fbpx

الموت في استقبال اللاجئين السوريين العائدين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أولئك الذين يقررون العودة، يجدون أن القمع والاضطهاد اللذين دفعا بهم للهرب خارج سوريا ما زالا قائمين. لقد اختفى بعض السوريين الذين عادوا، في غياهب نظام السجون سيئ السمعة في البلاد، وهو تذكير قوي بالأخطار التي يواجهها اللاجئون السابقون حال وصولهم إلى بلدهم

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيما تقترب الحرب السورية من نهايتها وبعدما توقفت البراميل المتفجرة عن بث الرعب في البلاد، تشجع البلدان التي فر إليها السوريون اللاجئون على عودتهم إلى بلدهم. لكن أولئك الذين يقررون العودة، يجدون أن القمع والاضطهاد اللذين دفعا بهم للهرب خارج سوريا ما زالا قائمين. لقد اختفى بعض السوريين الذين عادوا، في غياهب نظام السجون سيئ السمعة في البلاد، وهو تذكير قوي بالأخطار التي يواجهها اللاجئون السابقون حال وصولهم إلى بلدهم.

تحدث موقع Foreign Policy، مع أقارب اثنين من السوريين الذين اختفوا داخل السجن، ويرى النشطاء أن هناك كثيرين مثلهم، فيما احتجز آخرون وجندوا في الجيش.

لقد كانت سوريا ولا تزال دولة بوليسية تسيرها الحكومة نفسها والجهاز الأمني نفسه، المدان بآلاف الاعتقالات ذات الدوافع السياسية. لكن الحكومات التي تحتضن عدداً كبيراً من اللاجئين، تجد نفسها تحت ضغط سياسي داخلي يدفعها لحث اللاجئين على العودة إلى بلدهم. وحذر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحكومات من أن إجبار اللاجئين على العودة يعد انتهاكاً للقانون الدولي. لكن الدول المضيفة وعلى رغم امتثالها لهذه الأوامر، إلا أنها تستمر في انتهاج سياسات تؤدي إلى النتائج ذاتها، وهو ما أثار انتباه كل من اللاجئين والناشطين.

اختار الشاب آسر العودة من ألمانيا إلى بلده سوريا بعد عجزه عن تجاوز العراقيل البيروقراطية التي تمنعه من جلب خطيبته إلى ألمانيا. إضافة إلى الحافز المادي الذي قدمته له ألمانيا المتمثل في 1200 يورو، أي ما يعادل 1300 دولار تقريباً، لمساعدته على العودة إلى سوريا. و كذلك بسبب تزايد المشاعر المناهضة للاجئين في بلده الجديد.

بعد أسبوعين من عودة آسر إلى دمشق، استدعي للتحقيق في فرع تابع للمخابرات. اتصل بعدها بأفراد عائلته وأخبرهم أنه سيرجع إلى البيت قريباً. لكنهم لم يسمعوا عنه شيئاً منذ ذلك الحين. دفع أهله الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من رد فعل النظام، لوسيط أكد أن آسر قد احتجز. اللجوء لوسيط إلى جمع معلومات عن المختفين والمسجونين يعتبر أمراً شائعاً في سوريا لأن الحكومة لا توفر أي معلومة عنهم.

حكى ابن عم آسر الذي لا يزال مستقراً في ألمانيا قصته شريطة إخفاء هويته: “لقد حاول مرات عدة لم شمله مع خطيبته، لكنه عجز عن ذلك. لقد اشتاق لها وبدأ يشعر بالتعب والإحباط، وكان هذا السبب الأهم الذي دفعه للعودة إلى سوريا”.

المنحة التي قدمتها الحكومة الألمانية لآسر ليرجع إلى وطنه هي جزء من برنامج يسمى Starthilfe، أي “مساعدة البداية”. سخرت ألمانيا ميزانية تبلغ 43 مليون دولار من أجل هذا البرنامج، لتخفيف الضغوط المالية عن الأشخاص الذين قرروا العودة إلى وطنهم. لكن المنتقدين يقولون إن البرنامج هو عامل دفع يقود اللاجئين للمخاطرة والعودة للوطن.

ياسم سوري آخر غادر ألمانيا في الظروف ذاتها، واختفى أيضاً. يقول ابن عمه محمد الذي لا يزال مستقراً في ألمانيا، إن ياسم عجز عن الحصول على الأوراق اللازمة للسماح لزوجته بالالتحاق به. لقد دمرت كل وثائقهم في اليرموك، المخيم الموجود جنوب دمشق والذي عاشوا فيه أثناء الصراع بين الحكومة والمعارضة.

