fbpx

كيف نحمي دورة الحياة في اليمن إلى أن تكف أطراف النزاع عن القتال؟  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تساءلت متعجباً أثناء سفري بين صنعاء وعدن والحديدة: كيف يمكن إسقاط عبارة عن تزايد تهديد المجاعة والآثار المدمرة للنزاع على المدنيين من الاتفاق؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 سافرتُ إلى اليمن بعد أسابيع قليلة من اعتماد مجلس الأمن أول قرار أممي حول اليمن منذ بداية النزاع المدمر قبل أكثر من ثلاث سنوات. يدعو القرار الذي اتُفق عليه في ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة، باعتبار هذه المدينة نقطة دخول مهمة للأغذية والأدوية إلى اليمن، الذي عانى أمرّ المعاناة مذ بدأت الحرب في تموز/ يوليو 2015.

تابعتُ المفاوضات المؤدية إلى إصدار قرار مجلس الأمن عن كثب، بما يشمل مسودات القرار المتعاقبة والتغييرات في صوغ الأجزاء المتصلة بالمساعدات الإنسانية. كشخص معني بالسياسة والتنمية والأزمات لأكثر من عشرين عاماً، تُدهشني دائماً قدرة المفاوضين السياسيين على إسقاط المطالبات الإنسانية من الاعتبار لحظة احتدام الخلافات بين أطراف التفاوض وراء الأبواب المغلقة. تساءلت متعجباً أثناء سفري بين صنعاء وعدن والحديدة الأسبوع الماضي: كيف يمكن إسقاط عبارة عن تزايد تهديد المجاعة والآثار المدمرة للنزاع على المدنيين من الاتفاق؟

 كان حريّ بهذه العبارة، حول كيف زُلزلت حياة الرجال والنساء والأطفال اليمنيين – وفُقدت في بعض الحالات – تحت وطأة النزاع، أن تكون الجملة الافتتاحية للقرار. لو كنت جلست – أو جلس صندوق الأمم المتحدة للسكان؛ هيئة الأمم المتحدة المعنية بالصحة والحقوق الإنجابية – على مائدة التفاوض تلك، لكنّا روينا آلاف القصص عن صمود النساء والفتيات اليمنيات في وجه القصف والنزوح والجوع. كنا لنصف كيف لجأت هؤلاء البطلات إلى سبل عبقرية للبقاء على قيد الحياة ولحماية عائلاتهنّ. من إعالة الأسرة في غياب الرجال، إلى محاولة تدبير الطعام للصغار، ولو على حساب تجويع أنفسهن أحياناً، إلى محاولة تنظيم المجتمعات المحلية للاستفادة من الموارد المتوفرة بأكثر السبل كفاءة؛ كانت صاحبات هذه البطولات التي أزهرت في خضم الحياة اليومية الشاقة ليُبقين على العبارة الخاصة بالاحتياجات الإنسانية في صدارة القرار الأممي.

تضطر القابلات في مستشفى الثورة في الحديدة المُحاصرة إلى توسيع دورهن في أحيان كثيرة، في غياب الأطباء. ذكرتني هذه المسألة بقوة بشدة معاناة المؤسسات الطبية والعاملين في المجال الطبي تحت وطأة الحرب. مع تدمير نصف المنشآت الصحية في اليمن أو إخراجها من الخدمة بسبب النزاع، ما زال ثلث هذه المنشآت يوفر خدمات الصحة الإنجابية. ومع مغادرة أعداد كبيرة من الأطباء والممرضات من اليمن، فإن إبقاء مستشفى مثل الثورة مفتوحاً يقدم الخدمات، يصبح أمراً لا غنى عنه لبقاء 750 ألف امرأة في سن الإنجاب بالحديدة على قيد الحياة. يُقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن في اليمن حالياً ستة ملايين امرأة في عمر الإنجاب.

في اليمن الذي يبلغ تعداده 30.5 مليون نسمة، تُقدر الأمم المتحدة أن 24 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، مع معاناة 10 ملايين نسمة من معدلات حادة من الجوع. ومليون نسمة ممن يعانون من سوء التغذية هن نساء حوامل ومرضعات. ويعاني أكثر من 10 في المئة من سكان اليمن حالياً من النزوح بسبب الحرب، ويعيشون في ظروف تعرّضهم للعنف بجميع أنواعه، وبشكل يفاقم الممارسات الاجتماعية الضارة المتجذرة بالفعل في الثقافة اليمنية، مثل الزواج والحمل المبكرين والتمييز ضد النساء. لا تكتفي الحرب بحصاد الأرواح، إنما تقضي أيضاً على أدوات الحماية الاجتماعية بسرعة قضائها على القيم. وفي ظل نظام معطوب كهذا، تدفع النساء الثمن الأعلى.

قبيل المؤتمر المزمع عقده في جنيف لتقديم تعهدات بالمساعدات الإنسانية لليمن، أشدد على الأهمية القصوى للحفاظ على سلامة النساء وصحتهن، بصفتهن العمود الفقري للمجتمع اليمني. لا توجد كلمات كافية لوصف آلاف الأمهات اليمنيات اللائي تتلخص مهمتهن حالياً في البقاء على قيد الحياة وإطعام أطفالهن الصغار.  

هؤلاء النساء هن نقطة بدء دورة الحياة، ولقد عدت من زيارتي إلى اليمن وكلي اقتناع بأن علينا ألا ندع هذه الدورة تنكسر.

لذا وبينما تهرع الأطراف الإقليمية والدولية إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار، إلى حين بلوغ حل أكثر استدامة للحرب في اليمن، فمن الضروري ضمان استمرار تدفق المساعدات إلى مختلف المدن اليمنية. هل بالإمكان عمل أي شيء لصد الآثار الخبيثة لهذه الحرب، عن النساء اليمنيات؟ أجل، ولو حتى من طريق ضمان استمرار وصول خدمات وأدوية الصحة الإنجابية الكفيلة بإنقاذ الحياة، فهذا كفيل بإنقاذ حياة نساء كثيرات. إذا تمكنت السيدة التي تحتاج إلى ولادة قيصرية من بلوغ مستشفى يعمل، فسوف تزيد فرصتها في البقاء على قيد الحياة، هي ووليدها. وإذا حصلت الأم الشابة على الغذاء الكافي، فسوف تتمكن من إرضاع صغيرها بقدر أكبر من الانتظام. إنها دورة الحياة، وعلينا أن نحافظ عليها.

وكما في النزاعات كافة، يعاني المدنيون اليمنيون وهم لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب. هؤلاء الرجال والنساء والأطفال اليمنيون هم من يجب أن نركز جهودنا لنساعدهم على الحياة وعلى التمتع بالصحة. ففي نهاية المطاف، لا يريد كل يمني ويمنية إلا العودة إلى الحياة الطبيعية من دون خوف من الموت والتشرد. وإلى أن تتحقق هذه الأمنية، فعلى الأطراف المعنيين بالمساعدات الإنسانية، أن يبذلوا قصارى جهودهم لمساعدتهم على الاحتفاظ بحياتهم.

 

لؤي شبانة هو المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية.