fbpx

“زوجة موقتة…” معضلة لاجئات سوريات في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في مصر حيث يقدر وجود نصف مليون لاجئ سوري تعاني لاجئات من مشكلة الزواج من مصريين بعقود عرفية غير موثقة.. كثيرات جرى تطليقهن بعد أشهر من دون القدرة على تثبيت حقوقهن. هذا التحقيق يوثق لتلك الحالات..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فجأةً، وجدت السورية ريم (36 سنة) نفسها وحيدة في شوارع محافظة أسوان المصرية، من دون أي مأوى أو معيل، بعدما تخلّى عنها زوجها المصري محمد وتنصّل من حقوقها عقب زواجهما “العرفي” غير الموثّق في المحاكم المصرية.

لم تتمكّن ريم من توثيق عقد زواجها من محمد لأنّها لم تتمكّن من تثبيت طلاقها من زوجها السابق السوري في الدوائر الرسمية السورية، فيما يشترط “مكتب زواج الأجانب” في مصر، على الأجنبية الراغبة بالزواج من مصري أن تمتلك قيد نفوس، يوضح حالتها الاجتماعية، ولأن ريم ما زالت متزوّجة في وثائقها السورية، لم تتمكّن من توثيق زواجها من المصري محمد.

دخلت ريم إلى مصر في نيسان/ أبريل 2012، بعد أن انفصلت عن زوجها السوري، وفي الشهر ذاته من عام 2014 تزوّجت محمد وأقامت معه في مدينة نصر وبعدها في محافظة الشرقية، عاماً و8 أشهر.

تقول ريم إنّها عادت إلى سوريا لرؤية أولادها، ثم عادت إلى مصر لتجد زوجها قد تنصّل منها باتصال هاتفي أخبرها فيه أنّه تزوج من امرأة مصرية وبدأ معها حياة جديدة ولا يريد أي مشكلات.

لم تتمكّن ريم من توثيق عقد زواجها من محمد لأنّها لم تتمكّن من تثبيت طلاقها من زوجها السابق السوري في الدوائر الرسمية السورية

وثّق هذا التحقيق على مدار 6 أشهر، قصص 6 نساء سوريات لاجئات بينهنَّ ريم، تزوجنَ من مصريين بعقود عرفية غير موثقة، ثم قام أزواجهنَّ بتطليقهنَّ بعد مرور أشهر على الزواج، وتنصّلوا من جميع الحقوق، بما في ذلك النفقة والمسكن والمتعة (مبلغ من المال) وإثبات الزواج ونسب الأولاد.

لا يتطلّب الزواج العرفي سوى ورقة يوقع عليها كلا الطرفين عند أحد المحامين فيُصبحان زوجين.

ويرصد التحقيق، استغلال رجال مصريين، الظروف الاقتصادية لنساء سوريات لاجئات في مصر، وعدم امتلاكهنَّ وثائق، ليتزوجوهنَّ بعقد “براني”، ثم ما يلبث هذا الزواج أن ينتهي من طرف الزوج، وتفاقم المشكلة، الكلفة العالية التي تفرضها السفارة السورية لاستخراج الوثائق، أو تعديل البيانات واستحالة استخراج بعضها.

يحدث ذلك في ظل تقاعس مفوّضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن دورها في تقديم العون للنساء السوريات، إضافةً إلى عجز منظمات المجتمع المدني السورية والمصرية المهتمة بالمرأة عن تقديم مساعدة فعلية لتلك النساء، والنظرة الاجتماعية التي تلازم تلك النساء بعد الطلاق.

تأشيرة عبور

في الثامن من شهر تموز/يوليو 2013، أعادت سلطات مطار القاهرة طائرة تابعة للخطوط السورية من حيث أتت إلى محافظة اللاذقية السورية، بموجب بدء تطبيق إجراءات الدخول الجديدة على السوريين، وكان ذلك تاريخ فرض تأشيرة وموافقة أمنية مسبقة على دخول السوريين إلى مصر.

بعد هذا التاريخ بأكثر من عامين، شعرت ريم بالاشتياق لأولادها في سوريا، فغادرت إلى هناك لرؤيتهم، ثم حاولت العودة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 ولكن الدخول هذه المرّة لم يكن سهلاً إذ فوجئت ريم بفرض تأشيرة “صعبة المنال” ما دفعها للسفر إلى السودان، ومنها إلى مصر من طريق التهريب عبر الحدود الجنوبية.

