fbpx

مشوار بافيل بافليكوفسكي السينمائيّ وحروبه القاتلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يستطيع المهتم بالسينما كفن، وليس ذاك الاهتمام الذي يقتصر على متعة المشاهدة فحسب، بل يذهب إلى مدى تأثير هذا الفن وقدرته على إعادة تشكيل صورة العالم في ذاكرتنا البصرية، وصورتنا عن أنفسنا

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يستطيع المهتم بالسينما كفن، وليس ذاك الاهتمام الذي يقتصر على متعة المشاهدة فحسب، بل يذهب إلى مدى  تأثير هذا الفن وقدرته على إعادة تشكيل صورة العالم في ذاكرتنا البصرية، وصورتنا عن أنفسنا؛ ألا تلفت انتباهه مسيرة صانع أفلام، يبذل كل ما بوسعه ليقدم أعمالاً سينمائية مختلفة عن السائد والمستهلك من جهة، ويقاوم الوقوع في فخ التقليد والتنميط من جهة أخرى.

تبدو المعادلة صعبة أحياناً، أن تحاول أن تروي أو تقدم صورة عن العالم كما تراه، وليس كما يريد العالم، والأصعب من ذلك أحياناً هو أن تروي قصتك الشخصية كما ترغب، من دون إعادة حياكتها كقطعة قماش على مقاس العالم.

هذا الصراع قد يلحظه المتتبع، محطات من مسيرة المخرج البولندي بافيل بافليكوفسكي السينمائية.

ولد في وارسو 1957، وغادر بولندا وهو في الرابعة عشرة من عمره. يقول بافليكوفسكي عن نفسه: ” لقد عشت في بريطانيا، وألمانيا وإيطاليا. وزوجتي روسية. وفي أفلامي، وعلى رغم الصخب، والغنى، ما زلت اعتبر أنني كنت على الحافة دائماً”. ويبدو أن تجربته كلاجئ، حاضرة في أفلامه،  وتحضر في مشاهد من فيلمه Last Resort عام 2000، وصولاً إلى فيلم The Woman in the Fifth عام 2011، والتي أظهر فيها مشاهد لجوازات السفر التي يتم التحفظ عليها أحياناً، أو توقيف أصحابها في صالات السفر والجمارك.

يقول، “فقدت جواز سفري مرةً واحدةً في موسكو، وبمجرد أن فقدته، لم تعد حياتي كما هي. وعندما حصلت على جواز سفر غربي لأول مرة، انتابني شعور غريب وأنا أعبر الحدود، فجأة لن تكون مضطراً إلى تبرير نفسك، تعامل كإنسان، ولا تتعرض للإهانة. إذا فقدت جواز السفر الأجنبي، فأنت تحت رحمة كل الاحتمالات الخطرة. أو كما يقول الروس مع  جواز السفر الغربي “كل شيء يسير، لن تكون هناك حدود”.

درس بافيل الأدب والفلسفة في لندن وأكسفورد، ثم بدأ العمل بإنتاج الأفلام في الثلاثينات من عمره،  ثم عمل منتج أفلام وثائقية مع وحدة البرامج المجتمعية في الـ”بي بي سي”،  حيث تعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بفكرة فيلم وثائقي عن كاهن أراد تعليق صليب على بندل هيل في لانكشاير لمواجهة عابري الشيطان المحليين، وهو ما استخدمه المخرج لاحقاً في “صيف الحب”.

