fbpx

طوزخورماتو تُلهب ذوي الرايات البيضاء!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تُشكل بلدة “طوزخورماتور” في اقليم كردستان بؤرة تتمركز فيها جميع أزمات العراق، وذاكرتها الصراعية المتواصلة. فالبلدة الصغيرة جنوب مدينة كركوك، قائمة على نسيج سُكاني كُردي عربي سُنيّ وتُركماني شيعي. وهي فوق تركيبتها السُكانية الداخلية المُعقدة، نقطة وصلٍ بين جُغرافيات هذه التشكيلات الأهلية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تُشكل بلدة “طوزخورماتور” في اقليم كردستان بؤرة تتمركز فيها جميع أزمات العراق، وذاكرتها الصراعية المتواصلة. فالبلدة الصغيرة جنوب مدينة كركوك، قائمة على نسيج سُكاني كُردي عربي سُنيّ وتُركماني شيعي. وهي فوق تركيبتها السُكانية الداخلية المُعقدة، نقطة وصلٍ بين جُغرافيات هذه التشكيلات الأهلية. فإلى شرقها وشمالها الشرقي تمتد قرى وبلدات إقليمي داقوق وكلار الكُرديان، وإلى شمالها الغربي الأرياف التُركمانية المُمتدة حتى بلدة آلتون كوبري، حيث يمتزج التُركمان السُنة بالتُركمان الشيعة في تلك الأرياف. وإلى غربها وجنوبها الغربي تقع البلدات العربية السُنية كبلدة بيجي والحوجية، التي تُعتبر ثاني أكبر تجمعٍ سُكاني في مُحافظة كركوك.
تكمن أهمية المدينة من توسطها لهذه الجغرافيات الأهلية، ومن قُربها من مدينة كركوك وسلسلة جبال حمرين، ولذلك فان السيطرة العسكرية والأمنية عليها تُعتبر عتبة للهيمنة على كامل منطقة جنوب وغرب مدينة كركوك، باعتبار أن المناطق الشرقية والشمالية من المُحافظة كُردية تماماً.
طوال ثلاث سنوات (2014-2017)، وبينما كان الجيش العراقي وقوات الحشد والبيشمركة الكُردية تخوض حرباً في جبهة واحدة ضد تنظيم الدولة، “داعش”، كانت أيضاً تتصارع فيما بينها للسيطرة على مدينة طوزخورماتو، التي لم تخضع لسيطرة تنظيم “داعش” قط. وحينما كانت قوات الجيش العراقي تنهار على التوالي في صيف عام 2014 بشكلٍ فجائي في مناطق المُثلث السُني، قامت قوات البيشمركة الكُردية بالسيطرة على غالبية مناطق مُحافظة كركوك، بطلب من الحكومة المركزية وقتئذ، ومن ضمنها بلدة طوزخورماتو الاستراتيجية. مُنذ ذلك الوقت تعقد مشهد البلدة ومُحيطها على أربعة مستويات:
1-    التُركمان الشيعة ضمن المدينة بقوا يفضلون سيطرة قوات البيشمركة على المدينة، حتى لا يتعرضوا لهجوم من تنظيم “داعش”، شبيه بما واجهه نظرائهم التُركمان في مدينة تلعفر من قبل.
2-   ترافقت الزيادة السُكانية والتنمية الاقتصادية التي حققها الكُرد طوال العقد الماضي بهيمنتهم السياسية والأمنية على المدينة ومُحيطها، الأمر الذي تسبب باختلال توازن القوى الدقيق الذي كان ضمنها، وسيطر الكُرد على كافة أشكال الحياة العامة ضمن البلدة.
3- استطاعت الحكومة المركزية والقوى الدولية خلق توافق بين قوات البيشمركة ووحدات من تشكيلات الحشد الشعبي ضمن المدينة، قائمة على تقاسم السيطرة على الأحياء السكنية ضمن المدينة بين كِلا الطرفين.
4-    فقد العرب السُنة أية قوة أو قدرة على التأثير بالمُجريات العامة السياسية والأمنية، سواء ضمن المدينة أو في مُحيطها. كانوا فقط يستقبلون آلاف الفارين من ذويهم من مدينة الحويجة ومُحيطها. لكنهم كانوا يفضلون تعامل القوى الأمنية الكُردية على نظيرتها الشيعية، سواء العربية أو التُركمانية.
شكلت هذه المعادلات الجزئية بُنية لطبيعة علاقات الجماعات الأهلية ضمن المدينة طوال تلك السنوات، حيث تراوحت أحوالها بين الهدوء القلق والصدامات المُسلحة المُباشرة العديدة بين الأطراف المُسلحة ضمن المدينة. لكنها ما لبثت أن انقلبت تماماً اعتباراً من السادس عشر من شهر تشرين أول/أكتوبر الفائت، حينما فقدت قوات البيشمركة الكُردية سيطرتها العسكرية والأمنية على المدينة ومُحطيها وكامل مُحافظة كركوك، لصالح الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي الشيعي الرديفة لها.
