fbpx

الحياة تحت الحصار: كيف يصارع الناس من أجل البقاء على قيد الحياة في الغوطة الشرقية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

في ظل محدودية القدرة على الوصول للغذاء والدواء والوقود، طور مئات الآلاف الأشخاص المحاصرين في ضواحي الغوطة الشرقية السورية مجموعة من الاستراتيجيات لتجاوز الحصار المحكم الذي يفرضه النظام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ظل محدودية القدرة على الوصول للغذاء والدواء والوقود، طور مئات الآلاف الأشخاص المحاصرين في ضواحي الغوطة الشرقية السورية مجموعة من الاستراتيجيات لتجاوز الحصار المحكم الذي يفرضه النظام.
اعتادت مزرعة أبو كمال الكائنة في ضواحي الغوطة الشرقية بريف دمشق، أن تحتوي على صفوف من البندورة والبطاطس والخيار. لكن المزارع البالغ من العمر خمسين عاماً يعتني الآن فقط بصفوف الأكياس المتدلية من سقفه، حيث يزرع الفطر.
يسأل الرجل “هل كنت تعرف أن مذاق الفطر يشبه مذاق اللحوم؟”
أصبح من الصعوبة البالغة الحصول على اللحوم منذ أن فرضت القوات الحكومية حصارها على الغوطة الشرقية في عام 2013، مما خلّف حوالي 393,000 من السكان، بمن فيهم 99,000 من النازحين داخلياً، بإمكانية محدودة أو منعدمة للوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والخدمات الأساسية.
صعّدت سوريا وروسيا من غاراتها الجوية وقصفت المنطقة خلال الشهر الأخير  ليزيد من حدة تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية بالفعل، ولا سيما في ضاحية حرستا حيث تقاتل القوات المؤيدة للحكومة الجماعات المسلحة هناك.
وقد قُتل أكثر من 129 مدنياً، من بينهم 30 طفلاً، جراء القصف والغارات الجوية في الغوطة الشرقية منذ 29 ديسمبر/كانون الأول، وذلك وفقاً لما صرح به المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له. في 24 ديسمبر/كانون الأول، دمرت غارة جوية أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية في حرستا، ومنذ ذلك الحين قُتل ثلاثة مسعفين على الأقل في المدينة، وفقاً لما أوضحه اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية.
على الرغم من زيادة رداءة ظروف المعيشة واطراد الفقر، فإن أبو كمال ومجموعة من السكان المقيمين في الجيب الأخير من جيوب المعارضة المسلحة القريبة من العاصمة السورية، طوروا عدداً من الاستراتيجيات للتكيف من الحياة خلال أكثر من أربع سنوات من الحصار.
يقول محمد، وهو أحد السكان العاطلين عن العمل والبالغ عمره 20 عاماً “المحال فارغة، والشوارع مدمرة، ونادراً ما يتوقف القصف. يبدو أحياناً كأنه أحد أفلام هوليوود، وخاصة عندما أعلم بما يأتي به الناس من أجل البقاء على قيد الحياة”.
يعتبر الفطر أرخص بكثير، فضلاً عن أنه لا يحتاج إلى مساحة كبيرة أو استثمار مالي لاستزراعه. قال أبو كمال إنه يزرع منتجه في أكياس تتدلى من سقفه؛ وهي عملية جرى تبنيها في الغوطة الشرقية لمساعدة السكان على تلبية احتياجاتهم الغذائية.
يعاني معقل المعارضة أيضاً من معدلات عالية من المجاعة وسوء التغذية. وقالت منظمة اليونيسف في 19 نوفمبر/تشرين الثاني إن 11.9 في المائة من الأطفال ممن هم دون الخامسة من العمر، يعانون من سوء تغذية حاد. وتضيف المنظمة إن هذا “أعلى معدل سُجل في سوريا على الإطلاق” منذ بدء الصراع.
وينتج ارتفاع معدلات سوء التغذية عن سنوات من نقص الغذاء وارتفاع أسعار الغذاء المتاح. يشير برنامج الأغذية العالمي إلى أن السعر المعهود لسلة الطعام في نوفمبر/ تشرين الثاني في الغوطة الشرقية بلغ 268,744 ليرة سورية (521 دولاراً)، أي أكثر من ثمانية أضعاف من متوسط السعر المحلي. وبعد أكثر من أربع سنوات من الحصار، توصل عديد من السكان إلى استراتيجيات للاستفادة من الغذاء القليل المتاح.
يقول أبو محمد، البائع المتجول البالغ من العمر 60 عاماً، إن عائلته تجفف معظم الخضروات التي تشتريها تجفيفاً شمسياً كي تضمن وجود بعض المواد الغذائية لاستهلاكها عند قدوم الشتاء. ويقول إنهم يقطعون الخضروات إلى شرائح ويضعونها تحت الشمس لساعات، وأحياناً لأيام، قبل تعبئتها داخل أكياس أو أواني -أو عجنها- كي يستطيعوا تخزينها. وهو يقول لموقع Syria Deeply، “إليكم ما يحدث: إذا كنت قادراً على ابتياع كيلوغرام من البندورة، فإننا (أنا وعائلتي) سنطبخ نصفها على الفور، ولكننا سنخزّن النصف الآخر لنجففها ونحفظها من أجل الشتاء”. ويضيف “الموقف صعب، لكننا نتوصل إلى حلول مؤقتة على الأقل”.
