fbpx

الصحافة الاستقصائية لا زال بإمكانها إزعاج المجرمين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

غيرت الصحافة الاستقصائية المتميزة من السياسة في جنوب أفريقيا بشكلٍ حاد، عندما تجمع أكثر من ألف من الزملاء في الخارج هنا في الفترة بين 16-19 نوفمبر/تشرين الثاني للتخطيط لخلق مزيد من الاضطرابات لتلك الأعمال المشبوهة في جميع أنحاء العالم. ودعت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، والتي ساعدت بعض منظماتها الأعضاء على إبراز فضائح التهرب الضريبي من قبل النخب الدولية من خلال وثائق بنما ووثائق بارايدايز إلى عقد هذا المؤتمر، الذي أضحى واحداً من أكبر المؤتمرات الدولية للصحافيين الاستقصائيين التي عُقدت على الإطلاق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

غيرت الصحافة الاستقصائية المتميزة من السياسة في جنوب أفريقيا بشكلٍ حاد، عندما تجمع أكثر من ألف من الزملاء في الخارج هنا في الفترة بين 16-19 نوفمبر/تشرين الثاني للتخطيط لخلق مزيد من الاضطرابات لتلك الأعمال المشبوهة في جميع أنحاء العالم. ودعت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، والتي ساعدت بعض منظماتها الأعضاء على إبراز فضائح التهرب الضريبي من قبل النخب الدولية من خلال وثائق بنما ووثائق بارادايز، إلى عقد هذا المؤتمر، الذي أضحى واحداً من أكبر المؤتمرات الدولية للصحافيين الاستقصائيين التي عُقدت على الإطلاق.
وفي الكلمة الرئيسية، حيّا الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، الذي نشر مصطلح “الواحد في المئة”، الصحافة الاستقصائية لتسليطها الضوء على جذور عدم المساواة الاقتصادية، وأطلق على دونالد ترامب “زعيم غاسلي الأموال”. في خضم الحصار الذي تعانيه المنظمات الإخبارية في الولايات المتحدة جراء انهيار الإيرادات وتزعزع ثقة الجمهور والاتهامات المزيفة بنشر “الأخبار الوهمية”، كان سماع الصحافيين الاستقصائيين من 130 دولة مختلفة وهم يصفون آخر ما كشفت عنه تحقيقاتهم، وشرح وتوضيح كيف فعلوا ذلك وتبادلهم الأفكار حول أهدافهم القادمة، تذكيراً بأن الصحافة الحسنة النية قادرة على قلقلة هياكل المؤسسات. وقال المدير التنفيذي للشبكة العالمية، ديفيد إليعاز كابلان، لـ The Nation، “نحن  رد الفعل على رد الفعل”.
ولعل قصة النجاح الأكثر إثارة للدهشة كانت تتكشف طوال المؤتمر عبر وسائل الإعلام الجماهيرية في جنوب أفريقيا: اكتشافات مدهشة من قبل فريق تحقيق أمابهونغان الذي لا يمكن نسيانه. تعني أمابهونغان في لغة الزولو “خنفساء الروث”، وهي حيوان “يحفر في الروث” – وهو نفس ما يفعله الصحافيون في كثير من الأحيان في سبيل الكشف عن الحقائق. وتحت شعار “حفر الروث وتسميد الديمقراطية”، فإن هذه المنظمة غير الربحية الضخمة حققت في توسع الإمبراطورية المالية لرئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما منذ توليه مهام منصبه في عام 2009. وفي يونيو/ حزيران، تلقت أمابهونغان ورفيقتها صحيفة “ديلي مافريك”، أكثر من 100000 رسالة بالبريد الإلكتروني توضح بالتفصيل كيف تم إبرام العديد من الصفقات التي لا تعد ولا تحصى، والمسؤولين الحكوميين المتورطين، وتوضح أيضاً كميات الأموال المتبادلة بطرق غير مشروعة على أعلى المستويات في أكبر اقتصاد في أفريقيا.