من فيلم “حرب باردة”

لم تكن تجربة هذا المخرج تمتلك تلك الخصوصية التي ظهرت ملامحها في الفيلمين الأخيرين« إيدا» 2013، والذي حاز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2015، وفيلم «حرب باردة» الحائز جائزة أفضل إخراج، في مهرجان كان السينمائي لهذا العام. سبقته أفلام لم تحظ باهتمام كبير، كما لم تشكل هوية واضحة، أو أسلوباً مميزاً لبافليوفسكي، نذكر منها فيلم «My Summer of Love» عام 2004، والذي يحكي عن علاقة حب بين فتاتين مراهقتين. والفيلم مأخوذ عن رواية بالعنوان ذاته للكاتبة الإنجليزية هيلين كروس. ونذكر أيضاً فيلم «the woman in the fifth» أو بعنوانه الأصلي باللغة الفرنسية «La femme du Vème» عام 2011، والذي يتناول حياة كاتب روائي أميركي، يعاني من مشكلة نفسية، يسافر للقاء ابنته التي تعيش مع أمها الفرنسية، وليعيش علاقة حب مع امرأة وهمية، قد اخترعها في عقله. هذا الفيلم أيضاً مأخوذ عن رواية تحمل العنوان ذاته، للكاتب الأميركي دوغلاس كينيدي. ما نلحظه في هذين الفيلمين، هو اهتمام المخرج بمواضيع وأفكار مثل مشاعر الحب المضطربة، وعلاقة الإنسان بالدين، والتدين، التي تظل مأزومة. بالمقابل، لا يطرح حلولاً، أو يظهر أيّ انتماء لإيديولوجية معينة.

في فيلم «إيدا» 2013، سيظهر لنا بافليكوفسكي، وكأنه مخرج آخر غير الذي عرفناه أو الذي لم ننتبه له سابقاً. هذا عدا أن نص الفيلم غير مقتبس  هذه المرة عن أي نص أدبي كما حصل في الأفلام السابقة. إذ إن سيناريو فيلم «إيدا» قام بكتابته مع الكاتبة المسرحية البريطانية ريبيكا لنكوفيتش.

وفي فيلم «إيدا» يعود بافليوفسكي إلى بولندا في زمن الحرب البارد، ليحكي قصة فتاة يتيمة، قتل والداها وأخوها في الحرب. وعاشت منذ طفولتها في دير، وعندما تصبح شابة تخبرها الراهبة المسؤولة عنها، بأنها يجب أن تزور خالتها، وتتعرف إليها. لتبدأ رحلة إيدا في اكتشاف العالم الخارجي لأول مرة من جهة، وفي معرفة تاريخ عائلتها واسمها الحقيقي من جهة أخرى، فإيدا التي كانوا يخاطبونها باسم «آنا»، عندما تلتقي بخالتها «فاندا» تخبرها بأن اسمها الحقيقي «إيدا»، وهي من عائلة يهودية.

الخالة التي كانت تحاول طوال خمسة عشر عاماً، نسيان مآسي الحرب، والألم التي سببه مقتل عائلتها على يد النازيين، من خلال الانهماك بعلاقات جنسية عابرة، وقضاء الليل في البارات للرقص والسكر، جاءت ابنة أختها لتسألها عن المكان الذي  دفنت عائلتها فيه، ولتعود الاثنتان إلى قريتهما، وتحاولان معرفة مكان دفن العائلة.

الشابة التي على وشك أن تؤدي القسم لتصبح راهبة، وتبحث عن هوية لها في ماض ما زالت تكتشفه للتو، مقابل امرأة في الأربعين من عمرها، ما عادت تؤمن بشيء، ولا تعيش سوى لحظتها، محاولة دفع نفسها نحو الأمام، بذاكرة مثقلة بالفجائع.

صُوِّرَ الفيلم بالأبيض والأسود، وبعدسة بحجم أو إطار 4:3، ولم يكن لاستخدام الأبيض والأسود، إي أسباب جمالية، أو إحالات رمزية بشكل أساسي، ففي حوار مع بافليوفسكي أوضح هذا النقطة: «بالأساس كان لديّ مجرد حدس، بأن الشكل والصيغة كانا مناسبين لفيلم يدور في تلك الفترة. كذلك بينت أن تلك الفترة كانت بالأبيض والأسود. فتصورته بالأبيض والأسود. لهذا من الطبيعي جداً أنني يجب أن أفكر به بالأبيض والأسود. حتى في كتابة السيناريو كنت مقتنعاً بأن تلك هي الطريقة التي يجب أن أنظر بها وأشعر».

