fbpx

مانيفستو “العوانس” الجديدات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن “العوانس”، لنا أجسامٌ تلهو وتتعب. تُحِبّ أن تُحَبّ. لا يروق لها أن تُربط وتُقيَّد. تنتفض أمام السجن، والتقييد، والتملّك، ولكنّها تثور في وجه الرغبة عينها حين تخرج من فم الحبيب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“العوانس”. أولئك النسوة القاسيات، والمُستنفِرات، والرّاهبات، والمكبوتات، والفاسقات، والخشنات، والجميلات المُنتظِرات. إذا ما أردنا تخيّل إحداهنّ، على الأرجح ستستحضر الأذهان إحدى تلك الصفات، أو يُرسم فيها تلقائيّاً وجهٌ أربعينيّ، خمسينيّ، ستّينيّ، سبعينيّ… لامرأة قصيرة القامة ربّما، تعيش وحيدة في بيتٍ تتكاثر فيه القطط، تنهمك بعملٍ ما، بفنٍّ ما، بحثٍ أكاديمي ما، أو وظيفةٍ رتيبة. نحن “العوانس”، وإن كنّا على شفير هذا النحو، نحن أكثر من ذلك بكثير.

نحن امرأة قويّة، وهشّة، وصعبة، وهنيّة. نحن الطّبقات التي تهربون منها، والتعقيدات التي هربنا منها قبلكم. نحن أيضاً الجيل العالق في مرحلة انتقاليّة بطيئة بين استثنائيّة العلاقات الأحاديّة المُرهِقة والفوضى والأذى الناتجَين عن بدائلها. نبحث عن حلٍّ لحاجاتنا، ونيأس حين لا نُلَبَّى فلا نلبّي فلا نُلبَّى فلا نلبّي. نقع، ثم نقوم، ثمّ نقع، إلى ما لا نهاية.

نقع لأن لا جديد بعد الوقوع. أمّا شجاعة خوض العلاقات المعياريّة المُحتفى بها، فقد تجلب لنا الكثير من الأحداث المتسارعة التي تغدو مشقّات حين لا يستسيغها سلامنا، أو حين لا ترقى إلى حروبنا. نفضّل التعافي على الشجاعة، بقدر ما نميل إلى الحبوب أمام المقاصل.

ثمّ نندم. نندم على الفقدان، القساوة، الخسارة. نندم على ما هو غير محدّد بعد. على فرصةٍ فوّتناها. على نعمةٍ خذلناها. على ذنبٍ لم نتقصّد اقترافه. على تفضيلنا التعافي على الشجاعة. على سماحنا للآخر بأن يؤذينا. نأسف لعدم قدرتنا على التذمّر، لأنّنا ما إن نبدأ بالشهيق والعويل حداداً على وقوعنا ضحيّة متلاعِبٍ أو تائهٍ، نتذكّر المرّة السابقة واللاحقة التي نحن فيها جلّادنا مع غيرنا. وهكذا، لا ندري على أيّ صيغة من الرواية نتّفق ولا على أيّ مفصل نفترق.   

نحن العوانس “أجسامنا لنا”. تلك العبارة التي تسلّحنا بها كحقٍّ وحاجة وسنبقى، ما عادت دقيقة في سياقنا الرّاهن. فأجسامنا ليست دائماً لنا، لا لكوننا ضحايا نظمٍ وأفكارٍ وممارساتٍ خبيثةٍ وحسب، بل لأنّنا لا نحتمل أن تكون تلك الأجساد الثقيلة لنا وحدنا طيلة الوقت، بخاصّة الوقت الضائع بين شوطَيْن.

 

نحن “عوانس” هذا العصر، ذواتنا مُهذّبة، لا تُطالب الأحبّاء بالكثير، ولا ترضى بالقليل. لا تثقب آذان الأهل والمتزوّجين بدعوتهم إلى أن يكونوا مثلنا طليقات، ولو كنّا بعلاقة. فلمَ لا يعاملوننا بالمثل ويكفّون عن دعوتنا إلى الانضمام إليهم؟ نحن “عوانس” هذا العصر، لسنا مهووسات بالزواج، ولا مهووسات باللّازواج. ألا مكان لأمثالنا بينكم؟ نحن الكائنات الفضائيّة التي تزور أجسامُنا أرضَكم فترتعد. تراها غريبةً ولا تدينها. على العكس، تنسحب منها بهدوء لتعود أدراجها إلى كوكبها، من دون تعليق.

