fbpx

بأسمائنا نقاتل…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، كانت أسماء رفاقي في الصفّ الابتدائيّ هي التالية: حسّان وأكرم وعادل وبسّام ونوفل وندى ورابحة وهند.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، كانت أسماء رفاقي في الصفّ الابتدائيّ هي التالية: حسّان وأكرم وعادل وبسّام ونوفل وندى ورابحة وهند.
تلامذة تلك المدرسة كانوا كلّهم من الروم الأرثوذكس. آباؤهم لم يراودهم أيّ شكّ في أنّهم عرب. النسبة إلى فينيقيا أثارت سخريتهم. ومع أن أكثر أولئك الآباء كانوا يمقتون العروبة السياسيّة، ممثّلةً بالناصريّة، تباهى بعضهم بأصول عربيّة يرجح الخرافيّ فيها على الفعليّ.
الصفوف الأخرى لم يختلف تلاميذها كثيراً. ذاك أنّ الغلبة الكاسحة كانت لأسماء عربيّة معلمنة، أسماءٍ لا تنكمش مسيحيّاً إلى بطرس أو بولس، ولا تنفلش عربيّاً بما يقود إلى أحمد ومحمّد. الأمر لم يخلُ بالطبع من ميشال هنا وطنّوس هناك، لكنّه ظلّ استثناء على قاعدة تتعالى على الجهر بالهويّة الدينيّة أو الطائفيّة.
آباؤهم الذين سمّوهم على هذا النحو لم يكونوا هم أنفسهم هكذا. ففي جيل الآباء، لم تظهر غلبة كاسحة لأسماء بعينها. ما ساد عهد ذاك كان أقرب إلى تعادل بين قائمتين: واحدة تضمّ جرجي وحنّا ونقولا، وأخرى تشمل راغب وراشد ونجيب وهاني وخليل.
أغلب الظنّ أنّ مناخاً جديداً كان يلفحهم، مناخاً ولّده الاستقرار النسبيّ للدولة والوطنيّة اللبنانيّتين بعد الاستقلال، مصحوباً بحدّ من العروبة ثقافيّ، لا سياسيّ. ومع بدايات التبلور الذي أصاب “طريقة الحياة” ووسّع مساحات الاشتراك، جعل التوازن الذي عرفته الأسماء ينقلب. كتبُ القراءة والمحفوظات، حيث رياض يلعب الكرة وسمير يشتري من الدكّان، كانت زاخرة بأسماء تصلح للتقليد. كذلك رفد التحوّلَ هذا ما يفدنا من مصر: فالآباء، فضلاً عن تعلّقهم بكتابات اللبنانيّ جرجي زيدان في تاريخ العرب، اهتمّوا بالمنفلوطي والعقّاد، وبدرجة أقلّ بطه حسين “الصعب”. وكانت المجلاّت والأفلام والأغاني المصريّة تزوّدهم أسماءً لم تكن غريبة بالكامل، لكنّها لم تكن شائعة جدّاً: فباسل وإيهاب وشريف ونبيل وأكرم، وكذلك زكيّة وسنيّة وفاتن وشادية وبهيّة، صارت، في القاهرة نفسها، تنافس بكفاءة محمود وأحمد ومصطفى، كما تهدّد فاطمة وخديجة وعائشة.
ما مثّله تغيّر الأسماء في صفّي كان يعكس مزاجاً أعرض لا بدّ أنّه استوقف آباءنا. فقبل الاستقلال، توزّعت أسماء رؤساء الجمهوريّة على حبيب (السعد) وأيّوب (ثابت) في مقابل شارل (دبّاس) وإميل (إدّه) وألفرد (نقّاش) وبترو (طراد). أمّا ما بين الاستقلال والحرب الأهليّة، فظهر شارل (حلو) وحيداً في مواجهة بشارة (الخوري) وكميل (شمعون) وفؤاد (شهاب) وسليمان (فرنجيّة).