قال محمد: “لقد غادر ألمانيا وقُبض عليه قرب الحدود السورية – اللبنانية. لم نسمع عنه أي أخبار بعد ذلك”، مضيفاً أن ياسم وجد التكيف في ألمانيا صعباً من دون زوجته، خصوصاً في ظل العيش في ثقافة غريبة عنه “لم يستطع التأقلم معها”.

لا أحد يتهم ألمانيا بأنها تصرفت بشكل غير قانوني في حالتي آسر وياسم. لقد اختارا العودة. لكن ردود الفعل العنيفة ضد سياسة فتح الباب التي انتهجتها المستشارة أنغيلا مركل تجاه اللاجئين، عام 2015 أجبرت الحكومة على فرض سياسات تضع اللاجئين في الخطر الذي فروا هاربين منه. تثير هذه الدينامية تساؤلات حول إذا ما كانت الحكومات تتحمل واجب رعاية اللاجئين الذين يعودون إلى بلدانهم بعيداً من النص الحرفي للقانون.

منذ بداية الحرب، اختفى آلاف المواطنين السوريين داخل سجون النظام، من دون وجود سجلات عن مصيرهم أو مكان وجودهم، واللاجئون السوريون معرضون بصورة خاصة لهذا التعامل الجائر. بعض هؤلاء الذين يعيشون الآن كلاجئين كانوا منخرطين في المعارضة والبعض الآخر لديه أقارب كانوا مع المعارضة. وأوضح النظام أنه يعتبر فعل مغادرة البلاد سبباً كافياً ليكون الشخص موضع شبهة.

قالت بيليندا بارتولوتشي، المستشارة القانونية للمنظمة الألمانية “برو أزول” المدافعة عن حقوق اللاجئين، إن قرار برلين بفرض المزيد من القيود على لمّ الشمل العائلي يُمكن أن يُجبر هؤلاء الأشخاص الذين فروا من ويلات الحروب والتعذيب على اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك، العودة إلى بلد قد يواجهون فيه خطر التعرض للاضطهاد أو القتل أو العيش في ظروف غير إنسانية. وأضافت بارتولوتشي أن الحكومة الألمانية بدت غير متفهمة تماماً لتداعيات تلك السياسات. وأردفت قائلةً، إن ما تفعله الحكومة الألمانية قد لا يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، لكن لا تزال ثمة أسئلة أخلاقية يتعين الرد عليها حال إسهامها في قرار عودة هؤلاء الأشخاص الذين لا يزالون عرضة لخطر الاضطهاد. “يتعين على المرء أن يسأل نفسه إذا كان ذلك هو الفهم الصحيح لحقوق الإنسان الذي ينبغي تعزيزه”.

قال بيل فريليك، مدير برنامج حقوق اللاجئين في “هيومن رايتس ووتش”، إن هناك مجموعة من عوامل الحث يُمكن أن ترقى إلى درجة الترحيل القسري أو الإعادة القسرية، حتى في غياب سياسة رسمية تنص على ذلك. وأضاف أنه “وفقاً لمفهوم الإعادة البناءة، فإن الأثر التراكمي للشروط والظروف المفروضة في البلد المضيف، الذي لا ينتهك أياً منها بمفرده مبدأ عدم الإعادة القسرية، يمكن أن يُجبر اللاجئ فعلياً على العودة إلى بلده، ما يعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي العرفي”.

تتبع أحمد حسين، الرئيس التنفيذي لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، عودة اللاجئين الفلسطينيين السوريين على وجه التحديد. ومن الجدير بالذكر أن آسر وياسم فلسطينيان سوريان. وقال إن القوات الحكومية السورية ألقت القبض في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018 على عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين عادوا إلى سوريا من إحدى الدول الأوروبية بعد رفض طلباتهم بلمّ الشمل العائلي. وأضاف حسين إن “مجموعة اللاجئين اعتقلوا بعدما استدعتهم الشرطة في مطار دمشق للاستجواب في القسم الخاص بفلسطين. ولا تزال حالتهم ومكان وجودهم مجهولين”.

يوسف وهيب، الناشط السوري المقيم في ألمانيا، سمع أيضاً عن هذه المجموعة من الاعتقالات. وقال إنه يعتقد أن هناك ما يكفي الآن من الشهادات لإثارة أسئلة حول السياسة الألمانية. وأضاف: “إن الألمان لا يجبرونهم على العودة، ولكن إذا أراد أحدهم أن يعود، فإنهم يسمحون له بالرحيل. من الناحية الأخلاقية، ثمة مشكلة في هذا النهج. إذ أعتقد أنهم يقودون حملة لتشجيع الناس على العودة. في ظروف مثالية، كان هؤلاء اللاجئون ليقولوا إن العودة لا تزال غير آمنة، ولكن السياسة الألمانية لا تسمح لهم بذلك”.

