fbpx

الصراع على الزعامة السنّيّة في لبنان (3)

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بفارق صوت واحد فاز سليمان فرنجيّة برئاسة الجمهوريّة. لكنّ ضآلة الفارق لا تحجب ضخامة التغيير. ذاك أنّ الذين همّشتهم الدولة الشهابيّة بتجاوزها على الديمقراطيّة، انتصروا عليها انتصاراً يوحي بالتجاوز على الدولة. ففرنجيّة، ومعه “أُمَّا العروس”، صائب سلام وكامل الأسعد، ليسوا معروفين بالودّ حيال أدنى تدخّل للدولة في المجتمع

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بفارق صوت واحد فاز سليمان فرنجيّة برئاسة الجمهوريّة. لكنّ ضآلة الفارق لا تحجب ضخامة التغيير. ذاك أنّ الذين همّشتهم الدولة الشهابيّة بتجاوزها على الديمقراطيّة، انتصروا عليها انتصاراً يوحي بالتجاوز على الدولة. ففرنجيّة، ومعه “أُمَّا العروس”، صائب سلام وكامل الأسعد، ليسوا معروفين بالودّ حيال أدنى تدخّل للدولة في المجتمع. إنّهم حصراً مع الحرّيّة، لكنّهم حصراً ضدّ المساواة. هذه آفة تشبه آفة سابقيهم الشهابيّين الذين قالوا إنّهم مع المساواة وكانوا ضدّ الحرّيّة.

على السطح، بدا العام ذاك، عام 1970، سنة مساعِدةً على إقلاع سهل: “المكتب الثاني” وسلطته مُنيا بهزيمة لن ينهضا بعدها. “اتّفاقيّة القاهرة”، كما قيل، أعطت ما لله لله وما لقيصر لقيصر: بعد اليوم سوف تستقرّ العلاقة بين “الدولة والثورة”، وفق تعبير شاع يومذاك، استقراراً صَخريّاً لُحمتُه الأخوّة والعدل في تقسيم العمل بين إخوان مُتحابّين. أمّا عربيّاً، فوقع رحيل جمال عبد الناصر على آذان معظم القادة المسلمين وقوع الموسيقى: العامّة لن يجدوا مَن يُثيرهم على السادة، والبلد لن يجد من يزجّه في نزاعات تفوق طاقته، نزاعاتٍ تهدّد اقتصاده وعلاقاته الدوليّة وقوامه السياسيّ، وتهدّد خصوصاً نسيجه الأهليّ وإمكان توسيع المساحات المشتركة بين طوائفه.

معروف سعد في صيدا، وهو ليس من التقليديّين أصلاً، تفرّد بين سياسيّي سنّة المدن في حزنه على سيّد مصر. رشيد كرامي ربّما أحسّ بأنّ وفاة “الهرم” تفتح الباب مجدّداً لسنّيّة لبنانيّة ملوّنة بعروبيّة مستقلّة. صائب سلام أحسّ بأنّ كابوساً زال.

لقد أطلق صائب ضجيجاً يشبهه ويشبه ميله إلى العظمة، والعَظَمةُ كثيراً ما تنطق بصوت صاخب. فكيف وقد أراد صاحب الصوت أن يقول لصديقه رئيس الجمهوريّة: أنا شريكك في النصر، إذاً أنا شريكك في السلطة؟

حدثٌ قريب آخر أُثار بعض الارتياح. ففي العام نفسه استولى وزير الدفاع السوريّ حافظ الأسد على السلطة في بلده. أمورٌ عدّة بدت مُطَمْئنةً للعهد الجديد: فالذين أُبعدوا هم متطرّفو البعث، بل مجانينه الذين أوقفوا تدفّق النفط السعوديّ عبر سوريّا إلى لبنان، كما أرسلوا مقاتلي “الصاعقة” إلى العرقوب، ومدّوا الفلاّحين في سهل عكّار بالسلاح. أمّا الأسد فواحدٌ من أولئك الضبّاط العاديّين الذين عرفتهم سوريّا منذ 1949، ينقلبون ثمّ يُنقلَب عليهم، وقد ينشغلون في توطيد سلطتهم “عنّا”. وحتّى لو افترضنا له النجاح، بدت الحصيلة مشجّعة لبنانيّاً: هذا الضابط تكشّف، إبّان الحرب الأهليّة في الأردن، عن عقل أرجح من عقول رفاقه الذين أطاحهم، وعن تفهّم للعلاقات العربيّة والدوليّة لا يُجيدونه. أمّا في داخل سوريّا، فهو يميل إلى مصالحة البورجوازيّة الدمشقيّة التي تربط عائلاتها بـ “العائلات الحاكمة” في لبنان أواصر وصداقات. صائب سلام تحديداً هو صهر إحدى العائلات تلك. وأخيراً، فالأسد تجمعه معرفة وثيقة بالرئيس الجديد سليمان فرنجية، معرفةٌ ترجع إلى لجوء الأخير، أواخر الخمسينات، إلى اللاذقيّة.