توضح ريم أنّها بعد وصولها إلى مصر اتصلت بزوجها الذي بدوره تنصّل منها وارتبط بأخرى مصرية من دون أن يعطيها أياً من حقوقها، ما اضطرها لاحقاً إلى الإقامة في حديقة “مدكور” في محافظة أسوان جنوب مصر، فقدت هناك وثائقها بما في ذلك عقد الزواج، إلى أن تكفّلت “الهيئة السورية لشؤون اللاجئين في مصر” برعايتها ولا تزال ترعاها حتى الآن.

يقول رئيس الهيئة تيسير النجار: “عرضنا ريم على طبيب نفسي لتأهيلها جراء الصدمة التي تعرضت لها”.

تتشابه قصّة ريم مع الشابّة السورية كندة (33 سنة- اسم مستعار) لجهة أنّها اضطرت للزواج من مصري بعقد عرفي، لأنّها لا تملك أوراقاً رسمية لتثبيت زواجها بشكل نظامي كونها دخلت للمرّة الأولى إلى مصر عبر الحدود السودانية بشكلٍ غير شرعي، لكن وجه المأساة في حكاية كندة أنّها أنجبت من علاقة الزواج هذه، وتقول إن زوجها تركها مع رضيعها وتنصّل من جميع مسؤولياته تحت ضغط زوجته الأولى وباتت الشابّة مع رضيعها من دون أي مأوى أو إعالة.

قدمت كندة إلى مصر في آذار/ مارس 2014، وأقامت عند أحد أقاربها، ثم تزوجت في تموز 2017، من أيمن (اسم مستعار) الذي يعمل أستاذاً في معهد أزهري، وتطلقت في حزيران/ يونيو 2018 بعد أن أنجبت طفلاً من زوجها المصري الذي كان بدأ استخراج أوراق جديدة لها ولابنها قبل أن تتدخّل زوجته الأولى وتبدأ بتهديد المحامي لوقف استخراج الأوراق ومنع قوننة وضع كندة على الأراضي المصرية.

تقول كندة “إنَّ زوجة زوجها هي من خطبتها له بإرادتها من أجل الإنجاب، كونها لم تنجب له أطفالاً، ولكنّها هي ذاتها انقلبت عليها” موضحةً أن هذه الضغوطات انتهت بعدما قام الزوج بتطليق كندة.

وتشير إلى أنّها قبلت بالزواج العرفي لأنها تريد تأسيس حياة جديدة وأن يكون لديها منزل وحياة سوية، وأن تتخلّص من الضغوطات المادية وعبء الإقامة عند أقاربها.

يشير المحامي يوسف المطعني، عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، إلى أن “أبرز الأسباب التي تحول دون قدرة السوريين على تثبيت الزواج في مصر، هو دخول بعضهم من السودان من طريق التهريب بسبب عدم قدرتهم على الحصول على تأشيرة دخول رسمية، ما يجعلهم مخالفين على الأراضي المصرية”.

عجز المنظمات

طرقت كندة باب منظمات معنية بالمرأة بينها “الهيئة العامة للاجئين السوريين في مصر، رابطة سوريات، لجنة الإغاثة السورية وسوريانا”، لكن الإجابة كانت “لا يمكننا فعل أي شيء”.

تقول لطيفة دغمان رئيسة رابطة سوريات المعادي وحلوان، وهي رابطة تهتم بشؤون المرأة ودمج اللاجئات: “لا يمكننا فعل أي شيء تجاه تلك الحالات، لأنَّ زواجهنَّ غير موثق، وبالتالي لا تعترف به الجهات الرسمية على الإطلاق”.

وأضافت: “نحاول ودياً التواصل مع الزوج من أجل استعادة حقوق امرأته، عبر تنشيط الوازع الديني لديه، إذ إننا لا نملك غير ذلك”.

يقول تيسير النجار، رئيس الهيئة السورية لشؤون اللاجئين في مصر: “لا نتدخل في مثل تلك الأمور، فقط نقدّم المساعدات المادية والطبية والنفسية وفي حال تلقّينا شكاوى نحاول حلها بالأساليب الودية، فإذا ما فشلت لا سبيل لغيرها”.