كان تأثير الكشف عن تلك الحقائق مدوياً. وحتى مع إطاحة الديكتاتور روبرت موغابي، من خلال الانقلاب العسكري في زيمبابوي المجاورة، فإن سلسلة الفساد التي لا حد لها في جنوب أفريقيا قد لفتت انتباه جميع أفراد الشعب بجميع طوائفه وألوانه وطبقاته. ومن المقرر أن تنتهي فترة رئاسة زوما لجنوب افريقيا في منتصف عام 2018. بيد أن زوجته السابقة وحليفته السياسية نكوسازانا دلامينى زوما، تأمل في أن تُنتخب رئيسةً للمؤتمر الوطنى الأفريقي، وهو الحزب السياسي الذي رأسه في يوم من الأيام الزعيم المناهض للفصل العنصري، نيلسون مانديلا. هذا وقد تعُرض الفضائح التي نشرتها أمابهونغان، عن فساد زوما المزعوم، والتي أثارت غضباً شعبياً واسع النطاق، فرص نجاح دلاميني زوما في خلافته للخطر.
وقال رئيس قسم الصحافة بجامعة “ويتواترسراند”، أنطون هاربر، والمضيف المشارك في المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية، إن الصحافيين الاستقصائيين قد بادروا بالمشاركة حيثما تراجعت الدولة”. وأضاف أيضا،ً “كانت هناك موجة من الصحافة الاستقصائية مخالفة لكل التوقعات”.
إن الصحافيين الذين تجمعوا هنا لا يوثقون الاضطرابات الكثيرة التي وقعت في عام 2017 فحسب؛ بل إنهم يشعلون الكثير من الاضطرابات بأنفسهم. خلال اجتياز الممرات المكشوفة والساحات الواسعة من الحرم الجامعي لجامعة ويتس، التي كانت في أحد الأيام مقتصرة على البيض، والآن تتألف من 33000 من الطلاب المتنوعين في جنوب أفريقيا، سمعت مراراً وتكراراً كيف أن التقنيات والأفكار والتركيز المطلوب للتقارير الاستقصائية قد ترسخت في البلدان التي دائماً ما كان يُنظر إليها على أنها محكمة ومغلقة مثل: بيرو، الفلبين، البرازيل، الهند، الأردن، والصين. هذا وقد نمت الشبكة العالمية للصحافيين الاستقصائيين بشكل مذهل على مدى السنوات الخمس الماضية حتى وصلت إلى 155 منظمة عضو في 68 بلداً، وثمانية موظفين يعملون بدوام كامل، في خمس قارات وتدفق يومي من الأخبار والمصادر بخمس لغات مختلفة
في بيرو، تعقب فريق من المنظمة غير الربحية “أوجو بوبليكو”، ملكية مناجم الذهب غير المشروعة في منطقة الأمازون، ووجد أنها تتبع شركات مالية كبرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مما أسهم في تحقيقات السلطات المالية في سويسرا والمملكة المتحدة. وفي موزامبيق، قام الصحافيون الذين يعملون في موقع “أوكسيبيكرز”، الإخباري للتحقيقات بتتبع عمليات قطع الأشجار غير المشروعة من التجار عديمي الضمير الذين يبيعونها للمشترين في الصين، وكشفوا عن سلسلة توريد غير مشروعة أسهمت في ضبط 1300 حاوية مملوءة بأشجار مقطوعة بصورة غير مشروعة في ميناء ناكالا الشمالي في موزامبيق.
ولعل السمة الشائعة هنا هي انتشار المال غير المشروع. كان هناك عشرات من المشاركين في تحقيقات “وثائق برادايز”. وكشف هذا التحقيق كيف أن بعض الشخصيات السياسية والمالية والثقافية في العالم في أكثر من مائتي بلد قد استغلت الملاذات الضريبية في الخارج، وبالتالي نُقلت أعبائهم الضريبية إلى باقي المجتمع. ومن بين المتورطين وزير التجارة الأميركي، ويلبر روس، ومن بين المتورطين أيضاً، اثنا عشر مستشاراً ومساهمون بارزون في حملة ترامب، ورئيس جمع التبرعات لرئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، وملكة إنجلترا؛ ووزراء المالية والزراعة في البرازيل؛ وجورج سوروس، والمغني الرئيسي لفرقة يو تو، بونو، وشركات متعددة الجنسيات مثل أبل ونايكي. وكشفت الوثائق عن استثمار روس في شركة شحن مملوكة من قبل أحد الأوليغارشيين الروس، وهو ما أهمل إدراجه في تقارير الإفصاح المالي الخاصة به، ما قد يمثل دليلاً آخراً ربما يُقدم للتحقيق الخاص بشأن علاقة الرئيس ترامب مع روسيا.
