عن تقرير لبعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل TIPH.

يشير التقرير السرّي الذي أعدته البعثة -التي طالما اعتبرها الفلسطينيون عديمة الفاعلية- إلى ارتكاب إسرائيل العديد من انتهاكات القانون الدولي، ويبدو مؤكِّداً على حقيقة كون الخليل مدينة مزّقها احتلالٌ مدني وعسكري في آنٍ واحد. وبعد عشرين عاماً من إنشاء فرقة المراقبة التي كان الهدف منها المساعدة في بث الشعور بالأمن وضمان الرخاء للفلسطينيين في الخليل، يحذّر التقرير من أن المدينة الآن صارت أكثر انقساماً من أي وقت مضى، وأن السبب في ذلك هو ممارسات الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين.

ووفقاً للتقرير، يبدو جلياً أن إسرائيل تنتهك الحق في عدم التمييز “بانتظام وبشدة”، بالإضافة إلى انتهاكها الالتزام بحماية السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال من التهجير. المستوطنة الإسرائيلية في الخليل هي في حد ذاتها انتهاك للقانون الدولي، و”المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون” يجعلون الحياة في المنطقة الخاضعة لإسرائيل صعبة على الفلسطينيين المقيمين فيها.

يُعدّ الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإسرائيليين من المدينة، والتي تفتقر إلى حرية التنقل والحق في العبادة، مثالاً واضحاً على خرق هذا الحق

تأسست بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل عام 1997، وكانت جزءاً من البروتوكول الخاص بمدينة الخليل في اتفاق أوسلو، الذي سمح لإسرائيل بإعادة نشر قواتها العسكرية جزئياً في أنحاء المدينة التي ظلت تحت سيطرتها. ولاحقاً تم توسيع هذه القوات كجزء من مذكرة واي ريفر، التي وقع عليها بنيامين نتنياهو -وكان وقتها في فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء- والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 1998.

أعرب بعض الأشخاص الذين تحدثت إليهم هآرتس من أجل هذا المقال عن قلقهم من أن تؤدي نتائج نشر هذا التقرير إلى أن ترفض إسرائيل تجديد تفويض بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل للعمل في المدينة، وهو ما يتوجب فعله كل ستة أشهر.

أثناء زيارة له إلى باريس في نوفمب/تشرين الثاني الماضي، قال نتنياهو إنه سيتخذ في ديسمبر/كانون الأول قراراً يخص “استمرار بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل”. وهو يواجه ضغوطاً متزايدة من جانب اليمين كي يلغي تفويض فرقة المراقبة.

كانت البعثة في الأشهر الأخيرة الماضية محل اهتمام سلبي، وذلك بعد وقوع حادثتين شملت واحدة منهما موظفي المجموعة، حيث تم تصوير واحد منهم -وفقاً للشرطة الإسرائيلية- وهو يخرق إطارات سيارة مستوطن يعيش في المدينة، وشملت الحادثة الأخرى ترحيل مراقب سويسري من إسرائيل بعدما زُعم أنه  صفع طفلاً من أطفال المستوطنين. عقب هاتين الحادثتين، استدعى نتنياهو رئيس البعثة لعقد اجتماع في يوليو/ تموز الماضي.

أُعد التقرير الذي يقترب من المائة صفحة ليكون علامة على مرور عشرين سنة على تأسيس البعثة. كانت هناك مرحلة أولية سابقة للوجود الدولي الحالي الذي تمثله بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، تأسست بعد أن قام باروخ غولدشتاين بقتل 29 مصلياً مسلماً في المسجد الإبراهيمي في الخليل في فبراير/ شباط 1994. وتضم الفرقة حالياً 64 بعثة دولية من خمس دول مساهمة تقوم أيضاً بتمويل البعثة؛ هي إيطاليا والنرويج والسويد وسويسرا وتركيا، بعد أن انسحبت الدنمارك.

