fbpx

حين انتزعتني النائبة العراقية جميلة العبيدي من حيرتي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أشعر ببعض الامتنان للنائبة العراقية جميلة العبيدي، أقصد تلك السياسية التي أصابتها شهرة طارئة جراء مطالبتها بمنح الرجال العراقيين، الحق في الزواج من امرأة ثانية وثالثة ورابعة من دون العودة الى الزوجة الأولى كما يفترض القانون، المجحف أصلاً بحق النساء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أشعر ببعض الامتنان للنائبة العراقية جميلة العبيدي، أقصد تلك السياسية التي أصابتها شهرة طارئة جراء مطالبتها بمنح الرجال العراقيين، الحق في الزواج من امرأة ثانية وثالثة ورابعة من دون العودة الى الزوجة الأولى كما يفترض القانون، المجحف أصلاً بحق النساء.
تقول السيدة العبيدي إن تشجيع تعدد الزوجات يحلّ مشكلة الأرامل والمطلقات في العراق، وهذا ما يدفعها للتنقل من شاشة إلى أخرى للترويج ولاقناع النساء بأن يتشاركن الرجال وأن يفرحن بذلك. وبعد أن كانت مطالبتها مثار سخرية، هاهو الأمر يكاد يتحول إلى حقيقة، بعد أن تم تمرير هذا الاقتراح للتصويت عليه في البرلمان العراقي.
والامتنان الذي شعرتُ به للسيدة العبيدي مردّه، لأن خبر “نجاحها” في السير الحثيث نحو تقويض حقوق ضئيلة أصلاً للعراقيات، وصلني وأنا في ذروة انغماسي في متابعة ذاك النقاش المثير الحاصل ما بين باريس وهوليوود، على خلفية حملات مناهضة التحرش الجنسي.
لقد أطاحت حملة “وأنا أيضاً”، بشخصيات مشهورة في مجالات الإعلام والفن والسياسة، ثم أتى حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب، والكلمة المشحونة التي ألقتها الاعلامية المعروفة أوبرا وينفري، ليصدر بعدها ردّ مفاجئ من باريس، عبر بيان وقعته مئة شخصية نسائية مشهورة، تتقدمهن الممثلة كاترين دونوف، ليجعل المواجهة تأخذ منحىً آخر. بحسب البيان الفرنسي فإن حملة “وأنا أيضاً” انزلقت لتكون حملة مطاردة ساحرات وإفراط في “الطهرانية”. وهكذا خلال ساعات انجرف العالم الغربي، في نقاش حول حدود الحرية الجنسية والحدّ الفاصل بين الإرادة الحرة للفرد، وبين ذاك التضخم الذكوري المستند إلى سطوة ونفوذ محولاً إياه الى حملة تكاد تكون ممنهجة للتحرش والاعتداء على النساء.
هل حقاً لا نعرف الفرق بين الحرية الشخصية وبين الاعتداء والانتهاك! وهل علينا اعتبار الفن والابداع مظلة تعفو عن الانتهاك! النقاش الغربي عالق هنا ..
وسط هذا الجدل المحتدم عالمياً عبر حملات وبيانات، ظهر أمامي خبر يتعلق ب”جهود” السيدة العبيدي في احياء تعدد الزوجات والتبشير به ليعيدني الى الواقع:  أعني أين أنا وفي أي منطقة أعيش وأي عوالم تحيط بي. البيان الفرنسي نسوي ثقافوي بامتياز، وأتى كردٍ على خطاب نسوي أيضاً في أميركا. فرنسيات البيان طالبن بحرية الغزل “اللحوح” وحذرن من الانسياق وراء “طهرانية” أميركية تطال الحريات.
نحن هنا في المنطقة أمام معارك نسوية من نوع آخر، فالنائبة العبيدي تريد تأكيد حق الرجال في امتلاك ما طاب لهن من النساء، لذلك فإن مواجهة العبيدي ومنعها هي ومثيلاتها من التحول إلى مطية لترسيخ المزيد من الاجحاف بحق النساء هو المعنى العميق لحملة “وأنا أيضاً” وحركات الوعي والتحرر الجنسي في المنطقة العربية.
ليس من حقي أن ألغي نقاشاً عالمياً بشأن الحريات الجنسية ، لكن من الصعب أن لا أشعر بالاستفزاز من نخبوية ملوثة تسيطر على هذا الخطاب. الاحتفاء بضحايا التحرش والاعتداء في أميركا قابله دعوة فرنسية لعدم تكريس النساء كضحايا. ولأننا في عالم واحد، من المستحيل أن لا أرى هذا النقاش بعين عراقية وسورية ويمنية ولبنانية وأردنية وسعودية ومصرية وتونسية..
فها فنحن مثلاً وبعد سبع سنوات من قتل واغتصاب واضطهاد النساء السوريات، في حال عجز عن الدفاع عنهن وتكريس مظلوميتهن. قالتها صراحة مريم خليف، السورية الجريئة التي ظهرت في فيلم “الصرخة المكتومة” الذي عرض لضحايا اغتصاب وتعذيب من قبل النظام السوري، “سيشاهدون ويشعرون ببعض الأسف ثم ينصرفون”. عنت مريم تفاعل العالم مع محنتها هي وآلاف النساء السوريات. لقد عانت السوريات من تحطيم ممنهج جسدياً ومعنوياً دون أن يتحرك أحد. وهذا ليس للقول إن النساء السوريات كنّ وحدهن الضحايا، فالرجال والاطفال أيضاً دفعن أثماناً بالغة.
أميركا انتفضت في وجه تحرش شخصيات هوليوودية معروفة، ومثقفات باريس انتفضن على ما يرونه طهرانية ومس بالهوية الأنثوية، لكن العالم لا تهمه قصة مريم ولا قصص آلاف بل وملايين السوريات الموثقة المعلنة التي سريعاً ما ينساها العالم وتسقط من اهتماماته كأنها لم تكن.
بالنسبة لي، لا أعرف سيدة وأنا منهن لم تتعرض إلى التحرش. نعم يمكن لي ولأي امرأة أن تمضي قدماً وتتجاوز الأمر، لكنني لست عمياء ازاء حقيقة أن هناك فتيات وسيدات يتعرضن للتحرش والاعتداء والانتهاك ولا يعرفن كيف يواجهن الأمر. وازعاج النساء بحجة أن ذاك “غزلاً لحوحاً” كما يقول البيان الفرنسي، تجسيد لمزاج ثقافي فيه الكثير من الأنانية والادعاء.  وهذا ليس خلطاً للأمور، فالقضايا فعلاً متداخلة في عقلي وفي الواقع، وفي كل ما نعيشه.
من هنا، من الصعب عدم اعتبار السجال الحاصل بين باريس وهوليوود عن الحرية الفردية وعن حدود الثقافة والابداع، وعلاقتهما بالجنس وهواماته، بصفته امتياز محصور بنخب وجماعات بعينها، وهذا رفاه لا نحتمل خوضه بعد في بلادنا التي تحصل فيها اعتداءات مروعة على أجساد النساء وعلى أرواحهن.
من دون انقاذ هؤلاء النساء سيبقى النقاش الحاصل مضجراً إلى حدّ التوحش..
[video_player link=””][/video_player]