وشريط الأبيض والأسود لم يتوقف عند فيلم «إيدا»، بل استمر، لينفتح على الفترة التاريخية ذاتها في فيلم «حرب باردة». يحكي الفيلم قصة حب بين مؤلف موسيقي «فيكتور» وفتاة «زولا» يتم اختيارها من ضمن عشرات المغنيات والمغنيين، ليكونوا من ضمن فرقة غنائية تعيد إحياء أغاني فلكلورية.

المدير الإداري للفرقة «كاتشماريك ليخ» سيلعب دور رجل السلطة، والذي لديه طموح بالاستفادة من دعم الدولة للفرقة، من خلال استبدال الأغاني الشعبية للفرقة، إلى أغاني تمدح النظام، وتغني أغنيات قومية تمجد الاتحاد السوفيتي، ورئيسه جوزيف ستالين. وهذا ما يجعل فيكتور، عند ذهابه مع الفرقة، لإقامة حفلة غنائية بألمانية الشرقية، يفكر بالهرب مع زولا من برلين إلى باريس.

يحاول بافليوفسكي في هذا الفيلم، تهميش الحدث السياسي والتاريخي، من غير أن يمحي آثارهما، على قصة حب، ما بين رجل وامرأة، غير مهتمين بالسياسة، ولا هما في صراع مع السلطة، لكن السلطة بعقليتها الأمنية، تريد أن تتدخل حتى بأدق تفاصيل حياتهما الشخصية.

طوال الفيلم يبقى مصير هذه العلاقة معلقاً. فبينما يرى فيكتور مدينة مثل باريس، متنفساً للحرية، لا تراه زولا سوى وهم. ففي مناخ الحرية الباريسي، وداخل الوسط الفني والثقافي، كان يجب على الآتي من البلدان التي تقع تحت هيمنة الاتحاد السوفياتي، أن يلعب دور الشخص الضحية، الذي جاء إلى المعسكر الآخر، لينال الحرية التي كان يحلم بها، وإلا فهو مشكوك بأمره.

الأغنية الشعبية الحزينة، التي تغنيها زولا، ستكون بمثابة ثيمة للفيلم، إنها الأغنية نفسها التي ستغنيها زولا بصحبة الفرقة الفلكورية، على أنغام موسيقى أوبرالية، ستغنيها أيضاً على أنغام موسيقى الجاز بباريس. لكن هذه الأغنية وكلماتها ستبقى بمثابة رثاء لذلك الزمن، فحتى الأغنية سيقسم المخرج مقاطعها إلى جزءين، جزء في أوّل الفيلم في بولندا، ومقطع أخيرفي بنهاية الفيلم:

«قلبان وأربعة عيون

آه .. آه .. آه

العيون السوداء التي كانت تبكي

ما عاد يمكنك أن تلتقيها

ما عاد يمكنك أن تلتقيها

آه .. آه .. آه

وأنا كطفل أنكرته أمه

آه .. آه .. آه

طفل ما عاد يحبه أحد

آه .. آه .. آه

قلبه سيتحول إلى حجر

من يتسبب بفرقة المحبين

من يتسبب بفرقة المحبين

آه .. آه ..آه»

أما الجزء الثاني، ستضاف إليه جملتان:

«وها أنا ذا بقايا فتى وصوته

لكنني سأظل عاشقاً ما حييت»

في النهاية تمكن الإشارة أيضاً إلى عنوان الفيلم، إذ قد يتساءل من شاهد الفيلم، لماذا تمت تسميته «حرب باردة» وليس «الحرب الباردة»، وقد تكون إحدى الإجابات، أن الفيلم حاول إلقاء الضوء على قصة انتقاها من قصص إنسانية كثيرة، كانت تسير على هامش تلك الفترة التاريخية، وما زال أثرها باقياً وحاضراً في الذاكرة.

 

إقرأ أيضاً:

حياة دلال العالقة بين صفعتين

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.