قال حسين إن ثلاثة أشخاص على الأقل ممن عادوا إلى سوريا من لبنان قد اختفوا أيضاً. تشير الحكومة اللبنانية إلى أن 110 ألاف سوري عادوا طواعية إلى سوريا خلال العام الماضي، لكن الأرقام الرسمية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى أن عددهم هو 17 ألف شخص. وقالت إيلينا هودغز، وهي باحثة في منظمة “سوا للتنمية والإغاثة” في بيروت، إن الأرقام الصادرة عن المؤسسة الحكومية اللبنانية مُبالغ فيها، وإن تأكيدها أن هؤلاء الأشخاص غادروا طواعيةً مسألة خلافية. وأضافت أن “نقطة الخلاف هنا تكمن في تعيين الحد الفاصل بين العودة القسرية والطوعية”.

منذ بداية الحرب السورية، صعّب لبنان على أكثر من مليون لاجئ سوري البقاء في البلاد. فقد فرض قيوداً على العمالة وصعب الحصول على الإقامة القانونية ورفع تكلفتها. ووجد الكثير من اللاجئين أنفسهم يعانون من الديون المرتفعة ونقص الغذاء. وقد أرغم الآن آلاف الأطفال على الزواج المبكر أو التسول في الشوارع. يقول معظم السوريين في لبنان إنهم يعتقدون أن العودة لا تزال غير آمنة. ويقول بعضهم إنهم يقدمون على العودة فقط لأنهم يجدون أنه من المستحيل العيش في ظل الظروف البائسة المسموح لهم بها.

 

يؤكد الواقع أن الرئيس بشار الأسد وحلفاءه توقفوا في الوقت الراهن عن إطلاق القنابل على المناطق التي استعادوا السيطرة عليها. بيد أن جهازه الأمني، المُتهم بممارسة التعذيب، وآلاف الاعتقالات غير القانونية، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، لا يزال قائماً.

 

قالت هودغز “إن الحكومة اللبنانية ترى أن جميع الأشخاص الذين أقدموا على العودة فعلوا ذلك طواعيةً حتى الآن، وأنها بذلك تحترم مبدأ عدم الإعادة القسرية. في حين أكد المدافعون عن الحقوق ومنظمات المجتمع المدني أن الضغط المتزايد على اللاجئين للعودة، إضافة إلى الأوضاع المتدهورة في البلدان المضيفة، والمخاطر المستمرة التي تهدد السلامة في سوريا، تشكل سياقاً تكون فيه العودة قسرية بالضرورة”.

تنص اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 بوضوح على أن الإعادة القسرية للاجئ محرمة إذا كانت “حياته أو حريته مهددة على أساس العرق، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو تبنيه رأياً سياسياً”. غير أن الاتفاقية سكتت عن مسؤولية البلدان المضيفة تجاه اللاجئين الذين يعودون طواعيةً. ويطالب النشطاء الآن بأن يحضر ممثلو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كل مرة يقدم فيها سوري طلباً للعودة من أجل أن تُقدم له/ أو لها المشورة الدقيقة بشأن الوضع الأمني على الأرض، مع مراعاة الظروف الشخصية. وعلى رغم أن الاعتقالات قد تكون عشوائية، يواجه الأشخاص المرتبطون بالاحتجاجات المناهضة للحكومة تهديدات أشد خطورة.

يؤكد الواقع أن الرئيس بشار الأسد وحلفاءه توقفوا في الوقت الراهن عن إطلاق القنابل على المناطق التي استعادوا السيطرة عليها. بيد أن جهازه الأمني، المُتهم بممارسة التعذيب، وآلاف الاعتقالات غير القانونية، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، لا يزال قائماً. وفي الصيف الماضي، وربما عن غير قصد، سلطت الحكومة السورية الضوء مجدداً على سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان، عندما بدأت إصدار شهادات وفاة لمئات الذين لقوا حتفهم أثناء احتجازهم في السجون. بينما صرحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن الاعتقالات لا تزال مستمرة أيضاً بالنسبة إلى أولئك الذين بقوا في مناطق المتمردين بعدما استعادتها قوات النظام، مثل محافظة درعا، التي استسلمت للقوات الحكومية في تموز/ يوليو 2018.

استناداً إلى الروايات التي ذكرتها العائلات للنشطاء الحقوقيين، فإن أعداد العائدين المضطهدين لا تزال قليلة نسبياً. ولا تزال هناك فرصة لحمايتهم. ولكن الدول المضيفة، التي تحرص على تلبية مطالب ناخبيها، تبدو وكأنها ضحية أفكارها الواهمة تجاه حجم الأخطار التي لا تزال قائمة.

 

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!