fbpx

ملكة: قصة لاجئة سورية تواجه القهر والظلم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

احترق منزل ملكة، الذي كان عبارة عن غرفة من الحديد والتنك في إحدى العشوائيات الملاصقة لضاحية بيروت. احترق وجهها ويدها، واستطاعت بعد فترة بفضل بعض المساعدات أن تشفى. إلا أن هذه النار لم تكن الحريق الأول في حياتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احترق منزل ملكة، الذي كان عبارة عن غرفة من الحديد والتنك في إحدى العشوائيات الملاصقة لضاحية بيروت. احترق وجهها ويدها، واستطاعت بعد فترة بفضل بعض المساعدات أن تشفى. إلا أن هذه النار لم تكن الحريق الأول في حياتها.

عندما سألتُها عن سبب مجيئها لبيروت، قالت، “أغلب اللاجئين هربوا من الحرب، أنا هربت من حربين… الأولى عسكرية، والثانية أسميها حرب القلوب، عندما يحترق قلبك من شدة قسوة الناس عليك”. أضافت: “حرب القلوب، أي عندما تتحول المدن إلى غابة.. بدءاً من البيت الذي أعيش فيه، وصولاً إلى أبعد شارع، أنا هربت من الضرب والاهانات”.

بدا تعليق ملكة صادماً فلم أستطع أن أتبين ما إذا كان هدوئها نابع من الثقة والقوة أم الاستسلام..

التقيتُ ملكة في سياق اجراء تحقيقات صحفية عن لاجئات ناجيات من العنف، وقادتني اليها منظمات حقوقية تساعد نساء معنفات وكانت ملكة من بينهن..

زرتُها في خيمتها في البقاع كانت تجلس على الكرسي أمامي ممسكة بطفلتها التي لم تتجاوز السنة ونصف السنة، وشرعت تخبرني حكايتها وتشرح لي حياتها في مخيمات اللجوء في لبنان ..

ملكة ليست حالة فريدة، فما عاشته وتشعره يبدو حالاً مشتركة مع لاجئات كثيرات، فقد حولت الضغوط النفسية والاقتصادية والإرث الاجتماعي التقليدي حياة العائلات اللاجئة وتحديداً النساء الى مأساة مضاعفة. حالات العنف في ازدياد من دون توافر معلومات دقيقة عنها لكن يمكن بسهولة لمس الاضطراب الكبير في حياة ملكة ومثيلاتها من اللاجئات.

العلاقات بين الأزواج والزوجات والصداقات والروابط الاجتماعية تعرضت لشرخ كبير في ظل النزوح واللجوء والضغوط.

يذكر التقرير السنوي للشبكة السورية لحقوق الانسان، أن معظم النساء اللواتي يتعرضن للعنف والقتل والخطف هن مدنيات ونسبة صغيرة منهن منخرطة في العمل العسكري، عدا عن اللواتي تطوعن أو عملن بشكل قسري مع الجماعات المسلحة. ووثق التقرير قتل 27،226 امرأة (طفلات وبالغات) منذ عام 2001 ولغاية تشرين الثاني/نوفمبر 2018. كما أشار إلى أن هناك 9،906 امرأة ما زلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.

ملكة وحرب القلوب

إنها “حرب قلوب” كما تقول ملكة التي قررت أن تتحدث عن العنف الذي تعرضت له، فقد نزحت ملكة من الحسكة إلى دير الزور إلى الشام. رحلة طويلة من الهروب من المعارضة و”داعش” والنظام، حتى تعيش كما تتمنى، “نحنا نريد خبزنا وعيشنا، فقط”، قالت ملكة واصفة رحلتها، وتنهي جملتها دامعةً، “ليت أهلي خرجوا من سوريا، توفي أبي ولم أستطع توديعه، أبي شيخ عرب، كان صمام الأمان الوحيد لي، الآن لا أملك شيئاً”.

تتكلم ملكة، بتأثر شديد، بنفس متقطع، بلحظات صامتة، يتخللها الشرود من ثم كلمة “الحمدالله”، “الحرب غيرت الناس، الناس يعني أهلي وأقاربي وجيراني، الفقر وسوء المعيشة انقضا على الأخلاق والكلمة الطيبة، الضرب والاهانات اللفظية استبدلت كل الاخلاق وأصبحت لغة رسمية بيننا”.