“حكومة الشباب”

كما كان متوقّعاً، كلّف فرنجيّة صائب سلام بتشكيل حكومته الأولى، فتشكّلت بوصفها “حكومة الشباب” التي ضمّت أخصائيّين ومهنيّين، مُكلّلين بصاحب جريدة “النهار” ورئيس تحريرها غسّان تويني الذي سيكون صوت الوضع الجديد ومُروِّجه.

والحال أنّ طيّ صفحة الشهابيّة خلّف فراغاً إيديولوجيّاً وإنجازيّاً كان لا بدّ من ملئه. سلام ملأ ما استطاعه بخطوات خطاها على جبهة الحرّيّات، بعضُها سمين وبعضها غثّ واستعراضيّ. فقد فُكّك “المكتب الثاني” جهازيّاً ورمزيّاً، إذ داهم غرفة التنصّت في وزارة الهاتف التي كان يستخدمها الضبّاط فعطّلها. وعلى مدى سنوات ثلاث راحت تنهال العقوبات على أولئك الضبّاط، إبعاداً إلى ملاك وزارة الخارجيّة، وتعييناً لهم ملحقين عسكريّين في الخارج، وتسريحاً من الجيش، على ما حلّ بآخر رؤساء “المكتب الثاني”، غابي لحّود، الذي اعتُقل وأودع ثكنة مرجعيون ستين يوماً. ضبّاطٌ منهم لجأوا إلى سوريّا حاملين معهم وثائق سرّيّة وإضبارات أفادت منها “قوّات الردع العربيّة” حين دخلت إلى لبنان بعد سنوات قليلة. أحد هؤلاء، سامي الخطيب، سُمّي، في 1976، قائداً لتلك القوّات.

لكنْ عهدذاك، في بداية السبعينات، ظهر لبنان في مشهد غير مألوف ينتمي إلى المَشاهد التي تعيشها بلدان تُواجه أنظمة عسكريّة. فيلم “زِد” لكوستا غافراس، الذي خرج إلى الصالات قبل عام على انتخاب فرنجيّة، عُرض في بيروت كما لو أنّه يروي قصّة لبنانيّة.

مواكب صائب سلام باتت حديثاً يوميّاً لسكّان العاصمة. بعضهم رأى فيها “استرداداً للكرامة” البيروتيّة والسنّيّة، وبعضهم رأى فيها “إقلاقاً للراحة” وسلوكاً منتفخاً بعد كبت طويل. لقد أطلق صائب ضجيجاً يشبهه ويشبه ميله إلى العظمة، والعَظَمةُ كثيراً ما تنطق بصوت صاخب. فكيف وقد أراد صاحب الصوت أن يقول لصديقه رئيس الجمهوريّة: أنا شريكك في النصر، إذاً أنا شريكك في السلطة؟

صورة للرئيس سليمان فرنجية والمفتي حسن خالد عام 1974

على أيّ حال، كان الرصيد الإجماليّ للتركيبة هذه مضيئاً في حساب الحرّيّة، لكنّه جاء مُعتِماً في حساب المساواة. ذاك أنّ انتخابات 1972 مثّلتْ فعلاً أكثر الانتخابات نزاهة في تاريخ لبنان الحديث. بيد أنّ “الثورة من فوق” التي رفعتْها “حكومة الشباب” شعاراً لها، فاقمت الأسباب التي تحضّ الكثيرين على “ثورة من تحت”. فالحكومة المذكورة بدأت تُصدّعُها استقالات كانت استقالة وزير الصحّة إميل البيطار أبرزها وأشدّها دويّاً، هو الذي شاء التصدّي لاحتكار تجّار الدواء. غسّان تويني وهنري إدّه والياس سابا استقالوا أيضاً لأسباب مشابهة إلى هذا الحدّ أو ذاك.