وما دمنا نستخدم السياسيّين للقياس، فإنّ ساسة المدن ذات الأغلبيّات السنّيّة في سوريّا ولبنان، كانوا بأكثريّتهم الساحقة يحملون أسماء عربيّة مُعلمَنة استهوت مبكراً عائلات الأعيان المدينيّين. هنا، لا مكان أصلاً لإغراء الأسماء الأجنبيّة الذي جذب بعض المسيحيّين. ولربّما وجدت هذه الوجهة تعزيزها في مناهضة “التتريك” بعدما أطلق انقلاب 1908 الدستوريّ رغبات في التغيير والتجدّد. فما هو دينيّ من الأسماء تتبدّى دينيّته مخفّفة جدّاً أو منفكّة عن أصولها في الدين. يصحّ ذلك في عبد الرحمن (الشهبندر) وهاشم (الأتاسي) وسعد الله (الجابري) و(المفتي) عبد الحميد (كرامي). وعموماً يبقى هذا الميل واضحاً في أسماء رضا ورياض وسامي (الصلح) وصائب (سلام) ورشيد (كرامي) وجميل (مردم) وابراهيم (هنانو) وإحسان (الجابري) وشكري (القوّتلي) وناظم (القدسي) ورشدي (الكيخيا) وصبري (العسلي) وأكرم (الحوراني). أمّا اسم خالد (العظم) فاستحوذت عليه العروبيّة السوريّة المسحورة بفاتحها خالد بن الوليد، وإن بقيت تخبّىء فيه إسلاماً كثيراً. هكذا أضحى اسم كاسم تاج الدين (الحسني)، الرئيس السوريّ لأوائل الأربعينات، غريباً وأقلّيّاً. وبالمثل تراجع استخدام الأسماء العربيّة المكيَّفة تركيّاً، أكانت من فئة مدحت وشوكت وعصمت أو من فئة فخري وصدقي وعزمي.
ولئن كان زعيم المسيحيّين السوريّين الأوّل فارس (الخوري)، فقد تشارك المسلمون والمسيحيّون، في سوريّا ولبنان، في الأسماء ذات المنبت الدينيّ، كابراهيم وأيّوب وسليمان وداوود وعبد الله وموسى وعيسى ويوسف والياس، فيما تعدّت الشراكة ذاك النطاق الدينيّ في أسماء النساء التي تصدّرتها أسمى وهدى وليلى وثريّا وميّ وسلمى ونجاة وعليا، وبالطبع مريم.
ويجوز الظنّ بأنّ المناطق الصافية طائفيّاً في الأرياف بقيت على درجة أعلى من نقاء الأسماء المذهبيّة، فعلي وحسن وحسين وجعفر وعبد الحسن وعبد الحسين، وكذلك فاطمة وزينب، بدت في الجنوب اللبنانيّ الشيعيّ، أشدّ تحصيناً ومتانة. وأمتن منها كانت أسماء أجود وشكيب وفندي التي تسمّى بها الدروز حصراً. بيد أنّ الاختراقات الجزئيّة كانت تحصل على جبهات متفاوتة عدّة: فالناصريّة نشرت على نطاق واسع نسبيّاً اسمي جمال وناصر تيمّناً بالزعيم الذي سيم بطلاً للعرب، كما وسّعت استخدام اسم خالد الذي يجعل أباه أبا خالد، وهي كنية عبد الناصر. كذلك طرحت الأحزاب العقائديّة، القوميّة والشيوعيّة، أسماءها التي تدور حول النضال والجهاد والكفاح والفداء والبسالة. وإذ بدأ العروبيّون، البعثيّون منهم والناصريّون، يستلهمون بضعة أسماء تعود إلى الجاهليّة والإسلام الأوّل، كعروة وأوس، أو رلى ولبنى، توغّل القوميّون السوريّون في تواريخ أبعد عادوا منها بسرجون وهنيبعل وأدونيس وتمّوز وأليسار.