عن حالة كندة، يؤكّد المحامي عصام حامد المهتم بشؤون السوريين في مصر، أن عملية إثبات نسب رضيعها تتطلّب، توكيل محام ورفع دعوى لتثبيت الزواج يليها دعوى إثبات نسب الطفل، وهو ما عجزت عنه بسبب عدم قانونية وضعها على الأراضي المصرية.

وتشير كندة إلى أنّ عدم امتلاكها الأموال الكافية لتوكيل محامي لقوننة وضعها في مصر، ثم رفع دعوى قضائية لتثبيت الزواج، ثم دعوى لإثبات نسب الطفل، إضافةً إلى خوفها من التهديد الذي تواجهه من زوجة زوجها بسبب نفوذ عائلتها الكبير، حال دون قدرتها على إثبات نسب ابنها.

نصف مليون لاجئ سوري

وفقًا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حواره مع مجلة “لوفيغارو” الفرنسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، فإن عدد السوريين في مصر بلغ 500 ألف، بينهم 127 ألفاً مسجّلون لدى “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في مصر وفقاً لما جاء على موقعها الإلكتروني، هذا الوجود السوري في مصر، أفرز 10 آلاف حالة زواج بين مصري وسورية عام 2012، وفقاً لإحصاء المركز القومي للمرأة، انخفض الرقم خلال 2017 حيث سجّل مكتب زواج الأجانب التابع لوزارة العدل المصرية 472 حالة زواج موثّق في الدوائر الحكومية بين مصري وسورية.

وفي ظل غياب الإحصاءات عن الزواج العرفي، حاول معد التحقيق الوصول إحصاء حالات الزواج “البراني” المرفوعة لدى ثلاثة محامين مصريين في محافظة القاهرة، تم اختيارهم لتخصّصهم في هذه القضايا، حيث عمل المحامي المصري رابح الدسوقي على 200 دعوى تثبيت زواج بين سوريات ومصريين بين عامي 2016 – 2018 نجحت نصفها حتّى الآن، في حين عمل المحامي يوسف المطعني على 110 دعاوى تثبيت زواج خلال عامي 2017 – 2018، في حين عمل المحامي عصام حامد على 900 دعوى تثبيت زواج بين سوريات ومصريين ما بين عامي 2013 – 2018.

يقول المحامي السوري فراس الحاج يحيى مدير “التجمع الحقوقي السوري” “إنه يتلقى اتصالات يومية للاستفسار عن إجراءات الزواج” موضحاً أن 10 في المئة من هذه الحالات يكون الزوج فيها مصري، وما بين 60 – 70 في المئة من هذه الحالات يكون الزواج غير موثّق”.

ويقول المحامي عصام حامد: “إن 70 في المئة من حالات الزواج غير الموثق تضيع فيها حقوق المرأة بسبب تنصّل الزوج”، لافتاً إلى أنه قابل أكثر من 100 لاجئة سورية زوجها تركها وحيدة واختفى، تنوعت بين من طُلقت ولم تستطع الحصول على حقوقها، وأُخريات لم يحصلنَ على الطلاق، ومنهنَّ من أنجبنَ اطفالاً بالفعل وبقوا من دون تسجيل.

متاهة الزواج السابق

“خليكي عند رفيقتك أنتي طالق” مكالمة قصيرة مقتضبة، تلقّتها نادين- اسم مستعار- (39 سنة) من زوجها المصري عامر، لينهي بها حياة زوجية استمرت 14 شهراً، كانت  نادين تعيش معه في شقة في القاهرة.

غادرت نادين منزلها لزيارة صديقتها في مدينة العبور المصرية، وخلال وجودها هناك طلّقها زوجها عبر الهاتف بضغطٍ من عائلته التي كانت رافضة للزواج لأن نادين، مطلّقة وهو بكر، كما أنّها تكبره بـ6 سنوات ولديها أولاد.

تقول نادين: “جئتُ إلى مصر، ومن طريق إحدى صديقاتي تعرفتُ إلى عامر (اسم مستعار) الذي كان يعمل معها في معمل للألبان والأجبان، وبعد لقائنا بأسبوعين فقط طلب مني الزواج وأقنعني بالقبول لأن كلينا يعيش وحيداً، وافقت على الفور لأنني كنت أقيم عند أحد معارفي في منطقة الشرابية الشعبية في القاهرة وكنت أشكل عبئاً عليهم أنا وابنتي”.