مشكلاتٌ كتلك كان يستحيل حلّها جِيليّاً أو استعراضيّاً أو على أيدي الأخصّائيّين والمدراء. فحين استقالت الحكومة ثمّ أجريت الانتخابات، جيء بحكومة سلاميّة ثانية يمكن وصفها بالردّة: وجوهٌ ككاظم الخليل وجوزيف السكاف وسليمان العلي ومجيد أرسلان عادوا يتصدّرون المشهد، ومعهم محاولات لإلغاء إنجازات شهابيّة كـ “مجلس الخدمة المدنيّة”.

لقد تبيّن أنّ السياسة في معناها ذاك لم تعد قادرة على مواكبة التحوّلات الاجتماعيّة، وما تستدرجه من مسائل مطلبيّة أو تطرحه من تنظيمٍ على رأسماليّة ذهبت بعيداً في نموّها العشوائيّ. خلال تلك الفترة، 1970-73، تلاحقت الانفجارات الصغرى التي تأدّى عن معظمها سقوط قتلى وجرحى برصاص السلطة: عمّال معمل غندور. مزارعو التبغ في الجنوب. فلاّحو سهل عكّار… والأهمّ، وهو ما سيغدو انفجاراً كبيراً، كان صعود المسألة الشيعيّة التي رُمز إليها بـ “الحرمان”. صائب سلام بدأ يحرّك مسألة سنّيّة عُرفت بـ “المشاركة” في صنع القرار، دعمه فيها سائر السياسيّين السنّة.

ما كان يسرّع التدهور أنّ صورة المزرعة غدت أقوى صور الدولة وأكثرها شيوعاً. زغرتاويّون محسوبون على رئيس الجمهوريّة انتشروا في الإدارات والمؤسّسات، العامّة والخاصّة، كما لو أنّهم ضريبة على كلّ عائد أو ريع. وإلى نيابة توني فرنجيّة الذي حلّ في مقعد أبيه في زغرتا، انتُخب صهر الرئيس، عبد الله الراسي، نائباً عن عكّار. وقبل هذا وبعده، كانت عقليّة سليمان فرنجيّة، التي تكره أدنى تغيير، سبباً لمراوحة عقيمة في المكان نفسه.

هذا كلّه كان قابلاً للعلاج بأكلاف معقولة تُحمَل السلطة والرأسماليّة اللبنانيّة، ببعض الضغط، على دفعها. ما لم يكن قابلاً هو التوفيق بين سيادة الدولة وسيادة المقاومة الفلسطينيّة وتشعّباتها. هزيمة الأخيرة في الأردن، إبّان 1970-71، قذفت بأعداد من المقاتلين الذين وصلوا عبر سوريّا. اتفاقيّة القاهرة، التي سبق أن زُيّنتْ حلاًّ، تبدّى أنّها المشكلة.

… إلى السلاح

بالنسبة إلى الزعماء السنّة، لاح أنّ “المسألة القوميّة” التي كثيراً ما كانت مادّةً لمقايضة الرئيس المارونيّ وانتزاع “الكرامة” منه، معرّضةٌ لأن تتحوّل سبباً لإلحاقٍ لا “كرامة” بعده. ذاك أنّ المقاومة الفلسطينيّة أقرب من عبد الناصر، بل أقرب من سوريّا. إنّها تقيم في داخل الداخل، وتستقطب، بين مَن تستقطب، شبّاناً لبنانيّين كان آباؤهم من أنصار أولئك الزعماء ومؤيّديهم. وهي تُترجم نفسها في سلاح يوزَّع وفي تنظيمات شبابيّة تتناسل، معظمها ناصريّ الواجهة فلسطينيّ الصناعة. ليبيا والعراق، يستثمران أيضاً في المقاومة بلبنان، عبر التوسّع في إنفاق المال والسلاح وتفريخ المزيد من التنظيمات. القبضاي التقليديّ، الذي كان واحداً من أعمدة الزعامة في المدن السنّيّة، أخلى الساحة مُهاناً لـ “المناضل”، “الأخ” أو “الرفيق”، الموصوف بأنّه سيحرّر فلسطين. كمال جنبلاط، حليف منظّمة التحرير، صار صاحب رأي مؤثّر في الزعامة البيروتيّة وفي تقرير مَن هم الأجدر بتمثيل السنّة. هذا ما عُدّ تجرّؤاً، مَحميّاً بالسلاح، على واحدة من قواعد الاشتغال السياسيّ للطائفيّة.