وقد ساعد التعاون الدولي في مشروع “وثائق برادايز”، ومن قبله أوراق بنما، على نشر الصحافة الاستقصائية إلى مناطق شاسعة مثل الشرق الأوسط، حيث لعبت الشبكة العربية للصحافة الاستقصائية دوراً رئيسياً في تعقب عشرات من كبار الممولين والشخصيات السياسية المرتبطة بتسريبات بنما و”وثائق برادايز”. وأُطلق في نوفمبر / تشرين الثاني موقع إخباري عربي جديد ومستقل يُدعى “درج”، كاشفاً عن معلومات مثيرة من تسريبات “وثائق بارادايز”. تقول علياء إبراهيم، إحدى مؤسسي درج، “كان هذا أول اختبار لمصداقيتنا”. وعلى مدار شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، أصدر موقع ” درج” سلسلة من المقالات التي تربط كبار المسؤولين في الأردن ومصر والإمارات وقطر بالملاذات الضريبية في الخارج.
ومن بين التأثيرات المتواصلة الأخرى، يزداد الضغط على رئيس الوزراء التركي للاستقالة بعدما اكتُشف أن ابنيه من ضمن من يمتلكون حسابات سرية. وكانت مارينا ووكر جيفارا، في قلب التعاون الصحافي التاريخي الذي أسفر أولاً عن أوراق بنما ثم “وثائق باراديز”. بعد أن سرب مصدر مجهول 13.4 مليون وثيقة للصحافيين في صحيفة “سوديتش تسايتونج” الألمانية، اتصلت الصحيفة بالجمعية الدولية للصحافيين الاستقصائيين في واشنطن، وهي منظمة عضو في الشبكة العالمية للصحافيين الاستقصائيين ومتخصصة في التحقيقات العابرة للحدود.
وقامت ووكر جيفارا، نائبة مدير الجمعية، بتنسيق لقاءات افتراضية بين أكثر من 300 صحافي من 95 مؤسسة إعلامية من المؤسسات الشريكة التي انضمت إلى مشروع “وثائق باردايز”، وتقسيم الأدلة، والإشراف على المشاركة المكثفة للمصادر والرؤى التي كشفت القصة في نهاية المطاف.
هذا “التقاسم الراديكالي” هو الخليط السري وراء أوراق بنما و”وثائق باردايز”، والتي تروج له ووكر جيفارا باعتباره نموذجاً قابلاً للتكرار في التحقيقات المستقبلية. ويعني التقاسم الراديكالي عدم وجود أسرار بين العاملين في المشروع. جميع الوثائق والمصادر متاحة للجميع، في مقابل التزام حازم بعدم تسريبها إلى أي شخص خارج المشروع. (للحصول على نظرة داخلية على هذه التعاونات، راجع مركز التسجيلات الصوتية لتقارير وتحقيقات مشروع أوراق الجنة، وفيلم “فيس نيوز” الوثائقي على قناة HBO.
دعم الصحافة التقدمية
وقالت ووكر جيفارا لـ “ذا نيشن”، “نحن بحاجة إلى هذا المستوى من التنظيم المتطور لمواجهة الأعمال الإجرامية والتجاوزات على المستويات العالمية، ولهذا فإن هذا الاجتماع في جوهانسبرغ، مهم جداً. انظروا لما يجري، فإن ما يُناقش الآن قد يكون هو أضخم القصص على مدى العامين القادمين”.
وهناك أيضاً فائدة أولية لهذا التعاون: الحماية. فلا يزال نشر التحقيقات الاستقصائية عملاً خطيراً للغاية في كثير من البلدان – كما اتضح مرةً أخرى في أكتوبر / تشرين الأول، عندما قُتلت دافني كاروانا غاليزيا، وهي صحافية مشهورة في مالطا. وقد اعتمدت غاليزيا على وثائق بنما المسربة لإنتاج سلسلة من التقارير المذهلة والتي نشرتها على مدونتها المشهورة عن فساد رئيس وزراء الدولة البحر متوسطية، مالطا، وكبار المسؤولين والسياسيين وروابطهم بالجريمة المنظمة. تم إسكات صوت غاليزيا، عن طريق تفجير سيارتها. لتكون بذلك الصحافية الثانية والثلاثين التي تُقتل بسبب عملها حتى الآن في عام 2017، وفقاً للجنة حماية الصحافيين، مع اعتبار المكسيك والعراق وروسيا وسوريا والفلبين المواقع الأكثر دموية.
ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة في جميع أنحاء العالم زادت من الاهتمام الشعبي بالتقارير الاستقصائية، هكذا أكد كابلان من الشبكة العالمية للصحافيين الاستقصائيين. وقال “كان هناك الإصدار الصحافى لأوراق بنما والذي أظهر كيف يمكن لمؤسسة غير ربحية صغيرة التنسيق بين عمل 400 صحافي في جميع أنحاء العالم لفضح الوثائق السرية المالية خارج البلاد”. وأضاف “ثم أتى خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، دليلاً على ما يمكن أن تفعله عواصف التضليل، ومؤثراً حتى على مستقبل الاتحاد الأوروبي. ثم ترامب بصحبة تسونامي من الدعاية والأخبار الوهمية والمزيفة. لذا يدرك الجمهور سبب أهمية الصحافة الاستقصائية في إقامة مجتمع ديمقراطي. وسط تقويض المؤسسات وإرهاب الناس”.
وعلى العكس من التوقعات التقليدية، فإن الحماس في إعداد التقارير الاستقصائية قد تأصل بقوة في أفريقيا. وفي السنوات القليلة الماضية، وساعدت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية مراكز التحقيق الجديدة في بوتسوانا وسيراليون وغينيا – بيساو، وعملت مع منظمات مماثلة في نيجيريا وغانا وجنوب أفريقيا. وقالت آنيا شيفرين، محاضرة في كلية الشؤون الدولية والعامة، جامعة كولومبيا ومحررة مساعدة في “أفريكان موكراكينغ”، وهي مختارات للصحافة الاستقصائية من قِبل الأفارقة والتي قوبلت عند إطلاقها في المؤتمر بتصفيق حاد “لديك الآن كتيبة من الصحافيين  في جنوب الكرة الأرضية الذين يمتلكون المهارات والمرافق التقنية اللازمة لمحاسبة حكوماتهم وشركاتهم بطرق دقيقة تستند إلى الأدلة”.
وقد عكس فريق تحقيق إفريقي توجه الصحافيين الغربيين العتيق الممثل في الهبوط المفاجئ على البلدان النامية لتقديم تلك الأماكن للعالم الخارجي. وباستخدام الكاميرات المعلقة في الطائرات بدون طيار، قام المصورون المنتمون إلى منظمة “أفريكان دروون”، بإنشاء صور تعبر عن التباين الاقتصادي في أفريقيا عن طريق نشر صور جوية للأحياء الغنية جنباً إلى جنب مع الأكواخ الفقيرة. ثم قرروا أن الوقت قد حان للانتقال إلى ما هو أبعد من أفريقيا، كما قال جاستين إرنستين، صحافي في جنوب أفريقيا والذي ساعد في دعم مشروع مشاهد غير متكافئة Unequal Scene وأضاف “لقد قررنا الهبوط فجأة في هذا البلد النامي المعروف بأميركا لإدراك كيف يتعاملون مع عدم المساواة”. وكانت المحطة الأولى: هي مدينة سياتل، لتوثيق مخيمات المشردين المجاورة لحي الأعمال الصاخب.
قد يكون من الصعب أن يتم تقدير الصحافة أو الاعتراف بمجهودها داخل حدود الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، ولكن الصحافة على الصعيد العالمي قد دخلت واحدة من أكثر الفترات المضطربة ولكن المنتجة في تاريخها المهني. فعلى سبيل المثال، كانت من بين الفائزين بجائزة الشبكة العالمية للصحافيين الاستقصائيين لأكبر عرض لهذا العام، صحيفة “بريميوم تايمز” النيجيرية، للتحقيق في عمليات القتل خارج نطاق القانون التي تقوم بها قوات الأمن في البلاد. وقالت بريجيت ألفتر، المديرة المؤسسة للصندوق الأوروبي للصحافة الاستقصائية: “في التسعينيات، كانت جميع المنهجيات والتقنيات للصحافة الاستقصائية، تأتي من الولايات المتحدة. “الآن الناس يستخدمون هذه الأساليب وتلك التقنيات للعمل في كل مكان”.

هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع The Nation لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.

[video_player link=””][/video_player]