fbpx

“مباحثات أضاعت الحل”: حصيلة 4 سنوات من وساطة ديمستورا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أدّى دي مستورا عمله ضمن سياق دولي وداخلي معقّد كان قد أيأس قبله مبعوثَين كبيرَين، فما الذي كان يأمله المبعوث الثالث طيلة تلك السنوات من المفاوضات الماراثونية الصعبة وغير المنتجة؟ وهل ترك الملف السوري وقد بات أقرب إلى الحلّ من حيث تسلّمه؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عليكم أن تقرّروا إن كنتم تريدون السلام أم العدالة”، عبارة كرّرها ستيفان دي مستورا في مناسبات عدة لمعارضين سوريين، كما قال أحد الخبراء الذي عملوا معه لسنوات. تلك هي “الرؤية الواقعية” التي استند إليها المبعوث الخاص في مقاربته الصراع في سوريا منذ تعيينه منتصف عام 2014، خلال 4 سنوات ونصف السنة لوساطته. حوصر سكّان وقصفوا وهُجّروا من عشرات المدن والبلدات التي استعادها النظام من فصائل المعارضة من حلب إلى الغوطة ودرعا وغيرها، حتى انحسرت المعارضة في إدلب وأجزاء من ريف حلب شمال البلاد. وانتقل الملف السوري من جنيف إلى استانا ثم سوتشي، كما انخفض سقف المناقشات السياسية من الحديث عن الحكم الانتقالي، إلى السلال الأربع لدي مستورا واتفاقيات خفض التصعيد وصولاً إلى اختزال الأمر بلجنة دستورية لا تكاد تلتئم.

بالطبع لا يتحمّل دي مستورا كشخص وزر كل تلك التحوّلات، فهو في النهاية مبعوث يمثل توجهات المؤسّسة الأممية التي عيّنته ومن خلفها شبكة العلاقات بين الدول الكبرى التي تتحكّم في إيقاع عمل المؤسسة. أدّى دي مستورا عمله ضمن سياق دولي وداخلي معقّد كان قد أيأس قبله مبعوثين كبيرين، فما الذي كان يأمله المبعوث الثالث طيلة تلك السنوات من المفاوضات الماراثونية الصعبة وغير المنتجة؟ وهل ترك الملف السوري وقد بات أقرب إلى الحل من حيث تسلّمه؟

ملامح مقاربة دي مستورا

تعامل دي مستورا مع الصراع السوري بوصفه حرباً أهلية كما يقول السياسي والحقوقي أيمن أبو هاشم. ووضع هدف السلام قبل مطلب العدالة وهو ما باح به أخيراً في مستهل حديثه في منتدى الدوحة قبل أيام. حاول تجسير الفجوة بين المعارضة والنظام من خلال إشراك أطراف جديدة في المناقشات فأنشأ غرفة المجتمع المدني وغرفة الخبراء والمجلس الاستشاري النسائي، لكنه انتهى إلى ما وصفه معارضون بأنه “تمييع للعملية السياسية”. لكن لعل أخطر ما فعله دي مستورا، أو ربما اضطر إلى فعله، كان مجاراة الرؤية الروسية للحل بتبني ملف اللجنة الدستورية عوضاً عن الانتقال السياسي في مخالفة لقرار مجلس الأمن 2254، معوّلاً على أن الروس سوف يفرضون حلاً على النظام في مرحلة ما. يقول الخبير السوري الذي عمل مع دي مستورا إن الرجل كان مقتنعاً بأنه لا وجود للخطّة باء في سوريا، فإما الاستمرار في المفاوضات سعياً إلى أي حل ممكن أو الحرب المفتوحة.

كان بإمكانه أن يعلّق عمله ويفضح حقيقة المعوقات أمام الرأي العام العالمي بكل وضوح كوسيلة للضغط على معسكر النظام

يضيف أيمن أبو هاشم أن البنود الإنسانية الواردة في قرار مجلس الأمن المذكور كوقف الهجمات على المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين لم تلق اهتماماً كبيراً من المبعوث الأممي طيلة فترة عمله بل “حتى عمليات التهجير القسري للسكان كان دي مستورا يتعامل معها كوقائع صماء ينبغي التكيف معها من دون التطرّق إلى المسؤولية القانونية والأخلاقية المترتبة عليها”. وفي مقابلة تلفزيونية له، دافع دي مستورا بالقول “هل كان باستطاعة الأمم المتحدة أن ترفض مساعدة من يتعرّضون للحصار والقصف؟ ذلك لا يعني أن الأمم المتحدة توافق على التبديل الديموغرافي.. الأمر مختلف تماماً”.

أخيراً اعتمد دي مستورا لغة “مفرطة في الديبلوماسية” في إحاطاته الدورية وتصريحاته الإعلامية، محاولاً تصدير خطاب يرضي أطراف الصراع وداعميهم، لكنه اتهم بالمساهمة في طمس حقيقة الفظائع التي كانت ترتكب وتضليل الرأي العام العالمي بحسب كثر من المعارضين. لكن هل كان يملك المبعوث الخاص القدرة على التكلّم بغير تلك اللغة وهو الذي دفع بكل قواه لاستمرار مباحثات هشة كل لحظة فيها قد تكون لحظة انهيار؟

وهم وجود عمليّة سياسيّة فرصة للحسم العسكري

يروي الخبير السوري أنه في نهاية إحدى الجلسات ضم دي مستورا راحتيه إلى بعضهما بعضاً قائلا: “فقط صلّوا معي ليتّفق الروس والأميركيون على حل في سوريا”. كان يعلم أن لا حل دون توافق روسي- أميركي ويعلم أيضاً أنه لا يستطيع فعل الكثير لخلقه. لكن على رغم ذلك استمر في بث الوهم القائل بوجود عملية سياسية وبث الآمال في كل جولة مفاوضات بإمكان إنجاز تقدّم هنا أو اختراق هناك، وبينما كانت عدسات الإعلام تلاحقه من مكان إلى آخر، كان النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون يطبّقون حلّهم الخاص بارتكاب مزيد من الانتهاكات وقضم مزيد من الأراضي كما حدث في مناطق خفض التصعيد. هل كان لدي مستورا أن يفعل شيئاً في مواجهة ذلك؟ يقول الخبير السوري نعم “كان بإمكانه أن يعلّق عمله ويفضح حقيقة المعوقات أمام الرأي العام العالمي بكل وضوح كوسيلة للضغط على معسكر النظام لإيقاف حله العسكري، هل كان لذلك أن يقود الأحداث في مسار مختلف؟ لا نعلم ذلك، لكننا نعلم أنه كان سيبرّئ المبعوث الخاص من تهمة التغطية على تلك الجرائم وصرف الأنظار عنها بدعوى وجود عملية سياسية، قصد ذلك أم لم يقصد”.

أيام قليلة ويغادر دي مستورا منصبه وخلالها يستعر سباق مع الزمن لاستكمال تشكيل اللجنة الدستورية وفق الرؤية الروسية وتحت الضغط والتهديد الأميركي، سوف يتجاوز ضامنو استانا وسوتشي عقبة تشكيل اللجنة إلى عقبات أخرى كمهمّات اللجنة إن كانت تعديل الدستور الحالي كما يرى النظام، أو كتابة دستور جديد كما تطلب المعارضة، ثم إن سار كل شيء على ما يرام، فربما خلال أشهر أو سنوات سوف ينتج دستور جديد لن يحترمه النظام الذي بدأ منذ الأن بترهيب بعض المرشحين لعضوية اللجنة الدستورية داخل سوريا، وهو ما لمّح إليه دي مستورا في آخر إحاطة قدّمها أمام مجلس الأمن.

السؤال، هل بات السوريون أقرب إلى الحل بعد كل جهود دي مستورا؟ يحتمل إجابتين، فإن كان المقصود بالحل هو إخماد الصراع بسحق أحد أطرافه فالإجابة، أجل إلى أمد ما. أما إن كان المقصود بالحل هو إطلاق عملية الانتقال الديموقراطي التي تستحقها البلاد بعد عقود من الاستبداد وسنوات من التضحيات، فالإجابة الأرجح هي لا والسوريون باتوا اليوم أبعد بكثير من حلمهم بالحرية مما كانوا عليه في منتصف عام 2014.

إقرأ أيضاً:
“حلوان السجان”قصّة نجاة معتقل سوري
مخيم الركبان: سوريون عالقون بين قاعدة أميركية ومصالح روسية – إيرانية