على أنّ نتائج انتخابات 1972، وبسبب نزاهتها، أنذرت ببلوغ الاستقطاب اللبنانيّ حدّاً قد يستعصي على الضبط. فهي مثّلت سائر التناقضات التي يأبى رموزها تحكيم المؤسّسات بينهم، طامحين إلى تحويل البرلمان نفسه حلبة أخرى لصراعهم المُرّ. صحيحٌ أنّ نسبة المهنيّين وذوي التعليم الحديث زادت بين النوّاب، إلاّ أنّ الأهمّ كان انتصار معظم أرباب العصبيّات الريفيّة ممّن جرّوا وراءهم كتلاً كبرى من النوّاب في عدادها مهنيّون ومتعلّمون طيّعون. أمّا بالنسبة إلى سُنّة المدن تحديداً، فأشهرت النتائجُ تلك يقظة على الطوائف غير مسبوقة في علنيّتها: في طرابلس، خرق عبد المجيد الرافعي لائحة كرامي، فتردّد أنّ أصوات المسيحيّين، الذين وجهّهم فرنجيّة بالتصويت للرافعي، كانت وراء فوزه. هكذا رُسم انتصار الطبيب البعثيّ اختراقاً مسيحيّاً وزغرتاويّاً لـ “قلعة السنّة”. في بيروت، فاز عثمان الدنا من لائحة اليافي، فيما فاز سلام ومعه زكي مزبودي وشفيق الوزّان من لائحته. لكنّ الحدث الصارخ كان انتصار الناصريّ المنفرد نجاح واكيم عن مقعد الروم الأرثوذكس. الناطقون بلسان الطائفة الأخيرة رأوا في هذه النتيجة حرماناً لهم من تمثيلٍ يمثّلهم: واكيم، كما قيل، سنّيّ مُقنّع أكثر منه أرثوذكسيّاً: فهو، أوّلاً، ناصريّ، وهذه ليست صنعة الأرثوذكس، ثمّ أنّ الطائفة صوّتت لنسيم مجدلاني أو لمنافسه روجيه عاصي، لكنّها حكماً لم تصوّت له.

وحدها صيدا عبّرت عن ضجر مشروع من 12 سنة قضاها معروف سعد في البرلمان، فأعادت نزيه البزري إليه.

في بيروت وطرابلس انتشر سمّ طائفيّ استوقف بعض النابهين الذين تساءلوا، مشكّكين بالرواية الساذجة عن الطائفيّة: لماذا تقوى هذه “اللعنة” مع كلّ تزايد في نزاهة الانتخابات وفي دقّة النقل لواقع الحال؟

رشيد بدا سعيداً بما يفعل. صائب بدا كئيباً. الأوّل كان يطيح نظاماً انقلب عليه. الثاني كان يطيح نظامه الذي أراد تحسين موقعه فيه

لكنّ النار التي انتظرها الحطب اللبنانيّ ما لبثت أن وصلت. فكما في الهجوم على المطار في 1968، وُجّهت إلى لبنان ضربة إسرائيليّة مُهينة أخرى، أودت بالقادة الفلسطينيّين الثلاثة، أبو يوسف النجّار وكمال عدوان وكمال ناصر، المقيمين في فردان. هكذا انفجرت المواجهة العسكريّة المفتوحة في أيّار 1973، ومعها الأزمة السياسيّة المفتوحة أيضاً التي بدأت باستقالة الحكومة السلاميّة. وتكراراً لما حصل بعد 23 نيسان 1969، قاطع السياسيّون المسلمون رئيس الجمهوريّة والعمليّة السياسيّة برمّتها.