لا ترفع البعثة تقاريرها إلا إلى بلدانها الأصلية وإلى السلطات الفلسطينية والإسرائيلية، ولا تنشرها علناً.سمعة البعثة محل خلاف، وهناك نكتة شائعة في الخليل تقول بأن الأحرف الإنجليزية الأولى لها تعني “عاجزان يجوبان الخليل”. إلا أن البعثة رغم قوتها المحدودة، لا تزال لها مكانة تفوق العديد من المنظمات الأجنبية الأخرى التي تعمل في المنطقة. عادة ما تصطدم مجموعات حقوق الإنسان والمجموعات غير الربحية التي تعمل في الخليل بالمسؤولين الإسرائيليين، باعتبارها مجموعات يسارية مناهضة لإسرائيل. لكن بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل مختلفة؛ إذ يلتقي أفرادها بانتظام مع ممثلي قوات الدفاع الإسرائيلية وضباط من الإدارة المدنية الإسرائيلية، ويتمتعون بحرية التجول في المدينة المعروفة بوجود قيود على حرية التنقل فيها، والأهم من ذلك، أن المجموعة تعمل في الخليل بإذنٍ من إسرائيل منذ أكثر من 20 سنة.

يفترض للبعثة أيضاً أن تساعد في ترويج وتنفيذ المشروعات التي تبادر بها الدول المانحة، وأن تشجع على التطور الاقتصادي والتنمية في الخليل.

“مستمرّة وبالغة القسوة”

في أواخر عام 2017، أنتجت بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل واحداً من أهم الأعمال التي قامت بها منذ أُنشئت؛ وهو تقرير ينظر في أعمالها التي دامت 20 عاماً، مسلطة الضوء على المشاكل والأنماط التي كشفها أعضاء البعثة.

يستند هذا التقرير -من بين أمور أخرى- إلى أكثر من 40 ألف “بلاغ عن حوادث”، جمعها أعضاء البعثة على مر السنين.

يخلص تقرير بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، إلى أن المدينة تسير في عكس الاتجاه المُتفق عليه بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في بروتوكول الخليل.

وُقع هذا البروتوكول عام 1997 وعلى إثره قُسّمت الخليل إلى قسمين: المنطقة H1، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية وتضم تقريباً 80% من المدينة وتأوي حوالي 175 ألف فلسطيني، والمنطقة H2، وتسيطر عليها إسرائيل ويتراوح عدد المستوطنين بها بين 500 و800 مستوطن، يعيشون جنباً إلى جنب مع 40 ألف فلسطيني.

وفقاً للتقرير، تنتهك إسرائيل الحق في عدم التعرض للتمييز، كما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صدقت عليه إسرائيل عام 1991. يُعد الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإسرائيليين من المدينة، والتي تفتقر إلى حرية التنقل والحق في العبادة، مثالاً واضحاً على خرق هذا الحق. بالإضافة إلى ذلك، تقول بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل إن إسرائيل تنتهك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة باستمرار، والتي تمنع ترحيل الأشخاص المشمولين بالحماية من الأراضي المُحتلة (الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرة الاحتلال من غير مواطني دولة الاحتلال).

تحدث دبلوماسي رأى التقرير إلى صحيفة Haaretz  قائلاً “يُنتهك هذا الحق الإنساني البسيط باستمرار وبقسوة بالغة للفلسطينيين في الخليل -وخاصة هؤلاء الذين يعيشون في المنطقة H2- فيما يتعلق بانعدام حرية التنقل والحق في عبادة”.

يرد في التقرير أنه لا يمكن العثور على “حياة طبيعية”، وخاصة في منطقة البلدة القديمة في الخليل، في المنطقة H2 الواقعة تحت سيطرة إسرائيل، مع الإشارة إلى تفويض البعثة الذي ينص على أن تساعد البعثة في “مراقبة الجهود المبذولة للحفاظ على وجود حياة طبيعية في مدينة الخليل، والإبلاغ عنها”. وفضلاً عن ذلك، يذكر التقرير أن سوق الخضار الفلسطيني القديم صار حالياً منطقة عسكرية إسرائيلية، يشغلها المستوطنون غالباً وتُستخدم كحديقة لعب للأطفال.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تهدم منزل مهاجم فلسطيني للمرة الثالثة: أحقاً هذا يردعهم؟

