fbpx

مصر: الصراع بين الإمام والرئيس… هل من مشهد بديل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تعبتني معاك يا فضيلة الإمام”، لم تكن تلك الجملة التي رددها السيسي قبل عامين، مجرد مزحة كما اعتبرها البعض لكنها تكشف عن الصراع المكتوم وقمة جبل الجليد بين الإمام والرئيس المستمر حتى اليوم..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يعد ذلك الصراع بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، بالشيء الخفي، بيد أن التوتر القائم بين قمة هرم المؤسستين، بات شيئاً معلناً، والفجوة بينهما تزداد رقعتها، وتتباعد معها مساحة الرؤية التي تجمعهما.

وفيما يبدو الخلاف واضحاً، وهو الأمر الوحيد المؤكد والصريح، يبقى الكثير  خلف الكواليس، من دون تحديد صفته وماهيته، فضلاً عما سوف يترتب على ذلك التناقض بين الرجلين، ومآلاته.

تخضع جلّ التقديرات والتوقعات للتكهنات، والتقييمات المتفاوتة، والتي في ما يبدو تحصل عن قصد من تلك “الجهات” التي تدير المعركة إعلامياً، وتتبع النظام على خط مباشر.

على طريقة النظام المصري الحالي، انطلقت موجة من التسريبات التي تناولتها منصات إعلامية محلية، تشير إلى اقتراب عزل الإمام الطيب من منصبه، والتي تزامنت مع هجوم دشنه إعلاميون مصريون، مقربون من النظام ضد شيخ الأزهر.

وشن أحد الإعلاميين المصريين، محمد الباز في برنامجه على فضائية مصرية، هجوماً واسعاً على شيخ الأزهر، واعتبر الإعلامي المصري أن استمرار الطيب في منصبه ورجاله المقربين، لا يعني سوى استمرار هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على المشيخة من الداخل، وهو ما يحول دون تجديد الخطاب الديني الذي يطالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحسب وصفه.

تعددت المحطات التي أثارت خلافات جمة بين الرئيس وشيخ الأزهر، وكشفت عن تصدع في العلاقة بين مواقف ورؤى الطرفين، سواء في القضايا الدينية أو السياسية.

صدم الطيب بمواقفه الجنرال المصري إزاء قضايا عدة، لم يكن فيها على الدرجة ذاتها من الحماسة والاستعداد المطلوبين منه لدعم الدولة والنظام الجديد، بل بادله الجفاء، أحياناً، والدعم على استحياء، مرات أخرى، بينما ظلت مواقفه المعارضة هي السمة الغالبة معظم الوقت.

أول تلك المواقف التي اتخذ فيها الأزهر موقفاً معارضاً للنظام، كان احتجاج الطيب على أحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، واعتكافه حينها، في قريته، غرب محافظة الأقصر، صعيد مصر، وظهوره بجلبابه الصعيدي، وتخليه عن زيه الأزهري الرسمي.

وليس ذلك فحسب، فقد نشر الطيب بياناً صوتياً يعلن فيه عقب فض الاعتصام، ما يشبه إدانة صريحة لأحداث الفض، وذلك بعد ساعات قليلة، جاء فيه: “إيضاحاً للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعاً أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا من طريق وسائل الإعلام صباح اليوم”.

 

“تعبتني معاك يا فضيلة الإمام”، لم تكن تلك الجملة التي رددها السيسي، في 24 كانون الثاني، قبل عامين، مجرد مزحة كما اعتبرها البعض، وتم تمريرها مرور الكرام، لكنها تكشف عن الصراع المكتوم وقمة جبل الجليد بين الإمام والرئيس

 

ومن بين الخلافات التي تعددت في مسيرة العلاقة بين الطرفين، كانت رفض الأزهر مطلب السيسي بتعديل قانون الطلاق، إذ يصبح الطلاق المعتمد هو الموقع أمام المأذون الشرعي وحسب.

حصل ذلك في في كانون الثاني/ يناير عام 2017، وخلال كلمته في احتفالات عيد الشرطة المصرية، فاجأ السيسي المشاركين في الاحتفال بالحديث عن نسب الطلاق المرتفعة في مصر، ومدى خطورتها على أمن الأسرة واستقرارها، وطالب بتعديل القانون ورفض الطلاق الشفهي، بيد أن الأزهر أصدر بياناً من خلال هيئة كبار العلماء، ووقعه الطيب نفسه، يرفض التعديل ويعتبره منافياً للشرع.

لكن البيان الذي صدر اعتبره كثيرون يحمل لمزاً وغمزاً ضد النظام السياسي، إذ أشار إلى ضرورة حل المشكلات الواقعية التي تسفر عن أزمات اجتماعية، تؤدي إلى الطلاق أو تفكيك الأسرة، وذلك بدلاً من المطالبة بتعديل القوانين.

وبحسب ما جاء في الفقرة الختامية للبيان: “على من يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يصرفون جهودهم إلى ما ينفع الناس ويساهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجة إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجة إلى البحث عن وسائل تيسر سبل العيش الكريم”.

مفتي الأزهر الإمام أحمد الطيب

ويعد الصراع حول الخطبة الموحدة بين السيسي والطيب، والتي حاول وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، فرضها بإيعاز من مؤسسة الرئاسة، فتكون هناك خطبة موحدة، يلتزم بها الأئمة في مساجد القاهرة، قبل صلاة الجمعة، أحد أوجه الخلاف الصريح والمحتدم بين الطرفين، من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة السيسي الاستعانة بمؤسسة دينية أخرى في خضم صراعه مع مؤسسة الأزهر، بهدف تشكيل جبهة ضد أخرى من داخل الدائرة الدينية والتصادم بينهما، حيث يؤكد وزير الأوقاف في جملة مواقفه تأييده وتماهيه التام مع النظام في أزماته وخلافاته مع خصومه.

وبينما أكدت هيئة كبار العلماء أن الخطبة الموحدة قد تتسبب في “تجمد” الخطاب الديني، واعتبرت أن فرض خطبة مكتوبة مسبقاً سيؤدي بعد فترة إلى تسطيح فكر أئمة المساجد، لأن “الإمام سيجد نفسه غير قادر على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ من الدين ستاراً لها، وتستخدم بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية عن مواضعها”، جاء كلام وزير الأوقاف: “نحترم هيئة كبار العلماء، لكن القرار غير ملزم”. وهو صراع يحمل في طياته مكايدات سياسية قبل أي شيء!

وفي ما يتصل بالتسريبات التي عززت وجود ضغوط نسبتها إلى “جهات سيادية”، فإنها تشير إلى الضغط على الإمام الطيب، ومطالبته بالتنحي عن منصبه طواعية، لأن منصبه محصن من العزل، وفقاً لأحكام الدستور، ما يحول دون الإطاحة به، وإضافة إلى درس تقديم استقالته، كما سبق أن فعل حين تخلى عن منصبه بإرادته كمفتٍ للجمهورية، عام 2003، وذلك لحفظ كرامته وكرامة الأزهر.

توضح المادة 7 من دستور 2014، أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام بشؤونه كافة، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ووفقاً للدستور، أيضاً،  تلتزم الدولة توفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل وغير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.

بيد أن الدولة اختارت حيلاً أخرى لمواجهة هذه النقطة المعقدة، ومحاولة تجاوزها، إذ عمدت إلى تخفيف ثقل الطيب ووزنه في المؤسسة، وإبعاد كل رجاله الأقوياء من حوله، والإطاحة بأجنحته التي يعتمد عليها في إدارة شؤون المؤسسة.

رفض الرئيس التجديد للدكتور عباس شومان، كوكيل للمشيخة عامين جديدين، وهو الرجل المقرب للإمام الطيب وذراعه اليمنى، كما يتردد في أروقة المشيخة، والذي حاول شيخ الأزهر استمراره فى منصبه، ولحق ذلك القرار، وقف ندب المستشار محمد عبدالسلام، المستشار الخاص بشيخ الأزهر، والمسؤول عن الأمور التنظيمية والقانونية داخل المشيخة.

“تعبتني معاك يا فضيلة الإمام”، لم تكن تلك الجملة التي رددها السيسي، في 24 كانون الثاني، قبل عامين، مجرد مزحة كما اعتبرها البعض، وتم تمريرها مرور الكرام، لكنها تكشف عن الصراع المكتوم وقمة جبل الجليد بين الإمام والرئيس،  والتي جاءت خلال احتفالات عيد الشرطة، حين عاود الرئيس فتح ملف تجديد الخطاب الديني وعاتب شيخ الأزهر على عدم تنفيذ خطوات جادة فيه، أو بالأحرى عدم التعاون معه في رؤيته ومطالبه الاستراتيجية ليكون الدين بمثابة السلاح النظري في يد الدولة لمواجهة خصومها السياسيين.

