fbpx

إلى أي مدى يمكن أن تنسحب الولايات المتّحدة من الشرق الأوسط؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أدى الاستهزاء بالرئيس ترامب، بسبب قراره الطائش والمتهوّر بإخراج القوات الأميركية من سوريا، والارتباك المستمر منذ ذلك الحين بشأن خطط الإدارة الحقيقية، إلى التعتيم على تطوّر أكبر حجماً، هو تقوية حركة ثنائية في واشنطن تسعى إلى حدوث انسحاب واسع النطاق من الشرق الأوسط

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أدى الاستهزاء شبه العالمي بالرئيس ترامب، بسبب قراره الطائش والمتهوّر بإخراج القوات الأميركية من سوريا، والارتباك المستمر منذ ذلك الحين بشأن خطط الإدارة الحقيقية، إلى التعتيم على تطوّر أكبر حجماً وأكثر أهمية، هو تقوية حركة ثنائية في واشنطن تسعى إلى حدوث انسحاب واسع النطاق من الشرق الأوسط.

لا أحد – بما في ذلك كبار مساعدي ترامب – يظن أنه كان مصيباً في الإعلان فجأة عن انسحاب ألفي جندي أميركي من شرق سوريا في جدول زمني مدته 30 يوماً، بعد اتصال هاتفي برئيس تركيا. لكن منذ إلقاء تلك القنبلة في الشهر الماضي، اجتذبت فكرة الانسحاب من سوريا، وتقليص الوجود في المنطقة عموماً، قدراً كبيراً من الدعم، وكان بين الداعمين بعض الجهات المفاجئة.

“صحيح في جوهره”، هكذا وصف روبرت فورد، السفير الأميركي السابق، الذي لام إدارة أوباما من قبل على فشلها في فعل المزيد في سوريا، الإجراء الذي اتخذه ترامب في مقالة افتتاحية. ووافقه المسؤولان السابقان في إدارة أوباما، جون فينر وروبرت مالي.

ولعل أكثر ما يثير الدهشة هو المقال الصادر عن مجلة Foreign Affairs الذي كتبته مارا كارلين وتامارا كوفمان ويتس، المسؤولتان السابقتان في البنتاغون، واللتان ترأسّتا مكتباً في وزارة الخارجية خلال إدارة أوباما، أنشئ من أجل تعزيز التحوّل الديموقراطي في الشرق الأوسط. وخلصتا إلى أنه “لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة هي التي تدفع إلى هذا التغيير من دون استخدام مزيد من أسلوب العصا والجزرة يفوق استعداد واشنطن”، وأضافتا “الانسحاب سيكون مؤلماً وكريهاً على الشرق الأوسط، لكنه سيكون أقل ألماً على الولايات المتحدة مقارنةً باستمرارها إلى النهاية”.

يقول الذين يفضّلون الانسحاب من سوريا إن معظم هذه الأمور ضرورية من أجل الحفاظ على تدفّق النفط من الخليج العربي، ومنع الإرهابيين من اكتساب قوة كافية لضرب الوطن، واحتواء طموح إيران في أن تصبح النفوذ الجديد

ومقارنةً بالمنظور الذي ساد منذ عقد مضى، عندما كانت الحرب ضد إرهاب الإسلام المتطرف، وعملية السلام الإسرائيلي – الفلسطيني وتحقيق التحول الديموقراطي في المنطقة، أموراً مقبولة بشكل عام كأولويات أميركية عُليا، فهذا تحوّل مذهل. قال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، “إننا في لحظة يحث فيها القادة من الطرفين للمرة الأولى على خفض النفقات والانسحاب من الشرق الأوسط”.

ليس من الصعب فهم مسألة الانسحاب. فمذ تدهور الربيع العربي الذي بدأ عام 2011 إلى انقلابات وحروب أهلية، صارت مشكلات الشرق الأوسط بالغة، إذ تستعصي على أي تدخل أميركي – حتى مع تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كمورد للنفط. وفيما تشهد مصر أكثر الديكتاتوريات قمعية في تاريخها الحديث، ومع استعادة بشار الأسد سيطرته على سوريا المحطمة، ظهر محمد بن سلمان في السعودية ليكون بمثابة صدام حسين الألفية الثانية.

الإسرائيليون والفلسطينيون عالقون مع زعماء متأصلين يمكن الاعتماد عليهم في تقويض أي مبادرة سلام أميركية. وفي الوقت نفسه، يبدو تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة، أضعف من أن يُشكّلا تهديداً على الولايات المتحدة، على رغم عدم القضاء عليهما بالكامل بعد.

تقول كارلين ويتس: “بالنسبة إلى المستقبل القريب، على صانعي السياسات أن يقبلوا أن الشرق الأوسط سيظل غارقاً في التخبط، وأن شركاء الولايات المتحدة هناك سيتوقفون بالتدريج عن الإذعان لتفضيلات واشنطن”.

يبدو الأمر كله شديد الوضوح، إلى أن تضع في اعتبارك أن أحداً لا يعتقد بإمكان انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة إلا جزئياً فقط. لن تزال القواعد الجوية والبحرية الأميركية الضخمة على الخليج العربي؛ إذ وقّع مايك بومبيو، وزير الخارجية، للتو اتفاقية لتوسيع قاعدة العُديد الجوية في قطر.

ترامب نفسه تباهى خلال زيارته الأخيرة إلى العراق، بأن القوات الأميركية هناك والتي يفوق عددها 5000 جندي، ستظل موجودة وقد تُستخدم في عملياتٍ في أماكن أخرى إذا استدعت الحاجة. في المقابل، يدرس البيت الأبيض اقتراحاً بالحفاظ على منطقة حظر جوي في شرق سوريا، حتى بعد مغادرة القوات. لم تدعم الإدارة ولا الكونغرس فكرة منع 1.3 مليار دولار من المساعدات السنوية المتدفقة من دافعي الضرائب الأميركيين إلى الجيش المصري. وترامب باع الأسلحة للسعودية، التي يزعم أنها طلبتها، والتي تبلغ  قيمتها 110 مليار دولار.

يقول الأشخاص الذين يفضّلون الانسحاب من سوريا إن معظم هذه الأمور أو كلها ضرورية من أجل الحفاظ على تدفق النفط من الخليج العربي، ومنع الإرهابيين من اكتساب قوة كافية لضرب الوطن، واحتواء طموح إيران في أن تصبح النفوذ الجديد في المنطقة. وإذا بدت أي من تلك الأولويات معرضة للتهديد، أو إذا بدا أن الفوضى في المنطقة تهدد بتجاوز حدودها، فستعود القوات الأميركية.

تصف كارلين وويتيس الولايات المتحدة بأنها عالقة في “برزخ شرق أوسطي”، فهي أضعف من أن تغير المنطقة للأفضل، لكنها لا تزال  منخرطة بما فيه الكفاية لصرف الانتباه عن الأولويات الأكثر أهمية. وتقولان إن أفضل طريقة للخروج من ذلك المأزق هي رفع طموحاتنا. لكن الأرجح أن خطوات مثل الانسحاب من سوريا لن تؤدي إلا إلى تعميق الورطة التي تصفانها، وزيادة الفوضى، إلى حد سيضطر ترامب -أو خليفته- إلى التراجع.

بقلم: جاكسون ديهيل

هذا المقال مترجم عن موقع Washington Post ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
هل يمكن لواشنطن أن تعتمد على تركيا في هزيمة “داعش”؟
كيف ارتكبت الولايات المتّحدة جرائم حرب في سوريا؟