يدحض التقرير كذلك ادعاءات امتلاك المستوطنين أراضٍ في البلدة القديمة في الخليل، وهي ادعاءات يثيرها مستوطنون يقولون إنهم يمثلون عدة مالكين يهود سابقين فروا من المدينة أو قُتلوا خلال مذبحة الخليل عام 1929. وبحسب التقرير، لا يملك مستوطنو اليوم أي صلات أسرية تربطهم بالمالكين السابقين لتلك الأراضي، ولا تزال ملكية الأراضي التي كان يقطنها يهود أو يستخدمونها قبل عام 1929، مسألة لم يتم البت فيها بشكل واضح. لكن بغض النظر عن هذه الادعاءات، تقول بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل إن وجود أي مستوطنة إسرائيلية في الخليل يُعد انتهاكاً للقانون الدولي.

يشير التقرير أيضاً إلى رحيل الفلسطينيين -القادرين على ذلك- من المنطقة H2 إلى المنطقة H1 الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، حيث القيود المفروضة عليهم هناك أقل، ويذكر أن هؤلاء الذين لا يستطيعون مغادرة المنطقة H2 أو لا يرغبون في ذلك، يضطرون إلى التعامل مع “المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين” الذين تدعمهم الحكومة الإسرائيلية والمؤسسات اليهودية في الخارج.

يحذر التقرير كذلك من أن تقسيم المسؤوليات الأمنية في المنطقتين H1 وH2 يتناقض مع اتفاق الخليل ويعوق حركة الأشخاص والسلع والمركبات داخل المدينة. وتحولت الحواجز والعراقيل الموجودة بين المنطقتين إلى تحصيناتٍ عسكرية تتألف من العديد من الحواجز ونقاط التفتيش التي تديرها قوات الأمن الإسرائيلية، التي تسيطر بشكلٍ خاصٍ على قاطني المدينة الفلسطينيين.

يسلط التقرير الضوء على شارع الشهداء، وهو تقريباً الشارع الأشهر في الخليل. الشارع الذي كان في السابق سوقاً فلسطينياً مزدهراً، صار اليوم خالياً من الفلسطينيين ومحلاته مغلقة. يُذكر في التقرير أنه لا يزال ممنوعاً على الفلسطينيين القيادة في الشارع كله ولا السير على الأقدام في بعض الأماكن منه، وأن بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل شهدت، على مر السنوات العشرين الماضية، كيف انتشرت هذه القيود الصارمة المفروضة على حركة الفلسطينيين في شارع الشهداء، إلى أجزاء أخرى من المنطقة H2.

على الرغم من أن التقرير ينتقد إسرائيل بشدة، لكنه لا يُقدم أي مطالب أو يدعو إلى اتخاذ إجراءات سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني

في المقابل، يملك السائقون الإسرائيليون حق التنقل في كل شوارع المنطقة H2. ويقول التقرير إن المستوطنين مُنحوا بالتدريج حق البناء والتوسع في أنشطتهم الاستيطانية، بما في ذلك على الأراضي الفلسطينية. وجاء في التقرير أيضاً أن تشييد البنية التحتية للطرق والمياه والمعابر، وصيانتها، كان له الأولوية أيضاً لدى المستوطنين الإسرائيليين.

تقول بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل أيضاً إنها رأت أرضاً في حي تل الرميدة -ظل الفلسطينيون يستأجرونها لأكثر من جيل، تُغلق بأوامر عسكرية إسرائيلية وتُستخدم في عمليات تنقيب أثرية، تسعى إلى إثبات وجود اليهود هناك منذ القرن الأول قبل الميلاد.