وفي السياق ذاته، ثمة ملمح يعكس بمعطياته حجم الخلاف الموجود مع الأزهر، ومحاولة المناورة من جانب النظام الذي يستند إلى شخصيات أزهرية بديلة، كالدكتور شوقي علام أو الشيخ أسامة الأزهري، وكلاهما يبدي مرونة شديدة في التعاطي مع الأمور الدينية، والمواقف السياسية، لكن، من جهة أخرى، تتحرك الدولة إلى المؤسسة المنافسة حيث تدفع وزارة الأوقاف الدينية باتجاه مبادرة لتدريب الأئمة في الأكاديمية الوطنية الملحقة برئاسة الجمهورية، عوضاً عن تدريبهم في الأزهر.

وأعلنت الوزارة أنها انتهت من تحضير مناهجها الدراسية، حيث من المقرر أن تبدأ بتدريب الأئمة في الأكاديمية في أواخر كانون الثاني 2019، ولن تتضمن المناهج، بحسب ما أعلن، علوماً دينية وحسب، إنما أيضاً مواد عن القانون والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وهي محاولة لتفادي الانتقادات المعلنة ضد الأزهر وتجاوزها؛ لأن مناهجه تقتصر على العلوم الدينية في برامجه التدريبية، والتي لا تشجع على التفكير المستنير.

ويرى الباحث المصري، الدكتور سامح محمد، أن الأزمة ترجع بجذورها في علاقة الأزهر بالسلطة والتي كانت في فترات كثيرة صوتها الرسمي من الناحية الدينية، وتمنح النظام السياسي الشرعية وتتماثل مع مواقفه وتؤيده، فبعد  استقالة الشيخ محمد الخضر حسين الذي حول الأزهر في عهده إلى مؤسسة دينية مغلقة، وغير قابلة لأي رؤى تجديدية، أصبح الأزهر ذراعاً دينية للدولة القومية، ذراعاً مستأنسة أقرب إلى القيام بالمهمات الروحية بعيداً من ممارسة أي أدوار للوصاية. وأعاد قانون تنظيم الأزهر عام 1961 ترتيب الأدوار وتنظيم شؤون المؤسسة وعلاقتها بمؤسسات الدولة، مع إدخال تعديلات مدنية في نظامها التعليمي.

ويضيف لـ”درج”: “المتأمل فتاوى المؤسسة التي تمس الشأن السياسي يجدها موالية في تلك الحقبة بشكل كامل، حتى أن الشيخ البيصار ألغى فتوى جواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية عقب قيام ثورة الخميني وقطع العلاقات مع إيران، كما أجاز الأزهر الصلح مع إسرائيل عقب كامب ديفيد، على رغم وجود فتوى سابقة بتحريم ذلك”.

بيد أنه في عهد مبارك كان الأزهر أقرب إلى المؤسسة المحايدة، في عهد الشيخ جاد الحق، وأقرب للفكر المحافظ، كما يشير الباحث المصري، إذ تم الحفاظ على مسافة بينية ثابتة بين الدولة والمؤسسة الدينية، لكن هذا لم يمنع من توغل الأفكار الأصولية السلفية، والأيديولوجيات السياسية إلى المؤسسة التي باتت أكثر جموداً.

كما أن ثمة تحولاً حاسماً، حصل في عهد الشيخ محمد سيد طنطاوى، والذي كان أقرب إلى شيخ النظام، في نظر صاحب “أزمة أيدولوجيا الإسلام والشيوعية”، إذ بات الأزهر في تلك المرحلة أكثر قرباً من النظام وحاول الشيخ قطع الأذرع الاخوانية داخل المؤسسة التي باتت تمثل صوت الدولة الديني.

 

إقرأ أيضاً:

شيعة مصر : بين تعسف السلطة وهواجس الأزهر

هيثم محمدين في السجون المصرية: كيف تحلم بوطن فتصبح خلف القضبان