أقنع عامر نادين بالزواج بموجب عقد عرفي فوافقت لأنها لم توثق طلاقها بعد من زوجها السوري السابق.

وتوضح نادين أنّ ليس لديها أي معارف في سوريا ليقوم برفع دعوى التفريق مع زوجها السابق نيابةً عنها، كما أنّها لا تملك المال الكافي لذلك.

خلال فترة زواج نادين من عامر كانت تواجه معارضة عنيفة من عائلته، وتقول إنّها حاولت استمالة هذه العائلة من دون أي جدوى لينتهي الأمر برضوخ عامر لمطالب عائلته وتطليقها عبر الهاتف.

بعد الطلاق حاولت نادين البحث عن عامر بشتّى الوسائل لتحصيل حقوقها، لكنّه غير مكان سكنه وعمله ورقم هاتفه وتقول: “لا أحد يعرف مكانه، كأنه فصّ ملح وداب”.

نادين واحدة من 3 فتيات قابلهنَّ معد التحقيق وقبلن بالزواج العرفي بسبب عدم توثيق طلاقهنَّ القديم من أزواجهنَّ، واحدة منهنَّ يعيش زوجها معها في مصر ويرفض تطليقها في المحكمة قبل أن تتنازل له عن عقار تملكه في سوريا.

تعلّق المحامية السورية رهادة عبدوش على هذه الحالة، بأن “الطلاق الشفهي لا يُعتبر طلاقاً إلا إذا تم إثباته بالمحكمة”.

وأضافت عبدوش: “على المرأة السورية المقيمة خارج سوريا الراغبة بتثبيت طلاقها أن توكّل أحد معارفها في سوريا ليرفع دعوى تفريق نيابةً عنها”، موضحةً أن هذه الدعوى مشكلتها الرئيسية تكمن بالوقت الطويل، فقد تستغرق ثلاث سنوات وخصوصاً في حال تعنّت الزوج ورفض الطلاق، كما أنّها تكلّف نحو 300 دولار داخل سوريا، ونحو 100 دولار خارجها، ليكون المبلغ الإجمالي نحو 400 دولار.

خلط القوانين المصرية بالسورية

يشكّل الخلط بين القانونين المصري والسوري من أكبر المشكلات التي تواجهها النساء السوريات خلال الزواج، وفق ما يوضح المحامي المصري المهتم بقضايا السوريين يوسف المطعني قائلاً: “إن السوريين يتزوّجون في بلدهم عند المأذون (الشيخ) ثم يثبّتون الزواج في المحكمة الشرعية، إنما في مصر الأمر يختلف حيث يُبرَم عقد الزواج بمكتب زواج الأجانب التابع لوزارة العدل المصرية في حال كان أحد الزوجين أجنبياً، أو يتم إبرام عقد زواج لدى محامٍ، ثم توكيل محامٍ لرفع دعوى تثبيت الزواج” وهو الأمر الذي يجهله كثيرون من السوريين في مصر، لأن هذه الطريقة تتطلّب أوراقاً معقّدة وهي: “قيد نفوس حديث لم يمر على صدوره ثلاثة أشهر يوضح الحالة الاجتماعية وموثّق من الخارجية السورية، إضافةً إلى موافقة ولي أمر الزوجة بعدم الممانعة من الزواج موثق من السفارة السورية، وإقامة سارية، وجواز سفر، إلى جانب شهادتين صحيتين بعدم وجود مانع للزواج”.

وأشار المطعني، إلى أن كثيرين من السوريين لا يمكنهم استخراج قيد من الأراضي السورية لعدم وجود أقارب لهم في سوريا أو أن الحرب الدائرة في سوريا تعيق حركتهم لاستخراجها، ولا يكون أمامهم سوى السفارة لاستخراجها.

ولكن الوثائق في السفارة السورية تُعتبر باهظة الثمن مقارنة بالحالة الاقتصادية لمعظم السوريات في مصر، إذ بلغت تكلفة استخراج جواز السفر البطيء 300 دولار، والمستعجل 800 دولار، في حين تكلّف الوكالة العامة 100 دولار، وسند الإقامة 50 دولاراً، وذلك وفقاً لما ورد على موقع السفارة السورية في القاهرة.