يجد السكان أيضاً بدائل للغذاء الذي صار مكلفاً للغاية للسكان المفقرين. إذ يضرب الخبز مثالاً رئيسياً لهذا. وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، ارتفع ثمن هذه الوجبة الأساسية اليومية في الغوطة الشرقية خلال منتصف نوفمبر/تشرين الثاني ليصل إلى 85 ضعف ثمنه في دمشق، التي تبعد 15 كيلومتراً فقط. قالت منظمة “أسس”، التي تراقب أسعار الغذاء في الضواحي، إن ربطة الخبز البلدي بيعت بحوالي 1550 ليرة سورية (ثلاثة دولارات) في ديسمبر/كانون الأول.
ويقول أبو ياسر، وهو خباز محلي، إن سعر الكيلوغرام من الدقيق الخام، وهي الكمية التي يمكنها إنتاج ما يقرب من ثلاث ربطات من الخبز، من الممكن أن يصل إلى 12 دولاراً في الضواحي المحاصرة. ونتيجة لهذا، يضطر لأن يضيف بعضاً من العلف (وهو عبارة عن قش مجفف أو تبن) من أجل تقليل التكاليف.
ويوضح قائلاً “يمكن لأي نسخة معدلة (من الدقيق) تحتوي على كميات كبيرة من العلف أن تكلف حوالي ثلاثة دولارات”. ويضيف “يميل الناس لشراء (الخيار) الأرخص بكل تأكيد”. يجد السكان أيضاً بدائل للأرز الذي وصل سعر الكيلوغرام منه، حسبما تشير منظمة الأغذية العالمية، إلى حوالي 3915 ليرة سورية (7.60 دولارات) في نوفمبر/تشرين الثاني. على الرغم من سعره انخفض عن الشهر الذي سبقه، لا يزال السعر أكثر 176 في المائة عن سعره منذ ستة أشهر. تقول “أسس” إن سعر الأرز انخفض ليصل إلى 2600 ليرة سورية (5 دولارات) في شهر ديسمبر/كانون الأول.
يقول محمد إنه يبيع البلاستيك الذي يجمعه من الشارع كي يبتاع الذرة كبديل.  ويضيف “لقد استبدلنا الذرة بالأرز. تكلّف القطعة الواحدة من الذرة دولاراً واحداً أو أقل، لذا فإنني أشتري ست أو سبع قطع لعائلتي، وهو يكون أحياناً أكثر من كافٍ. أحاول أيضاً أن أبتاع بعض العلف كي تستطيع أمي أن تصنع خبزها”.
وحتى مع هذه البدائل، لا يزال أغلب سكان الغوطة الشرقية يمتلكون قدرة محدودة على الحصول على وقود الطبخ. لذا فإن أغلب العائلات تعتمد على البلاستيك المذاب، الذي يكلف اللتر الواحد منه 3500 ليرة سورية (6.8 دولارات)؛ أي عشرة أضعاف السعر المحلي للمازوت، وفقاً لما أوضحته منظمة الأغذية العالمية.
ونتيجة لمحدودية الوصول إلى الوقود، سعى السكان أيضاً للحصول على مصادر تدفئة بديلة خلال فصل الشتاء. قالت نجلاء، البالغة من العمر 34 عاماً، إن بعض الأشخاص يجمعون الخشب من القمامة، إذ تكون غالباً في هيئة أبواب مكسورة، أو أرائك، أو أسرّة. وتوضح “اعتدنا الاعتماد على السخانات وأساليب التدفئة التقليدية. واليوم، كل ما يمكننا الاعتماد عليه هو الخشب الذي نجمعه. يشبه الأمر كما لو أننا في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر”.
تقول نجلاء إن جمع الأخشاب أصبح لعبة للأطفال، “أو نوعاً من المنافسة”. وتضيف “إنني متأكدة من أن المنافسة ستصبح حقيقية جداً في القريب العاجل، نظراً لأن مخزون الخشب سينفد”، كما تشرح أن حرق الخشب أصبح مصدراً أساسياً للتدفئة لمعظم السكان.
على الرغم من تجاوز الحصار أربع سنوات، لا يزال الأمل يحدو يوسف، الناشط الإعلامي البالغ من العمر 26 عاماً والذي يعيش في الغوطة الشرقية، بأن الموقف سيتحسن في يوم ما. يقول يوسف “إنني أعتقد أننا فعلنا كل شيء كان يُفترض بنا أن نفعله. والآن نحتاج إلى انتظار اليوم الذي سوف يُكسر فيه هذا الحصار. إنني واثق من أن الأيام الأفضل سـتأتي من أجلنا”.
نُشر هذا الموضوع على موقع News Deeply. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
[video_player link=””][/video_player]