نحن “العوانس”، لنا أجسامٌ تلهو وتتعب. تُحِبّ أن تُحَبّ. لا يروق لها أن تُربط وتُقيَّد. تنتفض أمام السجن، والتقييد، والتملّك، ولكنّها تثور في وجه الرغبة عينها حين تخرج من فم الحبيب. نتعلّق بمبدأ الحريّة والمعاملة بالمثل، سوى أنّنا غالباً ما نُخفق في امتحان الممارسة، لنزداد غرقاً في الهوّة التي حفرناها ما بين المبدأ والممارسة أثناء بحثنا لسنوات طويلة عن بديلٍ مُرتجَى، أو عن مخرجٍ لنا، أو مخرجٍ منّا. ثمّ نقول لأنفسنا ما لا مفرَّ منه وما لا لزوم له. في مجمل أيّ علاقة، قد يكمن الحلّ في أبشع كلمة: المُساوَمة.  

نحن العوانس “أجسامُنا لنا”. تلك العبارة التي تسلّحنا بها كحقٍّ وحاجة وسنبقى، ما عادت دقيقة في سياقنا الرّاهن. فأجسامنا ليست دائماً لنا، لا لكوننا ضحايا نظمٍ وأفكارٍ وممارساتٍ خبيثةٍ وحسب، بل لأنّنا لا نحتمل أن تكون تلك الأجساد الثقيلة لنا وحدنا طيلة الوقت، بخاصّة الوقت الضائع بين شوطَيْن. تتسلّل أجسادنا منّا عمداً، كلاعبٍ تَعِبَ من دورات الذهاب والإياب، أو لصٍّ مُحترفٍ يبحث عن خفّةٍ هو مقتنع أنّها سُلِبَت منه. تهجرُنا أجسادنا لترتاح منّا؛ تجفّ الرّوح إذا طال غياب لباسها، أو تنكسر أجنحتها إذا صدف أن وقعت بين الأيدي الخطأ. ثمّ تقوم وتخيط أجنحتها، إلى أن يأتي اليوم الذي تستفيق فيه على أجنحةٍ أصبحت مجرّد خيطان منسوجة على بقايا أطراف وريش. وهذا بحدّ ذاته فخر لها: أنّها تعود وتقوم مهما تفاقمت النّدوب. صحيح أن لا جديد بعد الوقوع. فماذا بعد القيامة؟ 

أجسامنا تتبعثر، تطوف بأجزائها فوق رؤوسنا، تتساقط كالرذاذ أمام أعيننا في انتظار رؤية مَن يعيدُها إلينا، لأننا ببساطة لم نفلح بإعادتها بأنفسنا انكساراً تلو الانكسار. والعودة، لا تعني التوبة. والقيامة لا تعني الطوباويّة. العودة تعني الانطلاق من جديد. أمّا المأزق الخاصّ بهذه الانطلاقة، فهو اتّسامه بحرفيّة أعلى قد تأتي على حساب العاطفة والاستسلام لجمالٍ لا يكلّ من دحر عنادنا. مرّةً أخرى، نخاف أن نقول: لقد زار الجمال سماءنا ولم نلتقطه. فنتألّم، أو نأسف، أو نندم. والأسوأ من كلّ ذلك، أنّنا قد لا نكترث. وهنا نهاية العالم.    

كلّ عام والعوانس بخير، وكلّ عام والحبّ بألف خير، ما استطعنا إليه سبيلاً.

 

إقرأ أيضاً:

في قضيّتَي رولا وريتا… المطرقة ذكوريّة بامتياز

 اليوم العالمي للإجهاض الآمن: نُفخت فيه الروح… لم تُنفخ فيه الروح