هذه الأسعار كانت العائق الرئيسي أمام كندة التي تزوّجت بعقد عرفي لأنّها لم تتمكّن من دفع أموال طائلة لسفارة بلادها، ما جعلها لا تستطيع رفع دعوى لتثبيت زواجها، وكذلك لإثبات نسب رضيعها.

في هذا الإطار، تؤكّد دغمان أن “ارتفاع تكاليف استخراج أوراق من السفارة يمثل دافعاً لدى كثيرين من اللاجئين السوريين في مصر لعدم استخراج أي أوراق من السفارة، ولا يلجأون إلى تسجيل أي تغيير في أحوالهنَّ الاجتماعية، إذ إنهم مطالبين بالدفع مقابل أي قصاصة يحصلون عليها، في ظل ظروف صعبة يعيشونها هنا”.

كما أن معظم السوريين المُعارضين للنظام السوري، يعكفون على عدم التوجّه إلى السفارات والقنصليات السورية لاستخراج الأوراق.

ولكن المحامي عصام حامد، يؤكّد أنّه في حال حدث الزواج فعلاً بعقد عرفي ورغبت الزوجة بتثبيت الزواج، فإن “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في مصر تتحمّل التكلفة، كما أن المحاكم المصرية تستثني شرط وجود إقامة سارية، موضحاً أنّه بعد أن شرح هذه النقطة في ندوة توعوية أمام النساء السوريات، وجد أن 400 امرأة طالبنَ برفع دعاوى تثبيت زواج، مضيفاً: “كُنَّ يجهلن تلك المعلومة”.

وتؤكّد المحامية السورية رهادة عبدوش أنَّ السورية في مصر في حال تزوّجت مصري بإمكانها أن تلاحقه وترفع دعوى قضائية من أجل تثبيت زواجها.

140 دولاراً: مهر غير مقبوض!

تعيش السورية أحلام مع أولادها الثلاثة في محافظة الجيزة، في ظروف اقتصادية سيئة، ما منعها من تجديد إقامتها وإقامات أولادها، حتّى جاءها خبر وفاة زوج ابنتها في سوريا، وباتت مضطرة للذهاب إلى هناك لتعزيتها والوقوف إلى جانبها، وبسبب عدم امتلاكها إقامةً داخل مصر فإنّها في حال غادرت إلى سوريا لن تتمكّن من العودة.

تقول أحلام: “كنت أعمل في بوفيه في إحدى المؤسّسات لأوفر المال لعائلتي، حتى بتنا نتخلّى عن بعض أنواع الأطعمة واللحوم ليكفينا الراتب”.

تكلّف معاملة تجديد الإقامة نحو 550 جنيهاً، تضاف إليها غرامات تأخير تبلغ 1053 جنيهاً عن التأخّر للأشهر الثلاثة الأولى، و550 جنيهاً عن كل ثلاثة أشهر تتبعها، ما راكم الغرامات على أحلام التي باتت عاجزة عن استخراج هذه الإقامة.

 

70 في المئة من حالات الزواج غير الموثق تضيع فيها حقوق المرأة بسبب تنصّل الزوج

 

لجأت أحلام إلى محام مصري يُدعى محمود لمساعدتها فاستغلَّ أزمتها ليفرض عليها الزواج منه بعقد عرفي مقابل مساعدتها على استخراج إقامات لها ولأولادها، وذلك بعد أن أقنعها أنَّ هذا الزواج هو الطريقة الوحيدة لاستخراج الإقامة، ووعدها بمساعدتها على استخراج الإقامات من خلال معارفه وتحمّل تكاليفها.

وافقت أحلام على الزواج منه بعد انسداد كل الطرق بوجهها، وتخلّت له عن جميع مصاريف الزواج، حتّى أنّه أقام في منزلها في منطقة أكتوبر في الجيزة.

تقول أحلام: “أخذني إلى مكتب أحد المحامين من معارفه وكتب عقد الزواج هناك وحدّد المهر بـ1000 جنيه مقدّم و1000 جنيه مؤخّر (140 دولاراً)، فوافقتُ ووقعت على العقد بعد أن أقنعني بأنه سيوّفر الأموال لمصاريف الزواج واستخراج الإقامات”.