في المقابل، وهذا ما كان أوسع تأثيراً، تأدّى عن التعليم والتمديُن نوع من تجديد وإغناء للأسماء العربيّة الأكثر تقليديّة. وفي بيئة المتعلّمين والمحامين وأساتذة المدارس بصورة أعمّ، ومدرّسي العربيّة منهم خصوصاً، توسّعت التسمية لتضمّ أسماء أقلّ إلفةً، وإن استعاد معظمها وجوهاً تراثيّة، كوضّاح وبشّار وحاتم وحازم ونزار. لقد كان استعراض المعرفة باللغة وبالتاريخ حاسماً هنا. ثمّ في موجات تالية، وعلى مراحل، شاعت أسماء رشا ولمى وشذى وروان ورزان للفتيات، وكيان وريّان وجاد ويامن ونيل للصبيان. وممّا كانت له دلالته أنّ واحداً من أبرز الاعتبارات التي حكمت اختيار الأسماء الأخيرة جمعُها بين عروبتها اللغويّة وسهولة لفظها بلغات أوروبيّة. وإلى ذلك، أطلق مسيحيّون على شيء من الليبراليّة أسماء موصوفة بالإسلاميّة على أبنائهم. هنا، احتلّ اسم عمر الصدارة تبعاً لإجماع على كونه “جميلاً”.
وتقصُّدُ الجمال في الاسم، أو تقصُّدُ إيصال معنى مرغوب أو امتلاك إيقاع معيّن، نقلةٌ وانعطاف عن التزام المعطى الخام، لكنّ في ذلك أيضاً جرعة من الفرديّة التي باتت تتدخّل في التسمية: فالمُسمّي غدا يفكّر ويقارن وينحاز ويوسّع بيكار خياراته دون أن يكتفي بالتعامل مع التسمية كمجرّد “واجب” أو “اضطرار” آليّ.
في هذه الغضون، ولدت، أواخر الستينات، زعامة الزعيم الفلسطينيّ ياسر عرفات الذي كنّى نفسه بـ “أبي عمّار”، مستعيداً، في صيغة عكسيّة، اسم الصحابيّ عمّار بن ياسر. وفي 1970 ظهر الرئيس المصريّ أنور السادات على العالم بوصفه “محمّد أنور السادات”. مثل هذين التعرّف إلى النفس والتعريف بها كانا جديدين. لكنّهما، إلى ذلك، شكّلا مقدّمة لمعرفةٍ كما كانا تتمّةً لواقع: أمّا المعرفة، التي لم تكن متحصّلة للكافّة من قبل، فأنّ كلّ مسلم اسمه محمّد. وأمّا الواقع، فأنّ نُذر الحرب الأهليّة تتجمّع في سماء المنطقة.
والحال أنّ هذه الحرب التي اندلعت في لبنان ثمّ لحقتها ثورة إيران، ومن بعدهما انفجرت الأسلمة التي تعدّدت مصادرها، مدّت يدها إلى الأسماء فأعملت فيها الفرز والتنقيح. في لبنان، غدا التواصل بين المناطق والجماعات أصعب ممّا كان، فيما راح يتفرّع كلّ ما هو مركزيّ وجامع، من العاصمة إلى الأسواق إلى الجامعة الوطنيّة. في سوريّا، تعاظم بناء المعازل الفاصلة بين السكّان، وحلّ مزيد من التديين والأسلمة بما يواكب قتل الإخوان المسلمين ويغطّيه.
وهاجر، بين أواسط السبعينات وأواسط الثمانينات، الكثيرون من رفاق صفّي القديم، لكنّهم أضافوا إلى هجرة أجسادهم هجرةً عبر الأسماء التي أطلقوها على أبنائهم وبناتهم. ففي هؤلاء راح يغلب جون ومايكل وكارول الأسماءَ الأخرى، وإن تخلّلها اسم الأب العربيّ بعد تغريبه. فإذا كان رشيد، صار حفيده المخلِّد لذكراه ريتشي، وإذا كان حنّا أو جرجس فإنّ جون وجورج هما الوريثان الواقفان، ولو كانا طفلين، بالمرصاد. القليلون من أبناء رفاق الصفّ الذين تزوّجوا وأنجبوا تطرّفوا أكثر، فسمّوا أنجي ولوليتّا وبوليتّا، واتّسعت بيوتهم للتركيب فازدهرت فيها أسماء جان بيار وجان فرانسوا، فضلاً عن أنتوني وجو. أنا سمّيت ابنتي ندى. هي سمّت ولديها ريمي ولِيْلا.