يرد في تقرير البعثة أنه في الوقت نفسه، زادت القيود بشدة على حركة الفلسطينيين الذين يعيشون في تل الرميدة. وأغلق الحي على مر السنين، وأحيط بعدد من نقاط التفتيش، وكان لذلك عواقب وخيمة على قاطنيه الفلسطينيين. إذا لا يُسمح لهم باستقبال زوار غير مُسجلين في قائمةٍ يحتفظ بها حراس نقاط التفتيش. تشير البعثة إلى أن الفلسطينيين كثيراً ما يتعرضون للمضايقات في نقاط التفتيش تلك، وأن الطريقة الوحيدة لجلب الطعام وغيره من المؤن إلى منازلهم، هي سيراً على الأقدام. الدراسة والعمل والعلاقات الأسرية بالنسبة لهؤلاء السكان تشكل تحدياً كبيراً.

راقبت البعثة كذلك كيف أُنشئت الطرق والشوارع فوق الأراضي الزراعية الفلسطينية على مر السنين، من أجل بناء طريق خاص للمصلين اليهود من مستوطنة كريات أربع إلى وسط مدينة الخليل. وبالإضافة إلى ذلك، هُدمت المنازل الفلسطينية القديمة التي تعود إلى العصر العثماني والواقعة على طول هذا الطريق من أجل توسعته.

تشير بعثة المراقبة كذلك إلى أن الفلسطينيين يواجهون عقبات عدة في الدخول إلى حرم المسجد الإبراهيمي وهو موقع ديني هام لكلٍ من المسلمين واليهود على السواء (تقع فيه أيضاً مقبرة البطاركة). حالياً لا يوجد سوى مدخلين إلى المسجد بالنسبة للمسلمين، ويتوجب على المصلين أولاً اجتياز عدداً من نقاط التفتيش الإسرائيلية. يتعرض المصلون للتفتيش وفي بعض الأحيان يُطلب منهم رفع ملابسهم. كما لا يُسمح للمؤذن، برفع الأذان في مساءات الجمعة وأيام السبت بسبب (الشبات) اليهودي، وفق ما جاء في تقرير البعثة. تضيف المجموعة أنه بينما تم إحصاء 1600 مصلي فلسطيني تقريباً كانوا يحضرون إلى المسجد في أيام الجمعة عام 2003، انخفض هذا العدد إلى النصف بحلول عام 2017.

وعلى الرغم من أن التقرير ينتقد إسرائيل بشدة، لكنه لا يُقدم أي مطالب أو يدعو إلى اتخاذ إجراءات سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني. سُلم التقرير لوزراء خارجية الدول الخمس المساهمة، وعُرض على الدبلوماسيين الذين زاروا الخليل مؤخراً.

طلبت صحيفة Haaretz من البعثة أن تُدلي بتعليق على التقرير وأن تخبر بما إذا كانت هناك إجراءات ستُتخذ بناءاً على نتائجه. ورداً على ذلك، قال متحدث لهم إن التفويض الممنوح لهم ينص على أن تساعد البعثة في “مراقبة الجهود المبذولة للحفاظ على وجود حياة طبيعية في مدينة الخليل، والإبلاغ عنها، وفقاً لبروتوكول الخليل وللاتفاق المُبرم بين الطرفين. يطلع على التقارير التي تصدر بانتظام كلاً من السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية إلى جانب الدول الخمس المساهمة. وبناءاً على طلب الطرفين، فجميع المعلومات التي تتوصل إليها البعثة هي معلومات شديدة السرية. تجري البعثة حوارات منتظمة مع كلا الطرفين”.

طلبت Haaretz  أيضاً تعليق مكتب رئيس الوزراء على التقرير ونتائجه، لكن الطلب أُحيل إلى وزارة الخارجية، التي قالت بدروها “إن تقارير البعثة ليست للنشر. وهي تقدم إلى الطرفين بناءاً على اتفاقٍ بأنها لن تنتقل إلى أطراف أخرى، وليس إلى الإعلام بكل تأكيد. وعلى ذلك، لا ننوي التعليق على معلوماتٍ جزئية أو أي منشورات أخرى تخص هذه القضية”.

يوري بلاو

الموضوع مترجم عن موقع Haaretz ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
مقتل طفلة يكشف اقتصار حقوق الإنسان في إسرائيل على اليهود فحسب