خلال الحرب السورية، وبعد سنتين من انتقال زوج ملكة إلى لبنان للعمل في العتالة، بسبب الأزمة الاقتصادية في سوريا، وضيق المعيشة، قررت ملكة الالتحاق بزوجها مصطحبة أولادها الأربعة الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ10 أعوام. هاجرت ملكة سوريا هاربة من العنف والإهانات التي تعرضت لها من قبل عائلة زوجها، لتأتي إلى لبنان، حالمة بأن تبدأ حياة جديدة مع زوجها الذي تحبه وتحترمه، على حد قولها.

وجدت نفسي منجذباً طوال الوقت لتأمل ملكة أكثر من استماعي لكلامها. فقد بدت ملامحها أكثر قدرة على عكس قصتها من كلماتها، بياض العينين الشاحب،تشققات الشفتين والكلف الذي يغلف الوجنتين، وهيأة التعب والوهن ما جعلها تبدو أكبر من عمرها رغم أنها في الثلاثينات…

كنت أراقب هذه التفاصيل، فيما كانت تستقبلني بابتسامة، “أنت صحافي؟ أريد أن تصبح قصتي مسلسلاً، لكي يرى العالم الظلم في هذه الحياة”.

لم تكن بيروت بحجم توقعات ملكة وآمالها، لكن المرأة عبرت عن سعادتها بوجودها مع عائلتها أي زوجها وأولادها بعيداً عن التعنيف الذي عانته على يد أهل زوجها كما تقول، “كأن الحرب العسكرية وحرب القلوب لم تكن كافية لتدمر حياتي وحياة عائلتي، ليأتي يوم ويحترق فيه منزلي بسبب الغاز، وتنهش النار جسمي، لا أستطيع أن أنسى المشهد حين كان زوجي يقفز حاملاً أطفالي فوق النار لينقذهم، الصراخ ما زال يطنّ في أذني، الكل يتفرج لا أحد يساعد… ضاقت بي الحياة وكنت حاملاً بطفلتي”.

لم يشكل الحريق خسائر مادية واقتصادية فقط، لا بل نفسية طاولت زوج ملكة، التي تقول: “تحول زوجي إلى رجل مكتئب وأصبحنا نعاني من أمراض وفقر وأنا لا أستطيع تحمل صوت القصف وإلى الآن أرتعب كلما سمعت صوتاً غريباً، زوجي شارد طوال الوقت يبحث عن عمل، مرت علينا أيام لا نأكل فيها سوى الخبز، وأيام أخرى لا نأكل فيها شيئاً وأولادي ذهبوا ليبيعوا النحاس وهم بالكاد يتكلمون…”.

ضيق الحال الذي حاصر ملكة وزوجها تطور ليصبح شجاراً بين الاثنين، “أجبرني زوجي على الرجوع إلى سوريا بسبب سوء المعيشة، وأنا رفضت، تشاجرنا وهجرته، لم أكن مقتنعة بالعودة إلى تلك الحرب، لن أعود إلى الكره، لن أعود إلى الظلم… هنا مع أطفالي وزوجي، أولادي في المدرسة بمساعدة الجمعيات والأمم المتحدة، أجالس زوجي يومياً، هناك لا يجالسني أحد سوى وحدتي”.

الخلاف على العودة إلى سوريا تفاقم بين ملكة وزوجها، والمشكلات لم تتوقف، “ابني الأوسط يريد الانتحار، ابني الثاني لا يلعب، يركض نحو الأشياء الحادة ويجرح فيها جلده الطري أو فمه ولسانه… أولادي وزوجي وأنا كلنا ضحية ظلم الحياة، أنا لا أكره زوجي، أعرف أن ما حصل بيننا هو نتيجة ضغط الحياة وضغط أهله عليه… الإهانات أقسى من العنف الجسدي، لن أعود إلى سوريا، أنا لست الوحيدة في هذا المأزق، أختي تتعرض للضرب يومياً في سوريا، لا أريد أن أعود… أريد أن أكون إنساناً، أن أعيش، أن أشعر بأنه لدي قيمة في هذه الحياة… حتى عندما خطر ببالي السفر في البحر، لم أملك المال الكافي لخوض هذه المغامرة التي قد تنتهي بغرقي في قعر البحر مع أطفالي”.

تنهي ملكة حديثها معي، “اليوم أنا بمساعدة الجمعيات أستعيد عافيتي، وهناك من يتابع حالة أطفالي، قصتي طويلة وحزينة ومؤلمة، لكنني أردت مشاركتها ..”.

إقرأ أيضاً:

المخدّرات في لبنان(2): السياسة أقوى من العلاج ومن القضاء

 

المخدّرات في لبنان (1): بضاعة الفقراء ومقبرة شبابهم

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.