صائب سلام اكتشف أنّ بناء التحالفات السياسيّة العابرة للطوائف مستحيل في ظلّ امتحانات صعبة كهذه. حتّى صداقاتٌ، كصداقته مع فرنجيّة، تغدو مستحيلة أيضاً. هكذا اندفع إلى التشدّد في طلب “المشاركة”، مُعزَّزاً بتأييد القادة المسلمين كلّهم، لا السنّة فحسب. لقد أرادوا تدفيع قائد الجيش، اسكندر غانم، الثمن، وهذا، في حسابات القادة الموارنة، مسٌّ بمحرّمٍ، فضلاً عن كونه لا يعالج المشكلة التي يكمن جذرها في السلاح الفلسطينيّ. أمّا إذا أريدَ تحويل الجيش اللبنانيّ إلى جيش مقاتل، وهذا طبعاً ما لا يريده المسلمون التقليديّون، فهذا يعني تغيير طبيعة لبنان جملةً وتفصيلاً، من دون أن يفضي التغيير إلى انتصار على إسرائيل. لقد انطوت المعركة تلك على قدر بعيد من الكذب.

رشيد كرامي، الذي بدأ يؤرّقه، منذ انهيار الشهابيّة، طول الصحراء التي سيعبرها قبل أن يصل مجدّداً إلى الينابيع، وجد ضالّته: ذاك أنّ فرنجيّة كلّف نائب طرابلس، وعضو كتلته، أمين الحافظ، تشكيل الحكومة. الشابّ المتعلّم والمؤدّب الذي كانه الحافظ بات كبش الفداء المنتظَر. جثّته السياسيّة جُعلت جسراً لعبور “الأفندي” الذي نضح بالعجرفة والتعالي. وبألسنة كثيرة، أعلن كرامي أنّ المسلمين، والطرابلسيّين خصوصاً، ينبذون “سامي الصلح الآخر”، وحذا القادة السنّة حذوه فارضين على الحافظ ما يشبه الحرم الكنسيّ.

رشيد بدا سعيداً بما يفعل. صائب بدا كئيباً. الأوّل كان يطيح نظاماً انقلب عليه. الثاني كان يطيح نظامه الذي أراد تحسين موقعه فيه.

بعدذاك شكّل تقي الدين الصلح ورشيد الصلح حكومتين رافقهما توسّع الانهيار الأمنيّ واحتدام الصراع بين زعماء الطوائف والأحزاب الممثّلين في الحكومة، لا سيّما بيار الجميّل وكمال جنبلاط. في هذا السياق اغتيل معروف سعد في صيدا، يوم 6 آذار (مارس) 1975، فيما كان يقود تظاهرة للصيّادين. الاغتيال كان، ولا يزال، غامضاً، إلاّ أنّ ما كان واضحاً أنّ أجواء المنطقة الحبلى بالتوتّر ستضع وليدها في لبنان. ففي كانون الثاني (يناير) 1974، أنجز هنري كسينجر، وزير الخارجيّة الأميركيّ، اتّفاق فصل القوّات بين مصر وإسرائيل اللتين سبق أن خاضتا حرب أكتوبر 1973. الاتّفاق نفسه مع سوريّا، التي خاضت الحرب نفسها، تأخّر خمسة أشهر عن سابقه المصريّ. لكنّ الخلاف السوريّ – المصريّ الذي ظهر إبّان تلك الحرب، كان أكثر من فارق زمنيّ. لقد ذهب السادات بعيداً في التوافق مع “عزيزه” كسينجر، وصارت مهمّة الأسد الشغبَ على تلك اللعبة التي أحجم عن المشاركة فيها. في هذه الغضون كان يتكشّف أنّ ذاك “الضابط العاديّ” أهمّ مشاغب أنتجته منطقة الشرق الأوسط. لكنْ لأنّ الشغب في الجولان يرتدّ على السلطة في دمشق، خصوصاً وقد وقّعت اتّفاق فصل القوّات، صار لا بدّ من “ساحة” هي التي باتت توصف بـ “الساحة اللبنانيّة”. البداية الدمويّة كانت مع “بوسطة عين الرمّانة” الشهيرة يوم 13 نيسان (أبريل) 1975.

إقرأ أيضاً:
الصراع على الزعامة السنيّة في لبنان (١)
الصراع على الزعامة السنّيّة في لبنان (2)

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.