تُركت المدينة لتشكيلات الحشد الشعبي التُركماني الشيعي، التي هاجمت الأحياء الكُردية في المدينة، وقالت “منظمة العفو الدولية”، في تقريرها عن تلك الأحداث، أن “حياة أعداد لا تحصى من الرجال والنساء والأطفال قد دُمرت في طوزخورماتو خلال ساعات”. فر سُكان المدينة الكُرد بشكل جماعي، نحو منطقة كلار بالذات، ومارست تشكيلات الحشد الشعبي التُركماني عمليات نهب عام وإحراق للأحياء والأسواق العامة الكُردية.
لم تتخذ الحكومة العراقية اجراءات لتُعيد السُكان الكُرد إلى مناطقهم حتى الآن، وشكل البرلمان العراقي لجنة للتحقيق بالأمر، تلتها لجنة من مفوضية الأمم المُتحدة في العراق “يونامي”، إلا أن الأطراف الكُردية شككت بجدوى أي قرارات صادرة عن الحكومة المركزية أو لجان تحقيقٍ مُرسلة من البرلمان أو الجهات الدولية. فالحكومة المركزية حسب الجهات الكُردية أنما تُصدر “قرارات لا تنفذ”. فهي مُنذ شهرين أعلنت سحب مليشيات الحشد الشعبي من مُحافظة كركوك مثلاً، إلا أن قرارها لم يُنفذ، بل زادت أعداد عناصر الحشد الشعبي ضمن مدينة طوزخورماتو بالذات، كذلك فأن لجان التحقيق لن تتوصل لنتيجة، لأن المدينة مُسيطر عليها من قِبل الحشد، الذي يوجه هذه اللجان بحسب ما يرغب.
على أن أحوال المدينة لم تستب حسب “التوازن المُختل” الحالي، فبعدما كان العرب السُنة خارج التوازن طوال السنوات الثلاث الماضية، أضيف لهم الكُرد أيضاً، وصارت المدينة محكومة من التُركمان الشيعة فقط!
في الآونة الأخيرة ظهر تنظيم مُسلح جديد، يسمي نفسه بـ”ذوي الرايات البيضاء”. لم يُعرف عن هذا التنظيم الجديد أية نزعة ايديولوجية أو مطالب سياسية واضحة، حتى أن شعارهم الذي هو عبارة عن صورة أسد على خلفية بيضاء لا يوحي بأي شيء، لا طائفي ولا قومي. تقول الأخبار بأنهم يستقرون في مناطق مُختلفة من سلسلة جبال حمرين، ويستهدفون بين الفينة والأخرى القرى التُركمانية وفرق الحشد الشعبي بقذائف الهاون والهجمات الخاطفة.
لم يصدر عن الجهات الحكومية أو الأمنية العراقية أي تقارير توضح طبيعة هذا التنظيم، لذا زادت وتيرة التكهنات بشأنها، التي بالرُغم من تفاوتها ركزت على ثلاثة احتمالات لهذه القوى الجديدة:
1-    هُم من متطوعي قوات البيشمركة المدعومين من أهالي بلدة طوزخورماتو الكُرد الفارين نحو قرى جبال حمرين المُحيطة بالمدينة. يذهب هذا التخمين بأن هذه المجموعة تتلقى دعماً غير مُعلنٍ من الأحزاب السياسية الكُردية، وبالذات من الحزب الديموقراطي الكُردستاني، الذي لا يرغب بأن تستقر أحوال المدينة، وعموم مُحافظة كركوك، على ما هي عليه من هيمنة لميليشيات الحشد الشعبي، ويسعى عبر العُنف، كما تقول هذه التخمينات، لأن يُغير التوازنات من جديد.
2-    هُم بقايا مُنتمين سابقين لتنظيم “داعش”، فروا إلى جبال حمرين وسيطروا على الكثير من المناطق العصية فيه، بعد تفكك سيطرة قوات البيشمركة على المراكز الحيوية هُناك، وهم مدعومون من بقايا تنظيمات “أنصار الإسلام” الذين كانوا مُسيطرين على مناطق واسعة من جبال تلك المنطقة قبل العام 2003.  وهم راهناً يستغلون تراكب المظلومية السُنية “العربية” في ذلك الإقليم بعدما أضيفت لها المظلومية الكُردية.
3-    يذهب تفسير آخر إلى أن هذا التنظيم مؤلف بالأساس من المُعتقلين المُتشددين السابقين، الذين تم إطلاق سراحهم خلال الفترات الماضية، وهم يلقون غض نظر من قِبل الأكراد، ليثيروا القلاقل بوجه سيطرة قوات الحشد الشعبي على منطقة طوزخورماتو.
على أن جميع هذه التخمينات ليست أكيدة، لأن عدد من المراقبين الكُرد يؤكدون بأن كُل تنظيم “ذوو الرايات البيضاء” غير موجود إلا في التصريحات الإعلامية لجهات مرتبطة بالسُلطة المركزية العراقية، وهم غير موجودين على أرض الواقع. فالحكومة العراقية والحشد الشعبي الذي نشر العديد من التقارير حول مواجهات مع هذا التنظيم، لم ينشر أية صورٍ أو مقاطع مصورة عنه. فالتنظيم حسب التخمينات الكُردية هو أداة ذرائعية للحكومة المركزية وقوات الحشد الشعبي لتتمكن من مهاجمة القرى والبلدات الكُردية وتهجير سُكانها، كما فعل مع المناطق المُثلث السُني طوال السنوات الماضية.
 
 [video_player link=””][/video_player]