وهذا ما عنى في البيئة المسيحيّة الأعرض تحوّلاً بارزاً. فتقليديّاً، كانت العائلات الأغنى والمالكة للأرض والوجاهة تجنح إلى الأسماء العربيّة، وتفاخر بأنسابها المزعومة، فيما تسمّى بالأسماء المسيحيّة التقليديّة أولئك الأفقر والأوثق اتّصالاً بالكنيسة، لا سيّما بين الموارنة الحاضنين لتقليد فلاّحيّ مناوىء للإسلام ومناهض للعثمانيّة ولملاّكي الأراضي المسيحيّين. وفي موازاة المصالحة هذه جرت مصالحة أخرى بين الموارنة والروم الأرثوذكس، فالتقى الجميع، طبقاتٍ ومذاهب، عند قوائم مشتركة من الأسماء معظمها غربيّ المصدر وبعضها مسيحيّ ومحلّيّ بحت.
وفي ظلّ الحكم المديد للبعث السوريّ، وتمدّده إلى لبنان، وخصوصاً إلى طرابلس الأشدّ معاناة لوطأته، جعلت تتكاثر بين السنّة السوريّين والطرابلسيّين أسماء موغلة في التاريخ الإسلاميّ لا تقف عند حذيفة وصُهيب. كذلك يبدو، بحسب ملاحظة لأحد الأصدقاء السوريّين، أنّ العلويّين بدأوا قبل سنوات، في بحثهم عن تمايزٍ ما، يُكثرون من تسبيق الاسم بأل التعريف التي تُكتب دون أن تُلفظ. هكذا تزايدت أسماء المثنّى والليث والكميت والمهلّب والمرتضى. وليس ثمّة ما يوحي، سيّما في ظلّ حزب الله، أنّ أسماء عليّ وأبنائه وأنساله في تراجع بين الشيعة. الراجح أنّ العكس صحيح.
في حالة المسيحيّين، بدا أنّ الإسلام يعاود الاستحواذ على العربيّة التي اشتغل مثقّفوهم منذ منتصف القرن التاسع عشر على تحريرها من استحواذه. العربيّة “لغة القرآن” إذاً. الباقي تفاصيل والباقون ضيوف ثقلاء. لقد استنتجوا أنّ لا مكان لهم فيها، فإمّا الانكفاء والاحتماء بشربل وجرجس، أو الهجرة إلى إيلي بيار واستكمال التطابق مع “رَبْعه”.
في حالة المسلمين، على تعدّد مذاهبهم، بدا الأمر مختلفاً. فإذا صحّ أنّ الإسلام الأوّل طوّع القبيلة وصالحها بشروطه، فقد آن أوان استحواذ القبيلة عليه من جديد. لقد أعيد اكتشاف عمر وعثمان وعليّ، لا بوصفهم خلفاء راشدين ومسلمين أوائل، بل كقادة ألوية ومحاور في حرب مذهبيّة طاحنة.
كلّ أشكال المكبوت تعود بقوّة وثقة. بعضها يمسك بالسيف وبعضها بجواز السفر، لكنّها جميعاً تهمس في آذاننا ما تهمسه الساحرات الشرّيرات، أو ما يقوله شبح الوالد لهاملت: “بأسمائكم قاتلوا. بأسمائكم انقتلوا”. ونحن، الذين نجود “بالروح، بالدم”، هل نبخل بالاسم؟
[video_player link=””][/video_player]

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.