عقد زواج أحلام العرفي

بعد الزواج، استحصل لها على إقامة مدّتها ستة أشهر تمكّنت على إثرها من السفر إلى سوريا والعودة إلى مصر، ورفض استخراج أي إقامات لأولادها كما وعدها بحجّة أنّهم راشدون ويستطيعون كسب المال.

تقول أحلام: “تنصّل ممّا وعدني به، وكان يأتي إليَّ يوماً واحداً في كل أسبوع ويعطيني مصروفاً للمنزل ما بين 100 – 200 جنيه (7 – 14دولاراً) كما أنّه لا يدفع إيجار الشقّة”.

كل ذلك دفع أحلام إلى طلب الطلاق فطلّقها من دون أن يعطيها أياً من حقوقها، بما في ذلك الـ 2000 جنيه المقدّم والمؤخّر، ثم بدأ يهدّدها بأنّه سوف يرحّلها مع أبنائها إلى سوريا، إذا لم ترسل له عقد الزواج العرفي لمنعها من الحصول على حقوقها.

عرضنا جميع عقود الزواج التي حصلنا عليها من النساء السوريات، على المحامي المصري محمد عاطف، المتخصّص في القانون المدني، فأكّد صحّة هذه العقود، طالما أنّها احتوت على جميع البيانات، بما في ذلك أسماء طرفي عقد الزواج وقيمة المهر والشهود.

مفوضية اللاجئين والمحسوبيات

وأمام هذه المصاعب الكبيرة التي تواجهها النساء السوريات، فإن “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” تتدخّل بعد وقوع الزواج العرفي، حيث توكّل محامياً لإقامة دعوى في المحكمة لتثبيت الزواج وتتحمّل تكاليف الدعوى.

لكن هذه العملية “تتدخّل فيها المحسوبيات، حيث يتم إسناد القضايا لدى بعض المحامين قليلي الخبرة الذين لا يشغلهم سوى رفع دعوى قضائية للمتضررة أمام المحكمة وتحصيل أجرهم من المفوضية، من دون الاهتمام الفعلي بتفاصيل القضية أو متابعتها في المحاكم، ما يترتب عليه عدم حصول السيدة على حقها”، كما يشير المحامي السوري فراس حاج يحيى.

وأضاف حاج يحيى: “إذا كان المحامي غير متخصص أو قليل الخبرة، تخسر المرأة الدعوى، ويضيع حقها القانوني والمادي والأدبي”، لافتاً إلى أنّه قابل الكثير من السوريات اللواتي عانينَ من قلة خبرة المحامين.

ويقول المحامي يوسف المطعني: “إن قضايا إثبات زواج الأجانب لها آلية يفتقدها كثر من المحامين، إذ ينبغي على المحامي أن يقدم نسخة من قانون الأحوال المدنية السوري موثقة من الخارجية السورية، للقاضي، كي يصدر حكمه بناء على بنوده”.

ويؤكّد المحامي عصام حامد إن أكثر من 70 في المئة من قضايا تثبيت زواج لنساء سوريات التي عمل عليها، كان هو المحامي الثاني فيها بعد فشل المحامين السابقين.

طرحنا مجموعة أسئلة على المفوضية، حول الإجراءات التي تتّخذها في حال تلقّت شكوى من امرأة متزوّجة بعقد عرفي، والمساعدة التي تقدّمها لها وفي ما إذا كانت تساعد بتأمين الوثائق، لكنّنا لم نتلقَّ أي رد حتى لحظة نشر التحقيق.

ومنذ دخولها إلى مصر بشكل غير شرعي في أواخر عام 2016 وحتّى الآن، ما زالت ريم لا تعرف أي طريق تسلك، بسبب الصدمة النفسية والجسدية التي تعرّضت لها، وتراودها الحيرة بالعودة إلى العيش في بلدها التي تطحنها رُحى الحرب، أو البقاء في بلدٍ غريب تخلّى فيه زوجها عنها، بعدما عبرت مسافات طويل في الصحراء بين مصر والسودان للوصول إليه.

 

 تم إنجاز هذا التحقيق بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” وبإشراف الزميل أحمد حاج حمدو

بدعم من منظمة Open Society Foundation

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!